أقلام ثقافية

علي حسين: هل هناك قائمة للكتب التي لا تريد ان تقرأها؟ ‏

‏العام 1886 سألت احدى السيدات الكاتب الأنكليزي أوسكار وايلد وكان يعمل رئيسا لتحرير مجلة " عالم المرأة" عن الكتب التي ينصحها كامرأة بقراءتها فكانت إجابته مقال نشره في المجلة بعنوان " مقدمة في الفن " والطريف إن المقال الشهير الذي وضع فيه وايلد نظريته في الفن والأدب ترجمه الى العربية أحد أشهر أطباء علم النفس في العراق الدكتور علي كمال ونشرته مجلة الرسالة المصرية عام 1942، ومن وصاياه التي تضمنها المقال :" ليس هناك كتاب أخلاقي أوغير اخلاقي.الكتب أما أن تكون كتابة جيدة أو رديئة، وهذا كل شيء.

‏في ظهيرة يوم ممطر من شهر تشرين الثاني عام 1895، وقف أوسكار وايلد بانتظار القطار الذي ينقله الى السجن، كان قد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عامين بتهمة الأفعال الفاضحة، شاهد المارة الكاتب الشهير مكبل اليدين، في السجن تمت مراعاة مكانته فكلف بمهمة مساعد أمين المكتبة، مما أتاح له فرصة نادرة للحديث مع السجناء عن موضوع محبب الى نفسه، وهو القراءة. في الوقت نفسه أخذ يقدم نصائح ممتازة عن الكتب لمن يريد أن يقرأ من السجناء.

‏التقارير التي كانت تقدم عن وايلد في السجن تقول انه كان منهمكاً في إعادة قراءة الكلاسيكيات المحببة الى نفسه، فقد طلب أن يحصل على سبع كتب أبرزها الكوميديا الالهية لدانتي، ويكتب في رسالة الى شقيق زوجته إن : "الحرمان من الكتب فظيع مثله مثل الحرمان الجسدي في حياة السجن الحديثة، هذا الحرمان الجسدي لا يُقارَن بالحرمان التام من الأدب بالنسبة لشخص كان الأدب له أهم شيء في الحياة، الشيء الذي يمكن من خلاله إدراك الكمال، ومن خلاله وحده يمكن للعقل أن يشعر بأنه حي".

‏وفي عريضة قدمها الى وزير الداخلية شرح وايلد معاناته من نقص الكتب التي هي اساسية لكي يحافظ الانسان على توازنه العقلي. وقد سمحت له ادارة السجن بقراءة كتابين في الأسبوع، ولكن مكتبة السجن صغيرة جدا، فتم السماح له بادخال كتب جديدة، فطلب روايات غوستاف فلوبير وكتب ارنست رينان، وبعض مؤلفات شكسبير ورواية ثيربانتس " دون كيشوت "، وكتب سبينسر واشعار كيتس ومؤلفات افلاطون ونسخة من الانجيل، ومجلد يضم أعمال من المسرح الاغريقي، ونسخة من ألياذة هوميروس، ويكتب في احدى رسائله إن :" "الكوميديا الإلهية" لدانتي فوق كل الكتب ساعدته على فهم العالم البشع للسجن، لقد قرأت دانتي من قبل كل صفحة فيه، لا المطهر ولا الفردوس كانا يعنياني... ولكن الجحيم! ما الذي يمكنني فعله سوى أن أعجب به؟ الجحيم، ألم نكن ساكنين فيه؟ الجحيم: كان هو السجن".

‏بعدما قضى العام الأول من مدته، وضع وايلد مقترحات بشأن أفضل الكتب التي على السجناء الاطلاع عليها، وقد قسم قائمته الى ثلاثة اصناف من الكتب.

‏يضم القسم الاول الكتب الواجب قراءتها ويضع وايلد الكوميديا الالهية والياذة هوميروس ودون كيشوت في المقدمة بعدها رسائل شيشرون وكتاب رحلات مارك بولو ومذكرات سان سيمون ورواية مدام بوفاري وصومعة بارما لستندال.

‏أما القسم الثاني فيضم الكتب التي تستحق أن تُقرأ مثل مؤلفات افلاطون ودواوين كيتس وكتاب دليل المرأة الذكية لبرنادشو.

‏الى جانب هذين القسمين يضيف وايلد قسماً ثالثاً وهو يخص الكتب التي يجب ان لاتُقرأ، وهو يقول :" مثل هذه القائمة بالكتب السيئة ضرورة مهمة، خصوصا اننا نعيش عصر يقرأ كثيرا الى حد إنه لم يعد له الوقت ليتعجب ويفكر، ويطالب كل قارئ كتب أن يضع قائمة بأسوأ مئة كتاب ليجنب الشباب فوضى القراءة غير النافعة ".

‏ساهم أوسكار وايلد الذي عاش حياة قلقة في تجديد شكل الأدب والفن، وكان من أبرز نقاد الفنون، أهتم بالتجربة الفنية وركز على أهمية الفن في مواجهة الإنحطاط الذي يحيط بالعالم المتصل وعلى الزمن المنفصل لحظات والمتصل سنيناً وقروناً.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم