أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: مقارنة بين ارسطو والرواقيين حول ما تتطلبه السعادة

هل العيش الجيد والحياة السعيدة يعتمد جزئيا على الظروف الخارجية؟ ام ان نوعية الحياة تتوقف علينا كليا؟ كل من ارسطو والرواقيين يعتقدون ان الهدف النهائي في الحياة هو السعادة او ما يسمى eudaimonia. كذلك، كلاهما يتفقان على ان تحقيق السعادة لا يتعلق كثيرا بالسعي نحو المتعة وانما بتطوير الشخصية الفاضلة او المتميزة. وبهذا المعنى، يرى كلا الطرفين ان السعادة تُفهم ليس كشعور وانما كنوع من الظروف نحقق بواسطتها امكاناتنا بالتميّز ككائنات رشيدة.

يجادل ارسطو باننا يجب ان نرسخ الفضيلة طبقا "للإعتدال"، اما الرواقيون يرون ان المهم هو غرس وتربية الفضائل الأساسية الأربع (الحكمة، الشجاعة، الاعتدال، العدالة). وبينما كلاهما يدعوان الى رعاية التميز، لكن هناك اختلاف هام بينهما في تصوّر الحياة الجيدة. ارسطو يعترف بمساهمات ما يسمى "الخيرات الخارجية" مثل التربية ووفرة الموارد والصداقة والصحة وغيرها. وكما يوضح في (أخلاق نيقوماخوس):

"يبدو واضحا ان السعادة تحتاج الى إضافة الخيرات الخارجية، لأنه من الصعب ان لم يكن مستحيلا انجاز أعمال جيدة بدون أية موارد. العديد منها يتم انجازه بوسائل مثل مساعدة الاصدقاء او الثروة او النفوذ السياسي. الشيء المهم، ان ارسطو لم يعتقد ان هذه الخيرات تجعلنا سعداء، وانما ما يجعلنا سعداء هو فقط الفعالية والشخصية الفاضلة . انها لا تعني نفس الشيء، لو كنا لا نمتلك اشياء مثل التعليم او الصداقة او الصحة يصبح من الصعب او مستحيل تطوير الامتياز او التعبير عنه . ان نقص "الخيرات الخارجية" حسب ارسطو، يشكل عقبة أساسية في الطريق نحو الامتياز، فتقلل فرصتنا في تحقيق السعادة.

الرواقيون: الأشياء الخارجية ليس لها تأثير على الحياة الجيدة

يرى الرواقيون ان الظروف ليست هامة : قيمة وجودنا ومدى سعادتنا يعتمد فقط على نوعية شخصيتنا. لذا، اذا كان ارسطو يعتقد بضرورة التميز لكنه غير كافي للحياة الجيدة فان الرواقيين يعتقدون ان التميز وحده كافي. هذا يعني انه حتى لو كنت معدما جدا وبلا أصدقاء وتعيش في منطقة حرب، فان السعادة تبقى فيك، فالحياة الجيدة تعتمد فقط على تكوين الشخصية الممتازة والتعبير عنها. عش حياة فاضلة، طبقا لطبيعتك العقلانية، مارس حب القدر وإفهم نوعي التحكّم – بصرف النظر عن أي شيء آخر – حينذاك سوف تعيش حياة جيدة.

العيش طبقا للطبيعة

ربما هناك من يعارض الرواقيين لأنه من الواضح ان الصحة أفضل لنا من المرض، ووجود موارد لدينا أفضل من الفقر المدقع، حيث يشير ارسطو بان الفرد الذي يعاني من حظوظ سيئة سوف لن يكون سعيدا.

الرواقيون يتعاملون مع هذا القلق باستعمال مصطلح "preferred indifferent"(1) او العيش وفقا للطبيعة. نحن نفضل ان نكون أصحّاء بدلا من مرضى، ومتعلمين بدلا من جهلاء – لكن هذه لا تجعل فرقا في قدرتنا على ان نكون اناسا جيدين او نعيش حياة أخلاقية نزيهة. وهكذا الصحة والثروة  ليست اختلافات مفضلة، هما ربما اشياء جيدة وفق مصطلح الرواقيين – نحن "نفضلهما" على أضدادهما – لكنهما في صنف مختلف كليا عن الفضيلة.

شخص ما قد يربح ملايين الدولارات لكنه لا يصبح فجأة شخصا جيدا، او شخص ما يعاني صحيا لا يصبح فجأة مفتقرا للفضيلة. العوامل الخارجية لا تصنع فرقا في ما لدينا من تحكّم بشخصيتنا (لنترك جانبا الحالة المتطرفة لشخص مصاب بمرض مزمن في الدماغ) ،نوعية شخصيتنا هي التي تقرر سعادتنا حسب عقيدة الرواقيين.

وحتى لو مررنا بفترة من التحدي، فهي لا تعطينا رخصة لجعل شخصيتنا تعتمد على نوعية ظروفنا. يشير إبيكتتوس:

"حين نعمل ضمن مجال سيطرتنا نحن نتحرر طبيعيا ونكون مستقلين وأقوياء. وراء ذلك المجال، نحن ضعفاء محدودين ومعتمدين. عندما تعلّق آمالك على أشياء خارج سيطرتك ،وتأخذ لنفسك أشياء تعود للاخرين،انت ستكون عرضة للتعثر، تسقط، تعاني وتلوم كل من الله والناس. ولكن عندما تركّز انتباهك فقط على ما يهمّك حقا ، وتترك للاخرين ما يهمهم، عندئذ ستكون مسؤولا عن حياتك الداخلية. لا أحد سيكون قادرا على إيذائك او عرقلتك. سوف لا تلوم أحدا وليس لك أعداء. اذا كنت ترغب بالسلام والرضا عليك ان تتحرر من ارتباطك بالأشياء الخارجة عن سيطرتك. هذا هو المسار للحرية والسعادة".

الاختلافات الأساسية بين ارسطو والرواقيين:

يعتقد الرواقيون ان السعادة متوفرة للجميع – وانها تكمن كليا ضمن سيطرتنا. عش طبقا لطبيعتك العقلانية، أظهر الامتياز في شخصيتك مهما كانت ظروفك، ستكون السعادة فيك – طالما تشعر انك قمت بأفضل ما يمكن.

الفيلسوف الرواقي إبكتيكوس أوضح ذلك في قوله:

"انا يجب ان أموت. هل يجب ان أموت حزنا؟ انا يجب ان اقيّد بالسلاسل. هل يجب ايضا ان أندب حظي؟ انا يجب ان أذهب الى المنفى. هل هناك منْ يمنعني من الذهاب بابتسامة وبهجة ورضا"؟

ارسطو من جهته، يعتقد من الواضح ان حياتك لو كانت مليئة بالمآسي والصعوبات، فسيكون من الصعب الحصول على السعادة. تطوير الامتياز والتعبير عنه متاح فقط لأولئك اصحاب الصحة والتعليم والصداقة ومستوى من الموارد وحظ جيد وغيره.

يرى ارسطو ان الفرد السعيد يحوز ليس فقط على شخصية ممتازة وانما على حظ ممتاز. الناس قد يرون رؤية ارسطو أكثر واقعية في تصور الحياة الجيدة. او ربما نحن نتفق مع جواب الرواقيين الضمني بان قيمة حياة شخص ما وحدود سعادته لا يجب الحكم عليها طبقا للظروف التي هي خارج سيطرته.

***

حاتم حميد محسن

..................

الهوامش

(1) اللافرق هنا يعني قبول كل ما يأتي به القدر. يقول ماركوس ارليوس: كل شيء خارجي وليس ضمن تحكّم الفرد يجب اعتباره indifferent او لا يحمل فرقا لأن التفكير في هذه الاشياء لا يجلب الاّ التعاسة للافراد ولكل البشرية. هناك خارجيات مفضلة مثل الحياة، الصحة، المتعة، الجمال، القوة، الثروة، السمعة الجيدة، المولد النبيل. اما الخارجيات غير المفضلة تشمل الموت، المرض، الألم، القبح، الضعف، الفقر، السمعة الواطئة، الولادة غير النبيلة.

 

في المثقف اليوم