أقلام ثقافية
عواطف نصرلي: الطافي يحيا والغارق يموت
الخواء داء ليس مثله داء.. لا دواء له ليس منه شفاء.. خواء الروح.. غباء القلب مقبرة للوجود...
سألتني صديقتي عن الغرق في مكان السقوط.. ثم أردفت بقصيدة لوديع سعادة:
"كيف يمكن انقاذ الزهرة الداخلية في هذا الجرف؟
هذا البهاء اليتيم كيف يمكن انقاذه؟
الطافي يحيا..الغارق يموت.."
عندما تكون وجها لوجه مع الخواء..
مع غباء الروح...
قد تسقط وتغرق وياليتك تموت مرة واحدة وتنتهي المعاناة..غير انك تظل تغرق الى ما لانهاية في مهزلة وجودية لامعنى لها إلا الشقاء الاعتباطي ..
أبيات وديع سعادة واسمه جرتني جرا للبحث عنه واكتشافه فأنا لم اسمع به قبل.. واكتشفت أنه لبناني مهاجر في استراليا. هو مبدع بقلم مميز وكلماته مبهرة لا مثيل لها ..
قال فيه صديقه اسكندر حبش «الراكب غادر الباص ونزل في محطة نائية، بعيدا عن كل ما جعله يندم على هذه الإنسانية التي لم يتوقّف عن التمسّك بها. لكن من الصعب الجزم أنه سحب لبنان من صدره نهائيا».
اختار وديع سعادة الحياة.. أختار أن يطفو بدل التجديف عكس التيار بل أنه إنساب مع التيار حيث يجرفه فكان الشعر وديعا يسعد الروح وينعش القلب..
اختار أن يطفو، بدل الغرق، عبر الكتابة بأسلوب فريد متفرد...
بينما ثمة من اختار الغرق ويصفهم كاتب" لا بطعم الفلامنكو " الدكتور النفسي محمد طه فيما معناه أن ثمة اناس أغلبهم من الذكور للأسف يتصورون أنهم الطرف الأقوى في المعادلات.. الطرف الذي لا يحتاج ان يعرف ولا يحتاج ان يتعلم ولا يحتاج أن يعي.. ويختار أن يقاوم التغيير بكل طريقة ويعاند الحياة نفسها وقوانين الطبيعة منذ الأزل ويصر على المشي عكس التيار حتى تنهار كل المعابد على رؤوس قاطنيها .
لا أدري لماذا تقودني كل هذه الأفكار والمقالات والتجارب الى مفهوم "المقاومة" ولكن ليس بمعناها الثوري الإنساني الذي يعبر عن رفض الظلم والتصدي له ومكافحته بكل الأساليب.. فالف تحية لكل ثائر حر والمجد والخلود للشهداء..
إنما أنا اقصد المقاومة حسب مفهوم علم النفس والتي تأخذ نفس معنى الرفض والتصدي والإنكار لكن هذه المرة ضد الحقيقة ..المقاومة في علم النفس هي إحدى ٱليات العقل للدفاع ضد الألم وهي في الحقيقة إحدى اسلحة الإيقو للدفاع عن نفسه بشكل ما.. تجديف ضد التيار ومحاولة مستميتة للهروب من الوجه البشع للحقيقة ..
عندما تصر على رفض الواقع أو رفض بعض الأشخاص ويؤدي هذا الفعل إلى طاقة مهدورة تسبب المعاناة.. إننا من خلال رفض هذه الأمور التي لا نحبها نرفض تمظهرها في حياتنا ونرفض وجودها اصلا وهو تصرف ورد فعل ضد الفطرة وضد الطبيعة فالمتضادات والمتناقضات والاختلافات هي سر معجزة الوجود كل المتناقضات تتفاعل في الطبيعة بسلام وتقبل وانسجام إعجازي...
لكن مجاراة الايقو الذي يحب ان يخلق المعاناة من كل ما لايسير على هواه فيصورلك انك وجدت في المكان الغلط أو الزمان الغلط لأن كل من حولك لايفهمونك ولايصلون الى عمق ماتصل إليه لانهم تافهون سطحيون...
وقد يكونون هم فعلا كذلك ولكن ماهو مضيعة للوقت هو ان تجعل بساطتهم أو تفاهتهم أو سخفهم أو غباءهم سببا لألمك ..أنت يجب أن تتقبل وتستقبل الحكمة الإلهية من وجودهم في حياتك وتستثمر هذا الوجود لخلق سعادتك الخاصة يجب ان تستثمر حتى الأنانية وتتعلم الدرس كما تفعل ميكانيزمات جسمك للتعلم من الطفيليات لجعل بعضها نافعا ..وكما يتعلم من الفيروسات كيف يكتسب المناعة ..
الله خلق لك كل هؤلاء المعلمين حتى تستمر وتتفوق وتبدع وتتالق ...
عندما تسقط في لج عات لا تظل تتخبط ولاتجذف عكس التيار بل لابد من الاستفادة من القوة الدافعة حتى تطفو ..
وان استطعت ان تتنفس من حين لاخر تحت الماء لن تكون النهاية ابدا.. ونجاتك ستكون رهينة مدى حبك للحياة وتمسكك بحقك في العيش الذي أنت تريده وتصبو إليه بروح وقادة وضمير حي وانسجام مع الوجود واستقبال لكل هداياه حتى التي لا تعجبك وليست على مقاسك ولا على مزاجك ..
انفتاحك على كل الاحتمالات سيجعل أعتى عدو أجدر معلم واشرس مفترس سيكون أقوى ملهم.
إن الفوز بفرصة جديدة في عمر جديد يبدأ الآن في ذات هذه اللحظة التي أمامك وأنت وجها لوجه مع المخاطرة فإما حياة بشغف وإما موت بشرف.
يقول وديع سعادة:
"مهما كان هذا الحمْل ثقيلاً
يمكنك أيضاً أن تكون
نسمة."
اذا ابتليت بشيء من جمال الروح فلابد أن تشقى ..
اذا ابتليت بشيء من جمال الروح لاتقل كيف هي أقصر الطرق إليك ...
إن تذوق حلاوة العسل تبدأ باولى الخطوات إليه والطريق صعب ..
لابد أن تفنى ..
***
عواطف نصرلي - تونس