دراسات وبحوث
صائب المختار: إشكالية فصل الدين عن الدولة قي الفكر العربي

مازال مبدأ فصل الدين عن الدولة يشكل محوراً مهماً للنقاش بين الأفراد وفي المنتديات والفكر العربي. وما زال الخلاف فيه قائماً وبحدّة، بين مؤيدٍ متشدد ومعارضٍ متعصب. فالمؤيدون لهذا المبدأ يدعون إلى فصل السلطة السياسية، متمثلة بالحكومة ومؤسساتها، عن السلطة الدينية أو الشخصيات الدينية، أي أنه يهدف إلى فصل الدين عن شؤون الدولة، ويقولون إن قوانين وتشريعات الدولة يجب ألا تٌبنى على أساس ديني. وقد أخذ المثقفون العرب، أمثال سلامة موسى وشبلي شميل وطه حسين وكثيرون غيرهم، هذا المبدأ ودافعوا عنه دفاعاً مستميتاً. وهم يعتبرون أن التديّن مسألة شخصية بين الفرد وربه، ولا دخل لمؤسسات الدولة بالدين. وقالوا بأن الدين يمثل عقبة كبيرة في مسيرة النهضة وتطور الفكر. واعتبروا أن النهضة الأوربية هي المثال القدوة التي يجب أن نقتدي بها ونتتبع خطواتها بحذافيرها، إذا ما أردنا أن ننهض بمجتمعنا.
يعتبر البعض أن العلمانية هي الكلمة أو المصطلح المرادف والبديل لمفهوم فصل الدين عن الدولة، إلاّ إن العلمانيون يقولون إن العلمانية مفهوم أوسع وأشمل من مبدأ فصل الدين عن الدولة على الرغم من أنه يوحي بمقولة فصل الدين عن الدولة. فعلمانية الدولة مثلا تعني أن الدولة لا تتخذ في دستورها ديناً معيناً كصفة لها، وهذا لا يعني أن شعار الدولة الإلحاد، بل إنها تقبل وتحترم كل العقائد والأديان بضمنها مبدأ الّا دين، وبذلك فهي لا تفضّل دين على آخر، ولذلك فإن الدولة لا تفرض شعائر وأحكام دين معيّن على مواطنيها. الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، هي دولة علمانية بنص الدستور لكن معظم سكانها يعتنقون الديانة المسيحية ويمارسونها بحرية، وتحظى المؤسسات الدينية فيها بمساندة ودعم من الدولة. فالكنائس تُبنى بمساعدات مالية سخية من الدولة وتعفى من الضرائب وتحصل على مساعدات مالية حكومية. وهكذا شأن الأديان الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما علمانية الفرد فهي حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من الأديان بضمنها عقيدة الالحاد بحرية تامة ودون محاسبة أو عقاب.
يتهم البعض العلمانية بأنها تدعوا إلى الإلحاد ومحاربة الدين. ويرفض العلمانيون هذه التهمة ويقولون إنهم لا يحاربون الدين ولا يدعون إلى الإلحاد بل إنهم يحترمون الأديان، لكنهم يعتبرون الدين مسألة شخصية خاصة بالفرد. فهي علاقة خاصة بين الشخص وخالقه ولا شأن للدولة فيها. ويعتقد العلمانيون أن العلمانية هي الطريق الأمثل للنهضة كون العلمانية هي السبب الرئيسي في نهضة الغرب.
من ناحية أخرى، يقول المعارضون لمبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة، إن الدين يدعو إلى إتمام مكارم الاخلاق وبناء القيم السامية لخلق مجتمع سامي آمن وحضاري، فبدون الوازع الديني يمكن أن يجنح الافراد والمجتمع بسهولة إلى ارتكاب الاعمال السيئة والقبيحة لعدم وجود الرقيب الديني في النفس البشرية. فالوازع الديني مهم للسيطرة على النفس الأمارة بالسوء. وإن السلطة تحتاج إلى الدين كما إن الدين يحتاج إلى السلطة والحاكم لتطبيق ومتابعة احكام الدين. ذلك لأن تلك الاحكام تحتاج إلى متابعة ومراقبة لإنفاذها. لذا فإن الدين والدولة متلازمان يكّمل أحدهما الآخر.
وما زال الخلاف قائماً بين الفريقين، فريق التراث وفريق الحداثة أو فريق القديم وفريق التجديد أو كما يُطلق عليهم أيضاً بالأصوليين والعلمانيين. وقد نشأ بينهم جدال فكري محتدم، وتحول إلى صراع مستعر ومستمر. وأصبح أيّ من الفريقين يسعى بحدة إلى اثبات فشل الطرف الآخر وتوضيح دوره في تخلّف المجتمع. وتطور الصراع بينهم إلى التنكيل بالآخر والتكفير والقتل. ووضِع هدف القيام بنهضة المجتمع جانباً وأصبح مهمشاً. نسيَ الفريقان أن عليهم أن يتعاونوا ويتكاتفوا لمعرفة أسباب تخلّف الأمة وإيجاد السبل لنهضة المجتمع، وتفرغوا للصراع فيما بينهم. ويمكن ملاحظة ذلك وبسهولة، من خلال متابعة مسيرة النهضة العربية التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر مع رعيلها الأول من رواد النهضة العربية وما أبدته من تقدم وانفتاح واضح في مجال الفكر والثقافة والنهضة، لكنها بدأت مرحلة الانتكاس في نهاية القرن العشرين ووصلت إلى أدنى مراحل الانحدار والتخلف في الوقت الحاضر. فماذا حصل بين الأمس واليوم؟ وكيف يمكن تبرير هذا التخلف الجديد بعد السير على طريق النهضة. ألا يشير هذا إلى أن الأفكار المتداولة أصبحت عقيمة وتحتاج إلى تجديد!!
من قراءة وجهتي نظر الطرفين، المؤيّدة والمعارضة لمبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة، يمكن القول إن مبدأ فصل الدين عن الدولة كان صحيحاً وفعّالا بالنسبة للمجتمع الأوروبي بسبب ما عانوه من تخلّف وانحطاط نتج عن السيطرة المطلقة للكنيسة ورجال الدين (وليس الدين نفسه) على مقاليد الحكم والحكّام في اوروبا، فالكنيسة كانت تمتلك السلطة الدينية والسياسية في نفس الوقت، وتحارب العلم والعلماء، واحتكرت الكنيسة العلم والتعليم لمنتسبيها فقط دون غيرهم من الناس. لكن هذا الواقع لا يَصُح ولا ينطبق على الدين الإسلامي والمجتمع الإسلامي، كون الدين الإسلامي لا يحارب العلم ولا العلماء، بل يدعو إلى العلم والتعلّم، ويعتبرها فريضة واجبة على كل مسلم ومسلمة، كما أن الدين الإسلامي كرّم العلماء ووصفهم بأنهم " ورثة الأنبياء". ومن ناحية أخرى، فإن رجال الدين والمؤسسات الدينية والجوامع في المجتمع الإسلامي لم تكن لهم سلطة سياسية ابداً، بل كانوا دائماً خاضعين لسلطة الحاكم وتنفيذ أوامره بدون نقاش. وإن مراجعة التاريخ الإسلامي لا يذكر أن رجل دين أو مؤسسة دينية امتلكت سلطة سياسية اقوى من سلطة الخليفة أو امير المؤمنين، بل على كانوا تابعين لسلطة الحاكم ومطيعين له، وما زال الحال عليه لحد الآن في تبعية المؤسسة الدينية لأوامر الحاكم والسلطة السياسية. فلماذا يحتاج المجتمع العربي إلى فصل الدين عن الدولة.
لو نظرنا إلى أصل وجذور العلمانية لوجدنا أن أصل فكرة العلمانية يعود إلى الغرب الأوربي، وأنها ليست من اساسيات الفكر العربي. ظهر مفهوم فصل الدين عن الدولة في اوروبا أواخر القرن السابع عشر (عام 1685م) بعد أن عانت أوروبا في العصور الوسطى من سلطة وطغيان الكنيسة، والتي كانت تحتكر الدين على أساس أنها تمثل السلطة الإلهية في الأرض وتصدر الأوامر الربانية. وقد كشف مارتن لوثر (مؤسس البروتستانتية) فساد الكنيسة الأخلاقي والمالي مما جعل الناس يفقدون ثقتهم بالكنيسة ورجال الدين، لكن المجتمع لم يفقد ثقته بالدين بدليل أن الديانة المسيحية بقيت منتشرة في أوروبا وتمارس بشكل علني لحد الآن. وكذلك حاربت الكنيسة العلم والعلماء عندما حكمت على غاليليو بالسجن لأنه تجرأ واثبت بما لا يقبل الشك أن الكرة الأرضية ليست مركز الكون وأنها تدور حول الشمس وليس العكس كما كانت تعتقد الكنيسة مما زعزع ثقة الناس بالكنيسة ورجال الدين (الاكليروس). وللتوضيح، فإن مَن حاكَم غاليليو وأصدر الحكم عليه هي الكنيسة الكاثوليكية برئاسة البابا وليس سلطة الملك، وإن من سَجن غاليليو هي الكنيسة وليس سلطة الملك، وهذا يعكس مفهوم السلطة السياسية للكنيسة، كونها تتعدى سلطة الملك. كما أن أوروبا عانت من حروب دينية مدمرة راح ضحيتها الملايين من البشر، ويذكر على سبيل المثال، حرب الثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت (من عام 1614 إلى 1648) وقتل فيها ثمانية ملايين مسيحي أوروبي. هذه الأحداث جعلت المفكرين الغربيين يدعون إلى محاربة سلطة الكنيسة الدينية والسياسية وتحييدها عن سلطة القرار، فأعتُمد مفهوم العلمانية بشكله المتشدد ضد الكنيسة ورجال الدين وليس ضد الدين والديانة المسيحية تحديداً.
من متابعة تسلسل الأحداث التاريخية المذكورة أعلاه، يمكن الاستنتاج بما لا يقبل الشك أن الكنيسة المسيحية امتلكت أعلى سلطة سياسية في أوروبا في العصور الوسطى، وإنها مارست طغياناً في احتكار العلم ومحاربة العلم ونشرت التخلّف في البلاد، ولذلك حاربها الأوروبيون ونزعوا عنها السلطات غير الدينية (السياسية والاقتصادية والإدارية). والتساؤل المشروع الذي يبرز في هذا السياق هو: هل كان أو هل إن هناك سلطة سياسية أو اقتصادية في التاريخ الإسلامي أو المجتمع الإسلامي تعلو على سلطة الحاكم (سواء الخليفة أو امير المؤمنين أو رئيس الجمهورية)؟ لأن المقاربة هي بين أعلى سلطة دينية، الكنيسة وبابا الفاتيكان وبين سلطة الملك أو الامبراطور وليس أقل من ذلك. مثال على ذلك، ما حدث في عام 1077م عندما غضب البابا غريغوري السابع على الامبراطور الروماني هنري الرابع، بسبب تدخله المباشر في تعيين رجال دين في الكنيسة، لذلك أمر البابا بمنع تقديم كل أنواع الخدمات الدينية والكنيسية للإمبراطور، وهدده بإزاحته عن عرشه إذا لم يعتذر عن خطأه. وفعلاً أصبح عرش الامبراطور مهدداً بالزوال، لذلك اضطر الامبراطور أن يذهب إلى كاتدرائية البابا في إيطاليا لمقابلته والاعتذار له. ولم يقبل البابا أن يقابل الامبراطور عقاباً له، وجعله ينتظر ثلاثة أيام في العراء خارج اسوار الكنيسة إذلال له، ثم عفا عنه بعد ذلك. هذا هو مثال واضح وصريح لقوة السلطة السياسية للمؤسسة الدينية (الكنيسة)، وليس في هذا المثال ما يشير إلى السلطة الدينية للمؤسسة الدينية أو الكنيسة، ذلك لأن السلطة الدينية هي من صميم عمل الكنيسة وهو سبب وجودها عند المسيحية. ولو سلبت منها سلطة التشريعات الدينية لأنتفت الحاجة لوجود الكنيسة، فتصبح التشريعات الدينية عرضة لاجتهادات عامة الناس من غير المتخصصين بدراسة العلوم الدينية أمثال علماء الدين والفقهاء، وبالتالي تسود فوضى اجتهادات الآراء الدينية يشارك فيها كل من هب ودب، وممن ليس له أساس علمي ديني أو معرفي فكري، فينتج عنها بلبلة وتشتت العقول، كما هو حاصل في مجتمعنا الإسلامي في الوقت الحاضر.
للإجابة على سؤال مدى قوة السلطة السياسية للمؤسسة الدينية أو رجل الدين في التاريخ الإسلامي أو المجتمع الإسلامي، يتوجب علينا معرفة ما إذا كان قد ذُكر في التاريخ الإسلامي اسم لمؤسسة دينية أو رجل دين تمتعَ بسلطة سياسية أعلى من سلطة الحاكم، كما هو الحال في المثال المذكور أعلاه عن سلطة البابا وسلطة الكنيسة. والجواب هو بالتأكيد كلا، إذ لم يعرف في التاريخ الإسلامي أو الحضارة الاسلامية وجود رجل دين أو مؤسسة دينية إسلامية امتلكت سلطة أعلى من سلطة الحاكم.
يقول فؤاد زكريا (وهو من كبار المثقفين العرب وشيخ العلمانيين) في كتابه الصحوة الإسلامية في ميزان العقل: "غير إن القول بأن الإسلام لا يعرف ولم يعرف مؤسسة دينية على الإطلاق هو قول ينطوي على قدر غير قليل من الإسراف، فالأزهر على سبيل المثال مؤسسة يحتل قمتها شيخ الأزهر الذي كان – قبل أن يخضع منصبه لمطالب السلطة السياسية في العقود الأخيرة – أكبر الشخصيات الدينية التي تتمتع بتبجيل وتوقير في كافة ارجاء العالم الإسلامي". ونرى في هذا الطرح تناقضاً واضحاً لمفهوم المؤسسة الدينية وقوة السلطة السياسية للمؤسسة الدينية، إذ يعترف فؤاد زكريا في مثاله هذا بأن شيخ الأزهر قد خضع لمطالب السلطة السياسية في العقود الأخيرة، مما يعني أن الأزهر حاليا ليس له سلطة سياسية. وهذا كما هو معلوم المطلب الأساسي في مبدأ فصل الدين عن الدولة، اقصد التخلي عن السلطة السياسية للمؤسسة الدينية وليس السلطة التشريعية الدينية. وقد اعتبر الدكتور فؤاد زكريا الأزهر مؤسسة دينية إسلامية كبرى على الرغم من أنها مؤسسة دينية مصرية فقط، بمعنى أن احكامها لا تسري بالضرورة في الدول الإسلامية الأخرى غير المصرية، كدول المغرب أو المشرق العربي أو باقي الدول الإسلامية غير العربية، مما يوحي أن لا وجود لمؤسسة دينية إسلامية في التراث الإسلامي يوازي سلطانها سلطان الكنيسة عند الاوروبيين. بنفس الوقت يركز الدكتور فؤاد زكريا على صفة الاحترام والتبجيل التي يحظى بها شيخ الأزهر، وكأن هذا الوقار والتبجيل سلطة سياسية كبرى تعلو على سلطة الحاكم وتستوجب إحلال العلمانية. ويذكر الدكتور فؤاد زكريا مثال آخر في نفس الصفحة من الكتاب، وفيه أيضاً الكثير من التناقض، فيقول: "وهيئة الإفتاء وعلى رأسها مفتي الديار وكذلك هيئة كبار العلماء، تمثل بدورها سلطة دينية لا جدال فيها، يُطلب رأيها في تعديل قوانين هامة مثل قانون الأحوال الشخصية". وواضح هنا أنه يتحدث عن السلطة الدينية وليست السلطة السياسية للمؤسسة الدينية، ويجعل طلب رأيها واستشارتها في تعديل قانون الأحوال الشخصية يوازي سلطة عليا لها. واتساءل هنا، إذا هو لا يجيز الاستنارة برأي المؤسسة الدينية في تعدل قانون خاص بالأحوال الشخصية، فرأي مَن هو الواجب بالاستشارة، هل هو رئيس الجمهورية أم وزير الداخلية مثلاً؟؟
يقول عبد الوهاب المسيري في كتاب العلمانية تحت المجهر: "يذهب محمد عابد الجابري إلى أن العلمانية جزء من التشكيل الحضاري الغربي، والذي يعني فصل الدين عن الدولة. وهو لهذا يعتبر أن مفهوم العلمانية غريب عن الإسلام، لأنه يرى أن الإسلام ليس كنيسة كي نفصله عن الدولة، وعلى هذا فالعلمانية ليس قضية في الفكر العربي. ولذا أكد الجابري ضرورة استبعاد مصطلح العلمانية عن قاموس الفكر العربي لأنه لا يعبر عن الحاجات العربية الموضوعية".
وبالنسبة لمصطلح رجل الدين في الفكر العربي، لابد من التوضيح أن مصطلح رجل الدين أو مفهوم رجل الدين لم يوجد في الإسلام ولا في الثقافة أو التاريخ أو التراث الإسلامي، وإنما هو اقتصر على الكنيسة في الديانة المسيحية، ذلك أن الديانة المسيحية تشترط وجود طرف وسيط بين الإنسان وربه لكي تقبل العبادات من البشر، وهذا الوسيط هو رجل الدين الذي يُعرف بانتسابه للكنيسة، وبزيّه الخاص، ويقوم بأداء الطقوس والعبادات. ومثل هذا التوصيف كان موجوداً أيضاً في الحضارات الفرعونية والبابلية، كذلك لأنهم كانوا يؤمنون بالحاجة لوجود طرف وسيط لأداء الطقوس والشعائر الدينية.
أمّا في الديانة الإسلامية فلم ولن تكن هناك حاجة لوجود رجل دين، لأن العلاقة بين العبد وربه مباشرة ولا تحتاج إلى وسيط. ومن المؤكد أنه لم يكن وجود لمنصب رجل الدين في عصر النبوة والخلافة الراشدة، لوجود شخصيات فذة تمتلك زمام الأمور. وكذلك الحال في حقبة الدولة الاموية والعباسية والاندلسية، حيث لم يكن هناك ذكر لمصطلح رجل الدين. لكن ظهر علماء دين وفقهاء في الدين ومفسرين للقرآن ومجالات أخرى، وكل هؤلاء لم يُسَموا برجال دين في الثقافة الإسلامية وإنما سُمّوا بمسمياتهم العلمية التخصصية. ويبدو أن مصطلح رجل الدين دخل حديثاً في الفكر العربي، منذ بداية القرن العشرين، منقولاً من الثقافة الغربية. وقد وضعت صورة مشوّه لرجل الدين في العقل العربي والإسلامي تتمثل بكونه رجل معمم جاهل غير مثقف، وتمّ شيطنته على أساس انه ينشر الاساطير والخرافات ويدعو إلى تخلّف المجتمع. إن صورة رجل الدين هذه التي رسخت اذهاننا هي من صنع افكارنا، فهي لم تعتمد من قبل مؤسسة دينية معترف بها، ولا من سلطة مدنية معينة وليس لها زيّ معين ولا وظيفة محددة، كما هو الحال في الكنيسة والحضارات القديمة، ولذلك فهو مصطلح دخيل وغريب عن الفكر العربي والإسلامي.
والخلاصة؛ وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً من النقاش بين العلمانيين والاصوليين انتكست النهضة ووصلت ثقافة المجتمع إلى أدنى الدرجات، وعمت الفوضى في الفكر والثقافة العربية، ففقد الفرد العربي ثقته بنفسه وبمجتمعه وقادته ومثقفيه. فإلى متى نستمر بهذا الحال؟ ومتى نعي أن علينا مسؤولية نهضة المجتمع وثقافة الفرد؟ ومتى نفهم أن الطريق الذي نحن سائرين فيه هو طريق مسدود، ويتعين علينا البحث عن سبل جديدة مفيدة للمجتمع بدلاً من التنكيل بالآخر وازدراء العقائد والأفكار؟
***
د. صائب المختار