ترجمات أدبية
تانيا أندروود: شرائح رقيقة
تأليف: تانيا أندروود
ترجمة: د. محمد عبدالحليم غنيم
***
يصفعني كارلوس على إليتي في محل بيع اللحوم، حيث نعمل سويًا خلف المنضدة أقوم بتقطيع الطماطم إلى شرائح رقيقة، يبد أنها لم تكن رقيقة جدًا، أبعد كارلوس قبعة الفرن البيضاء عن جبهته وقال:
- مان. نحن لا نعمل كفريق، أريد أن نعمل معًا كفريق.
توقفت للحظة، تظرت إليه وهو يتكلم، ثم عدت إلى الطماطم.
يزعم باول، المدير، أنني أفضل من يقطع الخضروات إلى شرائح هنا، فيقول: "الخيار يكاد لا يرى"
لا يعلم باول. أنني طوال الوقت أقطع الخيار بطريقة سيئة، في الواقع أخفي الشرائح السيئة في فمي دون أن يرى أحد. أضح كل الشرائح السيئة في فمي، وأحب طعمها، شرائخ الخيار بيضاء مثل الورق عندما تمسك بها في الضوء، وشرائح الطماطم نحيفة جدًا، لذلك تذوب في الفم وتختفي تمامًا فوق لسانك؛ أضع كل هذه الشرائح السيئة داخل فمي، لذلك ثمة الكثير من البذور بين أسناني طوال اليوم.
لم يشاهد باول كارلوس وهو يصفع إليني. يقول:
- شوان، هات لنا مزيدًا من البصل.
نزلت أتمشى إلى الثلاجة وأنا مازلت أرتدي القفازات المطاطية، ومع ذلك شعرت أن يدى جافتيين ورطبتين فى ذات الوقت. ضرب الهواء البارد وجهي وجلب رائحة ساخنة من جسدي إلى أعلى وجهى وحوله. نزلت على ركبتي والتقطت البصل الأحمر، اثنين اثنين في كل مرة، و أنا أفكر في الرائحة التي ستفوح مني، نهضت فإذا بالباب يفتح وإذا بكارلوس واقفًا، شعره الأسود ملبد حول عنقه وملموم على هيئة ذيل حصان. أمسك بي وجذب وجهي نحوه، شعرت بذراعيه القوتيين الصلبتين حول ظهري، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي حاول فيها عمل هذا، لكني هذه المرة تركته دون مقاومة، وضع فمه في فمي، ادخل لسانه، كان حارًا، تذوقنا معًا طعم الطماطم، شعرت بالتراب على وجهى من أثر قفازه. توقف عن تقبيلي ، فقلت:
- لدي صديق.
قال:
- شوان.. أنت لا تعنين ذلك. ما لديك مجرد مساحة أرجل.. لقد رأيت هذا الشاب. سبق أن جاء إلى هنا ببشرته الشاحبة وقميصه ذي الجيوب.
قلت:
- وأنت أيضا.. لديك صديقة.
تطلع كارلوس نحوي بعينيه الشديدتي السواد، أمسكني بلطف من وسطي بكلتا يديه وضغط قليلًا، ثم قال في أذني هذه المرة:
- لا بأس. أحب الفتيات الكبيرات.
دفعته بعيدًا، وقلت له أن يذهب إلى الطابق الأعلى ويبتعد عني. حملت البصل في سلاله البلاستيكية وأنا مازلت أشعر بطعم كارلوس في فمي.
في المنزل كان جريج أمام الموقد، يقوم بإعداد صوص المكرونة السباجيتي بمعلقة خشبية كبيرة، وكان يرتدي قميصًا كنستائيًا. وخداه حمراوان قليلًا من أثر الحرارة. بادرنى لى:
- مرحبًا.
ثم قبلني وأضاف:
- هل بحثت عن عمل هذه الظهيرة؟
قلت:
- لا. ذهبت مع جيني لشرب البيرة. لقد عملت وردية زيادة اليوم. لم تعمل أبدًا وردية زيادة.
قال:
- ألم ينوي باول أن يرقيك قريبًا؟
لم أجبه. جريج ذكي. إنه مهندس ، ظل معي يعمل لمدة عام ونصف العام في محل اللحوم بعد أن تخرجت من الكلية. أود أن أحدثه عن الطماطم وكيف إذا حركت يدك بطريقة صحيحة، يمكن أن تقطعها كما في الإعلان التجاري بالتليفزيون تمامًا.
نظر لي جريج وهو يواصل تقليب الصوص. كان ينظر نحوى غير منتظر الإجابة، ولكن فقط من أجل أن ينظر لي. يمكن أن أقول أن ثمة شيء خطأ، نعم في وقفته بهذه الطريقة خاصة وأن كتفاه منحيان، ثمة شيء ما خطأ.
قال:
- لذلك.. ذهبت إلى الدكتور اليوم.
أخبرني جريج أن قلبه صار أسوأ مما يظن، وأنا الدكتور قال إذا واصل على هذا الوضع فإنعليه أن يقوم بإجراء عملية زرع قلب. قال:
- لا زيادة في الملح في البيت، لن أستطيع أن أتذوق الملح ولا القهوة لكن انظري، يمكننا أن نتعلم كيف نطبخ معًا على هذا النظام الجديد.
كان جريج قد أصيب بمشاكل في القلب العام الماضي. وقد ظن في البداية أنها مجرد اضطرابات قلبية بسيطة ، فلا شيء يدعو للقلق في هذا. عندما أنام في الليل ورأسي على صدر جريج، أكاد أسمع قلبه يتوقف، فترة الصمت بين الدقة الأولى والتي تليها تبدو لي عدة ساعات، وقد نسيت أنني أتنفس بشكل طبيعي بينما أنتظر قدوم الدقة التالية، أرغب في النوم على صدر جريج ثانية، ويمكننى أن أقول أنه لاحظ ذلك ولكنه لم يقل شيئًا.
أقف الآن هناك وأراقب جريج ينظر نحوي، أنفه طويل معقوف ورموشه ثقيلة تجعله يبدو حزينًا دائمًا ، حتى لو لم يكن كذلك. ترك المعلقة تسقط ببطء في القدر. يمكنني رؤية العرق على جهه. ولكن فجأة تراجعت عن ذلك عندما أمسكني جريج كنت أفكر في كارلوس، سمعته يقول " نحن لا نعمل كفريق" بينما يجذبني جريج إليه ويتنهد.
في الصباح اتصلت بأمي، لا أعرف لماذا فعلت هذا؟ إنها عادة ما تجلعني أكثر توترًا، ذهبت إلى الحمام وفتحت الدش، مازال جريج نائمًا، يداه ملفوفتان في الملاءة، حدثت أمي عن قلب جريج، ثم عن كارلوس. قالت:
- اسمعي جيدًا، عليك أن تقرري ماذا تريدين؟
أخبرتني أنه لايحق لي أن أؤذي الناس لأنني أعرف ماذا أفعل؟ بعد ذلك سألتني عن عملي ، ثم سألتني إذا ما كان باول قد رقاني أم لا ، وإذا ما كنت بحثت عن أي عمل آخر. شعرت ببرودة قدمي على بلاط الحمام، سكت، فقالت:
- حسنًا، يجب أن أذهب.
لم تقل لي كل ما تريد أن تقوله، أعرف أنها تريد أن تقول كما أنا بطيئة بشكل مؤلم في كل شيء، وأنني فقط أجلس و أترك الأشياء تفلت منى أو تسقط فوق رأسي، دون أن أفعل شيئًا، هي لم تقل ذلك، ولكني سمعته على نحو ما.
بعد أن أنهيت المكالمة، ظللت جالسة فوق قاعدة الحمام وأنا أستمع إلى صوت ماء الدش ، إذا أنصت بشكل كاف يمكنك أن تشكل ألحانًا من صوت الماء.
التقيت جريج في الكلية بعد أنا استلمت العمل في محل اللحوم مباشرة. قال لي أنني أعظم فتاة مرحة قابلها في حياته. وقال أن ثمة شيء في يجعله يريد أن يضحك طوال الوقت. اعتدت أن أكون مرحة، واعتاد جريج أن يقول أنني يمكن أن أكون مبهجة، لأنني أجعل الناس يبتسمون لمجرد النظر إليهم. الآن عندما أنظر إلى نفسي في المرآة، يبدو وجهي جافًا، وتبدو عيناي رماديتين، لا زرقاء صافية، لا أري أي بريق تحت سطح جلدي، وأعجب أين ذلك الجزء من نفسي.
في أول شتاء تواعدنا فيه، أخذ جريج كل ستراتي الصوفية إلى ماكينة تجفيف الغسيل, وعندما قبلني، كان يلمس وجهي دائمًا. لقد جعلني جريج قوية كما كنت في الواقع هناك. اعتدت على رجال مثل كارلوس، رجال منحطون وغريبو الأطوار رائحتهم مثل البيرة ويجعلونني أشعر كما لو كنت مهزوزة. تبدو رائحة جريج مثل المطهر والمنظفات.
جريج وأنا ،على طرفى نقيض، أنا بهيكلى الضخم وطيات اللحم الناعم حول خصري. جريج، هو الذي يبدو كما لو كان يمكن أن يختفي، كما لو كان يمكنه أن يمشي عبر البنايات ويتلاشى في الهواء الرقيق. عظامه الطويلة تبدو صغيرة جدًا، أظن أنها تكاد أن تتكسر. يحب جريج هذا. يقول الناس الكبار جذابون مثل الناس الصغار, يقول أننا نتوازن مع بعضنا. لم يدعوني أبدًا بالضخمة، لكن ذلك ما يعنيه لم أحب أننا لم نفعل ذلك كثيرًا. إن ذلك يجعلني غير مرتاحة. إن ذلك يجعلني خائفة من شيء ما، لكن لم أعرف ماذا؟ ولم أعرف حتى متى توقفت عن الشعور.
لابد أن يكون هذا قبل الآن، على الرغم من أن اليوم هو اليوم الأول الذي أدير فيه ذلك الأمر فى رأسي.
مشيت تحو الحوض، وغسلت أسناني. استعملت فرشاة أسنان جريج. نظرت في المرآة وتخيلت نفسي جريج. فرشاة أسنانه يختلف طعمها عن فرشاتي. دافئة تقريبًا، تخيلت أنني شاحبة ونحيفة وأن قلبي ربما ينفجر إذا أكلت كثيرًا من الملح. نظفت ما حول فمي وتخيلت أنني قصيرة النفس. أتخيل أنني أريد شيئًا سيئا للغاية ويمكننى أن أعطي أي شيء مقابله .
عندما وصلت إلى المحل أخيرًا ذلك الصباح، اتصلت بي أمي مرة آخرى، قالت:
- هكذا، ماذا نويت أن تفعلي؟
يدخل الزبائن يريدون قهوة، ، يريدون جبنة بالكريمة، يريدون دستة، لكن لا يوجد سوى الساخنة.
قلت:
- ماما. أنا في العمل.
عندما أغلقت الخط كنت خلف منضدة التجهيز. أقطع الخيار إلى شرائح سميكة غير متساوية. رأيت كارلوس يراقبني بينما وجهي يشتعل. قطعت إصبعي بدلًا من الطماطم، شريحة من الجلد كانت بيضاء ثم تحولت إلى حمراء.
مشي ورائي المدير باول ، ثم قال:
- شوان، ماذا تفعلين؟ الزبائن هناك. اربطي يدك بضمادة وهاتي مزيدًا من الطماطم.
راقب كارلوس كل هذا، يخرج صحيفة من كعك البصل من الفرن ثم وضعها في سلة معدنية. وثمة نصف ابتسامة على وجهه.
بعد أن وضعت الضمادة، نزلت إلى الطابق السفلي حيث الثلاجة. اتجهت إلى الأقفاص الخشبية وأخذت قفصين اثنين ممتلئين بالطماطم. عرفت أن كارلوس سيأتي إلى الأسفل، لذلك وقفت هناك، أنتظره، والطاطم في يدي. عندما فتح الباب لم أذهب إليه. وقفت تمامًا حيث أكون، ولكنه وصل إلي، وبدأ يقبلني على أي نحو، فعل ذلك لوهلة. ولكني فقط وقفت دون أي حراك، فتوقف ونظر نحوي.
قلت:
- حسنا.
فقال:
- حسنا ماذا؟
- لا أعرف.
جلست على الأرض، أفكر في أمي، وهي تسألني ماذا أود أن أفعل، فكرت في جريج، فكرت في ليلة من أسبوعين معي حيث كنا ننام معًا على الأريكة. يستمع إلى أغنية رقم 9 على على أسطوانة المطربة تريسى شابمان مرة بعد مرة ، رقم 9 هى أغنيته المفضلة, يقول لى بصوت منخفض وناعم: " أحبك أكثر من أي شيء يا شوان. أعرف أنك لا تحبيني بنفس القدر. أعرف أن ثمة شيء ما خطأ، لكن أعتقد أنه يمكننا القيام بتجاوز ذلك". أري يده تفرم التوم في قطع رفيعة، أري العضلات الصغيرة فى ذراعه تتحرك عندما يقلب الصوص. أفكر في الطماطم وكيف أن قشرها بارد ومتبل. فكرت كيف عندما أقطعها قطعا مستوية وتامة، مراقبة جلدها الندي الشاحب والضعيف. إنها تبدو تمامًا كما لو أنني لم أفكر في أي شيء.
مشي كارلوس بعيدًا عني وفتح الباب البارد. خلفه الضوء ولمبة فلورست أمكنني أن أشعر بالحرارة القادمة من البدروم ببطء. أمسك كارلوس بالباب مفتوحًا لدقيقة ثم مد ذراعيه في حركة واسعة ثم أسقطهما إلى جانبيه.
قال:
- أنا راجع إلى الطابق الأعلى. هل ستأتين؟
استدار بعد لحظة أخرى. وانغلق الباب مع ضوضاء مكتومة خلفه.
جلست تحت الضوء المعتم، أضواء باردة لدقيقة أخرى قبل أن التفت إلى يساري وأسحب مزيدًا من الطماطم من القفص. فردت مريلتي حتى المنتصف وملأتها بالطماطم بقدر ما أستطيع. فى حرص، وقفت وفتحت الباب البارد. على الرغم من حرارة البدروم الثقيلة أشعر ببرودة مريلتي على لحمى بينما أتبع كارلوس إلى الطابق الأعلى.
(النهاية)
***
.........................
ملحوظة للمترجم: هذه القصة ترجمتها من سنوات بعيدة ونسيتها ،بالضبط كان ذلك عام 2009 م ، ولأنى وقتها لقلة الخبرة لم أكن أهتم بأسماء المؤلفين فلم أكتب شيئا عنها ، أما القصة فكانت منشورة فى ذلك الوقت على صفحة مجلة الكترونية /nidus.no 9 – 2007 . لكن من أسف لم تعد المجلة موجودة. من ناحية أخرة بحثت بجدية عن المؤلفة / Tanya Underwoodمن هى؟ وهل لها أعمال أخرى. قصص أو كتب؟ من أسف لم أعثر على شىء.