قراءات نقدية
محمد العرجوني: إشكالية التواصل الأدبي
حينما تطالعنا بعض الآراء حول الأعمال الأدبية، خاصة تلك الصادرة بالبلدان التي تفتقد إلى المؤسسات الديمقراطية، وهي تبتغي أن يكون الأدب بكل أجناسه، معبرا عن هموم الشعوب، لدرجة انه قد يصبح عبارة عن بيانات تنديدية او مخطوطات لمشاريع سياسية واجتماعية، تموسقها القافية اذا كانت منظومة الخ...، فهذا يدل أن هناك غياب مهول للمؤسسات السياسية وعلى رأسها الأحزاب، وهو غياب الفعل وليس غياب الجمهرة. لأنها هي التي من المفروض أن تؤدي هذا الدور. وفي ظل هذا الغياب، ونتيجة لهذه الآراء التي تكون في الغالب تحت ضغط إديولوجي، او فقط رغبة في لمس صوت يعبر بصدق، يصبح الأدب مؤسسة سياسية بامتياز. وهكذا قد يغيب مفهوم "الأدبية" littérarité، حيث من المفروض أن توحي النصوص الأدبية بالموضوع بفنية ممتعة ، ولا تسميه حتى لا تسقط في المباشر والتقريرية. فالأدبية تتجلى في هذا الإيحاء.
لكن حينما يحتفظ الأدب بأدبيته وهو يعبر عن هموم الشعوب، قد يتعرض للانتقاد بدعوى أنه غامض ولا يفي بالغرض. وهكذا تطرح إشكالية التواصل الأدبي. بمعنى هل يجب على الأدب أن يحافظ على التواصل العادي كما يحافظ عليه أي خطاب يهدف إلى توصيل الفكرة؟ بطبيعة الحال إذا اخذ هذا المنحى، سوف يسقط في المباشر كما سبق الذكر. إذن كيف يمكن تحقيق هذا التواصل الأدبي؟ هل يتحقق بالرضوخ إلى رغبة هؤلاء المنتقدين على حساب عنصر الأدبية؟ أم التمسك بجوهر الأدبية دون أي اعتبار لهذه الآراء ؟
قد يقول قائل بأن "الأدبية" ليست مفهوما جامدا. بل لنا "أدبيات". فكما هو الشأن بالنسبة للموسيقى حيث هناك موسيقى شعبية وأخرى بدوية وأخرى عصرية الخ.. فلِمَ لا نتحدث عن أدبية شعبية وأخرى بدوية الخ... فالإنسان بطبعه يحب ما يمتعه، لكن ما يمتع مجموعة ما قد لا يمتع مجموعات أخرى... لهذا أيضا نجد في الفنون التشكيلية من يميل إلى الفن التشخيصي وآخر يجد ضالته في الفن التجريدي...
الأذواق إذن تختلف، ومن خلالها يتم الحديث عن عنصر الأدبية.
إلا أن الحديث هنا، رغم هذا التعدد في الأذواق، لا يخرج عن الإبداع الأدبي، أي الكتابة الموسومة بنوع من الخيال، وليست الكتابة التقريرية المباشرة...
***
محمد العرجوني