أقلام حرة

صادق السامرائي: أجدادنا بشر!!

المشكلة الجوهرية في قراءة التأريخ وكتابته، إعتباره من إنجاز حالات غير بشرية، فتجدنا نخرج رموزه من بشريتهم ونضفي عليهم خصالا وتوصيفات لا تمت بصلة إليهم، فنراهم مقدسين منزهين وأكثر من ملائكة، وهم بشر كأي البشر.

هذا الإقتراب الفنتازي من التأريخ تسبب بتداعيات إندحارية وخيمة، لأنهم بشر ونتصورهم فوق البشر، وما أنجزوه نعجز عنه لأننا بشر!!

الكثير من التأريخ المدون تفوح منه رائحة الإنحيازية والإنفعالية والمدائحية والتبجيلية والتأليهية، والتأكيد على إخراج أصحاب الكراسي من سلوكهم الآدمي وطباعهم المتعارف عليها بين الناس، ووضعهم في صوامع فوقية لا تستطيع عامة الناس الإقتراب منها.

ويتم التركيز على الجنس والبطش، فالقادة ثيران هائجة متوّجة، وأسود لا ترحم، تفتتح يومها بالسيف والنطع، لتنفيذ فتاوى المتاجرين بالدين.

إن القراءة الوهمية للتأريخ لا تجدي نفعا، وتؤدي إلى تداعيات خسرانية، تخوضها الأجيال تلو الأجيال.

عندما نتيقن بأن أجدادنا بشر وليسوا ملائكة، سنتعلم من التأريخ ونتفوق عليهم، لا أن نحسبهم فوق الثريا ونحن تحت الثرى.

معظم الذين دوّنوا التأريخ كانوا يشترون بما يكتبونه العطايا والمكرمات، والتقرب إلى الكرسي النافذ في البلاد، مما يعني أن الشك فيما دونوه وارد، والحقائق مطمورة تحت أكداس الأكاذيب والإفتراءات، والمدائح الطوباوية.

فلابد من قراءة المكتوب بعين الريبة وتمحيص الغث من السمين، فما أكثر الكتابات المنافية لأبسط البديهيات، وكم تكرر أن في قصر السلطان آلاف الجواري، وهو ذو غرف معدودة لا تستوعب بضعة عشرات من الناس.

وتقدم لنا السلطان وكأنه إنسان آلي، لا هم له إلا المواقعة، والإدمان على الملذات، ولا مسؤولية عنده سوى النكاح.

نعم كانوا بشرا، وعاشوا وماتوا كغيرهم في زمانهم، فلماذا الغلو الفاضح فيما وردنا عنهم؟

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم