أقلام ثقافية
شمس الدين العوني: عن تجربة النحات الهاشمي مرزوق
ضمن تواصل مسيرته الفنية في مجالات الفنون التشكيلية والنحت بصفة خاصة حيث عرف كنحات بعديد الاعمال لفترة تناهز الستة عقود يقدم الفنان الهاشمي مرزوق عددا من منجزاته الفنية في معرضه الشخصي الجديد بعنوان « Postures et mouvements » وذلك برواق صلاح الدين بسيدي بوسعيد في الفترة من 20ماي الجاري الى 10 من جوان المقبل وذلك بعد سلسلة من المعارض الشخصية والجماعية والمشاركات المتعددة في الفعاليات الثقافية الفنية بتونس وخارجها وكذلك صدور كتاب فني أنيق بالنصوص والصور عن تجربته في مقدمة ونصوص للناقد حسين التليلي.
معرض فني في مسيرة فنية متواصلة وفيها الجديد تجدد الفن وسياقاته الجمالية وهكذا.. انه الفن بما هو جوهر النظر تجاه الأشياء.. العناصر.. الآخرين.. العوالم.. بما يعنيه ذلك من حوار تجاه الذات وهي تنحت رؤاها مثلما ينحت الماء مجاريه في الصخر.. ثمة حنين ونشيد من قبيل الموسيقى الأولى.. موسيقى البدايات..
و الفن كذلك ومع ذلك هو هذا السفر الدفين قولا بالدهشة واللمعان في عالم معتل يشغله الصخب وضجيج الحالات.. هذا ما يفعله الفن بالكائن وهو ينشد لدواخله تحكي شجنه العالي.. من هنا كان لا بد من حكابة تلون أحوال الفنان الطفل المسافر بين دروب شتى يجمعها عنوان لافت هو فعل الازميل والأنامل والروح.. تنكب على فعل النحت.. انكباي الطفل على دميته يصغي اليها يهبها شيئا من ذاته من طمأنينة مفعمة بالبراءة.. بالوداعة.. تحكيها خطاه الأولى.. حيث لا مجال لغير القول بالوجد والحميمية نحو الذات.. انها لعبة الفنان الباذخة التي يرتجي من خلالها نحت أصواته وألوانه المحبذة والمحمودة في مساحات الشواسع.. شواسع الكيان..
هكذا نلج عوالم فنان طفل يحاور المادة يمنحها شيئا من أنفاسه وهو يدندن أغنية بها شجن قديم تجدده الأنامل.. تعددت أعماله من مختلف الأحجام وعديد المواد من البرنز الى النحاس والرخام والخشب وغير ذلك..
بعد الأعمال المتعددة التي منها تماثيل عرفتها شوارع وساحات تونسية تختصر علاقة ومحبة الفنان للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.. كان المجال لعدد من الأعمال الفنية التي هي منحوتات مختلفة المواد والتي تميزت بحركيتها وتعبيريتها البينة حيث المرأةالغارقة في الرقص والفرس في عنفوان الحالات والمرأة على الدراجة.. و غيرها.. أعمال وأمثلة تصويرية بتقنية التخطبط للمنحوتات.. و " منحوتات ".. هو العنوان الجامع للمعرض الخاص السابق للفنان الذي انتظم قبل سنوات بفضاء العرض برواق الكمان الأزرق.. الفنان الذي نعني هو النحات الهاشمي مرزوق ابن مدينة المحرس والمقيم بتونس العاصمة من سنوات..
حدثني عن تجربته وعن أعماله القديمة والجديدة.. كان ذلك منذ فترة وببيته بضاحية باردو حيث انتصبت منحوتاته بأرجاء بيته الى جانب لوحات تخطيطاتها ومراحل تصورها.. كان السيد مرزوق يحدثني بشغف كبير تجاه عمله وانتصاره لمنجزاته الفنية التي تنوعت منذ منتصف الستينات والى الآن.. رجل ثمانيني بروح طفل وفنان لا يهمه ضجيج الساحة الفنية وتقلب أحوالها فهو لا يفكر في غير عمله الذي ينجزه وهو في حالة من الرقص الروحي مثل زنجي قديم..
في المنحوتات اشتغال على الحركة وتفاعلات الجسد.. و منذ أكثر من خمسة عقود سعى سي الهاشمي مرزوق الى تنويع مواد منحوتاته في تلويناتها وأشكالها وأحجامها ديدنه الجمال المصقول والحركة في تنوع تعبيريتها كل ذلك ضمن سنوات من العمل المتواصل والدؤوب وبحرفية ومهارة عرف بها بين جيله من الفنانين..
وكان هناك صدور لكتاب فني عن تجربة الفنان في تأليف للناقد التشكيلي حسين التليلي المهتم بالفنون التشكيلية ضمن عنوان " الهاشمي مرزوق والنحت في تونس " وتصميم غلاف وصور للفنانة ايناس مرزوق.. يسافر بنا الباحث والناقد حسين التليلي في عوالم التجربة الفنية للنحات مرزوق عبر مراحلها من البدايات الى الآن في نصوص تقرأ التجربة والمنجز..
تجربة ومسيرة.. و مجال مفتوح بهذا المعرض بقاليري الكمان الأزرق.. منحوتات مضافة لأعمال عرف بها الفنان في مراحل منها البدايات وما بعدها ومنها تماثيل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة والمنستير والقيروان وطبرقة الى جانب الحضور الفني عبر دروع وهدايا فعاليات ثقافية تونسية منها تظاهرات قرطاج السينمائية وقرطاج المسرحية وقرطاج الموسيقية ومناسبات أخرى.
في هذا المعرض تجوال فني يشي بحيز مفتوح على اشتغال حرفي فني من قبل فنان يحاور المادة ويحاولها قولا بالفكرة تنهض على جانب مهم من حلم تشكل منذ البدايات ليتحول الى شغف فني تعددت به ومن خلاله منجزات الهاشمي مرزوق الذي لم يجد الطريق معبدة في سنوات الستينيات بل انه كابد وتمسك بولعه الفني ليبلغ هذه اللحظة.. لحظة جمالية باذخة يستعيد فيها الفنان مثل متقبل فنه خلاصة التجربة والمنجز و الانطلاقة الجديدة.. نعم هكذا حدثني وأنا أهم بمغادرة بيته –المعرض المتحف السابق للفيولون بلو قائلا.. انا مواصل في عملي بنفس الروح والدأب والعزم.. الفن حياة مفتوحة..
بين الزيارة والمعرض.. بين لقاء المنزل بباردو وقاليري صلاح الدين وقبله الكمان الأزرق وكتاب حسين التليلي.. تمكث تجربة فنان محرسي قديم متجدد لا يلوي على غير القول بالفن كملاذ ومتنفس ومجال تعبيري هام في حياة الناس.. معرض جديد للفنان الهاشمي مرزوق بقاليري صلاح الدين في الفترة من 20 ماي الجاري الى 10 من جوان المقبل وذلك بعد سلسلة من المعارض الشخصية والجماعية والمشاركات المتعددة في الفعاليات الثقافية الفنية بتونس وخارجها.
***
شمس الدين العوني