ترجمات أدبية
مارسيلا كاربجو: أشياء لا نريد سماعها
قصة: مارسيلا كاربجو
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***
تقلبت في سريرها محاولة تجنب الضوء الداخل عبر النافذة وحضنت الوسادة التي كانت تتوسدها منذ قليل، ثم دفعت الملاءة بعيدا لتحرر قدميها، وإذا بزوجها يقف في مدخل الغرفة، قائلا:
- لقد استيقظت الآن.
- تقريبا...
همست وكأنها تحدث نفسها كان يمكن أنام للأبد
دخل وجلس على حافة السرير، فأصدر السرير صوتا مزعجا:
- هل يمكن أن تصنعين لي شايا؟
- من فضلك ضع الماء في الغلاية على النار وأنا سأكمل عمله.
- مزاجك سيئ.
التفتت مرة أخرى تجاه الضوء القادم من النافذة، هذا الذى الضوء نبهها إلى أن هناك حركة ونشاط خارج السرير، وخارج المنزل.
- أنا متعبة!
- لقد نمت ساعتين كاملتين.
- أنا متعبة
كررت ذلك فى حسرة.
دخل إلى المطبخ واستطاعت هي أن تسمع صوت صب الماء في الغلاية، و وشوشة إشعال عود الكبريت، بعد ذلك فتح زوجها التلفزيون، وسمعت حوارا بالإنجليزية وضحكات جمهور في الاستديو، وبعد قليل بدأ البراد في الصفير.
نبهها قائلا:
- الماء جاهز.
تمددت في السرير ثم جلست وهي ما زالت ممسكة بالوسادة بين ذراعيها، استمر البراد فى الصفير، ضمت الوسادة بقوة إلى صدرها، وقالت:
- أرجوك أطفأ النار.
توقف الصفير، شكرا لك يا رب، فكرت، كان على وشك أن يقودني إلى الجنون، بحثت عن نعالها تحت السرير، ونهضت. توجهت إلى الحمام وغسلت وجهها، فكرت: كان ينبغى أن آخذ حماما، ينبغى أن آخذ حماما الحمام كى أبكى فى سلام، مشت بخطوات متثاقلة إلى المطبخ، كان معتادا على مشاهدة برامج الضحك من حين إلى آخر، تساءلت:
- ما نوع الشاي؟
- بالنعناع.
أجاب دون أن ينظر إليها.
صبت الشاي في الكوبين ثم جاءت وجلست بجواره، مركزة عينيها على الشاشة.
- اشتريت ورقة يانصيب اليوم.
- ماذا؟
سأل فى شرود، ومن ناحيتها لم تجب، فأضاف:
- متى السحب؟
- غدا، مليونان!
- لكنهم يخصمون جزءا كبيرا منها للضرائب، لا أعتقد أنك تصدقين أنك تكسبين المليونين، أليس كذلك؟
قال ذلك وهو يأخذ رشفة من الشاي مصدرا صوتا مزعجا أثناء الشرب، سألت نفسها " منذ متى وهو يضايقني بهذا الصوت؟ " في البداية لم تلحظ ذلك، لكن سرعان ما أدركت الأمر. والآن يثير فزعها وسخطها، رجل سخيف إنه ليس خطؤها، إنه يقوم بهذا الصوت دائما كلما شرب الشاي، لقد بدأ يفعل ذلك منذ اثنتين وعشرين سنة مضت.
(2)
- أرجوك أوقف هذا الصوت أثناء شربك!
نظر إليها في دهشة لثوان، ثم همس:
- مزاجك منحرف!
- أنا مكتئبة!
استمر يتابع التلفزيون وكأنه لم يسمع شيئا، وبعد دقائق ضحك مرة أخرى متجاوبا مع الضحك في الاستديو، لماذا كان يجب أن تسير الأمور هكذا؟ لماذا لا يجب ان تتغير كثيرا؟
- منذ عدة أيام وأنا مكتئبة.
قالت ذلك وكأنها تذكره وتذكر نفسها
انتهى برنامج الضحك، فأخذت الكوبين الفارغين إلى حوض الغسيل، ثم عادت لتجلس بجواره من جديد، أما هو فغير القناة على فيلم وثائقي عن مكان ما بجوار البحر، عن مدينة من مدن الصيادين، إنه مكان بديع، فكرت في نفسها:هل تستطيع أن تعيش هناك، مكان بارد، يرتدي الناس المعاطف الثقيلة والشيلان ويحاولون حماية أنفسهم من الرياح، إنها على استعداد لأن تدفع أي شيء لكي تسير بجوار البحر، شاعرة بالبرد ثم تعود لتأخذ كوبا من القهوة الساخنة، قهوة بالقرفة، نعم هي تستطيع أن تعيش هناك بهذه الطريقة، في منزل خشبي مثل ذلك المنزل الذي تراه الآن على الشاشة بجوار البحر، ثم يكون لديها كمنجة. وفي الأيام المشمسة تجلس بجوار الشباك وتعزف على الكمنجة، وبعض النوت الموسيقية منذ متى لم تعزف، ولم تقم بأي شيء عى الاطلاق؟ قرون. في الأيام الباردة تعد الخبز أو تشرب القهوة في المطبخ، وهى تقرأ شيئا، يمكنها أن تأخذ الأكواب الفخارية التي أحضرتها معها من أورجواي، هذه الأكواب ستكون جيدة ومناسبة لمطبخها الجديد، حيث البحر والطقس البارد.
من المؤكد أن زوجها لن يهتم بالأكواب، فلم يسبق له أبدا أن لفت انتباهه للأشياء في المنزل، فيما عدا بعض الاسطوانات، ربما تستطيع أن تأخذ معها بعض الاسطوانات أيضا، بعض اسطوانات موسيقى الجاز، وهو كذلك لن يفرط في اسطوانات الجاز، لكن أين يمكنها أن تشغلها؟ لديهم جهاز تسجيل واحد فقط، التلفزيون؟ نعم. يمكنها أن تأخذ التسجيلا الصغير، ذلك الموجود في حجرة النوم ولكن المشكلة ستكون في كيفية عمل هذا الجهاز في هذا المكان؟
(3)
حول القناة عن البرنامج مرة أخرى عندما كانا يشاهدان مدخل البيوت الخشبية في المدينة الصغيرة، كانت على وشك أن تعترض ولكنها اكتشفت أن ليس لها القدرة الكافية على فعل ذلك، وبدلا من ذلك بدأت تتفحص المطبخ بعناية، مثمنة كل لوحة مائية على الحائط، وكل رف،و علبة التوابل والأطباق والأوانى، لقد أحبت الأوانى النحاسية، عندئذ بدأت تفكر كيف سيكون شكل المطبخ لو أخذت كل ذلك بعيدا: فراغات المسامير على الحائط مع مستطيلات من التراب، و الطلاء المتلاشي يشكل الأشياء التي اعتادت أن تكون في مكانها، وسيعاد تنظيم الأشياء على الأرفف من جديد. وهو سيموت، ولكن لا أحد يموت لهذا السبب، حاولت أن تقنع نفسها، ولكنها شعرت بالحزن، أما هو فغير القناة التلفزيونية هذه المرة على مباراة في كرة القدم، أشعلت سيجارة.
- أما زلت مكتئبة؟
لم ترد، فقال:
- إذن كان يجب ألا أتكلم معك، عندما تكونين على هذه الحالة من الأفضل ألا أتحدث معك.
- لماذا؟
- لماذا ماذا؟
- لماذا من الأفضل ألا تتحدث معي؟
قالت ذلك بإصرار، فلم يرد عليها توسلت إليه تقريبا:
- أريد أن أعرف لماذا من الأفضل أن...
- لأنك ستقولين الأشياء التي يمكن أن تؤلمنى.
رجل مسكين، فكرت، إنه جبان، على الأقل، ذلك الشيء الأكثر صدقا الذى قيل بينهما منذ مدة طويلة، وقفت وهي تتنهد، غسلت الكوبين ووضعتهما في الفوطة لتنجففهما ثم فتحت الدولاب وتأكدت إذا ما كان هناك آثار غبار متبقية:
- هل تود أن أعد لك كعكا بالليمون؟
- عظيم!
قال ذلك وهو يبتسم.
(النهاية)
***
....................
تعريف بالمؤلفة:
ولدت مارسيلا كارباجو (Marcela Carbajo) فى الارجنتين حيث تعيش الآن ودرست في مدرسة الآداب بجامعة بيونس أيريس كما أخذت العديد من الدراسات في اللغة والسميولوجيا. وهى تعمل الآن محررة لعدد من مواقع الإنترنت والمجلات الأدبية