قراءات نقدية

نادية عوض: قراءة لقصيدة "اهجع يا صغير" للشاعر الكبير رياض الدليمي

تكمن الفكرة الرئيسية للقصيدة حول طفل عنيد ومشاكس هو الشاعر نفسه. اول ما يلتقط أنفاس الحياة يجالس ضجره ويدعي الهدوء. هو طفل أنيق ونبيل يتحدى ركام الزمن يتمرد ليبقى خارج حدود السيطرة.

يحطم القيود من حوله ليعتلي غمام السماء. وكأنه يشرح لنا جوهر الحياة..

روح طفولية التقت مع الشاعرية لتزداد شغفا وتجليا.

 مزق عباءة الطفولة بصرخة حرة ليبدا بها عزف النهار.

يلمس القاريء مشاعر حقيقية صادقة وجريئة تشكل حوارا خياليامبهرا بين الام و صغيرها الطفل العنيد. يبعث الحب والحياة بين مسارب التيه، وكان هذا الطفل يعلم انه سيصبح شاعرا كبيرا..

يخيم على القصيدة هدوءا رغم الضجيج الداخلي ، وهي بمثابة مغامرة جريئة عن طفولة الشاعر العفوية والمحببة.

ميزات القصيدة

- قصيدة مميزة في المضمون والبناء..

-  تترك اثرها في ذات القاريء لما بها من تقدير للذات الكونية للشاعر.

- استصراخ للرجولة بكل ماتعنيه من إباء وقوة ونزوع للتحرر من القيود والسير في طريق المجد.

- نلمس انه هناك عشق بين الشعر والشاعر رغم أنه مشوب بالارق الا انه تطغي عليه لمسات من الشجن الجميل.

 - يخيم على القصيدة طابع درامي بنص مدهش يتسلل الى الروح والوجدان

- تساق لنا المعاني

من خلال سخاء الغة وبلاغتهاالنصيه، ابدع الشاعر في اقتناص الكلمات وتوظيفها..

- قدم لنا الشاعر صورا شعرية جميلة متفردة استعارها من مناجاة ذكية بين الام وصغيرها المتمرد.

مثل؛ (تصفع الكرى بالصراخ). (تركع النهار لغفوتك) (تمسك تلابيب الليل.)

- نحن أمام إبداع ثري مشوق وممتع اوصل لنا رسائله بيسر ووضوح حين بنى صرحا شعريا

بجراة متفردة تثير الدهشة..

- القصيدة هي ثروة شعرية تستحق ان نقف عندها للنقد والتحليل.

- تغوص كلمات النص

الى عمق القاريء فكرا وروحا.

- اعتمد الشاعر الإحالة والايحاءات نحو سؤال كتابة الذات كما في قول الفيلسوف كافكا( الكتابه هي مفتاح لجرح ما) وكما قال البير كيمو (الكاتب يكتب نفسه)

- تعتبر القصيدة نص رائع  اعتلى به الشاعر سلم الابداع.

القصيدة

اهجع يا صغير

شعر رياض الدليمي

كنت طفلا مشاكسا في المهد

اركل الأحزمة والأغطية

أتشبث بالوسادة

لاستجمع قواي

أمي تبحلق بي

بدهشة

ما هذا الطفل الذي لا ينام؟

لم اعدْ اعرف منامه وإفاقته

انك تتعبني أيها الوليد الساهر

يا طفلي الذي لم يستكن

كل شي فيك ثائر..

انك تصفع الكرى بالصراخ

وتُركع النهار لغفوتك

الم تكن من صلصال وطين؟

أنا نفحات روحكَ

وشهدي عجينك..

اهجعْ يا صغير

كي أسقيك من ظمأ

أتترك جيدي؟

وتمسكُ تلابيب الليل

أتُراكَ ترضعُ أحلاماً؟

.. تتنهدُ رؤى

ما بالك أيها الصغير؟

تصرخ وكأنك تقاتل جلجامش

تصرخ لتلين عشتاروت

وتخضعها لجبروتك..

تُقدمُ نحو انكيدو وترميه في الفرات

ليستحم من غبار الحروب

.. تنفض عنه شقاق السنين

.. تحرس مملكتك كجندي مقهور

ألا يقترب من جيدي أحد

.. ترسم حدودها بأنفاسك..

أنا أعلنتُ الحدَّ على ضفائري

ألا يلمسها جان

أو قائد مكسور في حرب..

اعتقني من جنونك أيها الولد

كفاك

لا تقترب من النهر المقدس

تعال

أعلمك المشي على النهر

والزحف على الشواطئ

نيران ثوراتك بلا حد..

اخمد أيها اللهب

تعال تفيّء في بساتين العنب

واشرب من حليب التين

غادر المهد..

استرح... ياااا... بشر؟

فك اسر تلابيبي

حل جيدي من مَسكَ

لا تعبث بضفائري... هي ذخائر عفتي

وبياض أيامي..

أَمنْ عشبة تشبع صيامك؟

الجم أحلام المهد

.. امضِ لغابات الأرز

.. أشعلْ النيران فيها

.. اطرد جانك

.. سامر جيوشك

تعلم يا طفلي فن الحرب

من لم يستطع أن يدير رحاها

داسته الجيّاد

ولن يذوق كاس رمادي

وبات بلا مجد.

***

د. نادية عوض/ فلسطين

في المثقف اليوم