نحن بصدد صياغات شعرية خلاقة امام ابتكار وتكوين النص الشعري، في تشكيلية موحدة بين الصياغة الشعرية والصياغة الفكرية، في محاولة فهم النص الدين وتحليله برؤية حديثة تستلهم المنصات الاساسية لحاضرنا الحالي، في الجوانب المتعددة من مفاصل الحياة، في الجانب السياسي والاجتماعي والفكري، في توظيف ثنائية التناص والاستلهام والفهم، لخلق صيغة حديثة للموروث الديني، في محاولة اكتشاف البعد النفسي والروحي في الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة في النص الشعري، في جمالية التكوين اللغوي والفكري، بما يمتلك الاستاذ (واثق الجلبي) من خزين معرفي واسع الافاق في الجانب اللغوي والفكري، وتغليب الجانب الفلسفي عليهما، في مجهر المعارضات، اللغوية والشعرية والفكرية، في المعنى والرمز والدلالة، يضع قصة يوسف وتبعياتها المعروفة، امتداداً لواقعنا الحاضر، في رموزه البارزة في الصراع والتناقض والنزعات والخلافات، وفي خلق رؤية فكرية مبتكرة من داخل النص الموروث، في إدراك المتغيرات الحديثة وانعكاساتها وتأثيراتها الفكرية في مناحي الحياة والوجود، في رؤية إبداعية حديثة للبناء السلم الفكري والفلسفي عليها، وانعكاس تأثيرها التجاذبي اليوم، في المفردة الشعرية (المعارضات) في الإحساس والشعور بين الذات والعام، نبدأ من أصل حكاية يوسف الابن، في يوسف الجديد يلقي في الجب كل الشوائب التي تعيق صيرورة الحياة، لتتخلص من الجلباب القديم، ليخرج نقياُ وطاهراً من فجاجات الواقع القبيحة، ليكن على هبة الاستعداد ليمتطي القلم الشعري، وهو في اول ربيع تفتح ازهاره اليانعة ’ ليتسلق سلم الشعر مبكراً، مرتكزاً على خزين الاب ومعارفه الواسعة، في الاضاة الطريق السليم، لانه بكل بساطة الكذب والنفاق والغدر والخيانة، لا تصنع رجالاً، بل تصنع اشباه الرجال مهما كانت مكانتهم . لم يبلغهم احداً بالنبوة و الوصاية والإمامة، ولم ينصبهم احداً أوصياء لمنح صكوك الغفران أو العقاب على الاخرين . ومهما طال بغيهم، فأن حبل الكذب قصير، والبقاء لصفاء الذهن والقلب . من قصيدة الى ولدي الحبيب يوسف .
ألقيت اخوة يوسف في جبهم
ما منهمُ أمسى بذلك نبياً
لم يأتهم وحي ولا إغفاوةٌ
ملأوا السماء ملامة ودويا
ما كل من يلقي يجبِ أخوة
فيكونُ من قبل السماء وصيا
وبلغت آخرة المطاف كأنني
مطرٌ يخافُ ختامهُ المقضيا
أبحرت في غيبٍ أذوقهُ عناقهُ
وكسرتُ ازمانا فكنت نديا
ما كنت أعمى قبل وجهكَ إنها
عينيْ لبعدكَ ما رأت إنسيا
× في قصيدة أنا ويعقوب وأيوب
هذا الامتداد في التواصل في المحن بين نص الماضي ونص الحاضر، يرتسم كاهله اليوم في السراء والضراء، في الصراع والتناقض الحياتي، كأنه كالعصفور يصيد طريدته من أجل توفير الخبز، بلا موائد، كأنه كالشمع يذوب في مسالك المنافي، لم يعد هناك نبياً بعد اليوم.
قد قال يعقوب
في قصة مذهلة تكتبها القصائد
يا واثق اليوم
كنتُ فريد القلب والولائد
كنتُ نبيّ القومِ
كنتُ أباً .. ما أجملَ الأبناء
يحتشدُ الليلُ وهم كالنجم للمراصد
رأيتُ منهم واحدا .. صار الجميعُ واحد
يا واثق اليوم أنا
أهديك قلبا عاش في المواقد
ما أصعب النوم على المواقد
ما أحزن القلب .. ما أغرب الخبز بلا
موائد
إن الذي يُبقيه طيف والد
قلتُ لهُ : يعقوبُ إني عندما
تستيقظُ الشمس على الطرائد
وتركض الوديانُ كالقلائد
أحسُ قلبَ الربِ في المشاهد
يخفقُ كالعصفور في المصائد
أذوبُ كالشمعِ الذي تأكلهُ الورودُ في المنافي
×× ماذا اصاب الشعر من وهن وفقد بريق عشقه وحبه ؟، وهل ضعف الناي الشعر ليطرب العشاق والحبيبة، أم شيءُ آخر !!
قد (غادر الشعراء من مُتردم)
مهلا .. نسيتم شِعركم
فتجمهّرت كل القصائد في دمي
حتى حلمتُ
حتى بكى لفراقكم
شعري وضجتْ بالموارثِ انجمي
إذ غادروا .. في عبقرٍ سُكبوا
وراح أميرهم يبكي
يا دار عبلة .. يا دار مي
يكفيك أن تتألمي
في دار سلمى .. في دار زينب والربابْ
في كل دمعة ظبيةٍ يُرمى كتابْ
×× بغداد والموصل معيار الحب والعشق كفاتنة تملك براعة الغواية والإغراء، ويقاس الزمان بهما، عندما يشمخان، وعندما يصرخان من الوجع والضعف والوهن، عندما يورق الحب والعشق ويكون رحيقهما كالعسل، وعندما يجفان ويكون رحيقهما كالحنظل، عندما يوردان كفاتنة جميلة، وعندما يصيبهما الشرخ والشيخوخة .
تبغددي تموصلي تسرّعي تعجلي
لا تصرخي تقدمي صمتاً ولا تولولي
فوهوهتْ تغنجا من وهوهاتِ الخجلِ
تكشّفت عن جسدٍ غضٍ بلا ترّهُلِ
فوافقتْ كفي بها غصنَ النهود الأعزلِ
من كاعبٍ لعوبةٍ أدنتْ رؤوس الجبلِ
فوا لقلبي منهما من قمرٍ في يذبلِ
فتأتأتْ وكهكهتْ خفقَ جفان الثملِ
فقلتُ من أين أتى طعمُ رحيقِ العسلِ؟
قالت ومن أين أتى كفُك يا مويللي ؟
قلتُ السماء أمطرتْ من بضةٍ تَحِلُ لي
فانتصري على يدي وباغتي تطفلي
غنتْ ولانَ خصرها كسعفةٍ من بللِ
×× يوسفيات المتنبي:
يتحدث عن زائرته الثقيلة (الحمى) التي أوهنت عظامه وهربت، كأنه ارتكب جرماً، بعدما تركت جسمه منهوكاً بالضعف، تجرجره الى مدن الظلام، تأتي في الليل بالثأر، وفي الصباح تطلب الانتقام، شرب من الدواء بحراً، وفي الشكوى فقد لذة المنام .
وضيفٌ جاءني أوهى عظامي وجرّدَ قوتي بعد التمامِ
هربتُ كأنني أجرمتُ جرما فما ألفيتهُ إلا أمامي
أغطي جسميَ المنهوك لكن يُجرجرني إلى مُدنِ الظلامِ
أصارعهُ ولكن كيف يبدو ضعيفٌ في منازلةِ العِظامِ ؟
يجيءُ الليل يرديني بثأرٍ ويطلبني الصباحُ بالانتقامِ
شربتُ من الدواء المُر بحراً من الشكوى اللذيذةِ في المنامِ
وأدعو أن يُزيلَ اللهُ ضيفاً ثقيلاً لا يُقارعُ بالحسامِ
بوجهٍ شاحبٍ وهزيلِ جسمٍ يلاقي الناس بعضٌ من سقامي
كأني غيمة أمطرتُ ناراً على ذاك السرير من العظامِ
***
جمعة عبدالله – كاتب وناقد