أقلام حرة

ثامر الحاج امين: التاريخ ذاكرة لا تشيخ

تشهد الحياة العراقية نفورا ملحوظا من السياسة والسياسيين حتى ان المواطن العراقي صار يتحدث عن السياسة بسلبية وسخرية مريرتين وذلك بسبب الخيبة الكبيرة التي جناها من الأداء الفاشل للطبقة السياسية وانعكاس ذلك على حياته الاجتماعية والأمنية والاقتصادية التي انهكها الفساد والمحاصصة الطائفية والاثنية على أيدي السياسيين الطارئين الذين جلبوا العار على السياسة وجعلوا الغالبية من الشعب تنفر منها وتنعتها بأبشع الأوصاف في حين السياسة هي سلاح ذو حدين فهي ممكن ان تخلّدك وتجعل منك بطلا وهذا ما حصل مع شخصيات عديدة في التاريخ كان لهم الفضل في بناء بلدانهم ورسم حاضرها ومستقبلها ومن بينهم المهاتما غاندي الذي حرر الهند من قبضة الاستعمار الانكليزي والمهاتير محمد الذي انقذ ماليزيا من براثن الفقر ونقلها الى دولة صناعية عظمى وصانع نهضة سنغافورة لي كوان يو الذي نجح في بناء دولة من العدم وحولها الى واحدة من أنجح الدول الأسيوية والثائر تشي جيفارا الذي ضرب مثلا في الزهد عندما ترك وراءه امتيازات السلطة بعد تحرير كوبا عام 1959 وذهب لإستكمال نضاله في تحرير باقي مناطق امريكا اللاتينية، وكذلك الشخصية التاريخية فلاديمير لينين مؤسس الدولة السوفياتية التي لعبت دورًا مهمًا في تاريخ القرن العشرين، او ان السياسة قد تلحق بك العار وذلك عندما تدعها تفسد انسانيتك وتنحدر بك الى مهاوى الفساد والجريمة ومعادة الشعب .

للأسف عدد كبير من السياسيين الذين يتسيدون المشهد في بلدان عدة لم يقرأوا التاريخ لكي يستفيدوا من اخطاء غيرهم، فهؤلاء مراهقو سياسة قذفت بهم الصدفة والعوامل الخارجية الى سدة السلطة فسقطوا في مستنقع غرورها وأخذهم الزهو والخيلاء للتعامل مع المواطنين باستعلاء متجاوزين على حرياتهم الشخصية ومنتهكين خصوصياتهم بممارسات لا اخلاقية ولا انسانية وكذلك في تجاوزهم على القوانين بإصدارهم قرارات متهورة غير مدركين ان هذه السياسة تعجل بزوالهم وازاحتهم عن المشهد السياسي، ولدينا في العراق تجارب فشلت نتيجة سلوكها السياسي غير المنضبط وتصرفاتها الرعناء ومنها تجربة الحرس القومي عام 1963 حيث مرّت اكثر من خمسة عقود على هذه التجربة المريرة ولكن آثار وتفاصيل جرائمها الى اليوم مازالت ماثلة في ذاكرة العراقيين خصوصا الوطنيين منهم الذين اكتووا بنارها وشهدوا بشاعتها، زد على ذلك ان سلطة انقلاب تشرين العسكرية ــ سلطة عارف ــ التي أطاحت بحكم الحرس القومي بعد عشرة شهور من القتل والتنكيل والاعتقالات ولأهداف سياسية قامت بتوثيق تلك الجرائم في كتاب (المنحرفون) الصادر عام 1964 الذي وثّق بالصور والاعترافات والشهادات جرائم وانتهاكات يندى لها جبين الشرفاء ما يزال التاريخ يذكرها بشعور من الخجل والعار، وهكذا كل امة تأتي تلعن وتفضح سياسة التي قبلها فقد شهدنا بعد نهاية كل نظام سياسي ظهور شهادات عن انتهاكات قام بها النظام بحق الشعب، فهل فعلا بريق السلطة يعمي بصيرة الحاكمين الى درجة انهم يستبعدون الوقوع تحت سلطة من ظلموهم ؟ ولماذا يستهين الحكام بعقول الجماهير ويديرون ظهورهم لتجارب التاريخ وقلمه الذي يسجل كل شيء ؟ .

***

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم