أقلام حرة

ثامر الحاج أمين: عادات عصفت بها رياح الزمن

العادات والتقاليد الشعبية موروث تاريخي ومعاصر وهي نمط من السلوك ظلت تنتقل بسلاسة من جيل الى جيل دونما الزام من سلطة معينةن ولشدة تأثيرها على الحياة الاجتماعية فأنها قد حظيت بالاهتمام وصارت موضوعا للدراسة في العديد من المجالات الاكاديمية خصوصا في العلوم الاجتماعيةن كما ان بعضها اصبح جزءا من القانون الرسمي في بعض المجتمعاتن وقد بقيت ومنذ زمن طويل تمثل ارثا مهما وقائما في سلوك شرائح واسعة من المجتمعات ومنها المجتمع العراقي على الرغم ما اصاب بعضها الاندثار والزوال بفعل العديد من المتغيرات ومنها العامل الاقتصادي الذي يؤثر على النمط الاجتماعي والثقافي في المجتمع ويظهر هذا جليا عند تحسن الحياة في المجتمعات الفقيرةن ومن بين العادات التي ظلت الأسرة العراقية محافظة عليها هي (تجراة الدم) حيث تلجأ العوائل الى هذه العادة عند شراء سلعة جديدة فهي تخشى ادخالها البيت قبل ان تقوم بذبح دجاجة وتلطيخ السلعة بدم المذبوح وكذلك الخشية من الانتقال الى البيت الجديد قبل تقديم تجراة دم كقربان لدفع العين، ولجعل البيت مباركاً، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة، أما الفقير الذي لا يملك ثمن دجاجة فانه يلجأ الى كسر بيضة على بدن القادم الجديد وهو موروث عربي قديم ربما سبق عصر ظهور الإسلام بكثير ويقال انه من زمن السومريين ووراء هذه العادة اعتقاد ان هذا الفعل يطرد الشر الواقع او المتوقع وكأن الارواح الشريرة وابعاد العين والحسد لا تذهب الا بتلطيخ جدران البيت الجديد او السيارة الجديدة او اية سلعة اخرى جديدة بدم المذبوح مثلما هو الخوف من الحسد وطرده بوسائل بسيطة مثل التبخير بالحرمل او وضع ام سبع عيون على واجهة الدار او ما يستعمله البعض في سياراتهم بتعليق قطعة بلاستك تمثل كف اليد وغيرها .

اليوم وبفعل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على نسبة كبيرة من حياة العراقيين فان هذه العادة تكاد تختفي او تنحسر بشكل كبير وهذا يؤكد على العلاقة الوثيقة بين العادات والوضع الاقتصادي فأننا نلمس ان العراقي لم يعد مهتما بهذه الأمور بسبب انه صار بين فترة قصيرة واخرى يستبدل سيارته وأثاثه دونما حاجة الى تجراة الدم وهذا ما يشير ايضا الى ان العادات ليست صالحة لكل الأزمنة ولكن لا نستغرب من بقاء البعض متمسكا بها طالما الجهل والقلق الدائم من زوال النعمة باقيان والذي يشفع لهؤلاء ان مذهبا فلسفيا صاحبه الفيلسوف الألماني "فاينجر" يقول: حتى لو كانت الافكار الشائعة خاطئة أو خرافية ولكنها مريحة فهي الأولى بالرعاية والأصح ان نتمسك بها لأن فائدتها النفسية والاجتماعية والمادية أكبر      

***

ثامر الحاج أمين

 

في المثقف اليوم