قراءات نقدية

عبد السلام فاروق: أحدث ما كتب (خالد اسماعيل)

بقلمه الرشيق البسيط الذى يشد قارئه فى سهولة ويسر، أصدرت دار ميريت للنشر والتوزيع بالقاهرة، أحدث أعمال الكاتب الروائى والقاص المصري خالد اسماعيل (مقتل بخيتة القصاصة) .. وهو يكشف للقارئ حقيقة العالم الذى سيقبل عليه منذ البداية.. غلاف العمل يوحى لك به، والعنوان يخبرك أنك ستقرأ عن الريف.. لكنه ليس الريف الصريح البسيط المعروف للكافة، وإنما الجانب الآخر الغامض منه..

خالد اسماعيل له عدد من الإصدارات الأدبية السابقة أغلبها روائى وأقلها قصصى. لهذا لم تغب الرواية حتى فى هذا العمل الأخير الذى ضمّنه ما دعاه رواية قصيرة. وبحكم نشأته ومولده فى مدينة بأقاصى الصعيد تنتمى لمحافظة سوهاج، فإنك حين تقرأ ما كتبه من قصص تستشعر أنه إنما يستوحى من واقع عايشه ورآه، خاصةً عندما تجده فى كل قصصه يحرص على الاهتمام بسائر التفاصيل الصغيرة للأحداث والأشخاص، هو لا يهتم كثيراً بالعنصر الوصفى ولا التحليلى قدر اهتمامه بسرد الأحداث مجردة حتى من الرأى الذاتى. لا تظهر شخصيته كروائى فى الأحداث ولا تستطيع أن تستشفها من ثنايا السطور إلا بصعوبة؛ ذلك أنه يتخذ مساراً قصصياً ذا نكهة صحفية تعتمد فى قوامها على المعلومة وتكثيفها فى إطار واقعى يلتبس على القارئ فلا يستطيع التفريق بين الخيالى والحقيقي..

اللغة تبدو مكثفة ودقيقة فى اختيار الألفاظ، بل حتى حرصها على تشكيل الحروف لتتواءم مع النطق الصحيح لها رغم أن الحوارات تجري بالعامية، لكنها عامية صعيدية ذات طبيعة خاصة، وهى مفهومة بسيطة لا تستخدم العبارات والألفاظ الصعيدية الصعبة. اختار للعمل الأدبي مسمى (قصص) لا (مجموعة قصصية) وهو اختيار ينم عن فهمه ودقة اختياراته؛ لأن عمله امتاز بنوع من التباين واللاسمترية فالموضوعات والأماكن والأزمنة للقصص متباينة غير موحدة رغم أن جلها يدور فى سوهاج. لكنك تجد بين القصص رواية قصيرة تجمع زمنياً بين أحداث قديمة عمرها نصف قرن وأحداث قريبة منذ أحداث يناير وسقوط نظام مبارك. بينما عدد القصص قليل وهى مختلفة حجماً وزمناً، وقد تتعجب عندما تجد بعضها يستخدم القرش والتعريفة كعملات متداولة فى زمن القصة، ما يجعلك تتساءل عن عمر الكاتب أو إن كان يحكى عن قصص سمعها من أسلافه..

تستطيع بسهولة تقسيم العمل إلى ثلاثة أجزاء افتراضية.. جزء أول قصير من أربع قصص بينها قصة لها عنوان العمل، وجزء أوسط طويل يبدأ بالرواية القصيرة، وخاتمة من قصة واحدة. كل جزء من الثلاثة يتناول موضوعاً جامعاً .. البداية تدخلك سريعاً وبعبارات مندفعة عالم الصعيد بكل ما فيه من شظف العيش ووعورة الحال، كل قصة ذات شخصيات كثيرة لها أسماء محددة كاملة وربما خلفية عن ظروفها بحيث تستطيع أن تستوعب توالى الأحداث وعلاقة الأشخاص بعضها ببعض. وفى كل هذه القصص الراوى لا يبغى من وراء سردها رسالة ولا يوجهك نحو رأى أو قناعة يتبناها بل يتركك وما تراه أو تعتقده حرا من أى توجيه أو نصيحة أو رأى معلب. ورغم أن القصص تتناول شخصيات من أقاصى الصعيد إلا أن راويها ينتقل بين الحضر والريف ويلامس الأحداث من بعيد.

الجزء الأوسط أشد ثراء وسرياناً من الشطر الأول، وهو أكبر حجماً من سابقه. ورغم أنه يبدأ زمنياً منذ أحداث 25 يناير وما تلاها من تنحى مبارك، إلا أنه يرتد زمنياً ليحكى لنا عما يكشفه الزمن من حقيقة تيار ساد بين أوساط المثقفين زمناً طويلاً وهو التيار الشيوعى اليساري. وبرغم أنك تتخذ موقفاً ضد هذا التيار من خلال القصص، لكن هذا الموقف يتسلل إليك بتلقائية لا اقتحام ولا افتعال فيه بل تكتسبه من وقائع القصص وأحداثها وتفاصيلها التى تشعرك بأنها مستمدة من وقائع ربما حدثت كلها أو بعضها.

القصة الختامية ذات نكهة اجتماعية مختلفة عما سبقها من قصص.. تتناول ذكرى حب قديم لم يبق منها إلا ذكري يستعيدها بطل القصة فى أتوبيس خالى يجمعه بتلك الذكريات الشبحية. ولعل هذا هو الرابط الوحيد بين تلك القصص.. أنها تمثل ألبومات قديمة لصور وأحداث وشخصيات اختلطت فى ذهن الراوى كأنها أضغاث أحلام تراود ذهناً عاصر أزمنة وأحداثاً شتى..

عمل أدبي خصب لأديب وصحفى مخضرم له وزنه فى عالمى الصحافة والأدب، الروائى يقدم للقارئ وجبة قصصية شيقة فى عوالم لم يرها مكانا ولم يعاصرها زمانا لكنه يراها بعيون الأديب.

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم