قراءات نقدية

طالب عمران: التاريخية الواقعية (حب في قندهار) انموذجاً للروائي محمد الزهراني

ان المفاهيم الجديدة للرواية التاريخية بانها بنية زمنية متخيلة خاصة داخل البنية الحديثة الواقعية او ما يعبر عنه تاريخ متخيل خاص داخل التاريخ الموضوعي وقد يكون هذا التاريخ المتخيل تاريخيا جزئياً او عاما، ذاتيا أو مجتمعياً وقد يكون تاريخاً لشخص أو لحدث او لموقف او للحظة تحول اجتماعي.. هذا ما يلمسه القارئ في رواية حب في قندهار للروائي محمد الزهراني الصادرة عن منشورات ضفاف بيروت،2016.

ومن خلال استقراء العنوان وما ينطوي عليه من دلالات يمكن ان نتوقع ما سيحكيه النص..يملي علينا النظر فيه وتحليله بما يتوافق مع قراءتي من حيث علاقته بالتاريخ لان التاريخ يتمظهر من خلال النص الروائي

 ان القارئ للمدونة او السيرة يتبادر في ذهنه ان نوع النص هنا ديني تاريخي سياسي للماضي القريب وما جرى من احداث في الواقع الافغاني والحركات الجهادية لطلبان ضد الوجود الروسي، في وقتها حتى طور الامر حتى تحول الى تنظيم القاعدة والتحاق العديد ن الشباب في الوطن العربي وما حصل من تعصب وتشدد الديني.

 وقد يتساءل القارئ عن هذه الثنائية التي تجمع الحب مع الحرب والاقتتال ..

عند الولوج الى النص يهيئ القارئ نفسه للأقبال على عمل فني ينتمي الى جنس السيرة الذاتية يجسده شخصية رجل (عيد بن سالم) والذي يبدو انها تحكي قصته في رحلة الى افغانستان للالتحاق بالمجاهدين في مرحلة من الماضي القريب حيث تتضح السمات العامة في سرده الروائي الاتجاه التقليدي الواقعي الذي يستدعي التاريخ باستخدام عدد من التقنيات الفنية الحديثة التي تعمل على المزج بين الماضي البعيد الذي يعود الموروث الديني في زمن الحركات والغزوات في اوائل عصر الاسلامي والماضي القريب

اتسمت الرواية حب في قندهار كونه نص نثري تخيلي سردي واقعي يدور حول شخصيات متورطة في رحلة جهادية كما نراه جليا من ظاهر عنونة بعض فصوله (سفر الى المجهول)، (الفضاء المجهول)،(لايزالون يحتلّون رأسك)،(كوابيس)، (الخوف والتردد)، (صرنا كالدمى)،(هؤلاء الوحوش)، (تطرف فكري)،(فقد حقيقي)  والذي يتضح ذلك من خلال المناصات التي ذكرها السارد

في توضيح" الاسماء والشخصيات التي وردت في الرواية هي شخصيات روائية متخيلة، غير حقيقية، ولا ظلال لها في الواقع بل هي محض خيال.

ومن خلال تساؤلات السارد التي نراها عل ظهر الغلاف التي تبين حالة الندم والتورط والتغرير به "كثيراً ما كنت أتساءل بحرقة وألم: " لمن تركت أهلي وأحبابي.. وذكرياتي الجميلة وأصدقاء الطفولة؟ وكنت أقول:

هل يستحق أهلي تلك الغصة التي تركتها لهم؟

وهل يستحقون تلك الحرقة التي زرعتها في قلوبهم ؟ خصوصا والدتي الحبيبة.. التي وصلت الاخبار عنها في رسالة قصيرة " امك في العناية المركزة أصيبت بانهيار عصبي وربما بجلطة في الدماغ"

يظهر الكاتب تهكمه ونقده والتعبير عن حالات الرفض لحالات التطرف والتكفير والتشدد والذي نراه جليا على لسان السارد المتكلم العليم " ان الولع بالعلم والتقنية أنفع وأجدى من التشبث بالخوارق والمعجزات " ص107

وكما يقول في بنية نصية أخرى " هناك حقيقة يجب أن أواجهها، أعترف أولا بأنني ارتكبت خطأً في التفكير، يجب أن اصلحه، أعتقد أن الله هداني الآن لأستيقظ من هذا الضلال، أشعر بنور يشدني الى رؤية المدينة "ص118

وعلى لسان أحد شخصياته " التي تصف الجهاد بالتطرف وتصف المجاهدين بالوحوش" ص138

في اضمامة الرواية 43 فصل جعل لكل فصل عنونة اختارها بعناية وذلك بهدف جذب وتشويق القراء لموضوعاته الحكائية معتمدا البناء التقليدي البسيط للرواية استهل الرواية في عنونة (ذاكرة الطفولة) حيث اعتمد الروائي تقنية الاسترجاع الارتدادي والرجوع الى الطفولة

 " كان ابي يهرب من حياته الرتيبة الى النوم. يخرج صباحاً ليجني رزقه بما يكسبه من أجرة التكسي الابيض القديم، ويعود في المساء مجهدا لا يريد الكلام " ص9

البناء الفني

أولى الروائي الزهراني اهمية كبير ة للعنوان الرئيس واختار عناوين فصولها بعناية وذلك بهدف جذب وتشويق القراء لموضوعه الروائي وتحقيق غايته فاختار (حب في قندهار) الذي يشير الى عنونة مكانية وقد يتوقع القارئ قصة حب في هذه المدينة.ولكن حين نلج متن الرواية لا نجد للحب مكانا في وسط هذا التشدد ابان تلك الفترة، نراه في لقاء عابر بسيط بين عيد بن سالم الشخصية المحورية ونازك التي قد تعرف عليها في احدى الليالي التي تسرب فيها وهروبه الى باكستان بحثا عن فضاءات مختلفة " وربما قد شعرت بالملل من قيود الجماعة التي صارت تنظيماً ارهابيا بكل وضوح، شعرت بالخوف، واردت الخلاص منهم والنجاة بنفسي من دون وعي مني " ص99

اعتمد الروائي على البناء التقليدي البسيط للرواية، اسلوب لغوي سردي بسيط وبلغة مباشرة وقد يلمس القارئ بعض البنى السردية التقريرية بأسلوب الصحفي، ضمّن الروائي بعض النصوص النثرية على لسان السارد الشخصية المحورية.

صور لنا الزهراني المكان والزمان ورسم الشخصيات، يدير الحوار بينهما ولم يهبط الى اللغة العامية ويصور الصراع بينهما تصويرا مشوقا بأسلوب سردي جميل ومشوق بسيط قريب من فهم الناس يجذب فضول القارئ لمعرفة تلك المرحلة التاريخية  ليوصل اليهم معلوماته التاريخية بأسلوب واضح سهل وسلس وبلغة فصحى عذبة الايقاع تركز على الفكرة والمضمون مصوراً الشخصيات بأبعادها النفسية ومحركاً اياها من منظور علوي في اطار ثنائية الخير والشر أو الشقاء والسعادة.

" لن انتظر أكثر. يجب أن أنجو بما تبقى لي من أمل في الحياة. سأهرب في ليلة سوداء، قبل أن يفتح الفجر صدره. الشجاعة هي المواجهة، نعم حين تواجه الحقيقة، وتتخذ موقفاً يحفظ كرامة الانسان، فانت شجاع، الشجاعة مواجهة أبطال، وليس مواجهة الغدر وانتظار الطعنات الحاقدة من هؤلاء الذين تربت قلوبهم على الغدر والخيانة" ص118

وفي النهاية فقد احسن الروائي في اختيار موضوعاته ومضامينه الروائية ورصد التحولات التاريخية ذات الاتجاه الواقعي في تلك المرحلة بشكل ادبي صادق

***

طالب عمران المعموري

في المثقف اليوم