قراءات نقدية
كريم عبد الله: النفق الأبدي.. بين الوجود والولادة الجديدة
قراءة نقدية تحليلية لقصيدة "النفق"، للشاعرة مارلين باسيني - المكسيك.
قصيدة /النفق/ للشاعرة: مارلين باسيني هي نص شعري غني بالرمزية ويعبر عن رحلة داخلية مليئة بالتناقضات والتحديات النفسية والوجودية. من خلال استخدام النفق كرمز أساسي، تقدم الشاعرة صورة معقدة للحالة البشرية التي تتراوح بين الموت والحياة، بين الفقدان والتجدد. القصيدة تتناول موضوعات العدم، الانتقال، والتجديد، مقدمة رؤية شعرية تنطوي على دلالات فلسفية وعاطفية.
1. الرمزية والتشبيهات:
القصيدة تعتمد بشكل أساسي على الرمزية التي تشد الانتباه منذ البداية. النفق، الذي يظهر في العنوان وفي السطور الأولى، يمثل ليس فقط الانتقال الزمني بل أيضًا التحول الروحي والنفسي. يبدأ النص بـ /دقت الساعة ساعة الصفر/، مشيرًا إلى لحظة حاسمة من التغيير أو التحول الجذري، حيث يقترب الفرد من نقطة البداية والنهاية في الوقت نفسه.
وفي السطور اللاحقة، يتضح أن الشاعرة تستخدم الرمزية على مستوى عميق لتصوير التحولات الداخلية: /العيون على الهارب، ابتسامة، اسم يتكرر كتعويذة/. هذا المزيج بين البصر والسمع يشير إلى حيرة الإنسان في مواجهته للمجهول، وتكرار الاسم كتعويذة يوحي بمحاولة الإنسان التمسك بالأمل أو القوة في لحظات الضعف.
2. الصور الحسية والصوتية:
القصيدة ممتلئة بالصور الحسية التي تعزز التجربة الشعورية وتُدخل القارئ في عالمها الداخلي. /قبلة في فم الجشع/، و/المطر ينهمر/ و/صوت ناعم بين طبقات النسيم/ هي صور تنقل إحساسًا بالحركة والانتقال، وتساهم في خلق جو من التأمل العميق. الشاعرة تمزج بين الأصوات والمرئيات، مما يعمق الفهم لرحلة الداخل والبحث عن الذات.
كما أن /المطر ينهمر/ يضيف بعدًا دراميًا للقصيدة، حيث أن المطر غالبًا ما يُرمز إلى التجدد والنقاء، لكنه هنا يُذكر في سياق /أيام من عدم اليقين/، ما يخلق توترًا بين الأمل واليأس.
3. التوقف والتحول:
القصيدة تتناول بشكل خاص مفهوم التوقف والتحول، /التوقف الجسدي المفاجئ يكسر الحبل الفضي الرقيق جدا/. الحبل الفضي هو رمز تقليدي في الأدب الفلسفي والروحانيات للاتصال بين الروح والجسد، واستخدامه هنا يوحي بقطع هذا الاتصال في لحظة فاصلة من التحول. هذا التوقف المفاجئ يشير إلى مرحلة انتقالية أو /لحظة الصفر/ التي تسبق البداية الجديدة.
كما أن /النفق المعقد/ يعكس الحالة المعقدة للعقل البشري في محاولة لفهم الذات والوجود في وسط كل هذه التغييرات والتحولات. ومع ذلك، هناك إحساس بالتطلع إلى المستقبل، وهو ما يتجلى في /ما كان نزهة في دار الأيتام قد تحول/؛ فقد تتواجد الإشارة هنا إلى الانتقال من الطفولة والبراءة إلى النضج والتطور الشخصي.
4. الوجود والتجدد:
في نهاية القصيدة، يتكرر theme الولادة الجديدة والولادة الروحية. هذه الولادة الجديدة تمثل التجدد والتطلع إلى بداية جديدة، /حتى تصل إلى البداية من الولادة الجديدة المتوقع/. إن هذا التشبيه يعكس فكرة التغيير المستمر في الحياة البشرية، وفكرة أن نهاية شيء قد تكون بداية شيء آخر.
الصورة الختامية عن /الدوامات المضيئة/ و/رقصة الأحلام/ تخلق إحساسًا بالتحرر والانطلاق، كما لو أن السحب قد انقشعت لتفسح الطريق للولادة الجديدة المنتظرة. التناوب بين الظلام والضوء، بين الخوف والأمل، هو ما يعطي القصيدة عمقًا فلسفيًا وفنيًا.
5. الأسلوب الفني والموسيقى الشعرية:
الأسلوب الفني الذي تستخدمه مارلين باسيني يعكس إيقاعًا شعريًا غير تقليدي ولكنه يشد الانتباه إلى لُحمة الكلمات وصوتها. القصيدة مليئة بالصور السريالية التي تخلق جوًا من الغموض والتوتر، وهو ما يعكس تمامًا الرحلة النفسية التي تسلكها الشخصية في النص. الموازنة بين الفضاءات الصوتية والمرئية تعطي القصيدة طابعًا موسيقيًا في بعض الأحيان، ويعزز ذلك من التجربة الشاملة للقارئ.
6. الخاتمة:
قصيدة /النفق/ للشاعرة مارلين باسيني تفتح المجال لتفسير عميق للحالة الإنسانية في لحظات التحول الكبيرة، حيث تتداخل العواطف، والذكريات، والآمال المستقبلية لتخلق صورة شاعرية مليئة بالتناقضات بين الظلام والنور، الموت والحياة، النهاية والبداية. إن استخدام النفق كرمز للتحول العميق يتوافق مع المواضيع الوجودية التي تطرحه القصيدة، ليعكس في النهاية مسعى الإنسان الأبدي للبحث عن المعنى والغاية في قلب التجربة الإنسانية.
***
بقلم: كريم عبد الله – العراق
..................
النفق
دقت الساعة ساعة الصفر""
حان الوقت للانتقال إلى إعادة الضبط
من خلال نفق الطريق الأبدي دائمًا...
على خريطة ذهنية في ميكروثانية
أفلورا مدى الحياة
العيون على الهارب
ابتسامة
اسم يتكرر كتعويذة
قبلة في فم الجشع
صرخة
المنزل
الشجرة...
صوت ناعم
بين طبقات النسيم
المطر ينهمر
أيام من عدم اليقين
الوجود الشره لكل ما كان
التوقف الجسدي المفاجئ
يكسر الحبل الفضي الرقيق جدا
الكثافة الآن شكل أثيري...
النفق المعقد
وضوح السماء مقدم
ما كان نزهة في دار الأيتام
لقد تحول
في هالة معطرة بالورود...
أحاط بالطريق
الدوامات المضيئة
إنهم يدورون في رقصة الأحلام
وفي ترحيب خفي بالأجنحة
إنهم يفسحون الطريق
حتى تصل إلى البداية
من الولادة الجديدة المتوقع. "
***
مارلين باسيني - المكسيك