أقلام ثقافية
أنور الموسوي: الصخرة بعد الفتنة
صدر للمؤلف والكاتب كنعان مكية رواية "الصخرة " في عام ٢٠٠٠ م وتمّت ترجمتها عام ٢٠٢٢ م عن دار الجمل الى العربية على يد الاستاذ الدكتور "سليم سوزه" وتعتبر رواية "الصخرة" احدث روايات مكية بعد روايته "الفتنة"
كنعان مكية هو معماري أكاديمي عراقي من مواليد مدينة بغداد، العراق عام 1949 م. حصل على الجنسية البريطانية عام 1982 م.
الصخرة: رواية ذات طابع تأريخي تُجسد مجموعة من الأحاديث والروايات وربما الأساطير الميثولوجية حول " القدس" والصخرة المقدسة في القرن الاول الهجري.
نُشرت هذه الرواية باللغة الإنكليزية في: "مؤسسة الدراسات الفلسطينية".
تلك الراوية تجمع بين ثلاثية الأديان التوحيدية (اليهودية، المسيحية، الأسلامية) ضمن سياقها التأريخي والروايات الواردة والاحاديث والأبحاث التي تمحورت حول ثنائيتين (صخرة بيت المقدس) وصخرة (مكة) الحجر الاسود.
جسم الرواية: صنعه مكية على ثلاثة اقطاب استنبط منها حكايته مدعومة اقطابه الثلاثة بالأدلة التاريخية التي وضعها ضمن مُلحق روايته " المصادر " وتلك هي نفسها الثلاثية الانفة الذكر لكن تتجسد ضمن سياق الشخصيات لتتمحور في نتيجتها الى ثلاثيّة الأديان التوحيدية، فالقطب اليهودي الذي مثله كعب الأحبار وتفاصيل اسلامه وسردياته التأريخية للنص الذي يعتمده القاص حول قُدسية الصخرة، بل حول روايات الكون والخلق وادم والأنبياء، كعب الذي يروي عنه ابنه "اسحاق " اخذ يتمظهر بالراوية وكأنه يتحدث عن الديانة اليهودية والذي اكده مكية بالمصادر التأريخية، ثم القطب الاخر المتمثل " صفرينيوس " الذي مثل النصرانية " المسيحية " ومن ثم القطب الإسلامي الذي مثلته شخصيات عدة ابتداءا من محمد الى الخلفاء ونهاية بـ عبد الملك بن مروان، وضع صاحب الرواية الخليفة " عمر بن الخطاب " ضمن السياق الزمني للحدث في تلك الراوية كون المصادر تُشير الى ذلك من خلال فتحه بيت المقدس، كما هو الحال مع عبد الملك بن مروان الذي شيد بنيانه هناك.
{بثلاثيّة الأقطاب هذه مثل ثلاثية الاديان التوحيديّة}.
تمحورت الراوية وفق تلك الثلاثيّة على مناقشة اشكالية متمثلة " بالصخرة " التي في بيت المقدس بفلسطين، ومايدور حولها من احاديث وروايات أو اساطير. وأيضاً حول الحجر الاسود في مكة وما تدور حوله الروايات.
واضعاً جميع التحولات التأريخية ضمن نسقها التأريخي وفقاً للمصادر.حتى قبل الهجرة وما تضمنته روايته من حروب الرومان وقسطنيطن على اليهود، مرورًا بالغزو البابلي..
هكذا شكل مكيّة بناء روايتهِ ضمن انساقٍ متعددة ركزت ثلاثيّة الاديان التوحيديّة تمظهراتها في ابطال الرواية، ومركز الرواية الذي تتبع " الصخرتين".
يقول مكية ان بطل الراوية هي " الصخرة " وانا اقول ان أبطال الرواية هم الديانات التوحيديّة ومركز الراوية هو " الصخرة " وربما الصخرتين، احدهما كان نيترون والآخر إليكترون الفعل الفيزيائي المُحرك للراوية.
الراوية من منظور قارئ: هذّه الرواية التي تقع في حدود ٥٠٠ صفحة مع المصادر والملحق، في أول قراءتها تعتقد انها تتكلم عن خيال تأريخي او ملحمة من الملاحم الأسطورية، وما ان تغادرها عند النهاية، تجد ان الكاتب قد وضع مصادرهُ بجميع تفاصيلها مستندًا على تلك المصادر المستفيضة في طرح الآراء للديانات الثلاثة حول " صخرة بيت المقدس " ومن ثم حول " الحجر الاسود " داعمًا سرديته بتلك المصادر، لم يصيب القارئ اي شعور بالملل وهو يحتضن سطور هذه الرواية وكأنه يعيشها بلحظاتها التأريخية راجعًا الى الماضي بقرونٍ خلت.
وكأنه احد ابطال رواية "الصخرة" المكلفين اما بإكتشاف الحقيقة، او بصيانة ما تم تحقيقه، أو بمحاكمة تلك الحقيقة، وإرجاعها اما إلى الذهول، او الى اللامعقول او لربما الى الخرافات!.
جسدت الراوية الانتقالات التأريخية بصورة مركزة وممتعة جدًا للواقع الاسلامي للنبي و بعد وفاة النبي محمد (ص) والانتقال الى الخلافة وكيف سارت الخلافة الى بنو أمية وما فعلوا؟.
حيرة تنتابُ القارئ وهو يبحثُ بين سطور الصخرة على ملاذٍ منطقي يُشبع له تساؤلاتهُ الماضية والحاضرة، عن جميع انواع الصراع الذي قادته البشرية من اجل تلك الصخرة! فحرب العقائد لازالت، لم تموتَ بعد.
الصخرة من منظور نقدي:
تتلائم رواية كنعان مكية ضمن سلسلة الروايات التي تحمّل الإثارة في متونها غير المحتوية على النسق الدرامي، لكنها ضمن الأثارة التأريخية تحوي جانباً من الاكتشاف الذي يحمل الاستغراب. السردية في الراوية جميلة ومتنوعة تكاد تكون سردية لكاتب مؤرخ يحكي قصص القرون الغابرة ضمن احداثٍ متسلسلة وضعها في سياقٍ قصصي، فالأصلح وانت تقرأها كانك تقرأ كتابًا للتأريخ منضدة متونهُ ضمن فصول.
الذي يميزها كونها "رواية " لسانُ حال الراوي (اسحاق بن كعب) و هو محور لسان النُطقِ بالاحداث والسردية والحواريّة لاغيره.
يتراءى لي انني اقرأ شيئًا مشابها لنصوصِ " دان بروان " وهو المؤلف الأمريكي لقصص الخيال والإثارة الممزوجةبطابع علمي وفلسفي حديث بأسلوب مشوق، كـ شيفرة دا فينشي.
سبقت هذا العمل الروائي رواية اخرى تحمل نفس المضمون لكن اكيد لا تحمل نفس المتن والصناعة والحرفة فلكل رواية متنُها وسرديتها التأريخية وبراعة كاتبها، تختلف ضمن وحدة الموضوع والشخصيات والهدف و هي: (صخرةأورشليم للدكتور مروان العلان) قصة الصخرة التي تقبع تحت القبة حاليا.
الراوية والترجمة: عقد المترجم فصلًا في ايضاح طبيعة ترجمة هذه الرواية والصعوبات التي واجهتهُ وكمية البحث التي استند عليها في اظهار النصوص الاصلية كماهي من اللغة الإنكليزية الى اللغة العربية، علمًا ان الرواية مترجمة أيضًا للتركية، لكن صاحب الترجمة العربية الاستاذ الدكتور " سليم سوزه " وضع بما لايقطع الشك كمية الدقة والجهد والبحث والتنقيب واللغة الممكن صيانتها ضمن الجو التأريخي للقرون الماضية لإيصالها بشكلها الحالي الى القارئ وهذا ما اكده كنعان مكية في فصل الملحقات والمصادر ايضًا.
الصخرة والفتنة:
هل لنا ان نقارن الفتنة أو جمهورية الخوف باعتبارها ابرز روايات مكية بهذه الرواية؟
الصخرة تتفرد وتنفرد عن سلسلة احداث الروايتين السابقتين بعدة اسباب، اهما العمق التأريخي الغابر لأحداث رواية الصخرة عبر قرونٍ خلت، وكيف استطاعَ الراوي ان يُثير شعلة النور على هذا الماضي السحيق وكيف ازال رماد الحروب وغبار الزمان عن حكاية تتناولها الروايات والاساطير والمعتقدات الى يومنا هذا، بل تتبلور على ضوئها الصناعة السياسيّة والقرارات وحتى العلاقات الدبلوماسية…
فالصخرة من هذا الجانب تتفوق تأريخيا على الروايتين السابقتين من حيث حساسية الحدث ودقة الموضوع وزمكانية الصراع.
تتحد: للرواية سرٌ اخر تتحد فيه مع افقٍ سياسي ماضي وحاضر، وضع شكله ومضمونه وارسى مبادئه حراس المعبد ورهبان الكنسية وأوصياء الكعبة ضمن معقولية او لا معقولية اتحاد الديانات الثلاث.
والصراع المرير الذي يقود العالم اليوم ماهو الا جزء من صراعٍ دام لقرونٍ خلت، كان أولها هزيمة اليهود على يد النصرانية " الرومان" الذين نسوا تلك الهزيمة واختاروا عدوًا اخر لها!
***
انور الموسوي