أقلام فكرية
لمياء حطاب رحيم: انفعالات الشخصية واستراتيجية اعادة التركيز الايجابي
الانفعال هو حالة نفسية ذات شحنة وجدانية قوية، مصحوبة بتغيرات فسيولوجية خاضعة للجهاز العصبي الودي، أو هو المشاعر التي يعبر عنها الافراد مثل الحزن والغضب كرد فعل لمختلف الافكار والمواقف التي يواجهونها.
أن التعامل الصحيح مع المواقف الضاغطة لا يمكن أن يكون في إطار من الرد السريع أو العشوائية، بل يجب ان يكون على وفق استراتيجيات محددة، ترمي إلى التقليل من آثار أحداث الحياة الضاغطة، التي تقوم على أسس من الاقتناع والاستقلالية وتمتع الفرد بمستوى مناسب من الصحة النفسية.
انفعالاتنا هي نمط شخصياتنا وهي تعبر عن سلوكنا، فبعض الشخصيات تستطيع أن تقمع هذه الانفعالات إذا استطاعت، لكنها لا يمكن أن تلغى أو تموت أو تنتفي، تظل مخزونة في دواخلنا.
إن إعادة التركيزالإيجابي إلى التفكير في قضايا متنوعه ومختلفة في حياة الناس بعضها ممتعة ومبهجة بدلاً من التفكير في الحدث الفعلي، وإن إعادة التركيز على الأشياء الإيجابية يمكن أن تعد شكلاً من أشكال فك الارتباط العقلي، ويمكن عَدها على انها تميل للأفكار أو إعادة تركيزها على قضايا أكثر إيجابية من أجل التفكير بشكل أقل في الحدث الفعلي، وربما يكون ردًا مفيدًا على المدى القصير ومع ذلك فقد يعيق التكيف على المدى الطويل، وهو يركز بشكل حصري تقريباً على الأبعاد السلوكية، أما في المدارس الأخرى ومنها التحليل النفسي يكون أحد ميكانيزمات الدفاع التي تعيد الإتزان إلى النفس من خلال ميكانيزم الاسقاط، أو النقل، أو الطرح، أو حتى الكبت في الحالات الخطيرة والقوية، وتنجح هذه الستراتيجيات، أو الميكانيزمات الدفاعية في تغيير الحالة النفسية للإنسان.
أن الاستراتيجيات الشعورية " الواعية " واللاشعورية " اللاواعية" تستخدم في تقليل أو زيادة مكون من المكونات للاستجابة الانفعالية لكنها بنفس الوقت تكبح جماعها وتوقف الجانب السلبي منها وتحد منه.
أن استراتيجية إعادة التركيز الإيجابي هي أكثر من مجرد النظر إلى الجانب المضيء في الحدث الفعلي، والإيجابية الناجحة تكمن في توجيه الاهتمام إلى النجاحات وتحقيق موضوعي للوضع النفسي مما يقلل الجانب الذاتي في تأويل ما يدور في النفس قبل وأثناء وبعد عملية التفكير وتشظيها وربما تعقدها، ولذا فإن دماغ الإنسان مقتنعاً تمامًا بالتفسيرات الإيجابية للاحداث، فضلا عن تذكر اللحظات الطيبة في حياته لأنها تغير في مزاجه وحالته النفسية، يستدعيها كذكريات تخفف وطأة وشدة الضغوط الحياتية اليومية مثل ضغوط العمل، وضغوط الدراسة والامتحانات، وضغوط الحياة الاقتصادية الصعبة، وضغوط التنقل والانتقال في الشوارع المزدحمة المكتظة بالسكان والازدحام، فقوة التركيز الإيجابي نراها في كثير من أساليب العلاج النفسي، اذ يستخدم المعالجون – عادة- تقنية يطلق عليها (إعادة الصياغة) لتشجيع طالب المشورة، أو المسترشد على رؤية مشكلاته بصورة جيدة وأكثر إيجابية .
إن طروحات علم النفس المتعلقة بالجانب الإيجابي مثل التفاؤل والأمل والطموح والحب الحقيقي، والصدق في التعامل في الأسرة وبين أفرادها رغم تغيير الحضارة ومتطلباتها وجشع الحياة وسرعة جريانها، إلا أنها تساعد هذه الإستراتيجية في تغيير الكثير من جوانب السلوك لانهما عمليتان فكريتان تولدان شحن وجداني فيكون لها تأثير كبير على سلوك الانسان، وإذا ما أردنا المقارنة بين طرفي الشخصيات البشرية وهما الإيجابيين والسلبيين بهذا المعنى فاٍننا سنجد العديد من السبل الادراكية والمعرفية بشكل واضح، حيث تتميز الجوانب التي تفرق بين الفرد الإيجابي والفرد السلبي، بما فيها التفكير والتصرف بإيجابية، فالإيجابيون يشجعون على التقدم والنجاح، وفي كثير من الأحيان يكونوا متفائلون وينشرون من حولهم شيء من السعادة مع القدرة على التغيير فضلا عن الطاقة الإيجابية على العمل والنشاط ويحركون في الآخرين دوافع الإنجاز ويبثون بذور التعاون والتسامح .
أننا أزاء حالة مهمة حيث تبين لنا أن وراء كل أنفعال – إيجابي أو سلبي – بناء معرفي ساعده على تكوين بنية صحيحة للذات، ولما كان السلوك والإنفعال يتفاوتان من حيث السواء والمرض، فإن التفكير المصاحب أو السابق لهما يتفاوت أيضاً من حيث القبول والرفض، وبعبارة أدق اذا كانت طريقة التفكير مقبولة ومنطقية فإن السلوك أو الإنفعال سيكون إيجابياً ودافعاً لمزيد من النشاط والحيوية والبناء، واذا كان العكس فإن السلوك والانفعال سيكون على درجة مرتفعة من الاضطراب وعدم القدرة على الإتزان .
أن استراتيجية إعادة التركيز الإيجابي تعد من أساليب التفاعل والآليات الدفاعية التي تساعد الناس على خفض القلق والتوتر، خاصة عندما يواجه الأفراد الكثير من المشكلات والهموم، وأن استعمال هذه الأساليب والآليات الدفاعية هو مداولة مناسبة لتحقيق التوازن الداخلي للإنسان ربما ترتفع وربما تنخفض حسب الموقف الضاغط وشدته.
أن التعامل الصحيح مع المواقف الضاغطة لا يمكن أن يكون في إطار من الرد السريع أو العشوائية، بل يفضل أن يكون على وفق استراتيجيات محددة، ترمي إلى التقليل من آثار أحداث الحياة الضاغطة، التي تقوم على أسس من الاقتناع والاستقلالية وتمتع الفرد بمستوى مناسب من التوافق النفسي لا سيما أن التوافق هو الذي يؤدي إلى الصحة النفسية .
تمثل استراتيجية إعادة التركيز الإيجابي حجر الزاوية في مفهوم التنظيم الانفعالي، والتي تشير إلى الأساليب التي يستخدمها الافراد ويتم توظيفها لتعديل التعبير عن الخبرات والانفعالات الإيجابية، وإن استخدام هذه الاستراتيجية تظهر وجود فروق فردية سواء بين الافراد أو داخل الفرد نفسه، فبعض الافراد لدية القدرة على استخدام هذه الاستراتيجية بشكل أكثر فعالية من بعضهم، في حين لا يمتلك البعض الأخر مثل هذه القدرة، ولنا لقاءات في تأثير الفروق الفردية في استخدام هذه الستراتيجيات والآليات الدفاعية النفسية.
***
د. لمياء حطاب رحيم - استاذة جامعية
دكتوراه علم النفس التربوي