قراءات نقدية

زهير ياسين شليبه: الأدب العربي الليبي في الاستشراق الروسي والسوفييتي

رسالة دكتوراه عن الشاعر الليبي الراحل أحمد رفيق المهدوى، أعمال الكاتب الليبي على المصراتي في أطروحه استشراقيه

***

“الحكم والأمثال الشعبية الليبية”

هذا هو عنوان أول أطروحة في الاستعراب السوفييتي عن الثقافة الليبية دافع عنها المستعرب السوفييتي المسلم عبد الوهاب زاكروفيتش ناليبايف في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية في جمهورية اوزبكستان.

يؤكد عبد الوهاب زاكروفيتش في مقدمته للأطروحة على كونها أول أطروحة عن الفولكلور، بل والثقافة العربية في ليبيا، وأنه اختار هذا الموضوع بالذات للبحث لأهميته العلمية والتطبيقية وحداثته في الاستعراب السوفيتي والأجنبي.

مصادر البحث:

تكمن أهمية هذه الأطروحة في استيعابها لكل الدراسات العربية الليبية والأجنبية في مجال الفولكلور العربي الليبي، بدءًا من أول دراسة عن الفولكلور الليبي للمستشرق الإيطالي أ. بانيتا المنشوره عام 1941 في روما ومقالات جريفيني وفانتولي وغيرهما، مرورا ببعض الكتابات البسيطة في الاستعراب انتهاءا بأعمال الكتاب الليبيين مثل: "المجتمع الليبي من خلال أمثاله الشعبية"، "غومه فارس الصحراء"، "جحا في ليبيا" للمصراتي، ونصوص من الأمثال الشعبية، و"اغنيات من بلادى" لعبد السلام إبراهيم قادربو وغيرهم من الباحثين الليبيين.

وقد أشار الكاتب إلى تطور الدراسات العربيه الفولكلوريه ليس في ليبيا فحسب، بل في كل العالم العربي، حيث انعكس الاهتمام بالفولكلور العربي على صفحات مجلات اختصاصيه مثل “التراث الشعبي” في العراق، و”الفصول الأربعة” في ليبيا، و”مجلة الفنون الشعبية” في القاهرة وغيرها من الدوريات العربية الكثيرة.

وتحدث الباحث بالتفصيل حول أصل الحكم والأمثال الليبيه، ويتفق مع الباحثين الليبيين مثل المصراتي والقشاط وقادربو، الذين أكدوا على أن الغالبيه العظمى من الأمثال الليبيه تعود إلى الأصول العربية القديمة، إلا أنه أكد وجود أشكال أخرى لنفس الحكمة العربية القديمة، أقرب إلى الواقع الليبي ولهذا أثرت اللهجة المحلية على لفظ الكلمات. فمثلا أن المثل العربي المعروف “من كثرة الملاحين غرقت السفينة” ظهر بأشكال ليبيه أخرى مثل: “المركب أن كان كثروا فيها الرياس تغرق” أو “المركب ما تمشيش بزوز(بزوج) رياس” إلخ.

تناول الباحث بالتحليل اللغوي والفني والفكري (أساليب ظهور هذه الحكمة أو تلك) ألفي مثلا وحكمة مأخوذة من مختلف مناطق ليبيا، وجمعها بمختلف الطرق العلمية المعروفة بما فيها الاتصال بسكان المناطق الريفية الليبية الذين سجلوا باصواتهم الأمثال والعبارات الشعبية.

قسم الدكتور عبد الوهاب زاكروفيتش الأمثال الليبية إلى عدة مجموعات مثل: الأمثال التاريخية التي تنتمي إلى الأحداث الكبيرة مثل “التريس ماتوا نهار الاثنين”، أى أن الرجال الشجعان ماتوا في معركة الاثنين 23 أكتوبر 1911 مع الإيطاليين، وأصبح هذا المثل يقال عن الرجال الحقيقيين.

ويقول الليبيون أيضا: “التريس ماتوا نهار السبت”، والمقصود هنا معركة السبت بتاريخ 4 فبراير 1911، أو “الضرب لمحمد والثنا لغومه” والمقصود هنا هو البطل العربي الليبي الكبير غومه المحمودى (1858-1795)، الذي قاتل الاتراك قتالا ضاريا كذلك هناك حكم وأمثال عن معارك بني هلال ورئيسهم أبو زبد الهلالي في ليبيا، مثل: “بو زيد صفا إرفاقته” أي ضيع أبو زيد رفاقه في القتال، أو: “لو كان بو زيد عمار، عمر سواني بلاده”، ويضرب هذا المثل في الحديث عن الأدعياء الذين يتحدثون أكثر مما يعملون.

وتنتمي المجموعة الثانية من الأمثال الليبية إلى الوضع الاجتماعي مثل: “حوت ياكل حوت” أي سمكة تاكل سمكه، ومغزى هذا المثل واضح للقارئ العربي ويمكن تلخيصه بعبارة “القوى ياكل الضعيف”، أو يقال: “اللي عنده حنة يحنى بعبوص حماره”، أي الذي يملك حنة كثيرة يحني حتى ذيل حماره، ويشار به إلى بطر الأغنياء وتبذيرهم، و”ماعين طالعه على حاجبها” و”الشمس ما تتغطاش بالغربال” وغيرها من الأمثال ذات الطابع الاجتماعي المعروفه لكل العرب في كل بقاع الوطن العربي الكبير.

وهناك أمثال تتحدث عن العمل وأهميته بالنسبة للإنسان مما يدل على تطور خاص في حضارة الشعب العربي الليبي، فيقول الليبيون عن العمل النافع المثال التالي: “الحي يموت واللي يدير ما يموت” أي الإنسان لا بد وأن يموت بقدرة الله سبحانه وتعالى، أما العمل الطيب الذي يقوم به فيبقى خالدا أبد الدهر، أو يقال: “البطال عدو الله والناس” وغيرها من الأمثال الكثيرة.

وهكذا فإن الدكتور عبد الوهاب زاكروفيتش حلل الأمثال الليبية إلى مجاميع كثيرة أخرى كأمثال تجسد فيها العلاقات القبليه والعائلية والزواج ومختلف جوانب التقاليد الاجتماعية، ومجموعة أمثال تتناول المسائل الأخلاقية مثل “العار أطول من العمر” أو “الصاحب عالصاحب يبيع عباته” (الإخلاص للصديق)، وأمثال فلسفية مثل: “البر كلها مالحه” أو “ما حلوه بلا مرة”، أو “السيل له شره” وإلخ.

وقد حلل الباحث مختلف الجوانب الفنية واللغوية لهذه الأمثال وأهم ما أكد عليه وحدة الأمثال والحكم العربية في كل مكان مع بعض الفوارق المرتبطة بالموقع الجغرافي والطبيعى والاجتماعي وإلخ من الظروف الموضوعية التي تحيط بهذا الشعب العربي أو ذاك.

ولا بد لنا من الإشارة إلى أن هذه الأطروحة تتميز عن الدراسات العربية التي أطلعنا عليها في هذا المجال بالشمولية والسعه والموضوعية العلمية فالباحث مسلم أوزبيكي مرتبط بتقاليد إسلامية لا تختلف كثيرا عن التقاليد العربية إلا ببعض الخصائص القومية، وهو إضافة إلى هذا مطلع على تقاليد شعوب إسلامية كثيرة في الاتحاد السوفيتي وفي خارجه. هذا من الناحية التطبيقية والخبرة الحياتية، أما من الناحية النظرية فإنه يجيد إضافة إلى لغته الأم واللغات الشرقية القريبة منها، اللغة الروسية والإيطالية وطبعا اللغة العربية التي درسها في معاهد الاستعراب، وكل هذا ساعده بالتالي على الإحاطة إحاطه تامة بمختلف جوانب البحث الذي نال بعد دفاعه عنه شهادة الدكتوراه في الفولكلور. 

رسالة دكتوراه عن الشاعر الليبي الراحل أحمد رفيق المهدوى

أما المستعرب المسلم السوفيتي فريد أسد الله فقد دافع عن أطروحته “حياة وأعمال الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوى” في الكلية الشرقية التابعة لجامعة لينينغراد، وقد أشرفت عليها المستعربه السوفييتية المعروفة البروفيسورة دولينينا. ومن الجدير بالذكر أن المكتبه العربية لم تحظ بكتاب تحليلي قيم وموسع عن شاعر الوطن الليبي أحمد المهدي، إذا ما استثنينا كتابي محمد صادق عفيفي “رفيق شاعر الوطنية الليبيه - 1959”، وخليفه التليسى “رفيق شاعر الوطن - 1965”، وكما يلاحظ القارئ العربي أن الكتاب الأخير مضى عليه فترة زمنية طويلة ظهرت فيها العديد من المعلومات والوثائق عن حياة المهدوى وأعماله مما يبرر فعلا الكتابة من جديد عنه للخروج باستنتاجات جديدة.

ولهذا فإن أهم ما يميز هذه الرسالة عن الدراستين العربيتين السابقتين حداثتها واعتمادها على مصادر عربيه وأجنبية كثيرة، ولكونها اعتمدت على طرق التحليل المقارن والدراسه العلمية الموضوعيه لكل الظواهر الأدبية في ليبيا انئذ ومكانة المهدى الأدبية والمؤثرات الموضوعية والذاتية التي انعكست في شعره وأفكاره الجمالية.

قدم الدكتور فريد في الفصل الأول نبذة مختصرة عن تاريخ الشعر الليبي ومكانة المهدي فيه وقسم سيرة حياة الشاعر إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى وتشمل القصائد الأولى حتى عام 1924، والمرحلة الثانية، أو فترة الغربة التي تمتد من عام 1924 حيث اضطر الشاعر إلى السفر إلى تركيا والبقاء فيها حتى 1946. تناول الدكتور فريد أسد الله هاتين الفترتين العصيبتين من حياة الشاعر في الفصل الثاني، وأكد على أن أشعار الغربه تختلف تماما عن قصائده الأولى فهي مليئة بالذكريات العاطفية تجاه الوطن والأصدقاء.

أما الفترة الثالثة والأخيرة من حياة الشاعر (1961-1946)، أي منذ رجوعه إلى وطنه ليبيا حتى أخر يوم لفظ فيه أنفاسه الأخيرة. ركز الدكتور فريد أسد الله في هذه الفصول الثلاثة على الموضوع الرئيسي الذي تناوله الشاعر في كل قصائدة، ألا وهو النضال العادل الذي خاضه الشعب العربي الليبي البطل من أجل الحريه والاستقلال. وقد عالج الباحث الجوانب الجماليه في شعر المهدي وعالمه الفني الشعري، وتناول أهم خصائص شعره التقليديه والتجديديه، ويرى أنه قال الشعر في المدح والوصف والرثاء والهجاء والغزل، إلا أن النضال القومي للشعب الليبي طغى على الموضوعات الأخرى في شعر المهدوي، فهو نادرا ما اهتم بالغزل بسبب التصاقه بالوضع السياسي الحاد. 

أعمال الكاتب الليبي على المصراتي في أطروحه استشراقيه*

دافعت المستشرقة السوفيتية ناتاليا سيرغيفنا فيتيسيفا عن أطروحتها الموسومه “أعمال الكاتب الليبي على مصطفى المصراتي” في نهاية مارس 1984 في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية/ موسكو.

وقد أشرفت المستعربه السوفيتيه المعروفة ف. ن. كيربيتشينكو على هذه الأطروحة وعينت كل من أ. أ. دوليننا (البروفيسوره في الكلية الشرقية/ لينينغراد) و”أ. ناميتوكوفا كمحكّمتين ومناقشتين علميتين للأطروحة”. لا بدّ  للقارىء من أن يشيد بجهود ناتاليا فيتيسيفا ونحن نتفق معها في تحديدها أسباب اختيار المصراتي بالذات، إذ تعتبره واحدًا من رواد الأدب الليبي الفني المعاصر وتحدد بداية نشاطه الإبداعي (من 1955 حتى وقتنا الحاضر) وهذه فترة ليست قصيرة بل غنية ومليئة بالأحداث والنشاطات الأدبية الكثيرة في ليبيا وفي العالم العربي. ولهذا بالذات فإن دراسة أكاديمية متكاملة عن المصراتي تستطيع أن تقدم صورة عن الأدب الليبي المعاصر كله. إضافة إلى ذلك فإن المصراتي كاتب محترف قدم ما يقرب الـ20 عملا من مختلف الأنواع الأدبية بدءاً من القصة وأنواع الكتابات الاجتماعية (الريبورتاج، أدب المذكرات) انتهاءً بالبحوث التاريخية والأدبية وهو ما يزال يمارس النشاط الأدبي حتى الوقت الحالي. كذلك يجب أن لا ننسى الموقف الوطني الذي اتخذه الكاتب منذ بداية حياته الأدبية والاجتماعية. وهكذا فإن الباحثه موفقه في اختيار أعمال المصراتي الأدبية كموضوع لأطروحتها وهي دقيقة في تحديد أهداف الدراسة التي يمكن تلخيصها كما يلي:

1- تحديد المصدر الذي استمد منه الكاتب أفكاره وتوضيح المؤثرات التي انعكست في أعماله.

2- دراسة أعماله التاريخية والنقدية الأدبية.

3- معالجة المضامين والأشكال الفنية التي طرحتها قصص الكاتب.

4- تحديد مكانة الكاتب في الأدب الليبي المعاصر.

واستخدمت الباحثه المنهج العلمي الموضوعي واسترشدت بمبادئ المذهب التاريخي في تحديدها مكانة الكاتب علي المصراتي في الأدب الليبي المعاصر، ولهذا نلاحظ أنها اتجهت إلى دراسة الخصائص التاريخية لتكوّن الأدب الليبي وتطوره، وحددت أهم مراحله وقارنت الظواهر الأدبية في ليبيا وفي الدول العربية الأخرى. ولقد أولت الباحثه أهمية كبيرة لمسائل مثل: ترسخ الفكر التنويري في ليبيا وتكون الخط الفكري لحركة التحررالوطني في ليبيا ودور المصراتي فيها باعتباره من المشاركين النشطين فيها. وبما أن الكاتب لعب دورا كبيرا في ترسخ نوع القصة القصيرة فلهذا درست الباحثه أصل هذا النوع ومراحل تطوره في الأدب الليبي المعاصر. وتعتبر الباحثه أن أعمال المصراتي لم تدرس بعد بما فيه الكفاية (باستثناء كتاب أحمد محمد عطيه) في ليبيا والاتحاد السوفييتي على حد سواء. وقد استفادت من كتاب أحمد محمد عطيه إضافة إلى كتاب الباحث الليبي نجم الدين الكيب، وخاصة من تلك المعلومات التي تخص سيرة حياة الكاتب. واستندت الباحثه أيضًا على آراء الكاتب التي أدلى بها في الأحاديث الشخصية مع الباحثه نفسها في فترة زيارتها لليبيا عدة مرات.

إن القيمة العلمية لهذه الأطروحة تكمن في كونها تطرح ولأول مرة في النقد الأدبي السوفيتي والأجنبي بل العربي، تاريخ الأدب الليبي منذ القرن السابع حتى وقتنا الحاضر. ومن الطبيعي أن تركز الباحثه على الأدب الليبي المعاصر وعلى ظواهره الفكرية والاجتماعية. ووضحت الباحثه بعض أوجه الشبه بين الأدب العربي في ليبيا وفي البلدان العربية الأخرى مثل تسييس الأدب والطابع التنويري في الإبداع الأدبي وتطور بعض الأنواع الأدبية بالذات (القصة القصيرة). ويلاحظ قارئ الأطروحة أن الباحثة استفادت من ضوابط الأدب المقارن في استنباط خصائص تطور الأدب الليبي بالذات في المرحلة الانتقالية مثل غياب المضامين الإكليريكية  وكثرة المضامين المعادية لأوروبا أو ما يسمى بالنزعة المعادية للأوربيين.

وهكذا ولأجل أن نقدم صورة متكاملة عن الأطروحة نرى من الضروري أن نتطرق بإيجاز إلى محتوى الدراسة حسب فصولها. تتألف الأطروحة من المقدمة وأربعة فصول:

1- الفصل الأول: “المراحل الأساسية لتطور الأدب الليبي العربي – تكون الفكر التنويري والأدب التنويري وترسخهما في ليبيا”.

2- العوامل الاجتماعية والثقافية التي أثرت على تكوين الأفكار الجمالية والسياسية عند على المصراتي.

3- نشاط الكاتب الأدبي والتنويري.

4- قصص الكاتب القصيرة. هذا وقد احتوت الأطروحة على خاتمه وفهرست بالمصادر الكثيرة وبمختلف اللغات.

كما سبق وأن قلنا بأن الباحثه كرست الفصل الأول لتاريخ الأدب الليبي ولا نريد هنا أن نتطرق بالتفصيل إلى محتواه بقدر ما نود أن نورد مراحل الأدب الليبي التي اقترحتها الباحثه وهي:

1- مرحلة الفتح العربي لليبيا حتى احتلالها من قبل العثمانيين (من القرن السابع حتى السادس عشر).

2- مرحلة الاحتلال التركي من القرن السادس عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر.

3- عصر اليقظة من نهاية القرن التاسع عشر حتى عام 1911.

4- مرحلة الاحتلال الإيطالي (1943-1911) والاحتلال الإنجليزي الفرنسي (1951-1943).

5- عصر النهضة (بعد حصول ليبيا على الاستقلال في عام 1951).

نعتقد أن أسماء المراحل تكفي بحد ذاتها لبيان مدى دقة هذا التقسيم التاريخي الذي يعتمد على الأحداث الكبيرة التي لعبت دورا كبيرا في حياة المجتمع الليبي والتي مارست حضورها المستمر فيه. ونرى أن الباحثة صوبت اهتمامها إلى عصر النهضة بالذات باعتباره يشكل الفترة التاريخية التي بدأ بها الكاتب علي المصراتي نشاطه الأدبي والتنويري. وتقسم ناتاليا فيتيسيفا هذه المرحلة (عصر النهضة) إلى قسمين: الأول يبدأ من الاستقلال الوطني عام 1651 حتى الستينات، أما الثاني فيبدأ من الستينات. ترى الباحثة أن القصة القصيرة ترسخت في هذه الفترة بتأثير من الكتابات الليبية التقليدية الشعبية والأدب العربي في مصر وفي الدول العربية الأخرى. وتبين ناتاليا فيتيسيفا أيضا السمه المميزة للأدب الليبي عن أداب المغرب العربي كلها، التي تجسد التمسك باللغة العربية والاعتداد بها فلم تُكتب القصة مثلا باللغة الإيطالية أوالفرنسية بل باللغة العربية الأم واستمرت النزعات المعادية للأوربيين (الاستعماريين) في ممارسة تأثيرها على الأدب الليبي المعاصر. وتَعتبرُ الباحثةُ فيتيسيفا أحمد الشارف وأحمد رفيق المهدوي وإبراهيم الأسطه عماره أهمَّ أدباء هذه الفترة.

تكرس الباحثة الفصل الثالث لحياة الكاتب ومنابعه الفكرية فتلاحظ أنه أحب الأدب والفولكلور والتاريخ منذ نعومة أظفاره إلا أنه نمي هذه الموهبه في “الغربة” إن جاز التعبير حيث درس في الأزهر ورجع من هناك عام 1948 وبدأ يمارس نشاطه ضمن حركة التحرر الوطني الليبية. وتحدد ناتاليا فيتيسيفا في هذا الفصل السمات التي تميز إبداع علي المصراتي ونلخصها هنا لأهميتها ولكونها تغني القارئ:

1- ساعد نشاط الكاتب التنويري على تعزيز النزعات الوحدوية العربية في الفكر الاجتماعي والسياسي الليبي.

2- حددت الحماسة الوطنية في المرحلة التنويرية اتجاه البحث الروحي ونوع الإبداع الذي كان مكرسا لموضوعه رئيسيه واحده وهي موضوعة الوطن، حيث يهتم الكاتب في أهم أعماله وبحوثه، بتاريخ الشعب الليبي وحضارته وعاداته وتقاليده ونضاله.

3- بدأ علي المصراتي حياته الأدبية ونشاطه التنويري بدراسة تاريخ الشعب الليبي وكرس ما يقارب 10 أعمال كبيرة لهذا الموضوع لكنه لم يكتب روايات تاريخية كما فعل جرجى زيدان في الشقيقة مصر بل عمل على كتابة أعماله بأسلوب مبسط.

4- تميز نشاط الكاتب بالاهتمام بالفولكلورالليبي. وخير مثال على الأعمال الفولكلورية يمكن أن نذكر: “جحا في ليبيا” و”المجتمع الليبي من خلال أمثاله وحكمه” وقسم من كتابه “غومه فارس الصحراء”.

5- اهتمامه بالنقد الأدبي. إن المحاولات الأولى في النقد الأدبي الليبي المعاصر مرتبطة باسم علي المصراتي. ويكفي القارئ أن يتذكر بحوث الكاتب عن الشعراء إبراهيم الاسطه عمر وأحمد الشارف ومصطفى بن ذكرى وغيرهم ليحكم بنفسه عن الدور الكبير الذي لعبه وما زال يلعبه الكاتب علي مصطفى المصراتي.

أما القسم الرابع فتكرسه ناتاليا فيتيسيفا لتحليل مجاميع الكاتب القصصية الأربعة: “المرسال” 1962 “الشراع الممزق” 1963 “حفنة رماد” 1964 “الشمس والغربال” 1977.

لقد استخدم الكاتب مختلف الأشكال لطرح مضامين قصصه، فقد اتسمت بعضها باهتمامها بالحبكة فقط بينما أخذت القصص الأخرى طابع الاهجية السياسية أو السكيتش (حوارات) مما يقربها إلى الدراما المسرحية. وتوجد مجموعة أخرى من القصص تنتمي إلى القصة النفسية. وتشير الباحثة إلى تأثير الأدب المصري على أعمال علي المصراتي، وخاصة طه حسين والأخوين تيمور وتوفيق الحكيم، ولهذا فليس من الغريب أن نجد في أعمال الكاتب نفس الموضوعات المطروقة سابقًا من قبل الكتاب المصريين وهذه سمة يتسم بها أكثر الكتاب العرب. وحللت الباحثة بالتفصيل كل القصص من مختلف الجوانب ولا نرى ضرورة في عرضها بقدر ما نقترح ترجمتها إلى العربية. أخيرا لا يسعنا في نهاية المقال إلا ونقدم شكرنا للباحثة على اهتمامها بأدبنا العربي في ليبيا ونرجو من الاختصاصيين أن يولوا اهتماما كبيرا بمثل هذه الدراسات لما لها أهمية في ثقافتنا العربية المعاصرة.

***

الدكتور زهير ياسين شليبه

.........................

*نُشر المقال في مجلة الفصول الأربعة، العدد 27، ربيع الأول 1394، ديسمبر 1984

 

في المثقف اليوم