أقلام ثقافية
ناجي ظاهر: لحظات مع لاعب شطرنج عالمي
أتيح لي مؤخرًا، بفضل دار المدى العربية العراقية- السورية، أن اقرأ رواية طالما أحببت أن اقرأها، هي رواية "لاعب الشطرنج"، للكاتب النمساوي الجنسية العالمي الهوى استفان تسفايج. هذه الرواية صدرت قبل سنوات بعيدة جدًا بترجمة الكاتب العربي المصري يحيى حقي، صاحب الرواية القصيرة المشهورة "قنديل أم هاشم"، وقد أعادت دار المدى طباعتها عام 2010 وأعادت طباعتها مرة ثانية عام 2017 وهذه هي الطبعة التي قرأتها.
منذ قراءتي روايتي: "رسالة إلى امرأة مجهولة"، و" 24 ساعة في حياة امرأة"، وبعدهما " فوضى الاحاسيس"، وانا لا أتردّد في قراءة كل ما تقع عليه يدي من كتابات صاحبهما استيفان تسفايج، واذكر مما قرأته له روايته" الحب المجنون". وكتبه الرائعة "كازانوفا". "ماري انطوانيت" و"بُناة العالم". آخر كتاب قرأته له هو كتاب مذكراته الرائع "عالم الامس"، وها انذا اقرأ روايته لاعب الشطرنج. هذه الرواية عبارة عن نوفيلا/ رواية قصيرة، تروى، عبر ضمير المتكلم، ويتمّ افتتاحها بإخبارنا أن هناك رحلة بحرية من نيويورك إلى بوينس ايرس، يشارك فيها البطل العالمي في لعبة الشطرنج، المدعو زينتوفيك. الراوي يحاول أن يفتعل طريقة لاستدراج هذا البطل للعب على متن السفينة، إلا أنه يتردّد تَحسّبًا لرفض مُحتمل، ويحدث أن يتمّ رهانٌ أو تحدٍ بينه وبين أحد المسافرين، يتكلّل بموافقة بطل الشطرنج على اللعب، شريطة أن يتلقّى أجرته. البطل زينتوفيك وهو صاحب شخصية تفضّل الصمت على الكلام، يأخذ في اللعب مع البارعين مِن رُكّاب السفينة مُحقّقًا الانتصار تلو الانتصار، إلى أن يظهر شخص، يدخل اللعبة مُتسلّلًا إليها عبر التفرّج، فينقلب الميزان. هذا الشخص كما نتعرف عليه لاحقًا محام مُعاد للنّازية يُلقى القبض عليه، ويُوضع في غُرفة فارهة في أحد الفنادق للتحقيق معه، ويتمكن خلال انتظاره المُمضّ للتحقيق معه، من سرقة كتاب.. سرعان ما يكتشف أنه يتحدّث عن لعبة الشطرنج. في البداية يجد صعوبةً في التعاطي مع رموز هذه اللعبة كما وردت في ذلك الكتاب، غير أنه سرعان ما يتغلّب على هذه الصعوبة ويُضحى مع مضي الوقت مهووسًا بلعبة الشطرنج، وبما أن هذه اللعبة تقتضي لاعبين.. وبما انه، ويدعى "ب" في الرواية، وحيد في غرفته، فانه يشرع في تمثيل الحالات المحتملة لهذه اللعبة، متقاسمًا مع نفسه اللونين الاسود والابيض، والاربعة والستين خانة، نصفها بالأسود والآخر بالأبيض. البطل زينتوفيك يُهزم أكثر من مرّة أمام غريمه "ب "غير أن الرواية تنتهي بتفوّق بطل العالم زنتوفيك.
يصف تسفايج لعبة الشطرنج في روايته قائلًا.. إنها لعبة لا دخل للحظ فيها. كلّ سحرها كامن في مسألة واحدة، هي النزال بين ذهنين.. كلّ منهما له خطته المُضمرة وأسلوبه. إن هذه المعارك العقلية تنجم من أن صاحب اللون الاسود لا يعرف خطة صاحب اللون الابيض، فيحاول كلّ منهما أن يحرز مرمى غريمه ليفسده عليه.
فيما يتعلّق بالأسلوب الروائي. يتّبع تسفايج كما في كلّ رواياته، الاسلوب التولّيدي المُحكم، فلا حدث زائد وأكاد أقول لا كلمة زائدة، مما يجعل الرواية لديه قصيرةً مكثّفةً تمضي وفق اسلوب تصاعدّي مركّز باتجاه نهايتها المحتّمة.
هذه الراوية كُتبت قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، وما زالت جديرة بالقراءة. فاقرأوها.
***
بقلم: ناجي ظاهر