أقلام حرة

علي الجنابي: هَكَذا كَانَ أبي يَتَكَلَّمُ

 ليس الجمالُ بمئزرٍ

 فاعلمْ وإن رُدِّيتَ بُردا

*

إِنّ الجمالَ معادنٌ

 وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا

*

أَعددتُ للحَدَثانِ

 سابغةً وَعَدَّاءً عَلَندى

*

نَهداً وذا شُطَبٍ يَقُدُّ البَيضَ

 والأبدانَ قَدَّا

*

أُغني غَنَاء الذاهبينَ

 أُعَدُّ للأَعداءِ عَدَّا

***

وهكذا تكلمَ لسانُ أبي بحرفِ الأولينَ وهكذا تَبّدَّى، وكذا جرى عبقُ البيانِ في ذرف السابقين جَلدا، وكذلك سرى ألقُ المعاني في ترفِ عنان الأقدمين جِدَّا. وعجباً من فلقهم وكيف كان يتكلم في صبحٍ وحين المساء حَدَّا، وكلُّ امرئٍ منهم كان يجري إلى يوم الهِياجِ بما استعَدَّا، وكلُّ امرئٍ منهم كان بوجهِ الرَّدى يزأرُ ، وكانَ يتبوَّأ لأخيهِ بيدَيَّهِ لَحدا. ثمَّ...

خَلَفَ مِن بَعدِهم خَلفٌ ناعقٌ في ضحىً، وبعد العشاء لاعقٌ نهدا. خلفٌ...

على النومٍ عاقدٌ رَمْدا، وفي اليأسِ راقدٌ كَمْدا ، وللبأسِ فاقدٌ زرافاتٍ وفردا.

خلفٌ مافَتِئَ يزفرُ ببقيةٍ من زفيرٍ..

"ليك الواوا ، بوس الواوا ، خلي الواوا يصح"

ألا ليتَ الخلفَ غَنّوا غَنَاء الذاهبينَ للأَعداءِ نِدَّا،

*

ألا ليتَ الغناءَ فيهم كانَ بأضعفِ الإيمانِ وردا...

"سيبْ الوِزَّة ، ورُوحْ لغَزَّة ، وخَلِّي العِزَّة تَكُحْ"

ويحكَ عبطان!

أما مِن قائدٍ أمينٍ يُوقظنا نحنُ الخلف، ويَعدُّ علينا أنفاسَنا عدَّا.

أما من زعيمٍ كريمٍ يزجُرُنا بحزمٍ وقوةٍ فيردَّنا لإرثِ آبائنا ردَّا.

كلا ، لا قائدَ ولا زعيمَ يا عُليَّان ،ولا شروقَ يبدو في ذا أفقٍ فوق ذي كثبان.

أوتظنُّ ذلكَ يا عبطان؟

لعلكَ على حق عبطان، وإذاً فتعال يا عبطان وهلمَّ لندخل معاً دارَ ابن أبي "غوغل" الفتان، كي نقرأ القصيدة سوياً ونتمعنَ بما في مبانيها من معان، ولن نقرأ في غوغلَ (تحشيشاً) مضحكاً مُهان، لا ولن نقرأ تأويلاتِ قارئة الفنجان، ولن نتنفسَ تحت الماءَ فنغرقُ نغرقُ في الغثيان.  هلمَّ ياعبطان كي نفهم معانيها ونتعرف على الجمال الحق في أحسن تبيان، فذلك لنا هو خيرُ ، وذلك هو السمو في العنان ، وهو لنا أقومُ قيلاً من هلوساتِ الصبيان : " منور الفيس حبيبي أبو داليا الفنان " وهو أزكى لنا من غمسات الفلتان: : " ضيعت القلب ببيروت، وخلاص فاللي كان كان. ويا لدفء مافي بيروت من حنان باحتضان! " ، وإنّما الجمالُ يا عبطان هو كما تكرَّمَ الفارسُ العربي العدنان: عمرو بن معد يكرب الزبيدي وقال بأنفةٍ وعنفوان: إنَّ الجمالَ معادنٌ ، وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا، فهلم وتعالَ لنقرأ يا عبطان ـ فلربما قبسٌ من هذي قصيدةٍ قد يقدحُ بشررٍ في رمادِ أجسادِنا ويقدّها قدَّا.

***

علي الجنابي

.........................

الحدثان: الحوادث،

السابغة: الدرع الواسعة،

العداء: الفرس الكثير الجري،

العلندي: الغليظ الشديد من كل شيء .

يقول عمرو: هيأت لدفع الحوادث درعا واسعة وفرسا ضخما شديدا جيد الجري].

 

في المثقف اليوم