أقلام حرة
علاء اللامي: اللغة الإعلامية اليوم.. زلات لسان أم نمط ثقافي رث؟
تبدو لغة وطريقة تفكير بعض الإعلاميين العراقيين من "طبعة ما بعد الاحتلال الأميركي" وكأنها تطرد الناس طردا من مشاهدة القنوات التي يعملون فيها بحماقاتهم المثيرة للاشمئزاز ... هاكم هذه النماذج القليلة والتي تعكس رثاثة المشهد الإعلامي والسياسي والاجتماعي والحكومي ككل:
1- أحد الإعلاميين على القناة الحكومية يسأل ضيفه الذي يبدو أكبر منه سناً، ولا أدري إنْ كان هذا الضيف نائباً أو سياسياً أو أديباً، فقد شاهدت المشهد مصادفة وبشكل برقي أثناء تقليبي للقنوات، فيقول له: "من يعرفونك يقولون عنك إنك "مزعج"، فهل أنت مزعج حقاً، ولماذا أنت مزعج"!
2- إعلامي آخر على قناة "دجلة" يستمع لقيادي حزبي شيوعي "هو جاسم الحلفي" يحدثه عن تجربته مع حركة الأنصار المسلحة ضد النظام السابق في الجبال، وكيف كان يعيش هو ورفاقه هناك. وفجأة يقاطعه الإعلامي الذي يحاوره بسؤال يقول: شچم واحد چان جوه إيدك هناك! (كم شخصا كان تحت يدك هناك؟). فيبتسم الكادر خجلا، ويهمهم وهو يطأطأ رأسه وكأنه يقول مستنكرا: شنو يعني شچم واحد جو إيدي؟ مو هذوله رفاقي! فهذا الإعلامي لا يستطيع أن يتصور علاقة بين الناس غير تلك التي تربى عليها أعني علاقة تحت اليد وفوق الكرسي!
3- إعلامي آخر يحمل شهادة دكتوراة استضاف كاتباً وسياسياً عراقياً بعمر أبيه تقريبا، وراح يمطره بالأسئلة طوال ساعة. وأخيرا طرح عليه بعض الأسئلة الشخصية، فاعتذر الضيف بلطف عن الإجابة، لأنها أسئلة ذات طابع شخصي أو لأنها تتعلق بأناس رحلوا عن عالمنا. فألح الإعلامي بطلب الإجابة وهنا احتد عليه الضيف وانتهى البرنامج بهدوء. ولكن السيد الإعلامي فاجأنا بعد أيام قليلة بتقديم حلقة من برنامجه، وقد ظهر فيها لوحده وكال لضيفه في الحلقة السابقة الكثير من الاتهامات والتهجمات اللفظية واستغابه بكلام غير اللائق وقال إنه حدثه ببعض الأمور قبل أن تبدأ الحلقة ومنها كذا وكذا. أي أنه استغاب الرجل، ولم يكن أمينا على حوار شخصي معه قبل التسجيل "فالمجالس أمانات"، كما أنه حرمه من حق الرد ولم يقل كلامه في حضوره. فهل هذا النوع من الإعلاميين يستحق الاحترام؟ أسجل من باب الإنصاف أن برنامجه التأريخي يعتبر مرجعا معلوماتيا مهما لأنه استضاف فيه شخصيات سياسية وعسكرية وثقافية لم يستضفها برنامج آخر، لما له من علاقات واسعة برجال النظام السابق والحالي، رغم أن طريقته في طرح الأسئلة لم تكن مريحة تماما بل كانت ذات نزعة بوليسية تحقيقية، ولكنه مع هذا الضيف جاء بسابقة لا يمكن اعتبارها نظيفة من الناحية الأخلاقية.
3- إعلامي ثالث وجه اليوم رسالة إلى بناته وأولاده بعد أن كثُر الكلام عليه بمناسبة قرار حكومي يجرده من أربعة آلاف فدان من الأرض كعقد استثماري تكرم بها عليه رئيس حكومة أسبق، فيقول لهم بعد أن تعهد باسترجاع الفدادين الأربعة آلاف: بابا علاوي، خلي أصابعك بعيون كل واحد يحجي ... شُبير بابا، شگ حلگ الي يحجي على أبوك (شق حلق مَن يتكلم على أبيك). ثم يستدرك هذا الإعلامي الفطحل بعد أن أدرك أنه تجاوز الخط الأحمر في هذا النوع من التحريض الدموي بفقء العيون وشق الحلوق، فيقول: بالحق والعدل والقانون! ولا ندري كيف يشق الابن حلق أعداء أبيه بالحق والعدل والقانون! وهل هذه لغة إعلامية آدمية تستعمل أمام ملايين الأوادم المشاهدين؟
* ومع ذلك فالساحة الإعلامية ليست خالية تماماً من الإعلاميين العراقيين المتميزين ذوي الأداء المتميز والثقافة الراقية والأخلاق الكريمة ولكنهم قلة لشديد الأسف، دعونا نأمل أن يتكاثروا ويكونوا سبباً من أسباب زوال هذا النظام الرث والفاشل.
* ملاحظة أخيرة لم أذكر أسماء هؤلاء الأشخاص لواحد من سببين أو للسببين كليهما؛ فإما أنهم ليسوا شخصيات عامة يمكن ذكرها دون حرج، وليسوا ضمن أصدقاء صفحتي فيمكنهم الرد على كلامي... أما الإعلامي في المثال الأول فلا أعرف اسمه!
***
علاء اللامي - كاتب عراقي