أقلام حرة

شاكر عبد موسى: لماذا نحن موتى بلا قبور؟

المقدمة: هناك ظاهرة غريبة تحدث بشكل نشط في واقع البلد، وقد توسع وجودها منذ سنين، نرى هذا الجيل يضفي على الموتى هالة من القداسة والمجد الأقصى، ويستذكر الظروف والأفكار التي عاشوها .

وهو ينقب عن الأحداث التاريخية ويتغنى بقيادة الموتى في ذلك العصر، قائلاً إنهم الأكثر قدرة والأقوى والأكثر تميزًا في الماضي والحاضر والمستقبل، ويجب أن يتولوا القيادة ويقرروا مصير الأحياء.. حتى البعض منهم ينتظر ميتاً سماوياً يأتي لينقذه من ظلم الحكام ويعيد له التيار الكهربائي، ويرفع مستواه المعيشي، ويقتل الفاسدين والمارقين والناكثين، بينما هو يده مغلولة الى عنقه.. هؤلاء قال عنهم المفكر الفرنسي جان بول سارتر1905-1980  (موتى بلا قبور) .

أعداء الدين

إن أكبر أعداء الدين والمذاهب الإسلامية هم المنافقون منذ قرون، والفتاوى الكاذبة والمضللة التي يصدرونها ضد الأخرين، لقد أصبح هؤلاء جحافل وفيالق من المتخرجين من المدارس والكليات والجامعات الدينية المنتشرة في كل مكان.

 الطائفيون الأغبياء والمتعصبون، تجار الدين ومنتجاته، يغطون في سبات عميق، ويختبئون في عفن التاريخ، ولا يستطيعون التفاعل مع العلم ومنجاته الفكرية، ويشوهون الدين بقلوب مريضة، ويدمرون ملايين البشر، كما يقتلون المسلمين. وكأنهم يريدون مسح الحضارة العربية - الإسلامية بأكملها من عام 11 هجرية حتى عام 656 هجرية.

انظروا .. كم من الناس قتلتهم فتوى دينية متحيزة ؟.

ففي الدول التي تحكمها أحزاب سياسية دينية، أصبحت حالات الاختفاء والخطف والقتل على أساس الهوية الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية من الطقوس الدينية!!.وكل ذلك يتم بالفتاوى المقدسة وعلى يد المؤمنين العقائديين المطيعين وبعلم الحاكمين.. يسمون أنفسهم (حراس الدين)، ويعاملون المثقفين المتنورين ظلما وجورا.

الموروثات

إن معظم الموروثات والقصص والتفسيرات للأديان والطوائف هي إنسانية وتاريخية وعرضية وجغرافية وسياسية واجتماعية وثقافية ومقدسة، وهي نتيجة تراكم وتحول على مدى آلاف السنين. لكن اكتشافنا أن الدين ليس مطلقا ولا أبدي ولا مطلق،لا ينفي أن الدين يمثل ضمير المؤمنين، وجذورهم الروحية العميقة، وثقافتهم الاجتماعية، وتراثهم التاريخي. .إنه نعمة روحية للناس، وهبة روحية محيرة ومشوهة أحيانًا، وعلينا أن نوضحها ونطورها.

سيبقى المسلم مسلماً، والمسيحي سيبقى مسيحياً، والإيزيدي سيبقى إيزيدياً، والشيعي سيبقى شيعياً، والدرزي سيبقى درزياً، والسنّي سيبقى سنياً، لكننا نقيم دين المحبة، إسلام المحبة، والعقيدة الإنسانية، والإسلام الإنساني، والدين المتسامح الحضاري – الأخلاقي - العقلاني - المحسن، والقضاء على الطائفية والفجور والتعصب والغطرسة والتطرف.

ونحن نعارض كافة مخططات التحريض بين السنة والشيعة، وتعزيز الأخوة الإنسانية بين الطائفتين وجميع الأديان والشعوب الأخر، وتعزيز القيم الوطنية والحضارية والعالمية.

 المصالحة الحقيقية تبدأ عندما نبدأ في إصلاح موروثنا الديني، لكي نرتقي بديننا ونملأ أمتنا بالتنوير والتقدم والعلم والأمن والعدالة والإحسان والسلام والفرح.

الديمقراطية الفارغة

لم تزل الديموقراطية شعارات فارغة، يستخدمها الحكام الجدد لفرض رؤيتهم وسياستهم.

لماذا الديموقراطية ضعيفة في الشرق الأوسط؟.

ولماذا الديموقراطية غير موجودة في العراق .

فالعراق من استباحة البعث الدموي له (1968- 2003) الى استباحة دول الجوار(2003-2024 ) .

فكل شيء فيه معطل حتى منصب رئيس البرلمان.

في الواقع فإن مراجعة واعية لمنتجات الثقافة الغربية على صعيد السياسة أو العلم، جميعها منتجات تالفة لا معنى لها في العالم الواقعي.

هذا هو ما يخبرنا به سلوك أمريكا، الشرطي العالمي المدافع عن الديموقراطية.

الفقير والغني

تضاعفت ثروات الاثيوبيين 80 في المائة من عام/ 2013 الي عام/ 2022 حيث سجل مطار أديس ابابا كأفضل مطار في أفريقيا بالكامل، وتضاعف النظام الصناعي والزراعي في البلاد.

 بينما ارتفعت ايرادات العراق  80 في المائة في نفس هذه الأعوام مع تأخر في الصناعة والزراعة والبنى التحتية.

وهنا يأتي السؤال ما هو السبب الرئيسي في هذا الانحدار على كل المستويات علما بأن حاكم إثيوبيا علماني وحاكم العراق إسلامي ؟.

عيد الغدير

حشد السيد مقتدى الصدر الجميع على أن يكون 18 ذي الحجة المصادف 25 حزيران 2024 عيد وطنيا للعراقيين كافة، رغم تنوعهم القومي والمذهبي ونجح في ذلك بعد أن كسب أصوات الأخوة الأكراد في البرلمان العراقي.

وأنا لست معارضاً لهذا العيد الأغر أو ناكراً لسيرة سيد الأتقياء ويعسوب الدين عليه السلام، ولكن سيكون هذا اختبارا صعباً، ليس لجيلنا الذي سيخرج مصابا بالأمراض والعقد، بل للجيل الذي شهد في طفولته مذبحة الهويات.

وبشكل عام فإن التشيع يحتاج إلى تعديل وتنقية لما أدخله المتطرفون من أضافات تعتبر في حد ذاتها قضية خلافية ولا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد في القيام بدور الانشقاق والنزاعات الطائفية، والشيعة وعبر تاريخهم الطويل يكتسبون السلطة ويفقدونها.. وهذه الحالة تذكرني بالدولة البويهية الشيعية حينما حكمت بغداد(321-447ه هـ) وفرضها عيد الغدير عيداً رسمياً، مما أزعج الطرف الثاني في حينها،وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بثوب عراقي جديد.

وكما قال المفكر الإيراني الدكتور (علي شريعتي 1933- 1977 ) في كتابه (الأمة والإمامة):

"يظهر أن المسلمين يفهمون «الإمام» نبياً كان أم وصي بأنه «إنسان ما فوق» لا إنه «ما فوق الإنسان» يعني أن الامام من نوع وجنس وماء وطين آخر غير طينتنا، ولو كان كذلك فلا يمكن أن يكون نموذجاً وقدوة لنبي الانسان.

وهذا النحو من التفكير الديني كان موجودًا قبل الاسلام، يعني رفع مستوى الأشخاص إلى مقام الآلهة، وقد حارب الاسلام هذا التفكير حرباً لا هوادة فيها.

فمنذ البدء أعلن بأن نبي الاسلام بشر مثلنا، وقد طرح الشعار الرسمي للمسلمين أن محمداً عبده ورسوله، فعبوديته مقدمة على رسالته".

واخيراً.. لماذا نحن موتى بلا قبور؟

* الحياة رحلة سنعيشها شئنا أم أبينا وهي ليست مضمار سباق، فالأقدار قد كتبت والأعمار حددت والأرزاق محسوبة، إذاً فلنمضي في رحلتنا مطمئنين وبأقدارنا راضين ونتعايش معها شاكرين حامدين مبتسمين لأن الحياة ألم يخفيه أمل.. وأمل يحققه عمل.. وعمل ينهيه أجل.

التحدي الأكبر في الحياة : هو أن تكون فصلا جميلا في حكاية كل إنسان تلتقي به، أو الأقل أن تمُرَّ بسلام  وانت مبتسم.. فأجمل ما يمكن الحفاظ عليه في هذا الزمن، هو الاحتفاظ بجمال جوهرك.

والسعادة هي الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نعطيه ونحن قد لا نملكها، فإذا منحك الله السعادة فانثر شيئاً من عبيرها على مَن حولك، فلكل نعمة زكاة .

 فالحمد لله الذي جعل أشياء تكفي أشياء، وأشياء تذهب حزن أشياء، وأشياء تجعلنا لا نحتاج الى أشياء ... الحمد لله على تأخر الفرج الذي يُعلِّمنا الصبر، وعلى الوحدة التي يتخللها ونس، وعلى البلاء الذي يعقبه فرح ... الحمد لله على وجوده، وعلى نعمة حمده، والحمد لله على جميل صنعه معنا، والحمد لله على كل حال ... اللهم أنا نحمدك على كل شيء فأصلح لنا أمورنا كلها.

(أنْ تحج لله والجياع جنبك، أم أن تحج للجياع والله جنبك؟.

هكذا هي أسئلة المعنى، وهكذا هي القصة في المنهج الوجودي. وهكذا هي المدارات في فلسفة الدين..

المعنى والوجود والفلسفة على أفق واحد، في الصحراء وما بعدها.

الحقيقة لا تبحث عنا في أسئلة الدين، بل في أسئلة الوجود.. كذبنا حينما جعلنا لله بيتاً، بيوت التعساء بيوته.

.. دائماً تكذب المعابد وتكذب أسماؤها... علي شريعتي ).

***

شاكر عبد موسى/ العراق

 

في المثقف اليوم