قراءات نقدية

شوقي كريم حسن: عن السماوي.. أجمل ما قرأت!!

من الصعب تحديد إجابة واضحة، عن سؤال يلاحق أرواح وعقول المشتغلين بالشعر، وفضاءات تأثيرة النفسي والوجداني ،هل القصيدة هي التي تلاحق خطوات الجمال المكونة لموجودات ذائقة التلقي العامة؟

أم  تراه الشاعرالذي يعمد الى البشّ المهيب وسط بحور الجمال ليقدم لمتلقيه ما يهز الوجدانية القرائية العامة ويثريها؟ وعلى ماذا يعتمد الامران،،مادام الكثير مما نتابعه من مايسمى تحت باب الوعيد والتهديد شعراً، أوَلم  تزل القاعدة الفقهية الشعرية الإرثية قائمة (إذا الشعر لم يهززك عند سماعه  ..فليس خليقا أن يُقال له شعرُ) يبدو أن الأزمنة التي الحقت بالشعر ضررا كبيرا ، عمدت وبرغبة من ظنّ أنه دخل وادي عبقر واخذ له صاحباً من الجن ملقناً،هي التي القت بالشعر الى طرق تهلكةٍ جعلت

الكثير من يبدو مثل أنثى هرمة تعمدت العري ساعة تشاء دون حساب دقيق لتأثيرات هذه اللحظات وقوة صمودها في ذاكرة الإشتهاء والتمني، قواعد الاشتغال اختلفت تحت ضغوطات الوعي والايمان بمفاهيم التجديد و قيم البناءات التي تحتاج الى صور ومؤثرات يجب أن لاتظل جالسة داخل دوائر الاعتياد والمألوف،وهذا ما يقوم به الشاعر المغترب يحيى السماوي، الروح المتشظية بين طفولة مليئة بسموم صحارى السماوة، ومتغيرات أيامها العجيبة غير القادرة على الاستقرار والسكينة، وبين تفحص الأرث الشعري العراقي والعربي بقديمه وحديثه، والامتلاء الى حد التخمة  بمفرداته الصورية العميقة التأثير وبين أمواج المدارس القائمة على المغايرة سواء كانت عراقية أمتدت الى ربوع الشعر العربي او عالمية جاءتنا محرضة فأخذ منها يحيى السماوي ما يرغب ويريد،وبهذا صارت روحه الشعرية عميقة تحاول ولوج الدروب الفلسفية التي تبدو احياناً ثقيلة الوطء على النص الشعري، لكنها وبارادة الشاعر تحاول منحه صفة  الكمال والرفعة معاً، لهذا أجد في ما يكتبه يحيى السماوي من شعر مغايرة جاذبة تغرد خارج اسراب ما اعتمد النقد على تسميته أجيالاً او مدارس، من الصعب جداً أن اضع نصوص السماوي، عند ضفاف الشعر الستيني الذي أثار الكثير من الازمات داخل النفس الشعري العام،وأجد ثمة صعوبة أكثر أن آخذ بمايكتبه يحيى السماوي لا أجلسة وسط ضجيج وهتافات وانهزامات وحروب ومدائح القصيدة السبعينية وما تلاها، الفطنة القرائية تحتم أن أهمس أن السماوي، يمشي مع الجميع  دون الاتفاق على مساراتهم وبخطوات بعيدة عنهم ومنفردة ومتفردة أيضاً، وهذا ما جعل نصوص السماوي، تقدم وجودها الثري لمتلقٍ خاص جداً، يعرف ويفهم كيفيات الوجود النصي وما يريد الشاعر ويرغب بأيصاله الى متلقيه، لهذا نجد ثمة حضور مهم للشاعر وسط الجمع الشعرية العراقية والعربية، لكنه ودون عقد وببساطة متناهية الوضوح لا ينتمي حتى من خلال إشارة بسيطة لهذا الجمع الصاخب والمضطرب والمستسهل لمهمة الشعر وتأثيراته!!

القصيدة:

(لـغـايـةٍ فـي نـفـس سـادن الـمـئـذنـة…)

شــاخَ الـزّمـانُ ولـم نـزلْ طِـفـلـيـن ِ

نـبـتـكـرُ الوسـيـلـة َ والـدُّمـى فـي لـهْـوِنـا ..

حـيـنـا ً أكـُـرُّ عـلـيـكِ بـالـقـُـبُـلات ِ ..

أحـيـانـا ً أشــدُّكِ لـلـضـلـوع ِ بـلـعْـبَـة ِ "الـشـُّرطـيِّ والـلـصِّ الـمُـخـاتِـل ِ" ..

و"الأمـيـرة ِ فـي بـلادِ الـجـن ِّ"

و" الـطـفـل ِ الـعـصِـيِّ عـلـى الـفِـطـامْ "

*

فـأشــمُّ وردَ الـيـاسـمـيـن ..

وأرضـعُ الـتـُّـوتَ الـخـضـيـبَ

مُـمـسِّـدا ً مـا بـيـن صـدركِ والـحِـزامْ

*

و" لـغـايـة ٍ فـي نـفـس يـحـيـاكِ "

الـمُـضـرَّج ِ بـالـتـبـتـُّـل ِ والـصّـبـابـةِ والـهـيـامْ  :

*

أســتـلُّ حـنـجـرتـي  وأفـتـعِـلُ الـخِـصـامْ

*

تـبـكـيـنَ ..

يـبـكـي الـمـاءُ ..

يـبـكـي الـشـِّـعـرُ ..

يـبـكـي الـعـنـدلـيـبُ ..

وتـسـتـحـي مـن عـطـرهـا الأزهـارُ ..

تـطـردنـي الـحـدائـقُ والـحـقـولُ ..

ويُـعـلِـنُ الأضـرابَ عـن تـحـلـيـقـِهِ  سِــربُ الـحَـمـامْ

*

يـغـتـاظ ُ كـأسـي مـن فـمـي  ...

ويـفـرُّ قِـنـديـلـي إذا نـاديـتـُـهُ

لِـيـنـشَّ عـن غـزلان ِ مـرعـى مـقـلـتِـيْ ذئــبَ الـظـلامْ!

*

حـتـى الـحـروفُ تـصـيـرُ أشــواكـا ً بـحـنـجـرتـي

فـيـجـرحـنـي الـكـلامْ

*

بـعـضُ الـعِـتـابِ ضـرورة ٌ لـلـحـبِّ

مـثـلُ ضـرورةِ الـمِـلـح ِ الـقـلـيـل ِ لِـيُـسـتـطـابَ بـهِ الـطـعـامْ

*

تـبـكـيـن .. تـشـتـعـل الـحـرائـقُ ..

أسـتـغـيـث ُ بـمـاءِ عـفـوك ِ ..

تـضـحـكـيـن ..

فـتـخـشـعُ الأوتـارُ فـي مـحـرابِ حـنـجـرتـي ..

فـأرسـم بـالـتـبـتـُّـل ِ والـنـدى شـكـلا ً جـديـدا ً لـلـعـبـيـر ِ

كـأنْ يـكـون لـه شــذاكِ عـلـى وسـادتِـكِ الـحـريـر!

وتـخـلـع الـصـحـراءُ ثـوبَ الـرَّمـل ِ

تـلـبـسُ بُـردة ً خـضـراءَ مـثـلَ قـمـيـص ِ نـومِـكِ ..

والـمـديـنـة ُ تـرتـدي فـرحـي ..

تـُبـايـعـنـي الـسَّـواحـلُ سـنـدبـادا ً..

والـمـآذنُ سـادِنـا ً..

فـأنـا وأنــتِ : الـلـيـلُ والـبـدرُ الـتـمـامْ

*

هـيّـأتُ مـا يـكـفـي مـن الـحـطـبِ ..

اسْـجـري الـتـنـُّـورَ ..

بـيْ جـوعٌ لـخـبـزكِ ..

واسْـــقِــنـي كـأســيـن ِ مـن قـُبَـل ٍ

وزِقـّـا ً مـن نـدى زهـر الـقـرنـفـل ِ لا الـمُـدامْ

*

لِـلـمُـسـتـجـيـر ِ مـن الـحـرائـق ِ عُـذرُهُ

لـو مَـدَّ صـحـنَ يـديـهِ يـسـتـجـدي الـغـمـامْ

*

غـيـثـا ً ..

ويـبـسـط ُ جـفـنـَـهُ لـسـمـاحَـة ِ الـوَسَــن ِ الـبـتـولـيِّ

الـعـصـيُّ عـلـى سُـهـادِ عـيـونِـهِ ريـشُ الـمَــنــامْ

*

هـيّـأتُ مـا يـكـفـي مـن الـنـَّـزق ِ الـجـمـيـل ِ ..

ومـن مـجـون ٍ نـاسِــكِ الـلـذاتِ فـي عَـرفِ الـصَّـبـابـةِ والـهـيـامْ

*

هـيّـأتُ مـا بـيْ مـن جـنـون ِ الـمـوج ِ طـال بـهِ الـسُّـكـونُ ..

فـهـيِّـئـي مـافـي وجـاقِـكِ مـن ضـرامْ

*

أضْـمَـرْتُ طـيـشــا ً تـحتَ ثـوبِ بـراءةِ الـصَّـيّـادِ

يـنـثـرُ قـمـحَـهُ حـولَ الـمـصـيـدةِ لـلـحَـمـامْ

*

هـيّـأتُ لـلـتـنـُّـور ِ أمـسـي فـاحـرقِـيـهِ ..

وطـهِّـريـنـي مـن ذنـوبِ لـذاذة ِ الـعـشـق ِ الـحـرام

*

لأنـامَ مـقـرورَ الـسَّـريـرة ِ والـسَّـريـر ِ

مُـخـلـَّـدا ً فـي جـنـَّـة ٍ أنـهـارُهـا الــقـُـبُـلاتُ ..

والـحـورُ الـمـلائِـكُ أنـتِ ..

والـغـلـمـانُ أزهـارُ الـسَّـفـرجـل ِ والـخُـزامْ

***

القاص - شوقي كريم

 

في المثقف اليوم