أقلام حرة
حميدة القحطاني: الارتقاء بالنفس.. مسؤولية الفرد في بيئة مضطربة

بعد أن قطعنا شوطًا طويلًا في دروب العمر، وحين نتأمل تجاربنا المتراكمة، سندرك أن ما أسعدنا حقًا لم يكن الأحداث الكبرى، بل تلك التفاصيل الصغيرة التي لامست قلوبنا بصدق، وإن بدت في ظاهرها بلا شأن.
منذ سنوات، بدأت أعود إلى تجاربي الماضية، بل إلى حياتي السابقة بمجملها، وأدركت أنني لم أعد تلك الإنسانة التي كنتها. فالمواقف والتجارب والأحداث تلدنا من جديد، نصبح أشخاصًا آخرين، أكثر عمقًا ووعيًا أحيانًا.
اليوم كان لي حديث مع طلبتي، ثم مع بعض الزميلات الشابات، حول أن نسبة كبيرة من النجاح تكمن في الارتقاء بالنفس، وفي العمل بجد واجتهاد لنيل نفسٍ سويةٍ تشعر بالشغف والسلام والطمأنينة، نفسٍ تحيا بعمق، وتشعّ بمظاهر الحياة.
تحدثنا عن أن الفضاء الخارجي، المجتمع والبيئة العامة، بات ضاغطًا ومريضًا، يعاني من انحدار نفسي وأخلاقي، ولا يهيئ مناخًا مساعدًا على خلق التوازن الداخلي.
وهنا تذكرت أننا نقف دومًا أمام مسؤوليتين متوازيتين، مسؤولية ذاتية تجاه أنفسنا، ومسؤولية تجاه خلق بيئة خاصة موازية للبيئة العامة، بيئة نزرع فيها القيم والنور والجمال، نجتهد ونتكافح لازدهارها وسموها.
فكلما ضعفت المسؤولية العامة، ازدادت أهمية مسؤوليتنا الفردية في الحفاظ على التوازن والانسجام. لأن أي نجاح مادي لا يستند إلى عافية النفس وسلامها، يبقى نجاحًا هشًّا، يشوبه الضعف والمرض.
وللشباب أقول:
احموا أنفسكم، وارتقوا بحسّ المسؤولية الفردية تجاه سلامتكم النفسية. لكم الحق في الشغف، وفي الطمأنينة، وفي أن تحلموا وتسعوا بطموح نبيل. فبالارتقاء بأنفسكم، يتبدل إطار المنظومة القيمية من الانحدار إلى السمو، ومن التيه إلى الاتزان.
لا تيأسوا، فليس في هذا الكون شيء ثابت. لكل انحدار دورته، وسرعان ما يتلاشى، لتعود منظومة القيم إلى مسارها الطبيعي في الارتقاء والنور. كونوا أنتم بذور هذا التحول، وازرعوا في دواخلكم ضوءًا لا يخبو، مهما اشتدّ ظلام المرحلة.
فما نزرعه في أنفسنا اليوم، نحيا ثماره غدًا.
***
د. حميدة القحطاني