قراءات نقدية

نيشيا كرونيستر: أطوار التبدل الدائم لجيني إيربينبيك

بقلم: نيشيا كرونيستر

ترجمة: وإعداد صالح الرزوق

***

بالنسبة لجيني إيربينبيك لا شيء يدوم إلى الأبد، لا المنزل، ولا الطقوس التي تربطنا بالأجيال السابقة، ولا حتى الموت. حتى أسلوب كتابتها يؤمن بعدم الثبات.

في أعمالها، تختفي الأشياء. الناس يختفون. المعرفة تختفي. وكذلك تتلاشى بمرور الوقت الطقوس والعادات، والممارسات التي تهدف إلى الحد من تآكل الثقافة وربطنا بماضينا. وموضوعات أعمال إيربينبيك معقدة، ومكثفة تاريخيًا، وغنية ماديًا، ومع ذلك لا يستمر في أعمالها سوى عدم الثبات - أو الفكرة البسيطة المتمثلة في اختفاء الأشياء. من أفضل من جيني إيربينبيك  في الكتابة عن الاختفاء النهائي لكل الأشياء، حتى تلك التي تبدو أكثر ثباتًا بالنسبة لنا؟. عندما توحدت ألمانيا في عام 1990، كانت شابة بالغة، وشهدت مع اندماج الشرق بالغرب التفكك السريع لدولتها ومحو الكثير من ثقافتها. لذلك بالنسبة لها، لا شيء يدوم، لا الوطن، ولا الدولة، ولا حتى الذاكرة.

ينظر العديد من كتاب القرن الحادي والعشرين الألمان إلى القرن السابق نظرة تاريخية، ويعبرون عنها بروايات عن أفراد أو عوائل.  ولا يبذ في هذا المجال جيني إربنبيك. حاز عملها الأدبي الأول، وهو رواية قصيرة بعنوان " قصة الطفلة العجوز" (1999)، على إعجاب النقاد لأنها قدمت المانيا الشرقية بصورة بيت تحيا فيه جماعة. و"قصة الطفلة العجوز" هي قصة فتاة تقف وحيدة في زاوية الشارع وليس لديها سوى الملابس التي ترتديها وفي يدها دلو فارغ. يمكن القول إنها لوحة اجتماعية فارغة، فالفتاة لا تستطيع أن تتذكر من هي أو من أين أتت؛ وكل ما تعرفه أن عمرها أربعة عشر عامًا. ولا تجد السلطات طريقة مناسبة للتصرف معها،  وفي النتيجة تجد لها مأوى في منزل للأطفال، وهناك تصل بسرعة إلى أسفل السلم الاجتماعي بسبب مشكلة جسدية ولافتقارها إلى المهارات الاجتماعية. وتحاول جهدها أن تنتمب إلى نظام المنزل، وتقبل بفارغ الصبر مكانها المتدني، فهو المكان الأكثر أمانًا في أي نظام اجتماعي لأنه لا يحتاج لمن يدافع عنه. وهي تعرف ما يوجد خارج أسوار المدرسة. ومع أن الآخرين يسعون إلى لحرية، تستمتع هي بنظام المدرسة الذي يمكن التنبؤ به.  ولا شك أن هناك شيئًا غير مفهوم بشأن هذه الفتاة، التي يبدو أنها عاجزة عن الإحساس بذاتها والسيطرة على جسدها المعوق. ولا نعلم حتى النهاية العجيبة للرواية أنها تحمل سرًا: فهي ليست في الرابعة عشرة من عمرها فعلا، ولكنها تبلغ في الواقع ثلاثين عامًا. وهي امرأة اختارت أن تلوذ بأمان واستقرار مؤسسة للأطفال.

تشير "قصة الطفلة العجوز" إلى أحداث مر بها التاريخ الثقافي والأدبي الألماني، وخاصة اللقيط كاسبار هاوزر من القرن التاسع عشر وأوسكار ماتسيرات من أعمال غونتر غراس، الذي تأخر نموه على نحو معروف في الرواية المشهورة "طبل الصفيح". كما هو الحال في رواية غراس، لاحظ النقاد الرمز السياسي في قصة إيربينبيك. بعد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية، وجد العديد من الشرقيين السابقين أنفسهم عاطلين عن العمل، عدا عن إلغاء مؤهلاتهم المهنية، ونتيجة لذلك، أصبحوا معوزين اقتصاديا، ومحرومين من الهياكل الاجتماعية التي كانت تخفف من حدة الفقر في النظام الاشتراكي. وبعد أن خذلتهم سياسات الوحدة الألمانية واقتصادها، بدت لهم الحرية الموعودة خدعة قاسية. ولا سيما للكثيرين الذين لم يتمكنوا من تأمين تكاليف الحياة في النظام الرأسمالي الجديد. وبحلول أواخر التسعينات، رغب الكثيرون في العودة إلى أيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية، ورأى النقاد أن "الطفل الكبير" لإيربيينبيك تعبير عن هذه الرغبة. ورأى نقاد آخرون أن الفتاة نفسها رمز للشرق، فقد ظهرت فجأة على مسرح السياسة الغربية  دون أن تفهم النظام الاجتماعي الجديد. وكانت ألمانيا الشرقية، في ظل النظام الجديد، مثل الطفلة العجوز، محرجة، و"مقزمة" اقتصادياً وسياسياً.

وألقت روايتاها اللاحقتان "الزيارة" (2008) و" نهاية الأيام" (2012)، نظرة أطول على القرن العشرين. تصور "الزيارة" منزلاً وقطعة أرض تتغير ملكيتها ثلاث مرات على مدار قرن. وتجري فيها أحداث تاريخية واسعة النطاق تغطي جزءا من تاريخ المنزل، ومصائر أربع عائلات ارتبطت به. تبدأ الرواية، في مطلع القرن العشرين، حينما كانت الأرض الواقعة على ضفاف البحيرة في براندنبورغ مهرا لزواج بين الجيران وبهدف تعزيز الثروة.  ولكن عندما تصاب كلارا ابنة مالك الأرض بالجنون ولا تستطيع الزواج، يبيع والدها الأرض لمهندس معماري. تؤدي الصفقة إلى انتحار كلارا، وتعتبر حادثة الموت رمزا يدل على مرور النظام الاجتماعي القديم مع ظهور النظام الرأسمالي الحديث. عمد المهندس المعماري لبناء منزل على تلك الأرض في ثلاثينات القرن الماضي ووسع ممتلكاته عن طريق شراء الأرض المجاورة، بالإضافة إلى مرسى قوارب خاص بها وممر يساعد على الوصول إلى المياه، وبسعر يفرضه على المالكين اليهود الذين يحاولون جمع الأموال للفرار من ألمانيا. ثم نرى أنفسنا نشاهد دوريس، طفلة من المنزل المجاور، وهي تختبئ من النازيين في خزانة مظلمة في الحي اليهودي في وارسو، ولكن يتم القبض عليها وتواجه موتًا مروعًا. وأثناء الموت كانت ذاكرتها عن تلك البحيرة وعن المناظر الطبيعية في ألمانيا هي راحتها الوحيدة. ونشاهد أيضا اغتصاب زوجة المهندس المعماري على يد ضابط روسي في المنزل في نهاية الحرب، وبعد ذلك نشاهد المهندس المعماري وهو يخفي متعلقات العائلة الثمينة في الفناء قبل أن يهرب إلى الغرب في الخمسينات. ونتتبع أفكار امرأة حصلت جدتها على المنزل من حكومة ألمانيا الشرقية بعد عودتها من منفاها الروسي الذي عاشت فيه خلال الفترة النازية. والآن يتوجب عليها أن تناضل من أجل الاحتفاظ به بعد توحيد ألمانيا، بعد تقدم عائلة المهندس المعماري بمطالبة لاسترداده، ولكنها تخس  في خاتمة المطاف معركتها.

هذه الحكاية الأخيرة مقتبسة، كما هو معروف، من تاريخ عائلة إيربينبيك، وهي تعبر عن المرارة التي خلفها فقدان منزل جدتها الواقع على ضفاف البحيرة في براندنبورغ، مكان ذكريات الطفولة السعيدة. عنوان الرواية Heimsuchung وترجمته الرائعة سوزان بيرنوفسكي إلى الإنكليزية "الزيارة". ولكن "الزيارة" في هذا السياق تعني "الاستحواذ"، ويمكن للمرء أيضًا تقسيم العنوان الألماني المركب إلى "هايم" (الوطن) و"سوشينغ" " (أن تبحث). والواقع أن المنزل يمثل الأمرين: الحنين إلى وطن لم يعد موجوداً، وأيضاً الطريقة التي تستحوذ بها على ألمانيا الأحداث العنيفة التي شهدها القرن العشرون. ونحن القراء، نأخذ دور  أشباح، لنشاهد هذه الأحداث من مسافة صامتة وبجدول زمني يتجاوز القدرات البشرية. تروي المقدمة تاريخًا بطيئا طوله آلاف السنين تزحف فيه الجبال الجليدية التي تتشكل منها التلال والبحيرة، وتتابع الخاتمة تفاصيل هدم المنزل واستعادة المناظر الطبيعية، ولو لفترة وجيزة. إن الأنشطة البشرية في القرن العشرين ليست سوى نقطة صغيرة في تاريخ الأرض الطويل وفي مسيرة الزمن الزاحف إلى الأمام. هذا الصراع بين الأنشطة البشرية التي يعمى عنها الزمن وبين الضرورة الوجودية  لحاضر الأفراد، شيء تبرع به إيربينبيك من خلال رصد التحولات البانورامية وبالتلاعب بالمسافة، وبتقريب المشاهد.

في الرواية التالية "نهاية الزمان" تقدم القرن العشرين من وجهة نظر مختلفة تمامًا عن "الزيارة". بدلاً من الحفاظ على التركيز المكثف على مكان واحد، تتبع شخصية مركزية أُجبرت على الهجرة بشكل متكرر على مدار القرن. بطلة الرواية هي امرأة من يهودية من أوروبا الشرقية، وبالتالي فإن الرواية تتابع أحداث القرن العشرين من خلال الصعوبات والتحديات التي واجهتها هذه المرأة اليهودية. وقد عانت بدرجات متفاوتة من مشكلة الاندماج بالمجتمع حسب ظروف حياتها الخاصة - في غاليسيا البولونية في مطلع القرن، وفيينا أثناء صعود الفاشية، وروسيا خلال الحقبة النازية، وألمانيا الشرقية في فترة ما بعد الحرب، وأخيرًا برلين، بعد التوحيد – وبذلك تسلط الضوء على الوضع غير المستقر لمن يعيش على هوامش المجتمع. يشعر القارئ في "الزيارة" بمسافة شبحية تفصله عن أحداث الرواية، لكن "نهاية الزمان"  تشد القارئ، وتصور صدمات القرن العشرين من خلال التقارب الحميم مع شخصيات الرواية.

في هذه الرواية، ليس المكان فقط، بل الزمان أيضًا، له معنى خاص. تتابع الرواية خمس نسخ مختلفة من حياة وموت الشخصية المركزية، الفتاة/المرأة التي تبقى بدون اسم حتى نهاية الرواية. يركز الكتاب الأول على حداد عائلة مات رضيعتها البالغة من العمر ثمانية أشهر أثناء نومها، وكل كتاب من الكتب التالية للرواية يسبقه فاصل أو سيناريو من نوع "ماذا لو"، فالموت ينقلب على نفسه، ويطول أمد الحياة، حياة الطفلة. في الكتاب الثاني، تكبر الطفلة وتصبح فتاة تعاني من المجاعة والبرد في فيينا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتدفعها حاجتها إلى أن تصبح ناشطة سياسية. لكنها تنتحر مع عشيقها. في الكتاب الثالث، تصبح شيوعية شابة ثورية تنتقل إلى أوفة ثم إلى موسكو، وتبدأ الكتابة في مجلة باللغة الألمانية. ولكن عندما يتم الاشتباه أنها تروتسكية، يقبض عليها وتقتل في معسكر اعتقال. في الكتاب الرابع، تصبح مؤلفة مشهورة تهاجر إلى ألمانيا الشرقية للمساعدة في تشكيل الوعي الثقافي للدولة الشيوعية الجديدة لكنها تموت في حادث محض بالسقوط على السلالم. في الكتاب الخامس، تكبر وتصبح امرأة مسنة تعيش حقبة ما بعد التوحيد في دار للمسنين مع آخرين من جيلها، ولكن لا أحد يسمع ما لديهم من قصص عن القرن العشرين في ألمانيا بسبب التدهور العقلي والموت، وبسبب تراجع الوعي بين الشباب، وقلة الاهتمام. 

في أعمال إيربنبيك، يعتبر القرن العشرون حقل ألغام لا يمكن النجاة منه إلا بالحظ والصدفة، ويحفر حقل الألغام هذا أيضًا أثلاما عميقة في الذاكرة بين الأجيال. نظرًا لأن السرد يأخذ في كل كتاب منعطفا مختلفا وفقًا لسيناريوهات متعددة من نوع "ماذا لو"، تمر أجزاء معينة من المعلومات والطقوس والقصص العائلية من فصل إلى فصل لاحق، بينما تختفي أجزاء غيرها. ويبدو أنه لا يوجد استمرارية ملموسة إلا في الممتلكات والإرث العائلي. ومع ذلك يضيع معنى هذه الآثار عندما لا تتمكن الأجيال اللاحقة من التعرف عليها.

يكمن تفرد إيربينبيك في تجربتها مع الشكل، ولكن أيضًا في الطريقة التي تصور بها الزمن. فهو دائري وخطي، وغير منتظم في الوتيرة والاتجاه. في "الزيارة"، البستاني هو الشخصية الوحيدة المرتبطة بالمنزل باستمرار، وهو شخصية ذات صفة أسطورية. لا أحد يعرف من أين أتى أو المدة التي قضاها هناك. سنة بعد سنة، يقوم بزراعة وإزالة الأعشاب الضارة وإزالة الأشجار وإضافة الحواجز، والقيام بالعمل الموسمي وهو التنسيق والتقليم من أجل راحة الذين يسكنون المنزل. ويظهر مرارًا وتكرارًا بين الفصول، وبالتالي يكسر تقدم الزمن في الرواية بعمله الدوري. في "نهاية الزمان"، الزمن ليس خطيًا فقط، مع أنه يؤرخ للقرن العشرين، ولا دوريًا، لأن دورات الحياة تتكرر عبر الأجيال؛ ولكنه أيضا يقبل الانقلاب على نفسه، وتتم إعادة بطلة الرواية إلى الحياة بشكل متكرر. بالنسبة لإيربينبيك، لا شيء يدوم إلى الأبد، لا المنزل، ولا الطقوس التي تربطنا بالأجيال السابقة، ولا حتى الموت. حتى أسلوب كتابتها يعاني من عدم الثبات. وله طراز موسيقيي. فهو إيقاعي ودوري. ولا تتكرر الأفكار المهيمنة في عمل واحد فقط، ولكن في جميع أعمالها. وتبقى دائما  أصداء: تتكرر العناصر التي تظهر بقوة في بداية رواياتها، ولكنها تتضاءل قليلاً في كل مرة حتى تتلاشى تمامًا في النهاية. والصمت مهم بالنسبة لإربينبيك، كما هو الحال في الموسيقى، والفواصل بين الكلمات لا تقل أهمية عن الكلام الذي يقال. ولذلك علينا أن ننتبه إلى ما هو غير موجود، والذي يختفي.

ولكن عندما نعتقد أنه يمكننا قول شيء محدد حول موضوعات إربينبيك الرئيسية - حول العلاقة بين عدم الثبات والاختفاء والخسارة في أعمالها - فإنها تغير وجهة نظرنا مرة أخرى، مما يعطي عدم الثبات اتجاها متفائلاً في روايتها "اذهب، مضى، غاب" Go، Went، Gone 2015. ريتشارد، بطل الرواية، أستاذ فخري للكلاسيكيات، وأصبح أرمل، ومع فقدان زوجته وانتهاء عمله رسميًا، أصبح لديه الآن الوقت متاح، ولكنه لا يحدد اتجاهه. يفكر في موته الوشيك، مدفوعًا جزئيًا بمنظره البحيرة القريبة من فناء منزله، حيث غرق رجل مؤخرًا ولم يتم انتشال جثته. كما هو الحال في بقية نصوص إيربينبيك، الموت حاضر دائمًا، تحت السطح مباشرةً. في بداية "اذهب، مضى، غاب"، يركز ريتشارد على ما اختفى، ولكن في يوم من الأيام تظهر له أشياء جديدة. بعد وصوله إلى منزله بعد زيارة أحد الحفريات الأثرية التي شارك بها أحد الأصدقاء والتي كشفت عن ممرات تحت الأرض أسفل ما يعرف الآن باسم ألكسندربلاتز، يرى في نشرة الأخبار المسائية أن اللاجئين الأفارقة تجمعوا أمام مجلس مدينة برلين، مضربين عن الطعام، في محاولة يائسة لتلقي المساعدة من الحكومة.  يشعر ريتشارد بالانزعاج لعدم رؤيتهم عندما مر من ذلك الموقع في وقت سابق من ذلك اليوم. وعقد العزم على معرفة المزيد، وقام بزيارتهم، وسرعان ما كرس نفسه للمساعدة. فعمله مقسم بين مساعدة بعض اللاجئين للتعامل مع النظام، وإعطاء دروس للعزف على البيانو، وشراء  أرض في غانا لأم شخص آخر (وهي ليست صفقة شراء صغيرة)، وفي النهاية يستضيف بعض اللاجئين ليعيشوا معه، ويوفر سكنًا للآخرين، لحين وقت حفلة عيد الميلاد.

يفهم ريتشارد محنة اللاجئين، ويسمع قصص هجرتهم المروعة، ويكافح ضد النظام البيروقراطي الذي وجدوا أنفسهم فيه، ونشاركهم نحن القراء في هذه الإجراءات.  رواية إيربينبيك تتويج لبحث شامل، ومقابلات مع اللاجئين في ألمانيا، ودراسة مكثفة لقانون الهجرة الأوروبي، وأثر الإجراءات التي اتخذتها إيربنبيك نفسها لمساعدة اللاجئين، وتوفر كلها نظرة ثاقبة على نظام اللجوء البيروقراطي الغامض في ألمانيا وفي أوروبا مع تأمل في حياة النازحين الصعبة. يفسح موضوع الاختفاء المجال للرؤية والتنوير، وفي كلمة الشكر والتقدير التي كتبتها إيربينبيك، تدل القارئ  كيف يتبرع للمنظمات التي تخدم اللاجئين.

كان القرن العشرون وفقًا لأعمال إيربنبيك عصر الخسارة والنزوح، لكن في "اذهب، مضى، غاب" روح التفاؤل العملي. إن إيمان إربنبيك الدائم بعدم الثبات هو على وجه التحديد ما يغذي هذا الأمل. ومع أن عدم الثبات يمكن أن يعني الموت والخسارة والانفصال عن التقاليد، فإنه يحمل أيضًا إمكانية التغيير الإيجابي. ترى إيربينبينك بعد أن شهدت تغيرًا اجتماعيًا سريعًا لتفكك دولتها، مدى عدم استقرار المؤسسات، وأخطاء ما نعتقد أنه راسخ إلى الأبد. وبسبب تاريخ عائلتها، فهي تدرك جيدًا مدى هشاشة الاستقرار. لا شيء دائم، لا القوانين، ولا الأمن الشخصي، ولا حتى الحدود، السياسية د التي تفصل بيننا وبينهم. في كتابها "اذهب، مضى، غاب"، تبين لنا أن عدم الثبات يجب أن يحدد طريقة استجابتنا للمحرومين في عالمنا. فإذا فتحنا أعيننا وقدمنا ما في وسعنا من مساعدة، فربما نتمكن من أن نصبح قوة ضد ذلك النوع من الخسارة والنزوح الذي ميز القرن العشرين.

مانهاتن، كانساس

***

......................

نيكيا كرونيستر Necia Chronister أكاديمية من جامعة ولاية كانساس، ومحررة مجلة "دراسات في أدب القرن العشرين والحادي والعشرين" . من أهم أعمالها "نزاع أهلي" 2022. وهو عن مصير قانون الملكية في دولة ألمانيا الشرقية السابقة.

 *ملاحظة تمت الاستفادة من برامج الذكاء الصناعي في تنسيق وترتيب الترجمة.

 

في المثقف اليوم