أقلام حرة
ثامر الحاج امين: العبودية الطوعية لـ "تاج الراس"
حقيقة لا غبار عليها أكدتها تجارب التاريخ ونظريات العلم هي ان كل شيء متغير في الحياة والشيء الوحيد الثابت فيها كما يقول "هرقليطس" هو التغيير المستمر، كما جاءت هذه الحكمة ضمن العبارة الشهيرة (دوام الحال من الحال)، وعليه وفي ضوء هذه الحقيقة ينبغي على الانسان ان لا يتعجل في اطلاق الاحكام واتخاذ المواقف في ظروف غير طبيعية وفي مرحلة مبكرة من عمره يشوبها الاندفاع وعدم النضج والعاطفة التي تفتقر الى الحكمة وعدم الدراية الكاملة بحركة التاريخ، فمثل هذا التصرف يؤدي الى نتائج قد يندم عليها لاحقا .
ساقني الى هذه المقدمة عدد من الأوصاف والهالات وصيغ التعظيم التي لم نسمع بها قبل عام 2003 ولكنها دخلت ساحتنا السياسية ضمن حالات الرياء والفساد التي سادت واقعنا السياسي، ومن بينها (تاج الراس) حيث صارت هذه العبارة عند جمهور من مختلف التوجهات والهويات السياسية والدينية وسيلة للتبجيل واحاطة الموصوف بالهيبة والتقديس، وهكذا بين ليلة وضحاها صار الموصوفون بها رموزا لا يجوز المساس بهم ولا يحق لأحد نقدهم والتعرض لهم بالرغم من انهم أشخاص بلا كفاءة ولا منجز يذكر ولكن الصدفة جاءت بهم ونفختهم الأقلام المأجورة والضخ الاعلامي المستمر، وجمهور هذه العبارة لا يدركون تجارب التاريخ التي أثبتت ان قيمة الانسان ومكانته تقاس بما يقدمه من عطاء ومنجز فيه خير للبشرية عدا ذلك هو نفاق وعبودية طوعية، كما انه سلوك من ناس شواذ يستمرؤون العبودية ويمعنون في اذلال انفسهم، فهؤلاء كما يصفهم اتيان دو لا بويسي مؤلف كتاب (العبودية المختارة) بأنهم (بؤساء يرون كنوز الطاغية تلمع ويبهرهم بريق اسرافه فيغترون بهذا الضوء ويقتربون منه) فالحكمة تقول (لا تجعل ثقتك في الناس عمياء، لأنك ستبكي يوما على سذاجتك)، وللأسف أصبح وصف تاج الراس مادة للاستفزاز واثارة الكراهية بين الجمهور المختلف في التوجهات، وليت الذين يتزمتون بهذا الوصف في نقاشهم ودفاعهم عن رموزهم يراجعون ما قدمته هذه (التيجان) لشعبها من فساد وخراب، فكيف تسمح لنفسك ان توصف هذا وذاك بـ (تاج الرأس) وهو لم يحفظ كرامتك ولم يصن أدميتك ولم يوفر لك العيش الكريم في الأمان والخدمات والرفاهية، وهل يستحق هذا التكريم من يتركك تتلظى في لهيب الصيف ويعجز طيلة اكثر من عشرين عام عن توفير الكهرباء واعادة الزراعة والصناعة الى سابق عهدها وذلك بسبب سرقة الأموال المخصصة لراحتك وراحة عائلتك، او عندما لا يجد تاج راسك حلا للفساد الاداري والمالي المستشري في المؤسسات الحكومية المتمثل بالرشوة والواسطة الأمر الذي يضطرك الى التخلي عن استقامتك بدفع الرشوة من اجل انجاز معاملتك، وهل حقا يستحق هذه الرفعة من لم يحفظ حدود بلادك من التدخل الأجنبي ومن تسريب المخدرات لتدمير مجتمعك، ألا يكفي كل هذا الذل لانزال هذا التاج المزيف من على رأسك ورميه غير مأسوف عليه ؟ يقول الشاعر طرفة بن العبد (سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً .. وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّد) .
***
ثامر الحاج امين