أقلام حرة

جودت العاني: الأممية بين الواقع والخيال؟

من غرائب المفاهيم التي أشاعت، ولحد الآن، بعداً إيهامياً من الصعب تحقيقه، يسمونه (الأممية). والأممية، تعني جعل حكومات العالم كلها تتحول الى حكومة عالمية واحدة.. فهل يمكن أن تتحقق هذه الأممية؟

الأممية تصطدم بحقائق الواقع الموضوعي، الذي يتشكل من قوميات وأديان تعتز بمقوماتها وركائزها ومنطلقاتها الفكرية والثقافية ولا تفرط بها وهي موزعة على مناطق وقارات.. فهل الأممية مجرد خيال أم مجرد تصور حكومة عالمية يمكن أن تسود؟ وهل يمكن توحيد حكومات وإختزالها في حكومة واحدة تحكم العالم؟

في حوار بين اثنين قال احدهم: يمكن تشكيل (حكومة اسلامية) في كل دولة ومن ثم توحيد هذه الحكومات الاسلامية في حكومة اسلامية واحدة. عندئذ تتحقق الحكومة العالمية..!!

سأله الآخر: وماذا بشأن الأديان الأخرى المسيحية مثلا وتفرعاتها (البروستانتية والكاثوليكية والأثردوكسية) فضلا عن الهندوسية والسيخية والبوذية واليهودية والديانات الأخرى.؟

وأضاف: وماذا بشأن القوميات الأخرى التي تتوزع على أنحاء العالم؟ أين مصيرها في ظل الحكومة الأممية؟

ومتى تتحقق هذه الحكومة؟

 أجاب: تتحقق في نهاية المطاف.

وأين هي نهاية المطاف؟

أجاب: في النتيجة.

تعني ان الاحزاب الاسلامية، التي تتشكل في كل دول العالم، ستتوحد في حزب اسلامي واحد وستنبثق منه (حكومة عالمية) تقود العالم؟.

أجاب.. نعم.

وهل تعني ان هذه الحكومة الاسلامية (أممية)؟

سمها ما شئت.!

وأين تذهب الدول والحكومات والقوميات والاديان؟

أليس هناك قوميات واديان؟ ألم يكن العرب قوم قبل الأسلام؟ ألم يحمل العرب راية الأسلام الى العالم؟

أجابه: الأسلام هو الأول والآخر..

هل يعني ذلك: أن لا اعتراف بالقوميات والاديان الاخرى؟ ألا يوجد واقع معاش اسمه (وطن ووطنية وقوم وقومية) وأديان اخرى منتشرة في قارات الارض ونصوص قرآنية تخاطب البشر (وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم (ص)؟

اجاب: الاسلام عالمي والحزب الاسلامي عالمي في نهاية المطاف.

مرة ثانية، أين هي نهاية المطاف؟

حين تتحقق..!!

وهل الأسلام دين أم سياسة؟

قال: أنا اتكلم في الدين..

 وأجابه: وهل الحياة كلها دين ؟

اكمل حديثه: الدين ليس سياسة، والسياسة ليست دين، الدين يتوجب أن يبتعد عن ملوثات السياسة، الدين ليس تحزبات.. الدين، يجب أن لا تقوده السياسة وليس بحاجة الى أطر سياسية، الدين روح الحق والعدل والانصاف ولا يجب ان يكون متزمتا وإقصائياً.. الدين لا يحتاج الى احزاب.. والتفكير في اممية الدين لها مآرب أخرى.

الأممية في حقيقتها تتجاوز الوطن والأمة وتتخطاهما وهي عابرة للحدود الوطنية والقومية ولا تعترف بهذه الحدود أو تهتم بمطالب الوطن.. الأممية مصطلح هلامي تتبناه احزاب (سياسية) منذ الداعية محمد عبده والداعية التركي حسن البنا وابن تيميه والداعية محمد عبد الوهاب الذي يقال انه من يهود (الدونما) في تركيا ونسبه يعود الى اسرة (زباتاي زيفي) وهو معروف بغائيته.

الدين لا يجب ان يكون متزمتا وإقصائيا.. فمهامه ارشاد البشر ومنع المعصية وبناء الأنسان على خلق، أما السياسة فهي تبني البلدان وتنشأ الحضارات وتحمي المنجزات وتحافظ على المكتسبات ولا تفرط بالثوابت، وقد يكون بعضها سببا في الخراب والدمار.. الدين ليس فيه ما هو من اختصاصات السياسة في البناء والتطور.. الدين في مؤسساته المعروفة والسياسة في مؤسساتها المعينة ولا يجوز التداخل، لا الدين في السياسة ولا السياسة في الدين، الأمر الذي يستوجب فك الإشتباك بينهما لكي تستقر وظائف كل منهما والمهم في الأمر القبول بثوابت السياسة وثوابت الدين ومنع التداخل بطريقة الاجتهاد.. والفتاوى والإجتهاد يتوجب عدم اشاعتهما وتجنب النشر.. لأن النشر يؤدي إلى الإنقسام والفوضى ومن ثم صراعات لا جدوى منها.. إن فك الإشتباك هو الطريق السليم.. لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.. لا يجب ان يتحدث رجل الدين في السياسة (لأن ذلك ليس من اختصاصه) ولا يجب ان يتحدث رجل السياسة في الدين (لأن ذلك ليس من اختصاصه).. والواجب هو فك التشابك بين الدين والسياسة لكي تستقر الأحوال..!!

***

د. جودت صالح - تركيا / اصطنبول

6/ آب 2025 

في المثقف اليوم