أقلام ثقافية

المولدي فرّوج: أنا النرجسي - أنا المتواضع

وأنت تكتب قصة او رواية او مقالا يصادف أن تهرب بك الذاكرة فتخونك وتورّطك في نقل جملة أو طرادة أو فكرة وتوهمك بأنك قائلها. تقنعك بأنّ الحافر قد وقع على الحافر وبأنّك بريء من كل سرقة لا موصوفة ولا مصادفة. وقد ينزاح بك القلم أو يزل ّفتصطدم بمثل شعبي أو مقولة فلسفية شاردة لم يذكرها كثيرون لكنّها ترسّخت في ذهنك حتى خلت أنها من بنات افكارك.

لا أحد من الكتّاب يضمن لنفسه البراءة من التناص إذا   لم يسجّل أفكاره في دفاتر محرّكات البحث التي أخذت دور الملكية العقارية ففاقتها في الخدمة والأمانة والصراحة.

وفي اعتقادي أن محركات البحث (وأشهرها الغوغل) صارت شاهدة علينا، نحن الكتاب، إذ بإمكانها تكذيبنا وفضحنا إن نحن ادعينا الاتيان بما لم يستطع أحد الاتيان به بل وهي قادرة على أن تفصل بين الأنا المتواضع الذي يكتب كلاما وينشره بين النّاس وبين الأنا النرجسي الذي يتشبث بحقّه في التّفاخر والتّنكّر لما قال سابقا. وبما أنني، مثلكم، أزداد حكمة وتعقّلا مع تقدّمي في العمر فقد أقدمت على اجراء مناظرة بين الأناءين من خلال ما كتبت في روايتين تفصل بين نشرهما سنوات. هي مناظرة افتراضية كتلك التي تنظم بين المتنافسين على مركز القرار. كان الأنا النرجسي هو المبادر بإبداء الرّأي قال: 

 النرجسي: أنا الحلم أعرف متى أهبط على الانسان. أنزل أحيانا كابوسا على الرؤِوس. أنا أجزاء متناثرة في الكل، أستولي عليه ولا أتركه الا بعد أن اترك فيه أوجاعا.

 المتواضع: أما أنا فكل لا يتجزّأ لأنني الأمل الذي يقود الحياة. أنبت في الأنفس التي ترعاني فأداويها من الأوجاع التي يسببها الحلم.

 النرجسي: أنا الحلم، أخطر على الشعوب من حمل السّلاح، أولد في الظّلام وأكبر في السّرّية، لذلك يعتبر بعض الحكّام أن إشاعة فكرة الحلم جريمة ترتقي الى مرتبة الخيانة العظمى.

المتواضع: أنا الأمل الذي يقود الشعوب الى الإطاحة بمن يمنعهم من تحقيق أحلامهم بحياة أفضل.

النرجسي: سأظل أرتفع عن العامّة التي تصرّ على القناعة والصبر ولعب دور الضّحية وأضطّر الى منعك ومنعها من الفوضى حتى لا تصنع منك بطلا.

المتواضع: تنتصر الضحية على الظالم بالصّبر فالصبر عند المظلوم كزيت الفتيل ينتصر دائما على الظلام. والفوضى تصنع من الجبناء أناسا شجعانا.

النرجسي: أنا لا أنافق بل أقول صراحة إننا نطمح الى العلوّ والسّمو فلماذا نخون أنفسنا وأوطاننا التي تسكننا؟ نحن نتوق الى العلياء بالفطرة والغاية تبرّر الوسيلة.

المتواضع: أمّا أنا فأوفي للوطن الذي يحملني ولا أخونه فخائن الوطن كمجنون يلهو بمقْود السيارة. لقد رضعت منه حليب الوفاء.

النّرجسي: لا حاجة لي بثدي لا يعلمني العناد والشجاعة.

المتواضع: لا تنس أن القهر يفعل ما لا تفعله الشجاعة.

النرجسي: نحن في الوطن نفسه وحكوماته المتعاقبة تأكل من نفسها وترتشي من أعوانها كالنار التي تدور على احطابها.

المتواضع: من واجبنا ألا نترك الحكومة توقظ الطوفان ثم تطلب منه ألا يجرفها.

النرجسي: أتريدني أن أحمل النّار دون أن أحترق أو أن اوقدها من رمادها بعد أن تخبو، هذه الحكومات التي تتباهى بالحفاظ على الانسان انما تأكل من لحمنا كلما جاعت وتشرب من دمنا اذا عطشت

المتواضع: الوطن وردة والوطنية عطرها والنضال من اجله شوك هذه المبادئ التي عليك ان تعرفها.

النرجسي: الوطن قوانين لا غير ونحن كالأطفال نظل نطيع القوانين و لا نثور عليها الا اذا احسسنا بظلمها الكبير.

المتواضع: البسطاء الحفاة الذين يرفعون الحاكم على اعناقهم هم قادرون على رفع اقدامهم الحافية لتدوس اعناقه إذا ما تمادى في ظلمهم

النرجسي: ثلاثة أدوار لا يمكنني لعبها: دور المجنون الذي يلهو بمقود السيارة ودور الطفل الذي يلعب بالسلاح ودور البحار الذي يرى ثقبا في السفينة ويسكت.

المتواضع: القانون الذي لا يحظى بموافقة كل الناس لا يسمى قانونا بل حكما ينفذه القوي على الضعيف.

النرجسي: ستعيش كالأحمق مطيعا مهادنا لذيذا كالحلم لا يمكن ان نحدّد له متعة ان كانت قبل النّوم أو بعده أو أثناءه وذلك سرّه الغامض.

المتواضع: بل سأظل الأمل الذي يترجم الحلم في داخل الأنا الى واقع أعيشه وأحياه.

وظل الأنا النرجسي متشبّثا بتعاليه وظل المتواضع يشقى بعقله. لذلك سأظل أحمل المتناقضين لألعب دور الحكم بينهما.

***

المولدي فرّوج / تونس

في المثقف اليوم