اخترنا لكم
فهد سليمان الشقيران: عن كارل بوبر ونظريّاته الإشكالية
لطالما كان الفيلسوف النمساوي الإنجليزي كارل بوبر- المولود عام 1902 في بيئة منهمكة بالقانون والموسيقى- إلا متسائلاً وباحثاً عن معاني «الديمقراطية الليبرالية»، بل ومدافعاً عنها، لكنه في الوقت نفسه ينتقد الشّيوع الُمبتذَل لمفهوم الديمقراطية. يسأل بوبر: «ماذا لو أن الديمقراطية جاءت عبر التصويت والأغلبية بحزب مثل الحزب النازي أو الشيوعي»؟! يضيف: «إذا كانت هناك محاولة للإطاحة بالنظم الحرة بالقوة المسلحة، فإن بوسعه دون أي تناقض ذاتي أن يدافع عنها بالقوة المسلحة، فالحق أن هناك مبرراً أخلاقياً لاستخدام القوة، ما دام هناك نظامٌ قائمٌ يفرض بقاءه بالقوة، ما دام الهدف تأسيس النُّظم الحرة وحين تكون الغاية استبدال حكم العقل والتسامح بالحُكم المسلح». ثم يشير إلى ضرورة حماية الديمقراطية من غير الديمقراطيين، وهذا ينطبق على النماذج الأصوليّة، وأحزاب التطرف التي تحاول الحُكم باسم الديمقراطية بالعالم.
لم يغادر بوبر الليبرالية في تحليله، رغم توجُّهه إلى الماركسية لبضعة أشهر، غير أنه ساهم في وضع بصمته الخاصة على هذا المفهوم. وظيفة على السياسات الليبرالية أن تعمل على «أن تصبح الحياة أقل خطراً وجوراً». من أهم إسهامات بوبر، تأسيسه لاستقلال عالم أشياء الفكر عن الذات الإنسانية التي أبدعتْها، إذ يخلق الإنسان نظريات وأفكاراً لا يمكنها أن تظهر من دونه، لكن ما إن يخلقها حتى يفقد السيطرة عليها، يلاقيها في كثافتها ويصطدم معها، مما يعني قبل كل شيء أنه لا يفهمها، في الواقع يتسامى محتوى فكر جذرياً بالفهم الذي لدينا عنه، ما دام له نتائج كثيرة بشكل لا نهائي.
وهذا ينطبق على الثورة التكنولوجية التي نشهدها الآن. وبينما يطرح بوبر «مبدأ التكذيب»، يطرح الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار «فلسفة النفي»، وهما عبر هاتين الآليتين أحدثا ضجةً في ميادين العلم، وأسهمت أطروحاتهما في تغيير مجالات الانطلاق العلمي وتحدَّت البداهات المألوفة. نعم، لقد اشتركا في الحاسّة الارتيابية والشكيّة والتعبير عن آفاق الاحتمال التي وصل إليها العِلم. لقد وجَّه ضربات وامتحانات للنظريات التي تحمل «قوة تفسيرية»، وخصَّ بالدحض سيغموند فرويد وكارل ماركس وإدلر.
إنّ دحضه في «مبدأ التكذيب» ناطح به حتى آينشتاين في «النسبية»، وخلاصة «مبدأ التكذيب» أننا: «لا يمكن أن نحصل على تأييدات لأي نظرية، فالتأييدات لا تعتمد إلا إذا كانت نتاج تنبؤات مخاطرة. كل نظرية علمية هي نوع من المنع، فهي تمنع أشياء معينة أن تحدث، وكلما زاد ما تمنعه النظرية، زاد نصيبها من الأصالة. النظرية التي لا تقبل الدَّحض بأي حدث يمكن تصوره هي نظرية غير علمية، عدم القابلية للدحض ليست مزيّة لأي نظرية، ببساطة إن محكَّ المنزلة العلمية لأي نظرية من النظريات هو قابليتها للتكذيب».
الخلاصة، أن فلسفة بوبر ونظرياته مشوّشة وغير مطّردة، ولكنها مثيرة للبحث والسِّجال، نظرية التكذيب لم تُثبت فعاليتها المعرفية ولم يُكتب لها الخلود، إن تجربة بوبر الدنيوية والعلمية أهم من نظريته الفلسفية.
***
فهد سليمان الشقيران - اتب سعودي
عن جريدة الاتحاد الإماراتية، يوم: 24 نوفمبر 2025 23:05






