أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: المشاكل الخمس لمأزق الانسان الوجودي؟
بينما أكّد العديد من الفلاسفة على مر التاريخ على المعاناة كجزء أساسي من ظروف الانسان، نجد الفلسفة الوجودية أعطت للمعاناة تصنيفا واستكشافا فلسفيا تاما. خصوصا، ان الفلاسفة الوجوديين يميّزون بين مجرد "الألم" والمعاناة ذات المظهر الوجودي الكبير. هذا يتضمن، مثلا، مشاعر اليأس والقلق والحساسية تجاه المظاهر المأساوية والسخيفة والقامعة للوجود – بكلمة اخرى، أي شيء يبرز من حقيقة اننا افراد نكافح لأجل المعنى في كون يبدو بلا معنى.
وكما أوضحت ذلك استاذة الفلسفة Jennifer Gosetti في كتابها (حول الوجود وما يكون):
"معظم الناس في مرحلة ما من حياتهم سيشهدون لحظات من المعاناة ذات مظهر وجودي. هذه المعاناة تؤثر على إحساسك بالذات، تجعلك تتسائل مْن أنت حقا وماذا يجب ان تكون عليه، وما هو الغرض من وجودك".
فمثلا، احدى سمات ظروف الانسان هي اننا نتحرك من خلال الزمن في اتجاه واحد. وبالنتيجة، نحن لا نعرف ماذا يحمل لنا المستقبل ولا حتى تأثير ما لدينا من خيارات. ميلان كوديرا Milan Kundera يصف هذه السمة للوجود في روايته لعام 1984 (خفة الوجود التي لا تُحتمل):
"حياة الانسان تحدث فقط مرة واحدة، والسبب الذي يجعلنا لا نستطيع تقرير أي من قراراتنا جيدة وأي منها سيئة هو انه في موقف معين نحن نستطيع فقط عمل قرار واحد، نحن لم نُمنح فرصة حياة ثانية او ثالثة او رابعة نقارن فيها مختلف انواع القرارات".
هذا النقص في المعرفة يسبب القلق – وكل ما نستطيع فعله هو ان نحاول منع مخاوفنا ونحن نتقدم نحو مستقبل مفتوح وغير معروف. وكما يذكر كيركيجارد "الحياة يمكن ان تُفهم فقط رجوعا، لكنها يجب ان تُعاش الى الامام".
هنا نعرض خصائص اخرى لا مفر منها لظروف الانسان التي يعتقد الوجوديون انها تسبب المعاناة والقلق:
1- من منظور الكون، نحن نبدو كائنات صغيرة جدا نعيش حياة قصيرة جدا.(لكي ندرك ضخامة الكون، لننظر هنا: لو نظامنا الشمسي كان بحجم طاولة طعام دائرية، فان الشمس ستكون حبة رمل في المركز، والارض ستكون غير مرئية للعين. في هذا النطاق، أقرب نجمة قريبة لنا ستكون على بعد سبعة أميال. هذا في مجرة تضم 400 بليون نجم، في كون مؤلف من ترليون مجرة).
2- نحن لا نعرف لماذا نحن هنا، ولا ايضا لدينا أي أمل واقعي في معرفة ذلك.
3- نحن لم نختر الأجسام، العوائل، الثقافات، الحضارات، او الكون الذي وُلدنا فيه.
4- لا وجود هناك لكتاب مرشد للكيفية التي يجب ان نعيش بها حياتنا.
5- محدودية الوقت فُرضت على وجودنا: نحن جميعنا سنموت في يوم ما.
هذه الحقائق القاسية تنطبق على كل الناس بما يعني اننا جميعنا عرضة للمعاناة والقلق. ومن المهم اننا جميعا في نفس القارب: كبشر فانين نحن غير قادرين على التنبؤ بالمستقبل، لدينا نفس الاسباب للقلق والاغتراب واليأس.
من خلال انشغالنا بمعاناتنا الوجودية، نحن في الحقيقة ننشغل بنوع من المعاناة يتحسس منها جميع البشر. مع اننا افراد متفردين- عادة من مختلف الخلفيات ونعيش في ظروف مختلفة – لكننا نجد ارضية مشتركة في الشعور بالألم والاغتراب والقلق الوجودي الذي يشكل ظرفنا الانساني المشترك.
حول هذا نشير الى اقتباس من الشاعر شارلس بوكووسكي Charles Bukowski :
"نحن جميعنا سنموت، جميعنا في مهرجان ترفيهي (سيرك) يجب ان يجعلنا نحب بعضنا لكنه لن يقوم بذلك. نحن اُرعبنا بالتفاهات، نؤكل باللاّشيء".
اما الكاتب جانس بالون Janes Baldwin يصف في عمله (النار في الزمن القادم): "الحياة هي مأساوية لأن الارض تدور والشمس تشرق وتغرب بلا هوادة ، وفي يوم ما، ولكل واحد منا، ستهبط الشمس للمرة الأخيرة." ربما أصل كل المشكلة، مشكلة الانسان، هي اننا سنضحي بكل جمال حياتنا، سوف نسجن أنفسنا في تابوات، طوطمات، صُلب، تضحيات دموية، أبراج كنائس، مساجد، أعراق، أعلام ورايات، أمم، لكي ننكر حقيقة الموت، الحقيقة الوحيدة التي لدينا. يبدو لي ان المرء يجب ان يبتهج بحقيقة الموت - يجب ان يقرر، في الحقيقة، تلقّي الموت عبر مواجهته وبحماس لمعضلة الحياة. المرء مسؤول عن الحياة: انها علامة مرشدة صغيرة في ذلك الظلام المخيف الذي نأتي منه واليه سنعود".
***
حاتم حميد محسن