أقلام حرة
صادق السامرائي: التام البعيد!!
التام: الكامل الذي لا نقص فيه.
دوران الأرض يفرض النقصان ويمنع التمام، لأن في ذلك إعادة تصنيع وتوزيع وإبتداء تفاعلات جديدة، فلكل شيئ مهما تسامق تصيبه إنحدارات تأخذه إلى مبتدأ إنطلاقه وسعيه فوق التراب.
فلا يوجد عطاء تام، أيا كان نوعه، ولا مخلوق تام، بل هو في أحسن ما يبدو عليه من تقويم.
"لكل شيئ إذا ما تم نقصان... فلا يغر بطيب العيش إنسان"!!
ومن التمام التمتمة، وهي مصدر تمتم، وتعني التلكؤ في إخراج الحروف من مخارجها، أو ثقل التاء على لسان المتكلم، والمُعَجَل في كلامه فلا يُفهَم ما يقول.
الحياة لا تتوافق مع التام، بل أنها في نقصان وإهتراء دائب، فالدوران يأكل جرف الوجود تحت الشمس ويعيد ترتيب العناصر في مركّبات تعاصر وقتها.
وبما أن التغيير سنّة كونية أزلية أبدية، فالكلام عن التمام أشبه بالهذيان، وكأنه مطاردة لسراب، فالوهم يوحي بالتمام، والعقل السليم، يدرك النقصان المقيم، وعلى الخلائق أن تكافح وتمضي أعمارها في الوصول إلى غاية ما، في وعيها المحدود ربما تمثل التمام.
والبشر على سبيل المثال، يرى أنه في بداية المشوار وقد أشرف على الختام، لأن المرام بعيد، والحقيقة الدامغة أن الموت أكيد، والرحيل أبيد.
حتى الحيوان يشعر بأن وجوده مؤقت، ورحلته ذات نهاية، ومصيره سيكون وجبة للتراب، ومدسوسا بأروقة الغياب.
التمام مؤقت ومرهون بالنقصان كما يخبرنا القمر في رحلته بين الهلال والبدر، وهو يقدم لنا دروسا وشواهدا، ولا نتعلم منها لتعودنا عليها!!
فلنسير على سكة الجد والإجتهاد، والإبداع المتواصل نحو التمام النسبي، الذي نترجاه ونطمح لبلوغه في عصره، وبأجيال حاضره وبراعم مستقبله الواعدة.
فهل لدينا القدرة على بلوغ المرام؟!!
***
د. صادق السامرائي