أقلام حرة

صلاح حزام: خطورة ان يفتقر المسؤول الى المعلومات

في منتصف السبعينيات نشر اقتصادي جيكوسلوفاكي دراسة مهمة عنوانها: المشاكل الاساسية للتخطيط الاشتراكي. Fundamental problems of socialist  planningوتضمنت تلك الدراسة عشرة نقاط اعتبرها الكاتب هي المسؤولة عن عدم دقة وانتظام عمليات التخطيط في البلدان الاشتراكية في ذلك الوقت. النقطة التي اريد ان استخدمها لغرض هذا المنشور هي التي اسماها الكاتب:

غياب المعلومات، او Lack of information

والمقصود بهذه النقطة هو ان القيادات العليا لم تكن تحصل على المعلومات الصحيحة والكاملة بخصوص ما يجري على الارض فعلاً. يعود ذلك النقص في المعلومات الى البيروقراطية وتعدد المستويات الادارية اضافة الى وجود مصالح لكبار الموظفين في إخفاء الحقائق عن المسؤول لكيلا يفقدوا وظائفهم وامتيازاتهم او يتعرضون للعقاب. وستكون النتيجة هي وصول معلومات تتحدث عن نجاح الخطط وازدهار الحياة وعدم وجود مشاكل تستحق الذكر. لذلك فان المسؤول سوف لن يجد سبباً لتعديل اساليب وآليات وادوات التخطيط..

يضرب الكاتب مثلاً عندما فرض ستالين سياسة المقصات الزراعية التي تقوم على استقطاع معظم الفائض الذي يحققه المزارعون لغرض استخدامه في بناء القطاع الصناعي. الأمر الذي دمر حياة الفلاحين وسبب لهم الجوع والفقر. وفي احد الايام تذكر ستالين الموضوع وأمر باعداد فلم يصور حياة الفلاحين بعد فرض تلك السياسة ولكي يرى آثارها على حياتهم اضافة الى تقارير تفصيلية عن الموضوع..

لكن المسؤولين كانوا يكذبون عليه وينقلون له اخباراً كاذبة عن احوال الفلاحين، فكيف يخبرونه الآن ان الفلاحين يعيشون حياة تعيسة وهم جياع وفقراء؟.. لذلك ذهبوا الى استوديوهات السينما وقاموا بانتاج افلام تظهر فيها موائد الفلاحين وقد اثقلتها قناني الخمر والاوز المشوي.. واخذوه الى ستالين وقالوا له: هذه احوال الفلاحين الآن ولقد صورنا الافلام بشكل عفوي من حياتهم اليومية. وعندما شاهدها ستالين غضب وقال: لازال لدى هؤلاء الكثير من الفائض لذلك يجب اقتطاع المزيد من الفائض منهم. النتيجة كانت مجاعة واسعة مات بسببها ملايين الفلاحين لاسيما الاوكرانيين ...

هذا المثال ينطبق على بعض السياسيين في بعض الدول والذين عاشوا في عزلة عن المجتمع لعقود واعتمدوا على ما ينقله لهم بعض المستشارين والمقربين المنافقين الذين لا ينقلون لهم ما يزعجهم وانما يتلاعبون بالحقائق لإدخال البهجة الى نفس المسؤول ولي نعمتهم.. لا يظهرون في مناسبات عامة او احتفالات أو يسيرون في الشوارع للتعرف على واقع الحياة واحتياجات الناس.. انقطعوا عن مجتمعهم وعاشوا في عزلة تامة في اجواء مريحة ليس فيها ما يزعج وافترضوا او تخيلوا ان المجتمع كله يتمتع مثلهم بهذه الحياة.

***

د. صلاح حزام

في المثقف اليوم