أقلام فكرية
حيد عبد السادة جودة: العالم من وجهة نظر فريدريك نيتشه

يذهب نيتشه إلى أن كل ما دبّره الفلاسفة منذ ألفيات، لم يكن سوى موميات أفكار، لا شيء خرج حياً من بين أيديهم. وكل ذلك يتعلق بغياب الحس التاريخي لديهم، وحقدهم على فكرة الصيرورة، وتمسكهم بالمفاهيم المجردة، كل ذلك يعرض كل شيء لخطر الموت. باستثناء هيرقليطس طبعاً، فيكن نيتشه لهذا الفيلسوف كل الاحترام، ففي رأيه، هو الوحيد الذي على صواب، حين قرر بأن الكينونة وهم بلا معنى، وحده عالم الظاهر هو الموجود، وما العالم الحقيقي سوى كذب. وإن الكينونة تمثل، كقدرة للإقناع، الأكثر سذاجة، وحتى خصوم الإيليين أنفسهم قد استسلموا لإغراء مفهومهم عن الكينونة، فذرات ديمقريطس، تمثل في رأي نيتشه: عجوز كريهة مضللة.
وفي كتابه الشهير (أفول الأصنام)، أو (غسق الأوثان) بترجمةٍ أخرى، يناقش نيتشه أربع طروحات في هذا المجال، ويعمل بعد ذلك على دحضها، وهذه الطروحات هي:
1- إن البراهين التي نعتمد عليها لنصف هذا العالم بالظاهر، لا يمكن أن نسوق غيرها لإثبات عكس ذلك، أي لا يمكن الاستدلال على نوع آخر من الحقيقة.
2- إن العلامات المميّزة التي نسندها إلى الوجود الحق للأشياء، إنما هي علامات مميّزة للاوجود أو العدم، لقد تم تأسيس العالم الحقيقي من صلب التناقض مع العالم الواقعي، عالم وهمي في الحقيقة، بما هو مجرد خدعة بصرية وأخلاقية.
3- أن نحرّف عن عالم آخر غير عالمنا مسألة لا معنى لها، إلا إذا افترضنا أن غريزة تحقير الحياة تكون لها الغلبة فينا، وإن الإيمان بحياة خارقة أخرى أفضل من التي نعيشها، إنما هو في الحقيقة انتقاماً للحياة.
4- إن تقسيم العالم إلى عالم حقيقي وعالم ظاهر، لا يمكن أن يصدر إلا بإيعاز من الانحطاط، ولا يمكن أن يكون إلا علامة عن حياة آفلة.
ويستمر نيتشه في حملته النقدية على ثنائية الحقيقة والظاهر، وجاء ذلك تحت موضوعه عن: (حتى نختم، كيف غدا العالم الحقيقي خرافة). وهي كالتالي:
- العالم الحقيقي، الذي يسهل بلوغه على الإنسان الحكيم، الورع، الفاضل، هو هذا العالم. (إن أقدم شكل للفكرة، ساذجة، وقنعة، تفسير العبارة: أنا، أفلاطون هو الحقيقة.).
- العالم الحقيقي لا يدرك الآن، لكنه موعود للحكيم، المتدين، صاحب الفضيلة (المذنب الذي يتوب).3-العالم الحقيقي، لا يدركه أحد، ولا يمكن إقامة الدليل عليه، ولا الوعد به، لكنه يكون مجرد التفكير فيه التزام وفرض وأمراً قطعياً.
- العالم الحقيقي؛ عالم لا يدرك، وبما أنه غير مدرك، فهو مجهول، وبالتالي لا هو ملزِم ولا بمخلص، أي شيء يمكن لشيء مجهول أن يلزمنا.
- العالم الحقيقي، فكرة لم تعد صالحة لأي شيء، لم تعد تدعوا لأي شيء، فكرة غير نافعة وغير مجدية، إذاً فكرة مرفوضة، لنتجاوزها الآن.
- لقد أبطلنا العالم الحقيقي، أيُّ عالم تبقى؟ لعله الظاهري؟ لا! لقد أبطلنا عالم الظاهر مع عالم الحقيقة في الآن ذاته.
***
د. حيدر عبد السادة جودة