أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: العاشق النفّاع.. محمد نفاع في ذكراه الثالثة

فقدت الحركة الادبية المحلية في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، احد اعمدتها البارزين، وودعته في اليوم التالي، الى مرقده الاخير بأكاليل الورد والرياحين التي طالما احبها وتغنى بها فيما تركه من ارث ادبي قصصيّ لامس العديد منه حفاف الخلود وكرّسه منذ سنوات بعيدة موغلة في البعد، واحدًا من رواد القصة القصيرة الفلسطينية بعد قيام اسرائيل، وقد حظي الكاتب محمد نفاع (14 ايار من عام 1939- 15 تموز 2021) باهتمام واسع محليًا وعربيًا وحتى عالميًا، فاقبل القراء على مطالعة ما خلّفه من ارث قصصي غني، اقبال المدرك المحب لأهميته الادبية الثقافية، كما حظي باهتمام عربي واجنبي، تمثل في اعادة نشر قصصه وترجمتها إلى العديد من اللغات الحية، كما تمثل في الدراسات اللافتة التي كتبها عنه دارسون ذوو اهمية ومجلّون في مجال الدراسة الادبية السردية خاصة.

محمد نفاع من مواليد قرية بيت جن الواقعة في منطقة الجليل الاعلى، وقد عُرفت قريته هذه بطبيعتها ذات المناظر الفتانة الخلّابة. تلقى تعلمه الاول في مدارس قريته بعدها تلقى تعلمه الثانوي في قرية الرامة. درس الادبين العربي والعبري في جامعة القدس العبرية. تنقل بين اعمال متنوعة ومتعددة مما اكسبه تجربة وخبرة حياتية واسعة، وجعله بالتالي ذا معرفة متعمقة في مواقع قريته وتضاريسها، وقد اغتنت قصصه بأدق التفاصيل المتعلقة بقريته، مما جعله كاتبًا مكانيًا، لا سيما في قصصه الاولى والمتوسطة، حتى انطبق عليه ما قيل عن الكثيرين من الكتاب في العالم، مثل العربي المصري نجيب محفوظ الذي لم يخرج من مدينته القاهرة الا ليعود اليها. مكانية نفاع هذه منحته عمقًا موغلًا في ارض قريته وما احتوته من نبات وامكنة تحمل الاسماء الفارقة، وما عاش فيها ودب على ارضها من كائنات مختلفة. زاد في هذا العمق اطلاع واسع على العديد من النماذج الادبية العالمية لا سيما الروسية. شغل نفاع خلال حياته المديدة العديد من المواقع السياسية والثقافية، وقف في مقدمتها منصبه عضو كنيست في البرلمان الاسرائيلي خلفًا للشاعر الراحل توفيق زياد، ورئاسته لتحرير صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية العريقة، الا انني لن اتحدث عن هذا الجانب من حياته وآرائه السياسية وافضل ان اتحدث عن الجانب الادبي في حياته، هذا الجانب الباقي منه كما ارى.

الارض حبيبته

ابتدأ محمد نفاع الكتابة عام 1964، وكانت بدايته هذه مع الشعر إلا انه ما لبث ان انصرف عنه لفشله في كتابته كما صرح في احد الحوارات معه. انصرف عن الشعر ليتخصص في كتابة القصص القصيرة، وقد ترك في مجال السرد القصصي والروائي عددا من الاعمال الادبية منها:

1. العودة إلى الأرض (قصص)، 1964.

2. الأصيلة (قصص)، دار عربسك، 1975.

3. ودية (قصص)، الأسوار، عكا، 1976.

4. ريح الشمال (قصص)، الأسوار، 1878.

5. كوشان (قصص)، عكا، 1980، القاهرة، 1980.

6. الذئاب (قصص)، مرج الغزلان (رواية)، عكا، 1982.

7. وادي اليمام (قصص).

8. خفاش على اللون الأبيض.

9. أنفاس الجليل (قصص)، 1988.

10. فاطمة (رواية)، منشورات راية. حيفا،2015.

بذور قصصه

البدايات القصصية الاولى لكاتبنا الراحل، تمت كما سبق في اواسط الستينيات، وقد تزامنت مع طلائع هامة في كتابة القصة القصيرة المحلية، في مقدمتها الكاتبان محمد علي طه وزكي درويش، وقد لفت نفاع النظر منذ البداية مع ان لكل من هؤلاء الكتاب الثلاثة طعمه، رائحته ولونه، وكانت الميزة التي ستتجلى فيما تركه محمد نفاع من انتاج قصصي، هو ذلك التعلق بالأرض والالتصاق بها عُمق التماهي معها، والفريد ان كاتبنا عاش قريته المعروفية بكل عمق وصدق منطلقًا من روح شعبية وتراث اسطوري خصب، وهو ما انتشر في قصصه حد المبالغة احيانًا، وقد دفعت خصوبة فقيدنا هذه الشاعر الصديق الراحل ايضًا سميح القاسم إلى أن يمتدحه وهو يستقبل عام 1968 احدى قصصه ابان عمله محررًا لمجلة "الجديد" الحيفاوية، بقوله لكاتب هذه السطور: هذا كاتب هام جدًا. انظر إليه كيف يصف عزف الراعي الفلسطيني على شبابته بانه راح ينجر عليها. هذه المواصفات التي ميّزت كاتبنا دفعت الشاعر القاسم لان يطبع ضمن منشورات "عربسك" الخاصة به، المجموعة القصصية الهامة لكاتبنا الرحل وهي "الاصيلة" . ولم يكن القاسم هو المفتون الاول بقصص فقيدنا وانما امتدت هذه الفتنة لتشمل قطاعات شعبية واكاديمية واسعة النطاق كما سلفت الاشارة.

اليوم وانا اعود بالذاكرة إلى النتاج الادبي القصصي لفقيدنا اتذكر قصصه: خفق السنديان، الاصيلة، ودية والداغ علاماتٍ فارقةً في قصتنا العربية المحلية، وارى فيها روحًا ادبية شعبية تستمد نسغ حياتها وكينونتها من اعماق بلادنا وانسانها المتطلع الى الحرية والمحبة، روحًا وصلت إلى آماد بعيدة الغور وذات اعماق سحيقة في اليومي والاسطوري ايضًا، وهو الامر الذي جعلني اعيد نشرها في اكثر من كتاب ومجلة ادبية على اعتبار انها من روائع قصصنا المحلية.

محمد نفاع.. باق في الوجدان والذاكرة..

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم