أقلام ثقافية

إدمان الزواج / ترجمة: محمد غنيم

(مقتطف من كتاب نساء محاطات بالماء لباتريشيا كورال)

بقلم: باتريشيا كورال

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كان زواجي بمثابة رحلة بحث لا تنتهي أبدًا

كنت دائمًا أبحث عن الأشياء التي أخذها زوجي، والقرائن التي تركها وراءه

***

1- إدمان الزواج:

أتذكر كيف بكيت عندما مشيت نحوك وأمسكت بيدك بين يدي.

بعد الزفاف، رقصنا طوال الليل في كاسا دي إسبانيا على أنغام أغانينا المفضلة، وعلى وقع فرحة أصدقائنا، وعلى وقع حبنا. كانت قدماي تؤلمني. وعندما اشتكيت من الألم، أخذتني إلى جانب حلبة الرقص وأحضرت لي كرسيًا لأجلس عليه. ركعت أمامي، وخلعتُ حذائي ذي الكعب العالي، ودلكتني قدمي. التقط صديق صورة لي بفستان زفافي وقدمي العارية في يديك.

لا أملك صورة لجبهتك المقطوعة، ولا للدم الأحمر الذي كان يسيل من أنفك حتى وصل إلى فمك، كالنهر الذي يجري إلى البحر.

أجسادنا العارية على سرير فندق. يدك اليسرى على صدري، وقبلاتك الرطبة على عنقي. “زوجتي، أنا محظوظ لأنك زوجتي,” همست، وكنت أتأمل خاتم زواجك المتلألئ على إصبعك.

كنا جائعين. في وقت متأخر من الليل، مشينا متشابكي الأيدي إلى المتجر لشراء بعض الوجبات الخفيفة. اخترتَ علبة بسكويت محشو بالجبن، وعدنا إلى الفندق. جلسنا جنبًا إلى جنب في شرفة غرفة النوم وفتحنا زجاجة من الروم. امتزجت ضحكاتنا بصوت الأمواج وأشجار النخيل في سان خوان. بقينا مستيقظين حتى الفجر، حتى لم يتبقَ بسكويت أو روم.

في رحلتنا الأولى معًا، سمحت لي أن أجلس في مقعد النافذة في الطائرة. كنت تعرف كم أحب ذلك. غفوت على صدرك بينما كنا في السماء. فتحنا الطاولة لملء بطاقة السائح، والتقطنا صورًا لأيدينا اليسرى مع خواتم زواجنا الجديدة وأول مستند حددنا فيه "متزوجان". حملت أمتعتي عندما هبطنا في بونتا كانا.

غرفة ذات إطلالة على المحيط. ملابس داخلية مختارة بعناية. أيام أمضيناها بين السرير والماء. كتبت أسماءنا على الرمال مع قلب وعبارة "متزوجان للتو" بجانبهما. لم تتوقف عن تصويري. لم تتوقف عن قول كم تحبني.

طلبت منك أن تتوقف عن طلب كل هذه المشروبات في البار.

كان يوم اثنين. جلبت عبوة أخرى مكونة من ستة زجاجات من مدالا إلى منزلنا. رميتها على أرضية الشرفة غير المكتملة في الفناء الخلفي وصحت: "لن أسمح بالمزيد من الكحول في هذا البيت. لقد سئمت من الأمر." في الحقيقة، كنت قد سئمت منك. ربما رميتُ علب البيرة على الأرض لأنني لم أستطع رميك، أو رمي عملي، أو دراساتي العليا، أو بيتنا، أو زواجنا، أو نفسي. بكيتَ هناك، أو لاحقًا في سريرنا حتى غفوت. أو هكذا أذكر ذلك. أو هكذا أريد أن أتذكره، لقد دفعت ثمن قسوتي شعورا بالذنب.

في بعض ليالي الجمعة، شعرت وكأننا مثل أي زوجين شابين متزوجين. تناولت بيتزا متوسطة الحجم بالبصل ونصف لحم مقدد ونصف لحم خنزير. جلسنا على الأريكة لمشاهدة أفلام كوميدية على التلفزيون الذي اشتراه لنا والدك. استلقى الكلبان على الأرض بجوارنا مباشرة. كانت أحلامي صغيرة.

اتصلت بصديقتي المقربة وأنا أبكي.

قلت لها: "ما زال ليس لدينا طاولة طعام في المنزل"

أجابتني: "لا تبكي! لديك زوج يحبك حقًا، وهذا هو الأهم . يستغرق الأمر وقتًا لترتيب المنزل "

لم أخبرها أنك كنت تشرب البيرة كل يوم وأن الثلاجة كانت شبه فارغة.

كرهت أن أكون معلمة بدوام كامل، وطالبة دراسات عليا بدوام كامل، وزوجة بدوام كامل. كنت أنام على الأريكة بمجرد وصولي من العمل كل عصر حتى اليوم التالي. كنت تقول لي مرارًا وتكرارًا: "أشعر بالوحدة الشديدة"، ولم أكن أستمع إليك.

كل بضعة أشهر، كنت تقطع الموز الأخضر والموز الطازج من حديقة منزلنا، وتضعها داخل أكياس التسوق، وتقدمها لجيراننا.

عندما دعونا الأصدقاء إلى منزلنا، استغرق الأمر مني وقتًا طويلاً في التنظيف.. "لماذا أنت بطيئة جدًا؟ توقفي عن الانشغال بالتفاصيل. اذهبي لتأخذي دشًا، وسأكمل الباقي " قلتِ لي ذلك وأنت تأخذ الممسحة من يدي. شعرت بعدم الكفاءة.

اتصلت بالعمل وأبلغتهم أنني مريضة لأن سيارتنا لم يكن بها ما يكفي من البنزين.

كنتِ تسهر معي طوال الليل عندما كان عليّ إنهاء ورقة تخرجي. كنتِ تحضر لي القهوة     وتفرك رقبتي. "أنتِ تستطيعين فعل ذلك. أنهيتِ تقريبًا. أنا هنا معك." بعد عدة أشهر، احتفلتِ بشهادتي من خلال التقاط صورة لها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مع تعليق كتبته، "أنا فخور جدًا بزوجتي."

كان الصيف، ومع ذلك كنتِ ترتدي قميصًا بأكمام طويلة لتغطية ذراعيك.

بدأت تفقد الطلاب. أردت أن أعتقد أن السبب في ذلك هو الاقتصاد وليس لأنك لم تحضر دروس الموسيقى. لم تغادر غرفة النوم لمدة أسبوع. وعندما فعلت ذلك، لم يعد لديك وظيفة.

في الصباح، كنتُ أرتدي ملابسي للعمل وأجلس على السرير أستعرض الأرض. استغرقني الأمر ساعة لأقوم وأغادر المنزل بينما كنتِ نائمة. كنتُ خائفة من مغادرة المنزل خوفًا من أن أجد جثتك ملقاة على أرضية المطبخ عندما أعود وأفتح الباب.

لقد وعدتني بتقليم الشجرة التي كانت أمام المنزل. وعندما عدت إلى المنزل من المدرسة، وجدتك تبكي في المطبخ.

" هل أنت بخير؟"

قلت لى:

"لقد قتلت الشجرة؛ لقد قطعتها كثيرًا".

نظرت من خلال النافذة ورأيت أن الشجرة فقدت معظم أغصانها.

"لا تقلق، ستنمو مرة أخرى"، طمأنتك.

وهذا ما حدث بالفعل.

2- إدمان الزواج:

تشاجرنا في طريقنا للاحتفال بذكرى زواجنا وعيد ميلادي. لقد أنفقت المال الذي كنا سنستخدمه في مغامرة نهاية الأسبوع. عندما وصلنا إلى الفندق أعطيتني هدية وبطاقة مكتوبة بخط اليد. كان السطر الموجود على البطاقة يقول، "أنا آسف لعدم تمكني من منحك كل ما تستحقينه". وبكيت.

سألتني بينما كنت تخلع قميصك لتدخل المسبح، وكنت أنظر إلى النقاط الحمراء الجديدة على ذراعك:

"هذه العلامات قديمة. هل تصدقيني؟"

كذبت:

"أعرف"

انتظرتك في منزل والديّ لتناول عشاء عائلي.

قلت لي عندما اتصلت بك أسأل لماذا تأخرت.

"أشعر أنني سأمرض. أفضل البقاء في المنزل "

عندما وصلت إلى منزلنا، كنت ترتدي ملابسك للخروج.

سألت، وبدأت المشاجرة: " إلى أين تذهب؟"

أجبت: " سأذهب لأحضر بعض البيرة"

صرختُ: "لقد سئمت من شربك. إذا كنت ستستمر في الشرب هكذا، فمن الأفضل ألا تعود إلى المنزل "

مرت ساعات ولم تعُد. كنت خائفة. اعتقدت أنك ميت. عدت إلى المنزل في الصباح وأخبرتني أنك تعرضت لانتكاسة. كانت تلك بداية حرب سأظل أشعر بالمسؤولية عنها دائماً.

لقد دعوتني إلى مجموعة من اثنتي عشرة خطوة في ليفيتاون. ذهبت إلى اجتماعات الأسرة بينما ذهبت إلى اجتماع المدمنين المتعافين. رأيت امرأة شابة تتحدث إليك خارج الغرفة. كانت تحتفل بثمانية أشهر من الإقلاع عن الإدمان. أتذكر الخوف في عينيها عندما أخبرتها أنك تعاني من انتكاسة بعد سنوات من التعافي. في تلك الليلة توقفت عن حضور اجتماعات التعافي.رجل مسن من مجموعتي فقد زوجته بسبب المخدرات. أهدي إليّ كتابًا مع ملاحظة في الخلف تقول: "اختر نفسك."

خلعت خواتم زواجي وضعتها على طاولة القهوة قبل أن أنام على الأريكة. عندما استيقظت في الصباح، لم أتمكن من العثور عليها. قلت لي: "ربما ابتلعها الكلب عن طريق الخطأ" أردت أن أصدقك.

جئت ترتعش إلى غرفة النوم مع كوب من الماء. تسللت إلى السرير، وعندما عانقتني، كانت بشرتك حارة كالحمى.

كانت أغنية "إل دراجون" تعزف في راديوك. كانت تلك نشيد جحيمك. أطفأت أضواء غرفة النوم وبقيت في السرير لعدة ساعات أراقب السقف. كانت الشياطين تزورك مرة أخرى.

قائمة الأشياء المفقودة:

1- الساعة الذهبية والماسية التي أعطتها لى  جدتي.

2- العقد الأبيض والأزرق من الياقوت الذي كان لتيتي كارلا

3- خاتم زواجك.

هل أخذت خاتمي؟

آثار الحقن. تحت قميصك ذو الأكمام الطويلة. نقاط حمراء تشير إلى مسار عروقك.

قائمة أخرى:

1. جيتارك

2. مجموعة الطبول الخاصة بك.

3. راديوتنا

4. دراجتك

5. وظيفتك

6. سيارتي

7. الأمل

وجدت حقنا فارغة في خزان المرحاض وداخل حذائك. وجدت ملعقة في الغسالة عندما كنت أقوم بالغسيل، كانت معوجة، محترقة من الأسفل بدائرة سوداء غير متساوية.

لكمك الجار في وجهك عندما علم أنك سرقت لوح التزلج الخاص به. كانت ابنتنا الروحية تزورنا. كانت تبكي عندما سقط جسمك على الأرض. ضممتها إلى صدري.

لقد وقعت في فخ البحث عن الكنز الذي لا ينتهي أبدًا.

1- إدمان الزواج:

أحضرت معك جوع الشارع. شغلت الموقد، وأخرجت الحليب، وكيس دقيق الذرة، بينما كنت أتأكد من أنك لن تحرق أي شيء. أنك لن تحرق نفسك. كنت أنظف خلفك، وأتعثّر بك مع كل خطوة، مع كل نصف دورة، كأنني أحاول بفشل أن أرقص سون كوبا. بدون حفلة. بدون فرح. بدون موسيقى. كنت منزعجًا كأنني أدوس على قدميك. لم تفهم أبدًا كم كان صعبًا تنظيف دقيق الذرة الجاف من قدر، من السقف، من الخزائن، من الطاولة، من الأرض، من الملابس، من طبق... كنت تعرف فقط كيف تسكبه. من التعثرات ورقصتنا المتكسرة في المطبخ، ذهبت إلى مائدة الطعام وأنت تسكب دقيق الذرة في طريقك. غائب، بذيول ممتلئة وبطن فارغ، جلست إلى الطاولة وحاولت أن تأكل بضع لقيمات دون أن تسقط من كرسيك. جلست معك على الطاولة وهززت كتفك لأبقيك مستيقظًا، لكنني قمت وذهبت إلى المطبخ لأنني لم أرغب في رؤيتك بعد الآن. نمت ووجهك على الطبق. نظفت الفوضى على الأرض بينما كانت لا تزال طازجة. انتظرت أن تستيقظ لأخلع قميصك وأغسل وجهك.

أخذتَ المفاتيح التي أخفيتها في درج المطبخ، وفتحتَ الباب الأمامي، وغادرتَ منزلنا. عندما خرجتُ من الحمام لأستعد للنوم، أدركتُ أنك قد رحلتَ. عدتُ إلى الدش وبقيتُ تحت الماء الدافئ لأطول فترة ممكنة، حتى أصبحت أصابعي مجعدة وبشرتي نظيفة بشكل زائد. كان ذلك يُشغلني عن الخوف من نوبة الهلع. ساعدني في تجنب التفكير في كل الأخبار السيئة التي يمكن أن أستقبلها.

ماذا لو جرع جرعة زائدة؟

ماذا لو اتصلت بي الشرطة لأتعرف على جثته؟

رفضتُ هذه الأفكار.

لديه خبرة في تعاطي المخدرات. لن يرتكب خطأً.

كنتُ أبحث عنك في سابانا سيكا ورأيتُ من بعيد رجلًا مشردًا يعبر الشارع. لكن، كان هو أنت. لم أستطع التعرف عليك. ناديته باسمك، وعندما استدرتَ، رأيتُ وجهك. جبهتك مصابة، ونهر من الدم يجري بين عينيك الكبيرتين، الخضراوين اللتين لم تتعرفا عليّ أيضًا.

صرختُ من داخل السيارة:

"إلى أين تذهب؟"

"أنا ذاهب إلى المنزل، ألا ترين؟"

أجبتَ وأنت تعبر الشارع، وعيناك تائهتان، وأنت ضائع. كنتَ تسير في الاتجاه المعاكس للعودة إلى المنزل، وتساءلتُ منذ متى كنتَ تحاول العودة.

" ادخل، سآخذك إلى المنزل."

لم تنظُر إليّ، لكنك دخلت السيارة. ربما كنتَ تثق بالصوت الذي وعدك بأن يأخذك إلى المنزل.

هل يمكنك التقاط صورة لروح محطمة؟

عدت إلى المنزل من العمل ووجدتك على الأرض. ألقيت بنفسي فوق جسدك وهززتك بقوة قدر استطاعتي لأرى ما إذا كنت على قيد الحياة، وكأنني أستطيع إعادة روحك من الموت. فتحت عينيك. أتذكر نظرتك الفارغة. عينيك البيضاوين. أتذكر أشياءً لا أريد تذكرها. لا أريد الكتابة عنها. اعتبرها مكتوبة في هذا الفضاء:

" لا أريد أن أكون متزوجة منك بعد الآن "

صرختُ بها في صباح يوم الأحد. ذهبتَ لتعيش أنت مع والديك. وبقيت وحدي في منزل مسكون.

تلقيتُ مكالمة من جارتي بعد بضعة أيام من رحيلك. قالت في الهاتف.

"أعتقد أن منزلك قد تعرض للاقتحام "

عدتُ إلى المنزل مسرعة من العمل ورأيت نافذة المطبخ المكسورة. تلفازنا ملقى على الأرض خارجًا. وجسمك يخرج من النافذة. دفعتك بمجرد خروجك من النافذة.

"ما خطبك؟ هل جننت؟

صرختُ، ولم ترد.

أخذتَ التلفاز من الأرض، وقلت لك:

"إذا أتيتَ إلى هذا المنزل مرة أخرى، سأستدعي الشرطة"

أجبتَ زأنت تتعثر في الشارع:

" اللعنة عليك"

مرّت امرأة بسيارتها، ودخلتَ في سيارتها. انطلقت بك بسرعة. حتى لم أعد أراك.

(تمت)

***

........................

* مقتطف من كتاب نساء محاطات بالماء للكاتبة باتريشيا كورال. © 2024 جامعة ولاية أوهايو.

المؤلفة: باتريشيا كورال/  Patricia Coral كاتبة بورتوريكية ثنائية اللغة. تحمل شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية من الجامعة الأمريكية، حيث حصلت على جائزة ميرا سكلارو وكانت رئيسة تحرير مجلة FOLIO. تكتب كورال في مجال النثر الإبداعي والشعر، لكنها غالبًا ما تجد كلماتها مكانها في الحدود بين الاثنين.  كانت مديرة الفعاليات السابقة لمكتبة Politics and Prose، وقد ساهمت في العديد من المجلات الأدبية. مذكراتها (نساء محاطات بالماء) أول كتاب لها.

في المثقف اليوم