ترجمات أدبية

سارة برودي: في مرفأ سانتا مونيكا

بقلم: سارة برودي

ترجمة: صالح الرزوق

***

 تكتب ستايسي الآن رسائل إلى الله. أوو - ه. يسميها سام النبية الصغيرة. يقول لها: يا نبيتي الصغيرة. هذا لأنها تتكلم مع الله. شيء مضحك. هل أنتم معي؟. يوميا بعد المدرسة تصعد السلالم وتستلقي تحت سريرها - نعم تحته مع مصباح يدوي - وتكتب هذه الرسائل. أول الأمر قلت لنفسي: حسنا، إنها هادئة، وهي تكتب، وبحق بطرس، من يهتم بموضوع كتاباتها؟. ولكنها شدت أعصابي. ماذا لدى بنت بعمر ثماني سنوات من أمور لتفضي بها إلى الرب ولا يمكنها أن تخبر بها أمها؟. أتذكر يوم مولدها. أحضروها لي، وكل ما فكرت به كم كان مظهرها قبيحا، كأنها سمكة قنفذ الماء، بكل تلك الأطراف المرتجفة الصغيرة -  وأتذكر أنني قلت لنفسي: يا رب من فضلك لا تتركها قبيحة. كانت سام تود حلاقة شعرها لأنه متشابك وتفقده ويسقط في كل مكان  ولكنه شعر جميل، وغزير جدا، ولكن الرجل لا يحب ذلك. أقصد أنه يحبه حين يراه، ولكنه لا يربط بين الأمور.  والرجال لا يفهمون أن الجمال مرهق، وهو صعب. ولذلك أرادت حلاقة شعرها. رفضت. والآن تكتب الرسائل للرب.

في إحدى المرات رافقتها إلى مرفأ سانتا مونيكا. كانت بالسادسة أو الخامسة من عمرها. لا يمكن أن أتذكر. تابعنا بالسيارة حتى سانتا مونيكا. كان يوما مشرقا وساطعا، وكانت هي الملاك في هذا الزحام، جلست في السيارة بظهر مستقيم ويداها في حضنها، مثل بوذا صغير. ابتسمت. ثم وصلنا، وحالما غادرنا السيارة، بدأت بالعويل. قلت لها: انظري يا عزيزتي. انظري إلى دواليب الهواء، ألا تودين الركوب في دولاب الهواء؟.

نظر الناس نحونا.  أقسم. لحظة خرجنا من السيارة. تناولت يدها، وحاولت أن أدفعها لتمشي، ولكنها لم تتحرك وسقطت على ركبتيها. وبدأت بالنحيب. ملامح وجهها - كانت تبدو حزينة، الحزن العميق. كأنها تشعر بالأذى من شيء طالت معاناتها منه. ماذا تعرف بنت بعمر ست سنوات عن الحزن؟. وها هي تكاتب الله الآن. لم يمكنني حملها، كانت تركل، ولم تسمح لي حتى بالركوع إلى جانبها، أوقفتها قائلا: توقفي يا ستايسي، من فضلك توقفي. ما المشكلة يا ستايسي؟. ألا تودين إخبار أمك بالمشكلة؟ الناس ينظرون إلينا.

ضربت الرصيف بقبضتيها. وثوبها - اشتريت لها هذه الثياب الزرقاء الباهتة للطقس المشمس - غير أنها تلفت. ثم، وبلا إنذار، توقفت. وقفت ونظرت لي وقالت: حسنا لنذهب إلى دواليب الهواء.

حسنا في تلك اللحظة، لم أكن بالمزاج المناسب. المفروض أن تتعاملي مع  مواقف من هذا النوع - صحيح؟. أعني عليك تقديم النصائح المفيدة - صحيح؟. قلت: أيتها الشابة، لقد ضيعت فرصتك؟.

قالت: ماذا؟.

لم تكن تعرف هذا التعبير. طبعا لا تعرفه. كانت في السادسة أو الخامسة. وقررت: طيب، لن نعود إلى البيت الآن، ولكننا لن نذهب للعبور من الجسر أيضا. وفكرت أن أقودها إلى الشاطئ  وكانت هذه مصالحة عادلة. 

أحب الشاطئ. وأحب الطريقة التي يجب أن تطرفي بها عينيك. وأحب صوت المحيط فهو يشبه خرير المذياع. ليس لدينا مناشف ولا ثياب سباحة، لذلك عريتها وبقيت بثيابها الداخلية، وحملت كتابي من السيارة - وهو "إلى المنارة"، ولكن لا أعلم كيف تذكرته، وجلست على الرمل، أراقبها، وأنا اقرأ بعين واحدة. هل تعلمين كيف يكون الحال وأنت تؤدين عدة أعمال بوقت واحد، وفي النهاية لا تؤدين أي عمل منها؟. هكذا كان الحال. الضجيج الأبيض للمحيط والرمل الحار الملتصق بساقي. وطعم الملح. وتلويحة أشجار النخيل. وصلت في الكتاب إلى نقطة مد بها السيد رامزي يده نحو السيدة رامزي، ولكنها كانت قد رحلت. كنت أبذل نصف اهتمامي فقط، كما قلت، وكنت منزعجة من نفسي لأنه من المفروض أن تشعري بالقشعريرة في تلك النقطة في الكتاب.  السيدة رامزي. الآن لدينا هناك أم. عموما، بدأت بفقرة، وحاولت تفهمها، وجاءت ستايسي وقدمت لي دولارا من الرمل. قالت: إليك يا ماما. وجدت هذا من أجلك. تلك النظرة مجددا، وذلك الحزن نفسه. أنا أتخيل ذلك. لا بد أنني أتخيل هذا. دائما أردت أن أكون أما. ليس لأنني محرومة من الطموحات - كنت أود أن أصبح عالمة أحياء بحرية أيضا، لدي رغبة عارمة - ولكن أردت دائما أن أكون أما. دفتر خربشاتي. من غيري يهتم بدفتر خربشاتي؟. لدي كتب بوغو مصورة قديمة في مكان ما في المرآب - اشتريتها بدولار لكل عدد حينما كنت بعمرها - وكنت سأمنحها لشخص ما. انظري، يجب أن أخبرك بشيء. أنا أقرأ الرسائل - أقصد التي ترسلينها إلى الله. أعلم أن هذا خطأ، ولكنها قدمتها لي لإرسالها بالبريد -  ليس لدي فكرة إلى من تعتقد أنني سأرسلها - وكنت أحتفظ بها في درج مرآة الزينة. في أحد الأيام، حينما كانت في المدرسة، جلست وقرأتها كلها. أنت تعلمين ما هي؟. هي قائمة أشياء ترغبين بها. كأنها تخلط بين الرب وسانتا كلوز. عزيزي الله، من فضلك امنحني زلاجة "رازير". أشياء من هذا النوع. أحبها. طبعا أحبها. ولكن أحيانا لا أعلم ماذا أفعل. تعتقدين أنك ستعيشين بطريقة ما، ولكن لاحقا تنجبين طفلة وكل ما تفعله هو أن تبتعد عنك. وهذا كل ما يفعله الأبناء.

***

.......................

* سارة برودي Sara Brody كاتبة أمريكية. تعمل بائعة للكتب في منطقة خليج سان فرانسيسكو. القصة منشورة في أدريوت The adroit.

 

في نصوص اليوم