دراسات وبحوث
محمد الهادي حاجي: مفهوم التنمية وأنماطها من منظور علم الاجتماع
تعددت تعريفات ومفاهيم التنمية باختلاف وتعدّد المدارس والمقاربات. وتباينت التصورات انطلاقا من المفهوم والممارسة فهي قضية معقدة وشائكة في نفس الوقت. ويختلف هذا المفهوم من إطار نظري إلى آخر ومن تخصّص إلى آخر على اعتبار تعدّد التخصصات العلمية المهتمة بالتنمية.
ويمكن القول في هذا السياق إن نشأة المفهوم ترجع أساسا إلى عمق الفجوة بين الدول الغربية المستعمِرة والدول النامية المستعمَرة، فقد تبلور هذا المفهوم بأكثر وضوح عند حصول بعض الدول على استقلالها ووقوفها على مشاكلها المتراكمة الناتجة عن الاستعمار ولذلك نشأ مفهوم "التخلف" للتدليل على الانحطاط والركود، وهو المقابل لمفهوم التنمية الذي يدل على الحركية والتطور والتقدم والنهوض والنمو... لذلك شاعت التقسيمات بين عالمين "المتقدم" "و المتخلف" أو كما يسميها سمير أمين في نظرية "التطور اللامتكافئ" أو "التبعية" بالمركز والأطراف وجدلية التفاعل بينهما. ومن هذا المنطلق فإن التنمية كانت ولا زالت الهدف الأساسي والرئيسي لكل الدول التي تعاني القصور في تطور بنائها الاجتماعي والاقتصادي (1).
ويمكن تحديد تعريف التنمية من خلال تقرير هيئة الأمم المتحدة للتنمية في 1955 حين تعتبرها "العملية المرسومة لتقدم المجتمع جميعه اقتصاديا واجتماعيا اعتمادا على إشراك المجتمع المحلي" (2) فهي تخطيط يقوم على استيعاب الإمكانيات المحلية واستقطاب الموارد البشرية والفنية واستغلالها في البرامج والمشاريع التنموية لخلق ممهدات النهوض الاقتصادي والاجتماعي وذلك بالاعتماد قدر الإمكان على جهود الأهالي ومشاركتهم ومساعدتهم في تحقيق الاندماج في المجتمع والمساهمة في تقدمه. فالتنمية لها بعد اجتماعي على اعتبار مبدإ التشارك والتعاون بين جميع فئات المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة وهياكله المدنية. ويمكن تحديد تعريف التنمية من خلال "أبعاد التغيير المخطط في النظام الاجتماعي الشامل لكافة القطاعات والمؤسسات العامة التي تشرف عليها الدولة إلى جانب المؤسسات الخاصة والقطاع الخاص الشعبي والجماهيري، ومدى التكامل والتوازن والثقة في تنفيذ ما خطط له من أجل النهوض بالمجتمع (3)، ومن هذا المنطلق فإن العملية التنموية تتحدد من خلال مجموعة من الوسائل والطرق أو المسالك التي تستعمل لتوجيه جهود وإرادات الأهالي مع السلطات العامة قصد تحسين وتجويد مستوى الحياة من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمعات المحلية وإخراج هذه المجتمعات من عزلتها وتقوقعها لتساهم إيجابيا في الحياة القومية وتقدم البلاد (4) ، فالمشروع التنموي لا يجب أن يكون خارجا عن خطة وطنية شاملة تأخذ في الاعتبار البعد التكاملي في ضرورة التنسيق بين جميع فعاليات المجتمع لتحقيق التنمية الشاملة، وهو مشروع ربط الفئات الاجتماعية والمجتمع الشامل، من جهة وبين مشروع التنمية والخطة الشاملة من جهة ثانية، لذا فهي عملية منظمة ومخططة مسبقا تستوجب توحد كل الإمكانيات المادية والبشرية بهدف التغير في أبعاده التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية من أجل الرفاه الاجتماعي، فهي عملية تحوّل كمّي وكيفي في البنى الاجتماعية، وهو تغير متواصل وشامل لا يقبل التجزئة والانقطاع، مما يجعله مجهودا دؤوبا وحركة اجتماعية لا تفصل بين الاقتصادي والاجتماعي وهذا ما عناه حسن إبراهيم عيد حين عرّفها بقوله "إنها الامتداد الكمي والكيفي للاقتصاد الوطني والتغيير في طرق الإنتاج وعلاقاته (5).
و يمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن مفهوم التنمية لم يكن منفصلا عن مفاهيم أخرى كمفاهيم التخلف والتقدم والتحديث والتغير.. وهي كلها مفاهيم نشأت وترعرعت في ظل المقارنات بين المجتمعات المتقدمة و"السائرة في طريق النمو" إضافة إلى التحديات والرهانات المعلنة من قبل الفاعل السياسي أو الفاعل التنموي ضمن استراتيجية تنمية المجتمع تنمية شاملة الذي يتخبط في أوضاع متدنية على جميع الأصعدة.
كما يمكن الإشارة إلى أن جذور المفهوم تحيلنا للفكر الخلدوني الذي كان سبّاقا في وضع معالم نظرية العمران، وهي نظرية تُقدِّم تطور المجتمعات إلى مرحلة الحضارة والترف على أنه بداية الانهيار والأفول والسقوط وهي ليست غاية التنمية التي تتناقض أو تتعارض مع التطور المادي المفرط الذي لا يضمن الاستقرار دون المحافظة على الطبيعة البشرية الحقيقية التي تستمد جوهرها من الأخلاق والدين والعيش على الضروريات والتأقلم مع البيئة بفعل التضامن الاجتماعي أو ما يسميه دوركايم "بالتضامن الآلي". فهي تنمية تقوم على البعد النوعي الكيفي دون أن تنفي البعد المادي الضروري. وهذه الرؤية لتطور المجتمعات لا نجدها لدى علماء الاجتماع الغربيين في المجتمعات العلمانية إذ تقوم التنمية على الاستغلال الأمثل للموارد لتحقيق الأهداف المرسومة، فبلوغ التكنولوجيا الحديثة والتقنية المتطورة والنمو السريع للتحضر وهيمنة وسائل الاتصال والمواصلات والتحكم في المجال وبروز ما يسمى بالمجتمع "ما بعد الصناعي" وما يصحبه من حراك كل ذلك بُغية تحقيق الرّفاه الاجتماعي مع الحفاظ على خصوصية المجتمع الذاتية، فالتنمية في هذا السياق تستوجب التغير والتصنيع والقوة والوحدة ومن هذا المنطلق فإن مفهوم التنمية في الفكر الرأسمالي يتحدد من خلال التغييرات الجوهرية في مجال الاقتصاد والرفع من الإنتاج والجودة وتطور وسائل الإنتاج والرفع من مستوى الدخل للتخفيف من حدة الفقر لدى الطبقة العاملة، وهذا التوجه لا يمكن فصله عن إطاره التاريخي والاجتماعي الأوروبي الرأسمالي الذي يعطي للبعد الاقتصادي الأهمية القصوى لتحقيق التقدم الصناعي والتطور التكنولوجي، ومن وراء ذلك الرفاه الاجتماعي عكس ما يراه كارل ماركس في تحليلاته لتطور المجتمعات استنادا للمادية التاريخية وصراع الطبقات...
فالتنمية حسب ماركس لا تنفصل عن الوعي الطبقي الثوري الذي يؤدي إلى تغييرات جذرية في البنى التحتية والفوقية وما التقدم المادي في المجتمع الصناعي إلا عائق تنموي.
و تجد هذه القراءة تواصلها لدى مفكري المدرسة الماركسية التي ترى بأن التنمية هي تغير اجتماعي بنائي يهدف إلى هدم مكونات المجتمع التقليدية "المتخلفة" والارتقاء بها بما يمكّن من تغيير العلاقات الاجتماعية المراد الوصول إليه، لأن هذا البناء التقليدي هو نتاج التبعية متعددة الجوانب بين مجتمعات "متخلفة" وأخرى "متقدمة". لذلك يرون أن الوعي بمسألة التبعية ومن ثم إنجاز التغيير ثوريا هو الحلّ للتحرّر من الهيمنة بكل فروعها لتحقيق التنمية الحقيقية(6).
من هذا المنطلق يمكن القول بأن العملية التنموية هي عملية حضارية وإنسانية شاملة ومتكاملة لا تقبل التجزئة ولا التوقف، فهي حركة محورها الإنسان وهدفها الإنسان في البناء والتطوير بما يضمن إشباعه المادي والمعنوي ويحقق له التوازن خاصة إذا كان فاعلا في العملية التنموية ومشاركا فيها ومتفاعلا معها ومتماهيا مع اختيارات الفاعل التنموي أو الفاعل السياسي ضمن مقاربة تشاركية لا تقوم على الإسقاط والتهميش، ولا يكون هذا إلا إذا تخلصت التنمية من سياسة التنمية الجاهزة وأضحَت فعلا تنمويا (action)، وهذا ما يمكننا من الإشارة إلى أن التنمية عملية معقدة تتشابه فيها استراتيجيات الفاعليْن السياسي والاجتماعي، وهي استراتيجيات كثيرا ما تكون خفية ضمن حقول متعددة تبدأ بالاقتصادي وتنتهي بالثقافي الموسع ولا تخلو من الصراع والرهان.
هذا بالإضافة إلى شمولية هذا المفهوم إذ لا يمكن حصره في الجانب المادي الكمي أي الاقتصادي البحت فهو يتعدى ذلك إلى الأبعاد الاجتماعية على مستوى السلوك والقيم والعلاقات على تعدد أوجهها اقتصادية وسياسية وثقافية (7) وتلك المفاهيم إذا تعلقت بالإنسان تتداخل وتتشابك وتؤكد خصوصية النوع البشري، ويمكننا في هذا الإطار أيضا التأكيد على مرونة مفهوم التنمية لأنه لا يقبل التعريفات الجامدة والنهائية ولا يمكن للباحث في هذا الموضوع إطلاق تعريف محدد، فهو مفهوم متغير يقبل التعديل والإضافة حسب الظرفية الزمنية والبيئية (المكانية) وهو ما يجعل هذا المفهوم في تحَدٍّ جديد ومستمر وقادر على استيعاب التفريعات ذات العلاقة بالتنمية سواء على مستوى المواضيع أي المضمون أو الأبعاد والأشكال فهو مفهوم معقد وشامل ومنفتح.
يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم في القرن العشرين، حيث أطلق على عملية تأسيس النظم الاقتصادية والسياسية المتماسكة ويشير المفهوم إلى هذا التحوّل بعد ستينيات القرن العشرين في عديد الدول النامية، ومما يزيد في أهمية هذا المفهوم هو تعدّد أبعاده ومستوياته وتشابكه أو تداخله مع مفاهيم أخرى كالتقدم والتحديث والتخطيط والنمو والتطور.
وقد برز هذا المفهوم بصورة جلية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ لم يستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني "آدم سميث" في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء، فقد استعمل مصطلحان للدلالة على التطور وهما "التقدم المادي" أو "التقدم الاقتصادي"، وحتى عند الحديث عن مسألة تطوير الاقتصاد في القرن التاسع عشر كانت الاستعمالات المستخدمة هي التحديث أو التصنيع (8).
ومن هذا المنطلق فإن مفهوم التنمية ارتبط بعلم الاقتصاد حيث يدل على إحداث جملة من التغييرات الجذرية في مجتمع معين، بهدف إكساب ذلك المجتمع قدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسين المتواصل في نوعية الحياة الفردية، وزيادة القدرة على تلبية الحاجيات الأساسية المتزايدة، بطريقة تكفل زيادة درجات الإشباع لتلك الحاجيات عن طريق الاستغلال المحكم للموارد الاقتصادية المتاحة وحسن توزيع الثروة.
ويجدر القول بأن التنمية عملية شمولية لا تقبل التجزئة، فهي إما أن تكون شاملة وكلية وإما أن لا تكون. وتتلخص أهدافها في خلق الشروط والظروف المساعدة على مواجهة مشاكل السكان من خلال إيجاد التوازن بين الموارد والسكان، ومساعدتهم على التحكم أكثر في وسطهم الطبيعي، وذلك بهدف الرفع من مستوى عيشهم ماديا ومعنويا (9)، فهي عملية واعدة طويلة الأمد، شاملة ومتكاملة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتكنولوجية والبيئية، فبالإضافة إلى كونها عملية مرسومة لتقدم المجتمع في مختلف المجالات، فهي تعتمد بشكل كبير على مشاركة جميع أفراد المجتمع فيها (10)، لتكون فعلا اجتماعيا ديناميكيا يساعد المجتمع ككل بمعطياته ومؤسساته على اكتساب قدرات معرفية جديدة تيسّر له قدرات إنتاجية متزايدة تمكن كل المواطنين من تحسين ظروف عيشهم (11). إنها عملية مركبة ومعقدة يصعب الفصل بين مكوناتها المتفاعلةالتي تسهم بشكل متفاوت في تحقيق وإنجاح البرامج المخططة في عملية التنمية، أي أنها مجموع العمليات التي يتم من خلالها توجيه جهود أفراد المجتمع، لخلق الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الملائمة لانتقال المجتمع من وضع "متخلف" إلى وضع أفضل على جميع الأصعدة.
و قد رافق إعادة التفكير في مفهوم التنمية التقليدي ظهور مفاهيم جديدة كالتنمية المحلية والجهوية والريفية والحضرية وهي مفاهيم تعطي أكثر جدوى للتنمية الخصوصية في المجتمع المحلي، وتتجاوز الإسقاط الذي لم يعد مجديا ولا يتناسب مع الظروف الموضوعية للمجتمع، لتكون التنمية عبارة عن "عمليات كمية أو نوعية هادفة إلى تحسين مستديم للظروف المعيشية لسكان مقيمين في مجال محدد على الأصعدة المؤسساتية والجغرافية أو الثقافية.وبكلمة يمكن القول إننا بإزاء مسلسل تشاركي وديناميكي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الجماعية يعتمد على تعبئة ومسؤولية تجمع سكاني محلي منظم ومدعم من خلال عمليات قطاعية منسقة. ويندرج إنجاز التنمية المحلية ضمن منطق عمل ينطلق مما هو محلي مرتكز على الإمكانيات الداخلية لمجال معين، ومدمج لفاعلين قطاعيين ومحليين في إعداد برامج ومخططات التنمية المحلية" (12).
إن المقومات الأساسية لعملية التنمية حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هي أمل الحياة عند الولادة، معرفة القراءة والكتابة بين البالغين، ثم الدخل الفردي من الناتج الإجمالي الخام (13).
ويرى "ألان توران" أن التنمية تستوجب ثلاثة شروط هامة لابد من توفرها وهي: (14)
تحديد الاختيار وضبط المتغيرات.
انتشار المنتوجات الاقتصادية في كل أرجاء المجتمع.
ضبط التغير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإداري، على صعيد البنى الاجتماعية المعنية بالتنمية.
ولقد بينت التجارب التنموية في أوروبا وفي غيرها من البلدان-وهي المرتكزة على التنمية الاقتصادية وتكديس الثورة- أن التنمية الأحادية الجانب التي تعتبر الاقتصاد محركا أساسيا لعملية "التقدم" و"التطور" هي السبب الرئيسي للصراعات الطبقية واحتكار الثروة والتوزيع غير العادل لها. ويعتبر الاهتمام بمدلول التنمية الشاملة أو المتكاملة، إثراء لمفهوم التنمية على أنها مجموعة من العناصر والعوامل تشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لتصبح العملية التنموية بهذا المعنى "مجموعة العمليات التي تتوحد بها جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية وتحقيق تكاملها" (15)
وخلاصة القول أن التنمية تهدف إلى إحداث التغيير المطلوب في المجتمعممّا يساعد على النمو السليم وتجنب ما يكون فيه من مشكلات وتخلف اجتماعي أو اقتصادي، اعتمادا على ما يكون عند هذا المجتمع من قدرات مادية وبشرية. وحتى تكون عملية التنمية سليمة ومنظمة ولا ينتابها التعثر، لابدّ أن تكون مؤسسة على تخطيط محكم وخطط تنموية جيدة البناء والموضوعية، لتضحي في المحصلة عملية استغلال رشيد للموارد الطبيعية والبشرية تفترض وجود خصائص معينة كالدينامية والتغير والتصنيع والاستقلال وحريّ بنا هنا التذكير بأن التنمية تختلف بهذا المعنى عن التصنيع.فإذا كان هذا الأخير ينحصر في البعد المادي التكنولوجي، فإنالتنمية تعني تحويل وتطوير العلاقات الإنسانية والإمكانيات الاقتصادية والسياسية بغض النظر عن مستوى الاقتصاد (16).
وجدير بنا في هذا السياق الاشارة الى أنماط التنمية أو مستوياتها ونبدأ بالتنمية الاقتصادية يقصد بها كل ما يتعلق بالجانب المادي الإنتاجي في اقتصاد المجتمع أو ما يتعلق بالبنية الاقتصادية للمجتمع وما تتضمنه من هياكل وأطر اقتصادية ومؤسساته ذات الصلة بالعملية الإنتاجية في سياق تحقيق النمو والفائدة من خلال التراكم الكمي اعتمادا على مؤشرات مثل الدخل والمستوى المعيشي والزيادة في الناتج القومي الخام وتطور وسائل الإنتاج وطرقه بين الهياكل الإنتاجية والقطاعات الاقتصادية المكونة للنسيج الاقتصادي في المجتمع.
و يعرّفها البشير العربي بكونها "عملية ... تهدف إلى الزيادة في الإنتاج السلعي والخدماتي مع حسن توزيع الناتج الإضافي على الفئات الاجتماعية ،و يكون ذلك بالإنتاج في مجال الثروات الطبيعية وتحقيق مستوى هام في مجال التصنيع بإقامة قاعدة صناعية ضخمة وتوفير مصادر الطاقة والرفع من نشاط الإنتاج الزراعي وتحسين الخدمات باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في جميع القطاعات المنتجة." (17)
وهذا تعريف اختزل التنمية في بعدها الاقتصادي، وهو يتمثل في التوصل إلى الوسائل الحديثة في التخطيط والتنظيم توق للزيادة في الإنتاج تصورا وتنفيذا للوصول لأقصى درجات الإنتاج وأكبر حدود الاستهلاك.
وهذه التنمية الاقتصادية التي تشترط الإمكانيات المادية والتقنية البشرية المختصة تجعل من الدول الصناعية الكبرى النموذج الذي تسعى الدول النامية للاقتداء به ارتقاءً بتنميتها ولتخرج من التخلف الاقتصادي وهو ما يجعلها في تبعية متواصلة خاصة إذا تعلق الأمر بالتقنية والتكنولوجيا وإشكالية استيرادها.
وتتحدّد التنمية الاقتصادية من خلال إمكانيات المجتمع وقدرته على التجديد وتوسيع التصنيع، وتدرّج الشرائح والفئات الاجتماعية اقتصاديا من خلال الدخل الفردي، وكثافة المكننة واستغلال العامل التكنولوجي، وتجنب الاختلال بين الريف والمدينة وتحقيق النمو والتراكم في عملية الإنتاج والثروات ورؤوس الأموال والاستثمار، واندماج السوق وانفتاحه على العالمية (18).
وتتأسس التنمية الاقتصادية على مؤشرات الناتج القومي الخام ومتوسط استهلاك الفرد من الطاقة ونسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي والمعدل السنوي للتضخم (19).
و تعتبر التنمية الاقتصادية شرطا ضروريا للخروج من "التخلف" وهو شبه اتفاق عام على حاجة الدول النامية إلى مساعدة الدول الغربية. بدأ الاهتمام بتطور العالم الثالث من قبل علماء الاقتصاد. وظهرت الأبحاث والنظريات عن التنمية الاقتصادية في بداية الأمر، ثم سرعان ما تبين أن التنمية ينبغي أن تكون في جميع الميادين، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خاصةبعهد أَنْ كان قد ظهر تفاوت واضح بين الجهود المبذولة من قبل الدول النامية في ميدان التنمية الاقتصادية من جهة وفي المجال السياسي من جهة أخرى وتأخر الثاني على الأول.
و قد حصر هذا التعريف التنمية في البعد الاقتصادي بالنظر إليها على أنها،"التوصل للوسائل الحديثة في التنظيم والتخطيط للزيادة في الإنتاج" وهو توجه اقتصادي تطوري اعتمادا على المؤشرات الكمية وهذا ما ذهب إليه المفكر الأمريكي "روستو" في تحديد للمراحل الرئيسية التي تمر بها المجتمعات لتحقيق نموها من التقليدي وصولا للاستهلاك الوفير، وهو ما يعني تطور المجتمعات من التقليدي إلى الحديث، هذا الأخير الذي يمثله المجتمع الغربي الرأسمالي.
و واضح أن تعريق التنمية على النحو لا يمكن فصله عن الثقافة الغربية التي تسعى لفرض سيطرتها على الأنماط الثقافية الأخرى ودعوتها الملحة إلى استيراد نموذجها الرأسمالي؛ إذ يكفي حسب تصور هذا التعريف أن تراكم رؤوس الأموال والتقنية والخبرة من الأجانب لتحصل على الثروات المادية وتتخلص من براثن التخلف.
و يستخدم مصطلح التنمية الاقتصادية للدلالة على تنشيط الاقتصاد وتحويله من حالة الركود وذلك بالتحول إلى اقتصاد الصناعة، ولهذا اعتبرت الزيادة السنوية الملموسة في إجمالي الناتج القومي ومتوسط دخل الفرد المرتفع من المؤشرات الأساسية للتنمية الاقتصادية (20).أما بخصوص التنمية الاجتماعية
فيعرفها أغلب الباحثين بكونها "الرعاية الخدماتية في مجالات التعليم والصحة والسكن والعلوم والترفيه" ... وهي خدمات اجتماعية إنسانية تنمّي المجتمع وتحقّق ترابطه وتكامله والهدف منها تحقيق أفضل الاستثمار في استغلال الإمكانيّات المتاحة لتحقيق الرّفاه والتّقدم.
فالتنمية الاجتماعية -كما يدل عليها اسمها-تُعْنَى بكل ماهو اجتماعي إذا حدّدنا الاجتماعي بأنّه ما يّتعلق بالرّعاية والخدمات التي تؤدّي إلى"إيجاد ظروف عمل أفضل للفئات العاملة في المجتمع والزيادة في دخل الأسرة، مع الزيادة في توقع الحياة، والتخفيض من معدلات الوفيات للعموم وخاصة الأطفال حديثي الولادة " (21)، فهي جملة الاحتياجات والرغبات التي تحقق للفرد اندماجه وتوازنه من خلال رفع مستوى عيشه استنادا لتطلعاته وطموحاته داخل المجتمع.
عَلى أَنَّ هناك من يعرف التنمية الاجتماعية بأنها ليست خدمات اجتماعية فحسب وإنما هي التغير الذي يطرأ على مستوى البناء الاجتماعي الذي لا يصمد أمام التطور لعدم قدرته على تحقيق الإشباع، وهو ما يجعل البناء الجديد بقيمه وعلاقاته أكثر مُلاَءَمَةً للتغيرات الحاصلة(22)، وبذلك يتوسّع المفهوم ليشمل الخدمات الاجتماعية الموجّهة للمجتمع بجميع فئاته والبناء الاجتماعي المتجدّد.
تستمدّ هذه التنمية تنميتها من القوى البشرية الفاعلة ذات التّخصص في مجالات التنمية، إِذْ تعد الموارد البشرية وسيلة من وسائل الإنتاج الاقتصادي المادي فحسب وإنما أصبح يُنْظَرُ للإنسان أَخْذًا بالاعتبار لرغباته المتنوعة والمتعددة وطموحاته وتطلعاته الفردية والاجتماعية والثقافية...
لذلك يهدف هذا المفهوم إلى تهيئة الظروف والأطر التي تجعل الإنسان يحقق تلك الطموحات الذاتية والاجتماعية بتعدّد مجالاتها وخصائصها. وهو ما يجعل القوى البشرية تحتاج للتأطير والعناية على مستوى التكوين في بعده الشامل للارتقاء بها وتمكينها من الخبرة والكفاءة للاستفادة منها داخل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والوصول للتماهي بين الفاعل الاجتماعي "المبدع" واستراتيجيات التنمية وبرامجها المخططة على المستوى الشامل فيصبح الإنسان هو محور العملية التنموية هدفا ووسيلة. وهذا الجانب البشري هو العمود الفقري لكل تنمية على اعتباره المتحكِّم في هذه العملية، تمويلا أو تدريبا أو تخطيطا. وقد ارتبطت هذه الأهمية في المستوى الوطني بعمليات مراقبة المجال وتنظيمه" (23)، وهذا التّوجّه يعتبر التنمية المحلية هي الرّهان الذي تقوم عليه السياسات التنموية في ظل التغيرات العميقة والسريعة سواء على المستوى العالمي أو على المستوى الوطني. وقد تبنّت المنظمات غير الحكومية هذا التوجّه التنموي منذ أكثر من عقدين مما يكرّس أهميته من خلال البرامج الذاتية وتركيز السكان في مناطقهم الأصلية، وتضامنهم للارتقاء بمجتمعهم المحلي وذلك باستقطاب كل القوى البشرية والفنية من أبناء المجتمع واستغلالها في البرامج التنموية المخططة التي تهدف إلى إدماج المناطق الفقيرة والمعزولة لتحقيق العدالة في توزيع الخدمات والثروة الاجتماعية بحسب المجتمع المحلي واحتياجاته مع مراعاة خصوصية هذا المجتمع ومدى تقبّله للمفاهيم والممارسات المترتبة عن التنمية بجوانبها المتعددة، كي لا تؤدي إلى عرقلة المسار التنموي والإقصاء الاجتماعي (24).
تعتبر التنمية الاجتماعية محصّلة الفعل المشارك في مجتمع يتجه عبر تطوير قدراته والارتقاء بها نحو تحقيق العدالة الاجتماعية (25). وتهتم التنمية الاجتماعية بنهضة المجتمع المحلي، باعتباره المجتمع الأصلي، وهو بالتالي الإطار المرجعي التي تهدف إليه التنمية الاجتماعية، وهو الضّامن الوحيد -كمجتمع محلي- لهوية المجتمع وتقاليده وثقافته لذلك تعتبر التنمية هي محصّلة إحياء القيم وتقاليد المجتمع.
وهَذَا ما دَفَع ببعضهم للقَوْلِ: إن مراعاة برامج التنمية للتقاليد والثقافات والعادات المتعلّقة بالمجتمعات المحلّية، هو أساس التنمية الاجتماعية ذات المفعول طويل المدى"(26).
فالتنمية الاجتماعية تتعارض مع النزعة الفردانية، وتهدف للحفاظ على المؤسسات التقليدية طالما أن "التغير ممكن بشرط أن يساهم كل فرد في قطاعه في تحديث أدواته وإنتاج فكره، العالم تصنعه كل القوى الفاعلة فيه والداخلة في تشكيله وبنائه. ولا يختلف في ذلك عقل متخصص أو عامة متعلمة ممارسة فكرية معقدة أو صناعة يدوية بسيطة" (27).
و قد انصب الاهتمام بالتنمية الاجتماعية على أساس دراسة العلاقات الاجتماعية، فالتنمية هي تطور البشر في علاقاتهم المشتركة والتوافق في العلاقات بينهم، لأنّ تغيّر البناء الاجتماعي مالم يصحبه تغير في طبيعة العلاقات الاجتماعية، فإن التنمية الاجتماعية تكون صعبة التحقيق (28) ولهذا ينظر إليها على أنها "تنمية علاقات الإنسان المتبادلة". ويعتبر عنصر التعاون داخل الحياة الاجتماعية مُهِمًّا، إذ لا تعتمد التنمية في هذا المجال على الإكراه بل على التعاون والعمل المشترك، فهي بذلك تعني "انبثاق ونمو كل الامكانيات والطاقات الكامنة في كيان معين بشكل كامل وشامل ومتوازن سواء كان هذا الكيان فردا أو جماعة أو مجتمعا" (29)
ومن هذا المنطلق فإن التنمية الاجتماعية، هي عمليات تغير اجتماعي يلحق بالبناء الاجتماعي ووظائفه بغرض إشباع الحاجات الاجتماعية للفرد والجماعة، وهي عمليات تخلق التقدّم الاجتماعي والاقتصادي معتمدة على إسهام المجتمع المحلي والمشاركة الواسعة لفئاته(30)؛ ومن هنا جَازَ القول إنّ التّنمية ليست طريقًا واحدًا بل تتعدد طرقها واتجاهاتها باختلاف الكيانات وتنوع الامكانيات، وهو ما يعني توفير المؤسسات المساعدة على نمو هذه الامكانيات المنبثقة إلى أقصى حدودها. والمعوق المهم في عملية التنمية هو الاستغلال بكل مستوياته، ولا يتم تحقيق الاشباع الحقيقي بإزاحته وتحقيق تنمية متحررة(31).
ولا يفوتنا في هذا الصدد الاشارة الى مفهوم التنمية الثقافية إشارة الى الثقافة والتي تعني
مجموع العناصر التي لها "علاقة بطرق التفكير والشعور والفعل، وهي طرق قد صيغت تقريبا في قواعد واضحة يُكَوَّنُ جمعٌ من الأشخاص قد اكتسبوها وتعلَّموها وشاركوا فيها وتستخدم هذه القواعد بصورة موضوعية ورمزية في آن معا، من أجل تكوين هؤلاء الأشخاص في جماعة خاصة ومميزة" (32)، والثّقافة مجموعة معقّدة من المعارف تشمل المعارف والمعتقدات والقانون والفن والتقاليد والأخلاق، وكل ما يتعلّق بالإنسان ويكتسبه بوصفه عضوا في المجتمع (33). وتعني التنمية الثقافية في هذا السياق تنمية العادات والتقاليد والقيم وأنماط الحياة والعلاقات التقليدية، وبالتالي حماية المجتمعات المحلّية من "خطر التقدم" التكنولوجي وما يسبّبه من تهديد للهويّة، واختراقها وعدم القدرة على حمايتها. لأن كل مجتمع بشري له ثقافته الخاصة تميّزه عن باقي المجتمعات. "وقد يحدث أن يوجد تشابه قويّ بين مجتمعين نظرا لقوة الاتصال بينهما وتتشابه المراحل التاريخية والبيئية والجغرافية، وعلى الرّغم من ذلك، فإنّ هذا التّشابه لا يصل حَدَّ التطابق، وذلك لأن كل مجتمع تتميز ثقافته بطابع خاص" (34).
إن ما تتطلبه التنمية الثقافية على المستوى الاجتماعي هو إحياء ثقافة المجتمعات المحلية وتأطيرها وصياغتها بشكل يضمن حماية هويّة المجتمع ولغته وتقاليده وعاداته، "فقراءة المجتمع وفهمه ومعرفة خصوصياته الثقافية هو الذي يعطي معنى للتنمية الثقافية، وليس العكس، فمن شروط التنمية هو بناؤها حول الإنسان لا بناء الإنسان حول التنمية" (35). فمن المتفق عليه أن أي مجتمع انساني له خصوصياته الثقافية بحكم تاريخه الاجتماعي الفريد والذي لا يمكن أن يتكرر، فهي أشبه بالبصمة الثقافية المنفردة. (36) والتنمية الثقافية هي تنمية الخصوصيّات المهدّدة من قِبَلِ العولمة للثقافات المميّزة للشّعوب، لذلك فهي تقف عند حدّ حماية هذه الخصوصية أو الهويّة، وتعني الحماية في هذا السياق عملية الإحياء المستمرة(37)
ويمكن إعادة سيادة المبحث الثقافية في التّسعينات إلى انعدام الحلول في عدّة مباحث اقتصادية تنمويّة إحصائيّة، وذلك لكونه تَوَجُّهًا يُخرج المجتمع من النّمطيّة التي تجعله كيان منغلق على ذاته. (38)
وتعتبر العولمة من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات المحلية في علاقة بهوياتها الثقافية على اعتبار أن العولمة هي "العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الشعوب، تلك العملية التي تنتقل بها الشعوب من حالة الفرقة والتجزؤ إلى حالة الاقتراب والتوحّد ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق، ومن حالة التّباين والتّمايز إلى حالة التّجانس والتّماثل وهنا تتشكل قيم عالمية موحّدة ويتشكّل وعي عالمي يقوم على مواثيق إنسانية عامة" (39) وهذا جوهر ما يراه بارتران بادي من أنّ العولمة عملية تؤدي إلى قيام نظام دولي يتّجه نحو التّوحد في القواعد والقيم والأهداف، مع توقّع إدماج مجموع الإنسانية ضمنه(40).
وهو ما يطرح إشكالية التّحديات التي تواجهها المجتمعات "النّامية" خاصة بالنَّظَرِ لما تفرضه العولمة من تحدّيات اقتصادية سياسية واعلامية وثقافية بوجهٍ أَخَصَّ. وتتعدد مستويات التنمية لتشمل كذلك التنمية السياسية كثيرا ما يقع الخلط بين مفهوم التنمية السياسيّة ومفاهيم أخرى كالتجديد السياسي والإصلاح السياسي والانتقال السياسي والديمقراطية والانفتاح السّياسيّ. ويقود غموض مفهوم التنمية السياسية بأساس إلى قُرْبِهِ من تلك المفاهيم السَّالِفة، بَلْهَ ما يحتويمن مفاهيم فرعيّة سياسيّة وأخلاقيّة وايديولوجيّة وفلسفيّة لا تقبل القياس والملاحظة والتدقيق العلميّ على غرار قِيَمِ العدل والمساواة والتّعددية والديمقراطيّة، دُونَ أَنّ نُغْفِلَ تعدُّدَ تعريفات التنمية السياسيّة وما تتّسمبه من عموميّات. (41)
فقلد تعددت تعريفات التنمية السياسية عند البعض تدل على العلاقات الاجتماعية والروابط السياسية في المجتمع؛ العلاقات بين الأفراد والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويركز الباحثون في هذا المجال على بنية الهياكل وأجهزة الدولة السياسية ودورها وطبيعة أدائها في الحقل السياسي. وهي تدل على قدرات النظام السياسي وفعالية وجدوى الأداء الحكومي، وتعني استقرار النظام السياسي وشرعيته في المجتمع (42) فهي تعني نماذج العلاقات بين الناس من خلال المؤسسات الحكومية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي النظام المتطور سياسيا الذي يواجه بنجاح الضرورات الوظيفية لكل نظام سياسي، ووضع رموز سياسية متغيرة ورموز لتوطيد الهوية الوطنية وبنية مركزية قانونية وسياسية، وقنوات لتنظيم الصراع السياسي (43)، فهي عملية تعكس قدرة النظام السياسي على التعامل مع البيئة الداخلية والخارجية، وقدرة النخبة على تحقيق التنمية وعملية بناء الديمقراطية(44).
إن التنمية السياسية سَعْيْ دؤوب من أجل أن لا تكون المؤسسات السياسية والمدنية منغلقة على ذاتها، وهي تستوجب انفتاح المؤسسات وتفاعلها مع بعضها من أجل تطوير أدوات الصَّهْر الاجتماعي والسياسي للفرد بتوحيد الولاء السياسي الذي هو تحت غطاء الدولة على أرضية أنها الحاملة لمصلحة الجميع، وهي الضامن الأساسي للتنمية.
كما أن التنمية السياسية، هي تحقيق وعي أشمل بالانتماء، حيث أنه كلّما كانت الانتماءات أوسع كانت المصلحة العامة أعم، وكلما تضيق أطر الانتماء وتتقلص، تتجه المصلحة لصالح الفرد أو بعض الأفراد (45).
"إن الرهان من خلال التنمية السياسية هو تحقيق ما يسميه على حرب "بالإنسان التواصلي"، وهو الإنسان الذي قوامه الوساطة والتبادل والتحاور والتداول، ذلك أن قيمة الترسانة التكنولوجية أو اللوحات الالكترونية، أو الأقمار الصناعية تكون دون جَدْوى إذا كان النسيج الاجتماعي يزداد تمزقا والواقع السياسي انحصارا وانهيارا والحقل الثقافي والفكري بُؤْسًا وفراغا" (46)
إن هدف التنمية السياسية هو بناء ثقافة سياسية محورها الحريّة وقيم الديمقراطية، والمقصود بالثقافة السياسية تلك الجوانب السياسية للثقافة السائدة في مجتمع ما باعتبار أن هذه الجوانب تشكّل جملة متناسقة الأجزاء (47)،فهي مجموع ما يملكه الفرد من معارف عن النظام السياسي، ومشاعر ايجابية أو سلبية نحو المؤسسات وأحكام تقييمية بشأن الظواهر السياسية (48). وتعتبر الدولة في هذا السياق -عكس ما ذهبت إليه المقاربة الماركسية-أداة سياسية مثلى لتحقيق الحرية وحمايتها، بما أن الثقافة السياسية هي مجموعة القيم والعلاقات السائدة في المجتمع والمتصلة بعلاقات أفراده بالنظام السياسي، فمن الطبيعي أن تعبّر هذه الثقافة على التَّوق الانساني إلى الحرية والعدالة والمساواة، وهكذا اكتسبت الدولة قدسيتها من خلال ارتباطها بمفهومي القانون والعدالة.
وقد انبنت الثقافة السياسية في المجتمعات العربية على حالة من الاندغام بين شخص السياسي وجهاز الدولة، بل إن الدولة والثروة يعتبران امتدادا لسلطانه، فالاندغام (fusion) هي الصفة الأساسية للثقافة السياسية الرسمية، وهو ما يدلّ على طبيعة التنمية السياسية. ثم إن بناء الدولة دون ثقافة سياسية يؤدي إلى سيطرة الايديولوجيا على جميع مستويات الحياة دون الاستناد إلى عمق ثقافي حقيقي؛ فقّد تم تبنّي أنموذج الدولة في اوروبا دون أية ثقافة مصاحبة لها في حين أن التسيير السياسي يحتاج إلى العمق الثقافي والحضاري، أي إلى ثقافة سياسية وتنمية سياسية قادرة على الإقناع والتعبئة، لأن الظاهرة السياسية هي في الأساس ظاهرة ثقافية(49).
وبحكم الارتباط بين الثقافة السياسية والثقافة بوجه عام، كان إقبال الباحثين العرب وغير العرب على النظر في طبيعة الثقافة العربية، خاصة من جهة اتفاقها أو تناقضها مع الديمقراطية(50).
ومهما كان الأمر في طبيعة الاختلاف في هذا الموضوع، فإن انتشار قيم الديمقراطية والمواطنة والتعددية والمساواة وقيمة الفرد وحرية الفرد والجماعة وحريات الفكر وحقوق الإنسان يبقى أمرا مهما لتحقيق التنمية السياسية في المجتمع.
ومن هذا المنطلق يمكن القول إَنّ الثقافة السياسية، هي عَكْسٌ للواقع وتعبير عنه وعن تناقضاته في نفس الوقت، ويمكن من خلالها أن نستقرئ الواقع، من مدخل القيم والتصورات والمعتقدات المؤثرة في المجتمع.
و قد صَنَّفت دراسات التنمية السياسية الأنظمة السياسية، ووضعتها في مجموعات واسعة وغامضة أيضا، فميزت بعض الأنظمة الغربية "المتطورة" سياسيا وسمّتها "نظام المصالحة" وأنظمة العالم الأخرى، وهي على قولها في طور "المجتمعات الانتقالية" المنقسمة بدورها إلى أنظمة "الأوتوقراطيات الحديثة " و"أنظمة التعبئة". وهناك تصنيف آخر ميّز بين "الأنظمة التعدّدية" و"الأنظمة التقليدية" و"الأنظمة العسكرية". وقد قسّم "دايفيد أبتر" الأنظمة السياسية إلى أربعة "نماذج مثالية"، وهي الأنظمة التيوقراطية والأنظمة التعبوية وأنظمة المصالحة والأنظمة البيروقراطية،اعتمادا على خصائصها البنيوية والمعيارية (51).
و حاولت النظريات التنموية في علم الاجتماع السيطرة على فهم قضيّة التنمية وتحليلها واقتراح البدائل والمقترحات في وضعية تاريخية تتميز بالتحول والديناميكية على مستوى المجتمعات أو على مستوى النظام الدولي(52). وبالتوازي مع هذه النظريات، كانت السياسات التنموية تُنْجَزُ اعتمادا أو استنادا إلى خطابات رسمية للتنمية وأيديولوجيات بما جعل المفاهيم التنموية يشوبها اللُّبس والغموض بحكم عُسْرِ فَكِ المفهوم العلمي من بقية الاستعمالات والمفاهيم المستعملة في خطابات السّاسة والإعلاميّين وغيرهم، مما جعل مفهوم التنمية يطرح ضرورة المراجعة وإعادة التساؤل والبناء المفاهيمي، ضمن النقد المعرفي.
و تُمَثِّل مسألة التّنمية ضرورة علمية لفهم المجتمع في ظل التحولات الطارئة على المستوى الداخلي والخارجي، وهو أمر جعل الأسئلة السوسيولوجية حول إشكالية التنمية والتغير الاجتماعي في ظل المتغيرات المحلية والعالمية الجديدة، مسألة أو إشكالية على درجة كبيرة من الأهمية لدراسة تطوّر البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والكشف عن آليات التغير والاستمرارية في المجتمع.
***
الدكتور محمد الهادي حاجي – تونس
.....................
المراجع:
- ابراهيم (سعد الدين)، نحو نظرية سوسيولوجية للتنمية في العالم الثالث، أبحاث ومناقشات المؤتمر العلمي السنوي الثاني للاقتصاديين المصريين، القاهرة، مارس 1980.
- أبو العلا(محمد حسين)، ديكتاتورية العولمة، قراءة تحليلية في فكر المثقف، مكتبة مدبولي، القاهرة2004.
- ألان (توران)، ماهي الديمقراطية؟، حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية، ترجمة حسين قبيسي، الطبعة العربية، بيروت لبنان 1995.
- الدبعي (جمال)، المدخل إلى علم الاجتماع، دار الفكر للنشر والتوزيع عمان الأردن، 1991.
- الزين (محمد شوقي)، فلسفة علي حرب النقدية، العولمة والهوية منبوذات محاكم التفتيش الآن في كتابات معاصرة مجلد11 عدد44 تموز 2001..
- السمالوطي (نبيل محمد توفيق)، قضايا التنمية والتحديث في علم الاجتماع المعاصر، دار المطبوعات الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1990.
- العرفاوي (عادل)، التنمية والتشغيل في جندوبة، شهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس 1996.
- المقرمي (عبد الملك)، الاتجاهات النظرية لتراث التنمية والتخلف في نهاية القرن العشرين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر 1991، ص 14(1) علام (سعد طه)، التنمية والمجتمع، مكتبة مدبولي، القاهرة 2006.
- أمين، (سمير)، التطور اللامتكافئ، دراسة في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية المحيطة ترجمة برهان غليون الطبعة الرابعة، دار الطليعة بيروت، 1985.
- بوطالب (محمد نجيب)، الفلاحة والمجتمع الريفي في تونس، مرجع سابق ص52.
- بوكراع (رضا)، التنمية الجهوية والتوجه المؤسساتي الجديد للدولة، مؤلف جماعي تونس الأمس وتونس الغد) المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة تونس2002.
- تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
- حسني (السيد)، التنمية والتخلف، دراسة تاريخية بنائية، القاهرة، مطابع سجل الغربية الطبعة الأولى 1992.
- خليل العمر (معن)، التغير الاجتماعي، دار الشروق للنشر والتوزيع الطبعة الأولى، الأردن، 2004..
- روشي(غي)، مقدمة في علم الاجتماع العام-1- الفعل الاجتماعي تعريب، "د. مصطفى دنشلي" طباعة ونشر وتوزيع مكتبة الفقيه، بيروت 2002، ص197.
- سلطان (جهينة)، التحديث في المجتمع العربي المعاصر، دار كاظمة للنشر والتوزيع والترجمة 1980.
- عارف (نصر)، في مفاهيم التنمية ومصطلحاتها، مجلة ديوان العرب، القاهرة 2008..
- عبد الباسط (محمد حسن)، التنمية الاجتماعية، معهد الدراسات والبحوث العربية، القاهرة 1970، ص87.
- لبيب (الطاهر)، "التنمية الاجتماعية واتجاهاتها في البلدان العربية"، المستقبل العربي، السنة22، العدد253، مارس2000.
- مشورب (إبراهيم)، التخلف والتنمية، دراسات اقتصادية، دار المنهل اللبناني للطباعة والنشر 2002.
- مصطفى (محمود عبد السلام)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لسنة 2001، المستقبل العربي عدد 271، سبتمبر 2001، ص154.
-العربي (البشير)، الهجرة الداخلية والتنمية في المجتمع التونسي دراسة سوسيولوجية، مكتبة علاء الدين، صفاقس، 2005.
- حامد (منجي)، توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر نماذج تطبيقية ذات صلة بالتنمية، شهادة الدراسات المعمقة، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، تونس 2003..
- حجلاوي (غالية)، دراسة سيوسولوجية لمنطقة سيدي بوزيد، دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس 2009
- حسن (عبد الباسط محمد)، التنمية الاجتماعية، معهد الدراسات والبحوث العربية، القاهرة 1970، ص97.
- ربيع محمد (محمود) واسماعيل صبري، موسوعة العلوم السياسية الكويت 1994 .
- عبد الخالق (عبد الله)، العولمة جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها، مجلة عالم الفكر، مجلد28، العدد2، الكويت1999،
- عيد (حسن إبراهيم)، دراسات في التنمية والتخطيط، مصر، دار المعرفة الجامعية 1995.
- لبيب (الطاهر)، سوسيولوجيا الثقافة، دار محمد علي الحامي للنشر صفاقس 1987، ص10.
النشار (مصطفى)، ضد العولمة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة
1999-
- Badie (Bertrand), Pierre Biran Boum, Sociologie de l’Etat, Paris, éditions Grasset, 1982,
- Waterbury (Jean), une démocratie sans démocrates ? le potentiel de libéralisation politique au Moyen-Orient, in Ghassen Salama, démocraties sans démocrates, Paris, Fayard , 1994,
Apter (David), some conceptual approach to the study of modernization, englewood cliffs, prentice hall 1968.
-Duverger (Maurice), sociologie de la politique, Paris, P.U.F 1973 p121..
-Zghal (Riadh), « l’enseignement supérieur entre les rigidités administratives, l’enseignement de masse et la globalisation », in l’université du XXIème siècle et le développement, colloque organisé à Sfax 27- 28 Novembre 1998
هوامش
(1) العربي (البشير)، الهجرة الداخلية والتنمية في المجتمع التونسي دراسة سوسيولوجية، مكتبة علاء الدين، صفاقس، 2005، ص140.
(2) حسني (السيد)، التنمية والتخلف، دراسة تاريخية بنائية، القاهرة، مطابع سجل الغربية الطبعة الأولى 1992 ص5.
(3) الدبعي (جمال)، المدخل إلى علم الاجتماع، دار الفكر للنشر والتوزيع عمان الأردن، 1991، ص119.
(4) عيد (حسن إبراهيم)، دراسات في التنمية والتخطيط، مصر، دار المعرفة الجامعية 1995، ص42.
(5) العربي (البشير)، الهجرة الداخلية والتنمية، مرجع سابق، ص108.
(6) أمين، (سمير)، التطور اللامتكافئ، دراسة في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية المحيطة ترجمة برهان غليون الطبعة الرابعة، دار الطليعة بيروت، 1985، ص86.
(7) العربي (البشير)، الهجرة الداخلية والتنمية، مرجع سابق ص141.
(8) عارف (نصر)، في مفاهيم التنمية ومصطلحاتها، مجلة ديوان العرب، القاهرة 2008، ص 41.
(9) مشورب (إبراهيم)، التخلف والتنمية، دراسات اقتصادية، دار المنهل اللبناني للطباعة والنشر 2002، ص 47.
(10) المقرمي (عبد الملك)، الاتجاهات النظرية لتراث التنمية والتخلف في نهاية القرن العشرين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر 1991، ص 14.
(11) علام (سعد طه)، التنمية والمجتمع، مكتبة مدبولي، القاهرة 2006، ص 31.
(12) تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
(13) مصطفى (محمود عبد السلام)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لسنة 2001، المستقبل العربي عدد 271، سبتمبر 2001، ص154.
(14) ألان (توران)، ماهي الديمقراطية؟، حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية، ترجمة حسين قبيسي، الطبعة العربية، بيروت لبنان 1995، ص 205.
(15) السمالوطي (نبيل محمد توفيق)، قضايا التنمية والتحديث في علم الاجتماع المعاصر، دار المطبوعات الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1990 ص29.
(16) سلطان (جهينة)، التحديث في المجتمع العربي المعاصر، دار كاظمة للنشر والتوزيع والترجمة 1980، ص33.
(17) العربي البشير الهجرة الداخلية والتنمية ، مرجع سابق ص 143.
(18) Zghal (Riadh), « l’enseignement supérieur entre les rigidités administratives, l’enseignement de masse et la globalisation », in l’université du XXIème siècle et le développement, colloque organisé à Sfax 27- 28 Novembre 1998 p 12.
(19) السمالوطي (نبيل محمد توفيق)، قضايا التنمية والتحديث، مرجع سابق ص 268.
(20) خليل العمر (معن)، التغير الاجتماعي، دار الشروق للنشر والتوزيع الطبعة الأولى، الأردن، 2004، ص68.
(21) العربي (بشير)، الهجرة الداخلية والتنمية،مرجع سابق ص143-144.
(22) عبد الباسط (محمد حسن) ،التنمية الاجتماعية، معهد الدراسات والبحوث العربية، القاهرة 1970، ص87.
(23) بوطالب (محمد نجيب)، الفلاحة والمجتمع الريفي في تونس، مرجع سابق ص52.
(24) بوكراع (رضا)، التنمية الجهوية والتوجه المؤسساتي الجديد للدولة، مؤلف جماعي تونس الأمس وتونس الغد) المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة تونس2002 ص412.
(25) لبيب(الطاهر)، "التنمية الاجتماعية واتجاهاتها في البلدان العربية"، المستقبل العربي، السنة22، العدد253، مارس2000 ص41.
(26)حامد (منجي)، توظيف مفهوم العصبية في دراسة المجتمع العربي المعاصر نماذج تطبيقية ذات صلة بالتنمية، شهادة الدراسات المعمقة، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، تونس 2003، ص47.
(27) الزين (محمد شوقي)، فلسفة علي حرب النقدية، العولمة والهوية منبوذات محاكم التفتيش الآن في كتابات معاصرة مجلد11 عدد44 تموز 2001، ص41.
(28) ابراهيم (سعد الدين)، نحو نظرية سوسيولوجية للتنمية في العالم الثالث، أبحاث ومناقشات المؤتمر العلمي السنوي الثاني للاقتصاديين المصريين، القاهرة، مارس 1980، ص55.
(29)نفس المرجع، ص57.
(30) ابراهيم (سعد الدين)، نحو نظرية سوسيولوجية للتنمية في العالم الثالث، مرجع سابق، ص62.
(31) حسن (عبد الباسط محمد)، التنمية الاجتماعية، معهد الدراسات والبحوث العربية، القاهرة 1970، ص97.
(32) روشي(غي)، مقدمة في علم الاجتماع العام-1- الفعل الاجتماعي تعريب، "د. مصطفى دنشلي" طباعة ونشر وتوزيع مكتبة الفقيه، بيروت 2002، ص197.
(33) لبيب(الطاهر)، سوسيولوجيا الثقافة، دار محمد علي الحامي للنشر صفاقس 1987، ص10.
(34) حجلاوي(غالية)،دراسة سيوسولوجية لمنطقة سيدي بوزيد، دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس 2009، ص71.
(35) حامد (منجي)، توظيف مفهوم العصبية، مرجع سابق ص 52.
(36) عبد الخالق (عبد الله)، العولمة جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها، مجلة عالم الفكر، مجلد28، العدد2، الكويت1999، ص89
(37) حامد(منجي)، توظيف مفهوم العصبية، مرجع سابق ص52.
(38)نفس المرجع ص53.
(39) أبو العلا (محمد حسين)، ديكتاتورية العولمة، قراءة تحليلية في فكر المثقف، مكتبة مدبولي، القاهرة2004، ص34.
(40) النشار (مصطفى)، ضد العولمة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1999، ص57.
(41) ربيع محمد(محمود) واسماعيل صبري، موسوعة العلوم السياسية الكويت 1994، ص31- 48.
(42) نفس المرجع، ص 32.
(43) نفس المرجع ص35.
(44) نفس المرجع ص37.
(45) حامد (منجي) توظيف مفهوم العصبية، مرجع سابق ص54.
(46) نفس المرجع ص55.
(47) Duverger (Maurice), sociologie de la politique, Paris, P.U.F 1973 p121.
(48) Ibid, p121.
(49) Badie (Bertrand), Pierre Biran Boum, Sociologie de l’Etat, Paris, éditions Grasset, 1982, p87.
(50) Waterbury (Jean), une démocratie sans démocrates ? le potentiel de libéralisation politique au Moyen-Orient, in Ghassen Salama, démocraties sans démocrates, Paris, Fayard , 1994, p106.
(51) Apter (David), Some conceptual approaches to the study of modernization, Op cit, p334.
(52) العرفاوي (عادل)، التنمية والتشغيل في جندوبة، شهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس 1996، ص34.





