أقلام حرة

صادق السامرائي: ولاية العهد شهادة وفاة!!

الجاري في أنظمة الحكم منذ سالف الأزمان أن الذي في الحكم يوصي بالحكم لشخص ما بعد وفاته، وعادة ما يكون الشخص إبنا، وحالما يكتب عهد الولاية، فأنه كتب شهادة وفاته بيده، لأن ولي العهد سيتطلع إلى موته وسيضجر من إطالة بقائه في الحكم، ويتعجل الجلوس في مكانه، مما يعني أن ولي العهد سيتآمر على الذي عهد إليه بولاية العهد، وفي أكثر الأحيان فأنه سيلجأ إلى قتله بالسم أو بغيره، لكي يفوز بالسلطان ومغرياته.

وهذا ربما يفسر موت العديد من الخلفاء في أعمار قصيرة، فالقتل بالسم وغيره من الأساليب التي يتخذها ولاة العهد للتعجيل بالولاية.

قد يقول قائل أنها علاقة أب بإبنه، أو أخ بأخيه، والطبيعة البشرية لا تؤازر ذلك، بل أنها متوحشة وغابية، ولا تعرف أبا أو أخا عندما يتعلق الأمر بالسلطة والفرعنة، والإستحواذ على القوة والمال، وما يتصل بالسلطة من تطلعات وإغراءات.فالإبن يقتل أباه، والأخ يقتل أخاه، وإبن العم يقتل إبن عمه، فالدين والرب والمذهب والإنتماء يكون للكرسي الذي سيجلس عليه ولو لوقت قصير.

ولو تدارسنا مسيرة الخلفاء في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وحتى في دولنا في القرن العشرين، لتبين بوضوح أن الأمر عندما يتعلق بالكرسي فلابد من القتل وسفك الدماء، والشك بأقرب الناس إليك.

وفي الدولة العباسية على سبيل المثال، سنجد أن العلاقة ما بين أبناء بني العباس في أشد حالات العداء والتنافر بسبب الخلافة وولاية العهد، فكم خلع من ولاية العهد أخ أخاه، وكم تقاتلوا بسبب ذلك، وكم ذاقوا الوجيع والعذاب لأن لهم حق أو بعضه في الخلافة، وما أصاب هارون الرشيد والمتوكل والمعتز وإبنه،  أمثلة أخرى.

إنها معركة غابية شرسة لا ترحم، ولا تعرف دينا وقيما وأخلاقا ومواثيقا، بل السيف هو الحاكم والسلطان، ومن لم يخنع ويخصع يعمل برقبته السيف عمله البتار.

ولهذا تجد معظم الخلفاء ما أن يكتبوا عهدا بولاية العهد من بعدهم، حتى تراهم وكأن عليهم أن يغادروا مواقعهم، ويتركوها لمن عهدوا بها إليهم.

أي أنهم يجردون أنفسهم من القوة والقدرة على الحكم، ويفوضون ذلك لأولياء عهدهم الذين ستفعل فيهم أمارة السوء التي فيهم، ما تفعله بأي بشرٍ كان مهما تصورنا غير ذلك.

ولهذا يبدو أن عدم القول بولاية العهد (وسيعترض على هذا مَن يعترض) من قبل النبي الكريم، فيه وعي دقيق ومعرفة يقينية بالسلوك البشري ومآلاته الدموية الفتاكة.

ولن يدوم حكم ويتحقق تطور ونهوض وطني شامل في أنظمة حكم تعتمد ولاية العهد في حكمها!!

وذلك ما يوحي به السلوك البشري بطبقاته المتنوعة!!

فهل من تبصر وإدراك لمعنى الحكم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم