أقلام حرة
ضياء محسن الاسدي: حرية التفكير من المنظور القرآني
منح الله تعالى الإنسان الحرية في التميز لكل ما يدور من حوله من مخلوقات في الأرض وملكوت السموات وتجليات الكون التي خلقها ويسر أمرها له في الاختيار وحثه على الأخذ بالأصلح لحياته عن طريق الجوهرة التي منحها الله تعالى له وهي العقل ليكون خليفة في الأرض لبني جنسه يتبوأ منها ما يشاء وليرتقي منزلة عن باقي المخلوقات التي تشاركه حياته وأعطاه حرية التعبير لما يراه مناسبا لفهم العلاقات الإنسانية والأخلاقية والعبادية (ولقد خلقنا الإنسان من علق) العلق 2 ولقد شرع له الشرائع والسنن للعيش في مجتمعه البسيط آنذاك وتوسع معه بتوسع الحياة الجديدة المتطورة للإنسان على مر العصور وحسب تعقيدات حياته في منهاج موحد وصراط مستقيم فيه هدى ونور وتبيان لكل شيء حسب الحاجة لها في كتاب متسلسل في تشريعاته منذ نوح عليه السلام لخاتم النبيين محمد بن عبد الله صلوات الله عليه (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) يونس 24 و(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) النحل 44 ووجهه على الاعتماد المجرد والواعي في فهم حياته وربه وديانته وتعامله في المجتمع بعيدا عن التدخلات الغير لأنه سيكون هو الوحيد المسئول عن تصرفاته الشخصية وطريقة تعبده التي تودي به إلى الجنة أو النار عن طريق الثواب أو العقاب ولهذا سبحانه تعالى يخاطب الإنسان دوما في القرآن الكريم ب(يا ذو الألباب – أفلا يتدبرون – أفلا يقلون – أفلا يتفكرون) طالما أن العقل يميل إلى الحرية في التفكير ويؤمر بالعمل به ومن أهم هذه الحريات حرية اعتناق الدين وحرية العمل والتعامل مع أبناء جنسه الذي يعيش معهم حيث قال الحق تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256 و(أمرهم شورى بينهم) الشورى 38 وكذلك (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...) الكهف 29 و(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99 .
أن الخطاب الموجه للإنسان دائما ما يكون عن طريق الاعتماد الكلي على العقل بعيدا عن التسلط الفكري للغير فأن الحرية المطلقة له في التفكير والتدبر والتمعن في اتخاذ القرارات وخصوصا المصيرية من حياته فقد وصف الله تعالى الذين لا يمنحون لعقولهم الحرية كالأنعام بل هم أضل سبيلا وسيكون ردهم يوم الحساب (وكنا نخوض مع الخائضين) المدثر 45 فكل من لديه القدرة على فهم القرآن وآياته له الحرية الفكرية المنضبطة في التحري والتدبر لآياته ومعرفة مرادها والعمل بها ومعرفة سبل الهداية والصراط المستقيم الذي يوصله السمو ومعرفة الله عز وجل وإتباع عقيدته الدينية ومنهجها والتفقه بها والتحرر من عقلية الأموات الذين عاشوا زمانهم ومكانهم كما قال الله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) التوبة 122 ولهذا يحثنا الله أن تكون عقولنا مدربة على الفهم والاستنباط والمعرفة الذاتية بوسائط معرفية لا تخرج عن النص المقدس الذي أنزل إلينا من ربنا لنكون بعيدين عن ما يملى علينا من الآخرين المعاصرين والماضين).
***
ضياء محسن الاسدي