ترجمات أدبية

قبو الاختطاف / ترجمة: محمد غنيم

قصة قصيرة
بقلم: مود نيوتن
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***

تستلقي أمي في سرير المستشفى، نظيفة تمامًا وغارقة في النوم. شعرها قصير وناعم، رمادي مشع يتباين مع بشرتها في ضوء هذا الصباح الغائم. لسنوات، كنت أراها—في المناسبات النادرة التي كنت أراها فيها—فقط وهي ترتدي شعرًا مستعارًا بلون العسل الأشقر. على حد علمي، كانت ترتديه في كل مكان: إلى متجر البقالة ومتاجر السلع المستعملة، لتعليم الأطفال في مدرسة الأحد، ولتوزيع الكتيبات الدينية في الحديقة، وللجلوس بصبر شديد على طاولتها، أو في الغرفة التي تحتوي على الأرائك التي لا تُستخدم إلا مرة أو مرتين في السنة للضيوف. فقط الآن أدرك كم كان هذا اللون النحاسي غير مناسب لها.
خلال الليل، اعتدت على صوت الفنتيلاتور الهامس، وأصوات أجهزة المراقبة، وعربات التمريض التي تصطدم في الممرات، لكن مع تلاشي تأثير الأدوية، بدأت هذه الضوضاء تزعج أمي. حتى رائحة المطهر الحمضية الناتجة عن تنظيف الممر بدت وكأنها تثير اضطرابها أيضًا. بين الحين والآخر، تحاول أن تصل إلى الإبرة الوريدية، أو تشدّ ثوب المستشفى إلى أعلى، أو تغوص أكثر في الوسائد الداعمة، فتندفع الممرضة إلى الداخل.
بينما تخرج أمي ببطء من الغيبوبة الطبية، يسبق القلق استيعابها للواقع. من حين لآخر، تدرس ملامح وجهي بعينيها الرماديتين الجادتين، وكأنها غير متأكدة مما إذا كانت تعرفني أم لا. مرة، عندما ضغطت على يدها، ردت بضغطة خفيفة. علامة جيدة. لكنها في معظم الوقت تغفو. كنت أمسك يدها وأتحدث إليها بهدوء، حتى لا يضطروا إلى استخدام القيود.
الجراح، رجل صغير ولطيف في مثل سني—في منتصف الخمسينيات تقريبًا—يدخل بخفة لفحص المؤشرات الحيوية لأمي، يتحسس نبضها، يسلط ضوءًا في كل من عينيها، ويضغط على يدها ليتأكد من استجابتها. والآن بعد أن استيقظت، تبقي أمي نظرها مثبتًا عليه. يسألها إن كانت تشعر بالبرد، فتومئ برأسها. إنها تومئ! يسحب بطانية من الخزانة ويمدها فوقها. "أفضل؟" يسألها، فتومئ مرة أخرى وسرعان ما تعود إلى النوم. ثم يقف إلى جانب السرير مبتسمًا، ينظر إليّ فوق نظارته الطبية.
يشرح لي أن مجرد بقائها على قيد الحياة هو معجزة. أفترض أنه يعني ذلك بالمعنى الدارج، وليس الروحي، وأحاول ألا أعبس. قبل أن يجري العملية في وقت مبكر من الأمس، أخبر زوج أمي أن الاحتمالات كانت ضئيلة بالنسبة لامرأة تبلغ من العمر أربعة وثمانين عامًا ولها تاريخ من السكتات الدماغية مثل أمي، لكن بدون الجراحة، كان مصيرها الموت. وكما اتضح، فإن أقل من واحد من كل مئة شخص يعانون من جلطة دموية متقدمة في الشريان الدماغي الرئيسي ينجون من العملية التي أجرتها. ربما أربعة من كل ألف.
يؤكد الجراح أن الهرمونات التي كانت تتناولها زادت من خطر تعرضها لحالة كهذه. يقول:
- أنا مندهش من صلابتها.
- أنا متأكدة أن مهارتك كانت العامل الأهم.
أعترف بقوة تحمل أمي الأسطورية، وأروي له بإيجاز معاناتها مع السكتات الدماغية، وكسر الورك، وسنواتها الطويلة كأم عزباء بلا مال، وحتى المرة التي رفعت فيها سقيفة متهالكة مليئة بالأدوات لإنقاذ أحد كلابها خلال عاصفة. ومع ذلك، كنا جميعًا مستعدين لموتها بالأمس بمجرد أن أوضحوا لنا الاحتمالات.
أعلم أنه عندما تفهم ما حدث لها، إذا فعلت، فستعتبر نجاتها دليلاً على نعمة الله وحمايته، وإشارة إلى أنها كانت ستموت لولا إيمانها. يقول الجراح إننا سنعرف المزيد عن تعافيها خلال الأيام والأسابيع القادمة، لكنه متفائل. إذا سارت الأمور على ما يرام، فقد يزيلون جهاز التنفس في أقرب وقت غدًا.
انهارت أمي في ساعات الفجر الأولى بالأمس، شعرت بالدوار أثناء جلوسها على المرحاض، وأغمي عليها عندما حاولت الوقوف، ولم تستعد وعيها قبل أن يتصل زوجها بسيارة الإسعاف. قال لي زوجها، عندما اتصل بي في طريقه إلى المستشفى، إن تنفسها توقف في البداية، وكذلك قلبها، لكن كلاهما عاد للعمل عندما جرّها إلى السرير، بينما كان خزان الأكسجين الخاص به ينزلق خلفه على عربته.
حجزت تذكرة سفر من نيوارك، جمعت بعض الأغراض في حقيبة، استأجرت سيارة من كوينز، وانطلقت في الوقت المحدد بين عواصف بعد الظهر. كان من المفترض أن أؤدي في حفلة خاصة الليلة الماضية، لكن لحسن الحظ، وافق المنظم على خصم حصتي من الأجر وجعل كالب—زوجي وزميلي في الفرقة—يقدم العرض بدوني. لم يكن الدخل الجيد متاحًا في السنوات القليلة الماضية، وكنت أعتمد على ذلك المبلغ، خمسة آلاف دولار، لكن لا يزال هناك بعض الرصيد المتبقي في البطاقة الائتمانية، وكالب سيتمكن من تغطية قسط الرهن العقاري من حصته، وعلى الأقل لن أكون في حالة خرق للعقد.
حتى رحلة الطيران المتأخرة من أتلانتا سارت دون مشاكل، وهذا بحد ذاته معجزة. هبطت الطائرة وسط الجبال التي عشت فيها خلال سنوات مراهقتي قبل منتصف الليل بقليل. بينما تظل القمم المحيطة دائمًا خصبة ومغمورة بالضباب، مغطاة بأشجار التنوب والراتنج والطحالب وكأنها جزء من حلم، لطالما اعتبرت مدينة آشفيل نفسها جافة إلى حد ما، متذكرة نزيف الأنف الذي عانيت منه في الشتاء خلال طفولتي. كنت قد نسيت هذه الأشهر الصيفية الماطرة.
هبطنا وسط رطوبة كثيفة كانت تتصاعد فوق المدرج بشكل مرئي. ازداد الضباب كثافة خلال الدقائق الاثنتي عشرة التي استغرقتها للنزول من الطائرة وسحب حقيبتي من الحزام الناقل.
أما في الخارج، فكان الجو حارًا ورطبًا كأنك تقف بجانب مخرج مجفف الملابس بعد أن بدأت لتوك غسلة جديدة. كان طفلي، هيكوري، مليئًا بالطاقة رغم يوم طويل من العمل البحثي في الغابات، ينتظر في السيارة القديمة من نوع بريوس ومعه شطيرة وفاكهة وثرموس من الشاي الأخضر لي. "عيون لامعة وذيل كثيف"، كانت أمي ستقول. كانت السيارة تفوح برائحة الأرض والشعر المغسول حديثًا عندما احتضنته. لا يعرف والداي أن هيكوري انتقل للعيش هنا العام الماضي ويسكن إلى الشرق من المدينة، حيث يدرس البيولوجيا الحفظية في الكلية الصغيرة للفنون الحرة في سوانا نوآ. لا يستخدمان الاسم الذي اختاره هيكوري في بداية دراسته للدراسات العليا تكريمًا للعالم الطبيعي في جبال بلو ريدج. "وكيف حال أليكسيس؟" كانت أمي تواصل السؤال. "كيف حالها؟" أحيانًا أعتقد أن هذا نتيجة للسكتات الدماغية أو المراحل المبكرة من الخرف، وربما يكون كذلك. في أوقات أخرى، من الواضح أن أمي قررت تجاهل تعليمات هيكوري وفعلت ما تريد.
عند مدخل المستشفى، تحت الضوء الأزرق للمظلة فوق المدخل، رفع هيكوري حقيبتي من صندوق السيارة، ورفع المقبض لي، ثم قبّل خدي واعتذر عن عدم صعوده معي إلى الغرفة. قال بصوت ثابت وعينين زرقاوين شاحبتين تلمعان: - لا أستطيع، ليس الليلة على الأقل. اجتاحني شعور بالارتياح يشبه، كما أتخيل، ما يشعر به الآباء عندما يتخلى طفلهم عن الأوكسيكودون أو عن حبيب مسيء. قلت له:
- جيد.
قبل ستة عشر عامًا، في غرفة عناية مركزة أخرى على بعد سبعمائة ميل من هنا، كانت هناك أيام وليالٍ شتوية لا تنتهي، قضيتها وأنا أغفو على الكراسي، أراقب نهر الشرق، أمسك بيد هيكوري الساكنة، وأتخذ قراري بقطع علاقتي بوالديّ، رغم علمي بأنهما لم يكونا سوى جزء صغير من كل ما قاد طفلي الوحيد إلى هذا اليأس القاتم. القطيعة التي بدأت حينها استمرت أكثر من ثماني سنوات، وكانت تتجدد بين الحين والآخر بعد كل زيارة أو مكالمة هاتفية، وحتى عبر الرسائل الإلكترونية، إلى أن جاءت رسالة أمي بعد إصابتها بالجلطة العام الماضي:
"هذه آخر رسالة سأرسلها. لم أعد أستطيع العمل على الإطلاق، ولا يمكنني استخدام الهاتف أيضًا—منذ الجلطة لم أعد أستطيع حتى التهجئة. أحبكم رغم كل شيء."
أمي، الإعصار البشري، سيدة الإملاء التي لا تُهزم، عاشقة اللغة، المبشرة المتحمسة والعنيدة لكل ما آمنت به، تسقط في الصمت.ورغم كل شيء، تلك الرسالة مزقتني.
***
بعد أن تركني هيكوري، أرسلت رسالة نصية إلى كالب وأخذت أراقب الضباب وهو يتدحرج فوق ساحة الانتظار لبعض الوقت قبل أن أصعد إلى الطابق العلوي. وبينما كنت استمع إلى الممرضة تُريني المكان الذي يمكنني فيه تخزين حقيبتي، استفاق زوج أمي فجأة من كرسيه القابل للطي بجانب سرير أمي. قال إنها كانت مستقرة لكنها غير مستجيبة، ثم قام ليحتضنني. بعد ذلك، قام بتبديل أنبوب الأوكسجين من الجهاز بجانب سرير أمي إلى خزانه المحمول وذهب إلى المنزل لإطعام الكلاب والراحة. جلستُ في عتمة الغرفة شبه المظلمة، وجدت نفسي بشكل مفاجئ جافة العينين معظم الوقت، لكن بفترات متقطعة من بكاء خافت مزق المناديل، وأنا أراقب أمي النائمة. لم أحاول إيقاظها. في النهاية، تمددت لأرتاح على قطعة الأثاث الصلبة الملتصقة بالجدار، تلك التي ليست أريكة تمامًا ولا سريرًا تمامًا، والتي—رغم النظام الدقيق لهذه الغرفة في العناية المركزة—تخفي على ما يبدو بقّة سرير واحدة على الأقل. أو ربما كانت البقّة في الطائرة الثانية، تندفع خارجة من وسائد مقعدي بينما كنت أحاول إعادة قراءة توقعات عظيمة، لكنني لم أفعل سوى الاستسلام للنعاس مرارًا. لكن لا مجال للخطأ بشأن اللدغة: ثلاث كدمات متناظرة على الجانب السفلي من ذراعي، تحرقني وتسبب الحكة. سأحتاج إلى أكياس قمامة الليلة لعزل ملابسي حتى أتمكن من اتباع الإجراءات التي تعلمتها خلال أيامي في بروكلين. أرسلت رسالة نصية إلى هيكوري، الذي كان يُنزل أختي غير الشقيقة، روندا، في الطابق السفلي. جاءت استجابته سريعًا: "فهمت، أوه، آسف."
وصلت روند لتوها من كونيتيكت. دخلت الغرفة وهي تدفع حقيبتها، متوازنة مع فنجاني قهوة ضخمين كانت قد أعدهما لنا هيكوري، وناولتني أحدهما. أنا وروند لا نبدو متشابهين إطلاقًا. روند طويلة ونحيفة وتتحرك بتأنٍ، ومعها صفحات من قوائم الأشياء التي يجب القيام بها وحقيبة بها ملفات، بينما أنا قصيرة، ممتلئة الصدر، ويزداد امتلائي مع تقدم العمر، أتحرك بطاقة مضطربة متوترة اكتسبتها بعد قضاء خمسة وعشرين عامًا في مدينة نيويورك. ومع ذلك، بعد أربعين عامًا من كوننا عائلة، غالبًا ما يتعرف علينا الغرباء كأخوات. ربما بسبب وجوهنا المستديرة، أو عظام خدودنا البارزة، أو أعيننا الداكنة، أو حتى طريقتنا الهادئة والمترهلة في الحديث. وربما لأننا في السنوات الأخيرة نرتدي تقريبًا اللون الأسود فقط. لا أحد يرى الأوشام الباهتة أسفل ظهورنا، لكن يبدو أن الناس يشعرون بوجودها بطريقة ما. أحاديثي مع روند صاخبة، متداخلة، تتقلب بين اعترافات عميقة، وتواطؤ متعب، ومزاح مرح، واتفاق ساخر حول أمور تتعلق بوالدينا، وهو اتفاق يجعل أطفالنا حتى اليوم يظنون أننا نتشاجر أحيانًا. لكن كما أخبرت روندا ابنتها الصغرى، أوليفيا، التي تبلغ الآن عشرين عامًا، العام الماضي خلال عطلتنا في جبال أديرونداكس: "لا، نحن نحب ذلك. هذه هي الطريقة التي نريد أن نتحدث بها مع بعضنا."
روند وأنا في نفس العمر بفارق بضعة أسابيع فقط، وقد قربتنا الظروف من بعضنا في سن الثانية عشرة عندما تزوج والدانا فجأة وانتقلنا من ميامي إلى أطراف آشفيل. اقتلعا حياتنا من جذورها ليتبعا قسيسًا يتحدث بألسنة، زعم أنه مُرسَل لجمع "جنود المسيح" في غرب كارولاينا الشمالية، قبل أن ينتهي به المطاف في السجن بتهمة التحرش بقاصر—وهو تطور كان بمثابة إثبات قاطع لشعورنا طوال تلك السنوات، بعد كل مرة وبخنا فيها لعدم تعاملنا بلطف أكبر مع القس جيري. في نهاية الصيف بعد المدرسة الثانوية، في عام 1990، حصلنا أنا وروند على توصيلة إلى مدينة نيويورك مع صديق قديم من ميامي وثلاثة آلاف دولار جمعناها من العمل في "بيتزا هت". نزلنا في شقة ابن عمي المطلة على جسر جورج واشنطن، نشعر برعد السيارات تحت ألواح الأرضية، نتناوب النوم على الأريكة والأرض، حتى بدأتُ أجني المال من تمشية الكلاب، وعثرت روندا على عمل في روضة أطفال. على مر السنين، زارت روند والدينا بشكل أكثر انتظامًا مني، وساعدتهما عندما احتاجا لذلك. لم تقطع التواصل تمامًا منذ سنتها الأخيرة في المدرسة الثانوية، عندما ضربتها أمي—أمنا نحن الاثنين بعد كل هذه السنوات—مرة أخرى أكثر من اللازم وانتقلت روند للعيش مع صديقها. ثم بدأت أمي تضربني، بعدما استنتجت على ما يبدو أنني كنت مسؤولة عن الحادثة التي دخل فيها زوج أمي إلى سريري في إحدى الليالي عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، على الرغم من أنني أخبرتها على الفور، وعندما لم تتصرف، انتقلت إلى غرفة روند بدلاً من المخاطرة بتكرار الحادثة.
بينما جلسنا أنا وروند على كرسيين قابلين للطي بدلاً من الأريكة التي كنا نشتبه بوجود حشرات سرير عليها، دخلت الأخصائية الاجتماعية، وهي امرأة قصيرة ذات شعر أحمر وطريقة حازمة وسريعة، وقدمت نفسها. كانت مرتاحة لرؤيتنا هنا دون زوج أمي. كان لديها بعض التفاصيل والمخاوف التي تريد مشاركتها استنادًا إلى ملاحظات طاقم الإسعاف وملاحظات موظفي المستشفى. قالت الأخصائية الاجتماعية:
- كانت قدما والدتكما متسختين للغاية. لاحظ المسعفون أن الكلاب كانت تفرغ نفسها على الأرض. كان من الصعب الوصول إلى السرير بسبب جميع الصناديق، وكان هناك علامات على وجود فئران.
حاولت أنا وروند أن نبدو مفاجأتين بأفضل ما لدينا من تعبيرات. قالت الأخصائية الاجتماعية:
- اضطر موظفو المستشفى إلى استحمام والدتكما أربع مرات لتنظيف قدميها. لا أعتقد أنه ينبغي أن تعود والدتك إلى المنزل بعد خروجها من المستشفى.
قلت:
- على الأرجح لا ،لكنني لا أعتقد أنها ستوافق على الذهاب إلى أي مكان آخر.
أضافت روند:
- لا أعتقد ذلك أيضًا.
قطبت الأخصائية الاجتماعية حاجبيها بتعاطف، لكن بقيت عيناها حازمتين ثم قالت وهي تشير إلى والدتنا:
- لن يكون الأمر بيدها، لن تكون قادرة على اتخاذ هذا القرار.
نظرنا أنا وروند إلى بعضنا البعض بدهشة. هل من الممكن؟ يا له من تفكير! لا يمكننا أن نتخيل أن والدتنا ستتراجع إلى حالة من عدم الكفاءة، تتراجع بلطف إلى الامتثال، وتتفق مع أي من الخطط المعقولة التي تقترحها الأخصائية الاجتماعية في أي من المنشآت المجهزة في قائمتها. أيضًا، كما أن المال قليل جدًا. لا توجد أصول سوى المنزل والأرض، وكلاهما يفقد قيمته تدريجيًا بينما يجرف المطر الطريق الترابي إلى أسفل الجبل. أما التأمين، فلن يغطي أي رعاية طويلة الأمد. لكن يبدو أن دخولها إلى منشأة إعادة تأهيل ليس مجرد خيار، بل ضرورة—حتى وفقًا لميديكير—أثناء فترة تعافيها، وذلك "لحسن الحظ!"، سيمنحنا بعض الوقت.
عندما غادرت الأخصائية الاجتماعية، شربنا قهوة هيكوري الممتازة، وعلى صوت امتصاص الحفاضة المبللة بالبول، ناقشنا الخيارات الممكنة لأمهات الآخرين كما لو كانت قد تكون ممكنة أيضًا لأمنا. في نومها، تلوّح والدتنا بذراعيها بعنف. في وقت لاحق، ستتحدث عن سحلية بشارب، وعن مؤامرات متخيلة، بما في ذلك محامية تُدعى باربرا تتآمر ضدها، وعن أنفاق سرية عملتُ أنا وزوج والدتي وأختي غير الشقيقة مع باربرا على حفرها تحت المنزل، وعن أشياء زعمت أن باربرا أخذتها بموافقتنا ولكن دون موافقتها هي.
عندما أسترجع تلك المحادثة مع الأخصائية الاجتماعية، التي كان من غير الحكمة أن نجريها في غرفة المستشفى، سأشعر بإحساس طفيف بالذنب، وكأنني كنت بالفعل متواطئة مع باربرا ضد والدتي—رغم أنني الآن لا أذكر حتى اسم الأخصائية الاجتماعية. ديبي؟ ليندا؟ ميشيل؟
وصل زوج أمي، أبيض الشعر واللحية، وكبير البطن، يشبه بابا نويل المتعب الذي يتحرك ببطء ويحمل خزان أكسجين محمول في حقيبة معلقة على كتفه. دوائر داكنة تحت عينيه؛ وكاحلاه ضخمان للغاية. بعد فيتنام، كان يدخن علبتين من سجائر "كولز" يوميًا حتى أصبحت حالته من الداء الرئوي الانسدادي المزمن سيئة جدًا. عانق روند ثم، مستنشقًا هواء إضافيًا ليعد نفسه، أخرج قطعة الأكسجين من فمه للحظة وانحنى ليقبل خد والدتي. ساعدته الممرضة في توصيل الأنبوب بالجهاز بجانب السرير. ثم جلس في كرسي قابل للطي مع تنهيدة تلتها نفس عميق من الأكسجين، وأخذ يد والدتي. "ماريان"، قال. كل بضع دقائق، حاول مرة أخرى، وعندما كرر اسمها في نهاية الساعة، فتحت عينيها، الرماديتين اللامعتين والواسعتين بسبب الحيرة. قال زوج أمي:
- كيف حال فتاتي الصغيرة الجميلة، ماريان؟
أومأت أمي برأسها. رفعت ثوب المستشفى لتكشف عن كتلة من شعر عانتها الرمادي البني. بطريقة ما، أصبح هذا المشهد أكثر إرباكًا بدلاً من أن يكون أقل إرباكًا في كل مرة رفعت فيها ثوبها اليوم. التقيت بعين روند وكان التعبير على وجهها شيئًا بين ابتسامة وتكشير، مثل التعبير الذي شعرت به على وجهي. في نفس الوقت، رفعنا حاجبينا إلى السماء، ثم أومأنا بأكتافنا. ليس الأمر كما لو أن التعري كان غير معتاد على والدتنا، التي لم تتردد يومًا في التحدث على الهاتف وهي تقضي حاجتها وباب الحمام مفتوح.
قال زوج أمي، ملاحظًا التعبير على وجهي:
- ماريان، ألا تريدين أن تغطي مهبلك؟
وسحب الثوب لأسفل.
تلتقي عيناي بعيني روندا مرة أخرى، وأتظاهر بالسعال بينما تبتسم هي محدقة في الأرض. نتحجج بالحاجة إلى جلب القهوة، رغم أن أكوابنا لا تزال نصف ممتلئة. قلت، بعد أن ابتعدنا بما يكفي في الردهة:

- لن نتمكن من مسح ذلك من ذاكرتنا ، لا، لن نتمكن أبدا.
أضحك، ثم تضحك هي، ثم أنحني ضاحكة في المدخل المؤدي إلى الطاولات ذات المظلات خارج الكافيتريا، قلت بعد أن هدأنا :
- أو أن ننسى ما سمعناه. لا أصدق أنه قال لها 'مهبلك'
السماء رمادية، لكنها لا توحي بالمطر.
تجلس روندا، مواجهةً للجبال البعيدة:
- لقد سمعت منهما ما هو أسوأ من ذلك
.وقفت خلفها ورفعت شعرها، الكثيف واللامع والطويل، الذي أصبح بنيًا داكنًا الآن بدلاً من الأشقر في سنوات مراهقتها المبكرة، ومررت أصابعي عبره.
- تعلمين أنه ليس عليك البقاء هنا عندما أرحل.
ترد بحزم:
- لكنني سأبقى..
أعرف جيدًا أن لا فائدة من الإلحاح.
قلت:
- إنها تبدو أشبه كثيرًا بهيكوري بشعرها القصير هكذا.
أخذت روند يدي:
- كنت أظن ذلك أيضًا.
عند عودتنا إلى الغرفة، نجد والدتنا نائمة وهي مقيدة، بينما تتحرك الممرضة في المكان بوجه متجهم. زوج والدتي يفرك الجيوب المنتفخة تحت عينيه، يلهث مستنشقا الأكسجين ويزفره بسرعة تفوق مرتين أو ثلاث سرعة جهاز التنفس الصناعي لوالدتي. كان يقول:
- لا أفهم لماذا عليها أن تتصرف هكذا.
يبدو أن والدتنا حاولت الاعتداء على الممرضة، وهي الآن تحت تأثير مهدئات أقوى. و زوج والدتي يلقي باللوم على الهرمونات..
أقول وأنا أنظر إليه مباشرة:
- لا، لطالما كانت تفجر نوبات الغضب هذه، وأنت تعرف ذلك.
تضيف روند:
- أنت تعرف ذلك، أبي ..
يفرك عينيه مجددًا، متنهداً بإرهاق. الأجهزة تواصل إصدار أصواتها الرتيبة، طنين وصفير متواصل. تنتشر في الغرفة رائحة مزيج من البول والمطهرات ، يقول زوج أمي:
- أنا فقط لا أفهم ذلك.
لم ترغب أمي أن أعرف أنها كانت تتناول التستوستيرون. عندما بدأت في زراعة الحبوب تحت جلدها قبل خمسة عشر شهراً، طلبت من كل من يعلم بالأمر أن لا يخبرني. ومع مرور الأشهر، بدأ أصدقاؤها يتصلون بي واحداً تلو الآخر، متأكدين من أنني أعلم. كانت روند أول من اتصل بي بعد ثلاثة أشهر، مع اعتذارها لتأخرها. فقد اكتشفت الأمر قبل أسابيع قليلة فقط. ثم اتصل زوج أمي في الأسبوع التالي، وكان يعرف منذ البداية. بعد ذلك، سمعت من صديقة قديمة لأمي من أيام الكنيسة في مراكز التسوق بجنوب فلوريدا، وهي التي استأجرت لنا غرفاً واعتنت بي في فترات بعد الظهر الطويلة بينما كانت أمي تعمل في وظيفة أمينة صندوق في البنك القريب. ثم جاء الجار الذي كان يساند والدي في صراعه المستمر مع الرجل الغني الذي اشترى الأرض الكبيرة في قمة الجبل خلال الجائحة، والذي أثناء بناء منزله الضخم، قام بتشغيل شاحنات بناء ثقيلة تركت خنادق في الطريق الترابي ودفعت معظم الحصى إلى الوادي، ثم تراجع الرجل الغني عن وعده بتعبيد الطريق وأنشأ طريقًا جديدًا أقصر للهبوط من الجبل من الجهة الأخرى. وأخيرًا، سمعت من ابن عمي الذي رأيته آخر مرة عندما كان طفلاً صغيراً في الصيف الذي غادرنا فيه المدينة، فقد علم من والدته، التي أقسمت له أن يبقي الأمر سرًا. كانت هذه المحادثات تثيرني. "هي لا تريدك أن تعرف"، قال كل من اتصل بي، بنفس النغمة المليئة بالقلق. كنت أعرف أنهم لا يريدون أن يشعروا بالمسؤولية إذا توفيت فجأة. فقد أصيبت بثلاث جلطات دماغية بالفعل، وطردت طبيبها المعالج بعد أن أبدى قلقه من أن الهرمونات قد تتسبب في إصابتها بجلطة أكبر.
إنصافًا للمتصلين، وبعد سنوات من ترك والدتي تعتمد على محاليلها الفضية ومقوياتها المشكوك فيها، وأجهزة "تنقية الهواء" التي تنبعث منها الأوزون، وعلاجها بالإيمان، أصبحتُ في بداية الجائحة مذعورة ومتسلطة، كنت أضغط على والديّ لارتداء الكمامات والبقاء في المنزل، وأوضح لهم أن جيراني يموتون وكذلك جيرانهم. كانت سيارات الإسعاف تجوب الشارع على مدار الساعة. لم أعد أعد عدد الأشخاص الذين تم إخراجهم من المبنى على نقالات مغطاة. في المقابل، سخرت أمي من كل ذلك وتناولت الإيفرمكتين. في النهاية، استسلمتُ. أما زوجها، فامتثل للأوامر الصادرة عن نظام الرعاية الصحية للمحاربين القدامى وأخذ اللقاح. أما أمي، فقد رفضت. على أية حال، أخبرت كل متصل بأن الأمر كله كان قرارها، ولن أتناقش معها بشأن ذلك.
ومع ذلك، بالنظر إلى رفضها معظم الأدوية، ونفورها من الهرمونات الجنسية في سياقات عديدة، فوجئتُ بعض الشيء بهذا القرار. ثم شعرتُ بالاشمئزاز عندما أوضحت لي روندا أن والدتنا استلهمت فكرتها من أحد "الخبراء" الذين شاهدتهم على قناة مسيحية ريفية.وعلى عكس معظم الضيوف في تلك القناة، فإن الدكتور دينيس سميثسون طبيب حاصل على شهادة طبية، رغم أن درجته جاءت من جامعة أورال روبرتس، التي أُغلقت كليتها الطبية عام 1990، قيل إن السبب كان ماليًا، لكن من المرجح أيضًا أن الجمع بين العلاج بالإيمان والعلوم الطبية لم يكن أمرًا مستدامًا.على أية حال، اشتهر سميثسون بكتابة كتب صحية موجهة للإنجيليين، إلى جانب بيعه للمكملات الغذائية. لكن وفقًا لروند، لم تحصل والدتنا على وصفة التستوستيرون منه مباشرة، بل من طبيب في هندرسونفيل، ورد اسمه في نهاية أحدث كتبه، "الصحة الإلهية والهرمونات: استعد شبابك وأشعل شرارة زواجك من جديد!"
استطعت أن أستنتج من ملامح وجه روند وبطء خطواتها أثناء شرحها لي، أنها كانت تتوقع موجة الغضب الممزوج بالسخرية التي اجتاحتني. صرختُ، متجاوزة ضجيج القطار السريع الذي كان يهتز فوق رأسي:
- ياللعجب! كيف دبّر الرب دخول دينيس سميثسون وهذا الدجال من هندرسونفيل في خطته الإلهية للهرمونات!
كنتُ أسير في الشارع برفقة كالب، نمشي الكلب وسط البرد القارس. لم نكن قد تناولنا الطعام بعد، وكانت رائحة الزلابية الساخنة تتسلل من مطعم صيني قريب، قبل أن تطغى عليها رائحة الموز المقلي بزيت الفول السوداني من مطعم دومينيكاني. لكن معرفة أن قناة الريف المسيحية قد وجدت طريقها إلى هذا المشهد المألوف أفسدت شهيتي. كان الهواء البارد يخترق معطفي، بينما مرّ رجل في الاتجاه المعاكس، ألقى نحوي نظرة فضولية خاطفة، ثم انحرف قليلًا إلى حافة الرصيف. خفضتُ صوتي وقلت ساخرة:
- إذن، نحن جميعًا مخلوقون ذكورًا وإناثًا كما في فُلك نوح، لكن الله لم يجد وسيلة ليمنحنا ما يكفي من التستوستيرون منذ البداية؟
أطلقت روند ضحكة خافتة ممزوجة بتنهيدة، ثم قالت:
- لن تقولي لها شيئًا، أليس كذلك؟
قلت وأنا أسحب قبعتي أكثر فوق أذني:
- كلا. الأمر راجع لها في النهاية.
ردّت روند:
- أوافقك الرأي ، عندما سألتها عن المخاطر، أخبرتني أن—
- أنها محصّنة بدم المسيح؟
صرخت بذلك، والأدريناليين يغلي في عروقي ويخرج من حنجرتي حتى عبرت أم مع طفلين الشارع لتجنب التلوث بذلك. أخذ كاليب، الذي اعتاد على سماع جانبي من المحادثات مثل هذه، لي العربة وسحب يدي بتعاطف.
قالت روند بنبرة هادئة:
- حسنًا، بالطبع كنت سأخبرك أنها قالت إنها تفضّل أن تموت فى انفجار على أن تعيش حياة باهتة يابسة.
قلت بحماسة غير بنوتية:
- ربما ستحصل على ما ترغب فيه.
قالت روند، بنفس الروح:
- ربما ستفعل.
لم يذكر أي منا هيكوري أو البريد الإلكتروني الذي أرسلته أمي لطفلها الحفيد الذي كان في الثامنة عشرة من عمره حينها، والذي حذرته فيها من الجحيم والنار.. أخذت العربة مرة أخرى بينما كان كاليب ينحني لأداء واجب جمع الفضلات.
- هل تبدو أكثر سعادة على الأقل؟
ترددت روندا قليلًا قبل أن تجيب: - أعتقد ذلك... بطريقة ما. أصبحت أكثر تقلبًا من المعتاد، لكن علاقتها بوالدي... شهدت تطورا بلا شك.
بينما كنتُ أنا وكالب نواصل طريقنا نحو المبنى، شعرتُ بالارتياح لأن هدير مجموعة دراجات نارية صغيرة جعل الحديث مستحيلاً للحظة. لم أكن أرغب حقاً في سماع أي شيء عن صحوة والدتنا الجنسية. قلتُ:
- أعرف أنني وحش ،لكن—
- أنتِ لستِ وحشًا.
- يمكنني كتابة أغنية عن كل هذا عندما تموت، أليس كذلك؟
قالت روند:
- آمل أن تفعلي.. أنا أراهن على ذلك."
في الحقيقة، وكما تعلم روندا بالتأكيد، كنتُ أنوي البدء في كتابتها عندما أعود إلى المنزل. ثم خطرت لي فكرة أخرى. قلتُ بينما كنا نعبر الردهة وكالب يُمسك باب الدرج:
- يا إلهي، انتظر. هذا يُفسر هوسها بذلك الفيلم.
- أعرف! ربما يمكنك دمج ذلك في الأغنية أيضا.
كانت أمي تشاهد فيلم موعد الزفاف دون توقف لعدة أشهر، وعندما كنت أتصل بها، لم يكن لديها ما تتحدث عنه سوى هذا الفيلم. تدور قصته حول امرأة تعيش في مانهاتن، تستأجر شابًا ليكون مرافقها في زفاف شقيقتها في إنجلترا، حتى تظن عائلتها أن لديها حبيبًا. ومع نهاية الأحداث، يقع المرافق والمرأة في الحب، بينما تُفضح الأخت وتُهان ويهجرها خطيبها، فيتحول ازدراء الوالدين لخطيب ابنتهما إلى إعجاب بالمرافق المستأجَر. في كل مرة ينتهي فيها الفيلم، كانت تعيد تشغيله من البداية، تشاهده منذ استيقاظها صباحًا حتى تغفو هي وزوجها في الليل. صار بطل الفيلم فارس أحلامها، وتحولت معاناة البطلة إلى معاناتها، فتعلّقت بالممثل الرئيسي، وسردت لي تفاصيل حياته، من نشأته في فيرجينيا إلى براعته في العزف على التشيلو، وصولًا إلى عمل والده أستاذًا في القانون. أما الشخصيات التي أدت أدوار الأشرار، فقد باتت بالنسبة لها مكروهة كما لو أنها ظلمتها شخصيًا في حياتها.
قالت لي، وهي تقهقه:
- القس جيري يسميه أفلامي الممنوعة.
وكل ما تمنّته في عيد ميلادها هو أن أشاهد الفيلم وأحلل لها سبب ولعها الشديد به

عندما عدت إلى المنزل، بحثت عن سميثسون وتصفحت صفحته على فيسبوك حتى عثرت على ما كنت أتوقعه تمامًا. كان المنشور يقول: "لقد خلقنا الله ذكورًا وإناثًا على صورته، لذا عندما ينجح الشيطان في إقناع الناس بأنهم قادرون على تغيير جنسهم، فإنه في الواقع يجعلهم يرتكبون عنفًا ضد الله." بدا هذا وكأنه مادة مثالية لمقطع الكورال في الأغنية التي بدأت تتشكل في رأسي بالفعل.
تخطط روند للبقاء مع والدينا لمساعدتهما عندما أرحل، ومتى ما حدث ذلك. إذا تعافت والدتي كما تعافت بعد السكتات الدماغية السابقة، فأنا أكره أن أتخيل ما ستتعرض له روند عندما تعود أمنا إلى المنزل بعد إعادة التأهيل. أحب أن أتخيل أنها ستزور هيكوري بين الحين والآخر في الخفاء. سيجلسان على الشرفة، وحدهما أو مع رفيق هيكوري، يداعبان القط، ويستمتعان بالهواء العليل في الليل، ويتناولان الجبن والفواكه التي يرتبها هيكوري بشكل جميل على طبق. ستشرب روند كوبًا من النبيذ، وربما ثانيًا، وربما ثالثًا، ثم تعود إلى منزل والدينا المتسخ والمليء بالنزاعات على جانب الجبل، حيث يبدو أن مرور يوم دون شرب هو إنجاز يعادل السير في طريق الأبلاش. ستخفي روند السكاكين، وتغلق باب غرفتنا القديمة في الليل، وتراقب جهاز المراقبة السري لتتأكد من أن والدتي لا تضرب زوج أمي أو تهدد بفصل الأوكسجين عنه. آخر مرة كانت روند هنا، رمت أمي هاتف رونا من على الدرج لأنها شعرت أن زوج أمي يمدحها أكثر من اللازم.
بلغتُ أنا وروندا الثالثة والخمسين، ومع ذلك نعمل دائمًا على نصح بعضنا البعض بشأن الحدود الصحية مع والدينا، وندافع عن الأخت الأخرى لتقلل من تحمل المسؤوليات. أنا غالبًا ما أرسل المال الذي لا أملكه بدلاً من أن أكون هناك شخصيًا. "إلقاء المال في مرحاض رفاهياتهما ليس مفيدًا لي أو لهما"، كما تقول روندا، رغم أنه جيد لوعاظهم المفضلين في التلفاز. تتحمل روندا عبء رعاية والدينا بعد دخول أحدهما المستشفى، وتسرع في المجيء عندما يطلب زوج أمي مساعدتها، رغم أن والدتي لا ترغب في وجودها هناك. إلا إذا كانت والدتي بحاجة ماسة إليها، حينها تدرك مؤقتًا أنه لا يوجد خيار لها أو لهما. حينها تكون لطيفة مع روندا، لفترة قصيرة فقط. أيام، أو ساعات، دأو قائق، أو جزء من الثانية - طول صبر أمي لا يمكن التنبؤ به كعين الإعصار.أظل أذكر روندا بأن حياتها تستحق الاستمتاع بها، وأن صديقها وأطفالها الكبار في كونيتيكت بحاجة إليها ويحبونها، وأن والدتي ليست مسؤوليتها، وأنه من المعتاد أن يقوم الوالدان بنقل أنفسهما في هذه المرحلة من الحياة، لا الأطفال، على الرغم من أننا نعلم أن والدتي لن تنتقل طواعية إلى الشمال الشرقي.
يجب اتخاذ قرارات، لكن والدتي لا تملك خطة للرعاية في نهاية حياتها غير انتظار "الاختطاف" (الانتقال السماوي)، ولا تنوي وضع خطة الآن. قالت لي: "هذه ليست مشكلتك"، وعندما أصررت، صاحت في الهاتف "ليس من شأنك" وأغلقت الخط.
نخطط أنا وروند لإخبار زوج أمي بأننا سنضطر لبيع منزلهما ونقلهما للعيش بالقرب منا. نقول لبعضنا البعض: "ستغضب أمي بغض النظر عما نفعله، فلنفعل ما نراه مناسبًا". ويضحك أحدنا ويوافق الآخر، لكن إقناع أمنا بالعيش بطريقة أسهل يبدو مستحيلًا لدرجة أن الفكرة تبدو جديدة كلما جَرَى طرحها. كأنها حلم جميل ومثير ومخيف في نفس الوقت.أفكر أحيانًا في تسليم كل شيء لبرنامج "Medicaid" والابتعاد. هذا ما أقوله لـ"روندا" على أي حال. لكن إن كان هذا صحيحًا، فلماذا أنا هنا؟ لا أندم على إنهاء القطيعة بعد السكتة الدماغية الأولى التي كادت تودي بحياة أمي، لكنني أشكك في مدى حكمة ذلك القرار.
والداي مستاءان من أغنية "قبو الاختطاف"، وهي أغنية منفردة أصدرتها قبل سبع سنوات، بعد وقت قصير من زيارتي الأولى لهما بعد أن عدنا للتواصل. لم يكونا عادةً مهتمين بموسيقاي، لكنهما علما بالأغنية قبل بضعة أشهر عندما جعلتني شبكة Christian Country Network—بكل بساطة—الشخص المكروه لهذا الأسبوع. الأغنية ليست عن والديَّ تحديدًا، لكنها أيضًا ليست بعيدة عنهما أيضا. أتذكر أنني بدأت في تأليفها خلال الرحلة الجوية إلى المنزل، كنت أصوغ القوافي حول اللحوم والفواكه المجففة في الجرار المخفية وراء جدار قبوهما الزائف، إلى جانب مخزون هائل من ورق التواليت والأدوية منتهية الصلاحية، وجالون ضخم من الكيروسين المخزن بطريقة غير صحيحة، وشريط طاقة شمسي معيب اشتري بمبلغ 999 دولارًا من مبشر تلفزيوني قضى وقتًا في السجن الفيدرالي، وأفران ميكروويف مستعملة من متاجر التوفير، زعمت أمي أنها حُوّلت إلى أقفاص فاراداي لحماية أجهزتهما الإلكترونية والبطاريات القابلة لإعادة الشحن من الانفجار النووي القادم. ما أغضب أمي بشكل خاص هو وصفي للاختطاف بأنه خطتهما للرعاية في نهاية الحياة، لكنها صبّت جام غضبها على روندا، وليس عليّ.
لقد كتبت تلك الأغنية بعد أولى زياراتي الخمس—الآن ست زيارات—منذ أن تواصلت معهم مجددًا. في كل مرة كنت أتوجه إلى آشفيل وأقود السيارة لمسافة سبعة عشر ميلًا خارج المدينة إلى منزلهم على الطريق الترابي القديم. يمكنني أن أتذكر بعض لحظات الفرح—تناولنا معًا حلوى "بيكان توريلز" من "فود ليون" قديمة ليوم واحد، ومداعبة كلابها والتذكر عن كلابنا القديمة بينما كنا جالسين على الشرفة نشاهد غروب الشمس على الجبال. لكن في كل مرة، كانت الرحلة تتحول إلى الفوضى التي يستهزئ بها النقاد على أنها كليشيه غوتي جنوبي عندما تظهر التفاصيل في موسيقاي. السيارة التي بها باب واحد فقط يعمل. الكلب الذي اضطروا لبتر قدمه بعد أن علقت في فخ الفئران. الغرز التي حصلت عليها في قسم الطوارئ بعد أن تطايرت شظية زجاجية إلى وجهي عندما فقدت أمي أعصابها ورمت العشاء على الأرض لأن زوج أمي، من وجهة نظرها، شكر روندا أكثر من اللازم. كانت روندا حرفيًا على يديها وركبتيها تنظف بول الكلاب المتجمد من الأرض في ذلك الوقت، ولكن على الرغم من ذلك أعتقد أن المشهد كان ربما مبالغًا فيه بعض الشيء لأغنية. لم أتمكن أبدًا من أن أجبر نفسي على اتباع القواعد التي تجعل من الشخص كاتب أغاني ناجح تجاريًا. عملي في تدقيق النصوص يدفع لي بشكل سيء لكنه ما يزال يغطي الفواتير بشكل أكثر موثوقية من موسيقاي.
منذ سنوات، كان جزء مني يريد أن يثني هيكوري عن كتابة الرسالة إلى والديّ لأنني كنت أخشى رد فعلهما. لكنني شجعته على ذلك لأنني أردت له أن يشعر بالراحة في إعلان نفسه بغض النظر عما سيقولانه. في وحدة العناية المركزة مع المنظر الرهيب لنهر الشتاء الرمادي المجعد، لُمت نفسي بشدة لأنني لم أُعِد طفلي جيدًا لاحتمال أن تقول أمي ما قالته. أحيانًا، لا أزال أتساءل إن كان هيكوري يدرك حقًا مدى ما يمكن لجدته أن تفعله.
كنتُ أعرف في الماضي بسبب روح الدعابة التي تحملها موسيقاي، خفتها ولمستها الرقيقة. أما الآن، فقد تغيّر الأمر كثيرًا. بعد يومين من حديثي مع روندا، شاركت في بودكاست من أثينا، جورجيا، وتناولت بضع بيرة مع المضيف، ثم بدأت في الهجوم على طريق والديّ الديني المتطرف. قلت: "التهكم يلتهمني"، ثم أضفت: "ألقِ همومك على يسوع ولن تحتاج إلى القلق أبدًا، لكن احرص أيضًا على تخزين ما يكفي من الطعام والإمدادات لكي تتمكن من البقاء على قيد الحياة في حالة انفجار نووي وتحافظ على نفسك لمدة خمس سنوات حتى يأتي وقت اختطافك، وأيضًا إليكم بعض الإمدادات التي يمكنكم شراؤها في حوض بلاستيكي كبير مقابل 79.99 دولار من موقعي الإلكتروني." ضحك المضيف وبدأ يطرح سؤالًا، لكنني تناولت رشفة أخرى من بيريتي واستأنفت الحديث. "والآن اكتشفت أن الوعاظ التلفزيونيين الذين كنت أستمع إليهم في طفولتي بدأوا يحققون أرباحًا من مكملات هرمونية وكتب تدعو للعلاج بالهرمونات، وكيف أن هذا كان جزءًا من خطة الله أيضًا، في جعل النساء أكثر أنوثة باستخدام العلاج بالهرمونات والرجال أكثر رجولة باستخدام العلاج نفسه، والخوف من الهرمونات لهذا الغرض كان عمل الشيطان، ولكن عندما يتناول الأشخاص المتحولون الهرمونات فهذا خطأ؟ والناس غير الثنائيين هم شيء شنيع، ولكن كل إنسان خلق على صورة الله، ذكرًا وأنثى معًا، والله هو كلا الأمرين، ولكن البشر لا يُسمح لهم بأن يكونوا كذلك؟" ثم قاطعت البودكاست المذيع ليأخذ استراحة. كنت أعلم أنه متعاطف مع آرائي كونه كان قد تخلى عن الإيمان بنفسه، لكن جو البودكاست كان ودودًا ومفتوحًا على الاستفهام، بدلًا من الغضب الكامن في التهكم الفارغ للسن المتوسطة. وجه مغسول بعناية بدلًا من الأحذية الثقيلة والشباك السمكية. انتهت فقرتي قبل الأوان. لا أظن أن المنتج سيكون في عجلة من أمره ليطلب مني العودة للمشاركة.
منذ ذلك الحين، أصبحت موسيقاي مليئة بالكراهية والغضب بدلًا من التعاطف والسخرية الهادئة. وقد أصبحت ممارستي للتأمل في حالة من الفوضى. أنا وكاليب تباعدنا أكثر نحو العمل الفردي كما نفعل أحيانًا. أرغب في صنع أغاني صادقة بألحان جميلة، لكنني عالقة في نغمة مريرة. ولإرباك الأمور أكثر، نصحني كل من طبيبي العام والمعالج بأن بعض التحديات العاطفية التي أمر بها قد تكون ناتجة عن هرموناتي الخاصة، أي الانتقال إلى مرحلة انقطاع الطمث. لقد ظهرت عليّ أعراض: تعرق ليلي، بطن منتفخ، تفكير مشوش، غضب غير مقيّد، مرت ثمانية أشهر منذ آخر دورة شهرية لي. لا أستطيع أن أقرر ما يجب أن أفعله. في هذه الأثناء، أصبحت كلمات أغنياتي ثقيلة وألحاني كذلك.
يحل الظلام في الخارج. عاد زوج أمي إلى المنزل، وقد أخذت روندا مكانه بجانب سرير أمي، جزاها الله خيرًا. سنغادر قريبًا. أنا جالسة على الجدار أرسل رسالة نصية إلى كاليب عن عرض الأمس، الذي يبدو أنه لم يكن سيئًا جدًا، وهاتفي يرن. أرى أن روندا أرسلت لي ولأطفالنا جميعًا صورة لوالدتي من الجانب، مع شعرها الرمادي القصير وتحديد فكها. وكانت الصورة تضم هيكوري أيضًا.
قلت:
- روندا ، ما الذي تعنيه هذه الصورة؟
أرسل هيكوري ردًا أثناء حديثي:
- واو!
أطفال روندا يحبون رسالة هيكوري، لكنهم لا يردون خلاف ذلك.
قالت روندا:
- آسفة"، "هيكوري طلب صورة من قبل. ظننت أن الجميع قد يرغب في رؤيتها."
كل ما يمكنني التفكير فيه هو هيكوري في ذلك السرير الآخر في المستشفى، رد فعل على حادثة في المدرسة، وليس رسالة أمي، لكن ربما لم يساعد ذلك.قلت:
- إنه أمر خطير.
ثم تنفست، زفرت الهواء حسب عدّ عقلي البطيء حتى عشرة.
- أو ربما ليس كذلك. أعلم أن هيكوري له الحق في أن يعيش حياته."
ترفع أمي ثوبها فأبتعد بنظري بينما تسحب روندا الثوب للأسفل.
دخلت الممرضة المسائية لتقول إنه غدًا سيتم إزالة أنبوب التنفس عن والدتنا، التي تشعر بتحسن. لذلك يجب علينا أن نذهب ونأخذ قسطًا من الراحة. أخبرناها أننا في انتظار هيكوري، الذي سيأخذنا قريبًا، وأنا أراقب هاتفي لرسالته عندما أسمعه يهمس في الرواق، وهو يردد لحن أغنية "Rapture Basement"، ربما ليجعلني أبتسم. هذا الطفل. يعلم أنني كنت أشعر بالكآبة بسبب موسيقاي. وهنا هو يلتف حول الزاوية مبتسمًا، جميل جدًا في قميصه بلا أكمام، وهو يقطع اللحن ليقبلني على خدي.
وقفت حينها، وكأنني أردت أن أعيق رؤيته للسرير ورؤية أمي له. لكن هيكوري اقترب منها ورأيت بهلع أن عيني جدته مفتوحتان على مصراعيها ومثبتة على وجهه يستحيل قراءة تعبير وجهها بسبب أنبوب التنفس.
قال هيكوري:
- مرحبًا، جدتي، كيف حالك؟
بحثت أمي في وجهه بعينيها، ثم مدت يدها نحوه، فأخذها بين يديه.
قال هيكوري:
- سمعت أنك توأمي في التستوستيرون."
هزت أمي رأسها.
قال هيكوري:
- لا يمكنك خداعي، أعرف أسرارك.
نظرت إليه أمي.
ضحك هيكوري وقال:
- إنه أمر رائع، أليس كذلك؟
ترددت أمي، ثم أومأت برأسها. لقد أومأت!
نهضت روندا، وجلس هيكوري على الكرسي القابل للطي وأخذ يد أمي بين يدي. رفعت أمي ثوبها فجأة، فمد هيكوري يده الحرة وسواه برفق.
(انتهت)
***
.....................
الكاتبة: مود نيوتن/ Maud Newton: كاتبة وناقدة ومحامية سابقة، وُلدت في دالاس، تكساس عام 1971. ونشأت في أسرة متشددة دينيًا في ميامي على يد أم إنجيلية وأب عنصري. درست في جامعة فلوريدا، حيث حصلت على شهادتها الجامعية والقانونية. وتعيش حاليًا في نيويورك.

في نصوص اليوم