قراءات نقدية
جمعة عبد الله: المرأة والحياة في المجموعة الشعرية (رابط لأغنية ساحرة) الشاعرة سمرقند الجابري
الشاعرة تملك لون شعري مختلف عن المألوف، واسلوب متميز في اللغة الشعرية بين التشديد والليونة الشفافة، تجمعها في بوتقة واحدة، في الخلق والتكوين النص الشعري من حيث (الصياغة والتعبير والرؤية الفكرية) أي تنطق وتتكلم من مشاعرها ووجدانها الداخلي، في خلطة كيميائية، نتيجة صراعات ناشبة بين الداخل والخارج، أو أنها إفرازات مديات الحياة والواقع والوجود، إن تكون المرأة في حالة حذرة، متهيئة نفسياً لكل حادث وطارئ. ولهذا نجد زفيرها الشعري منطلقاً من أعماق احاسيسها الوجدانية، بالبوح العاصف في الخيال والتصور والرؤى، في انفعالاتها العاطفية الملتهبة، امرأة لن تساوم على كيانها ووجودها، حتى في حالة الحب والعشق، نتيجة تقلبات مفردات الحياة، التي هي في صراع دائم على البقاء، لذلك ترتقي الى مستوى التحديات للمرأة، وهي تجد نفسها في عواصف هائجة في الانتهاك وسلب انسانيتها وتهميش فعلها. ومن هذا المنطلق نجد صيغة النص الشعري، هو متفجر من الداخل ويطفو على السطح، بكل التحديات والمواجهة، إنها باختصار امرأة فعل ورد فعل، وغير مسكونة لحالة الانصياع والتخاذل، بل تجد انها نداً قوياً في المجابهة والتحدي والتمرد، هذه القيمة المستخلصة في أسلوبها الشعري في قصائد المجموعة الشعرية، تضعنا أمام حالة صراع بين قطبين، في عملية إفراغ بما يجيش ويغلى في داخلها، امرأة صعبة وعصية ومتمردة، ولكنها في نفس الوقت عاطفية و حالمة بالحب كالفراشة، انها على مستوى الفعل، في المواجهة والتحدي والتمرد، انها باختصار شديد تحرص ان تملك كيان ووجود مستقل، ويتأهب لكل حادث حديث، والنص الشعري هو وسيلة للتعبير عن نفسها و جوانحها الداخلية بين امرأة متمردة، امرأة حالمة، انها تحلق في المنظور الشعري بين الطرفي الصراع ، كأنها تحلق في السماء الشعرية بجناحين مختلفين تماماً عن بعضهما البعض في المعادلة الحياتية، أو أنها مشطورة بين قطبين، ففي حلة الوجع نجد التشاؤم يغلف روحها ومعاناتها.
عن أيّ وجعٍ تتحدثُ؟
وكلّ قصةٍ مغمسةٍ بالدمِ،
أفركُها بينَ أصابِعي
بعكس عقاربِ الساعةِ
بكُلِ صَبرٍ، وبرودةِ أعصابٍ.
ورُبما... أغني،
وأنا أكِّورُ أوجاع الشهرِ الماضي،
أو كوابيسَ الشهرِ الاخيرِ من عامٍ ولّى.
كراتٌ ملونةٌ،
بحجمِ ليمونةٍ خضراءَ.
لكنها في حالة التفاؤل، نجدها امرأة اخرى من مطر الحب والعشق، امرأة عاطفية من الحرير العاطفة، أو في داخلها إمرأة اخرى رقيقة وحالمة في عشب العشق والعشاق.
إنها تمطر الان،
أيها العشاقُ...
تذكروا حبيباتَكم برسالةٍ
إبعثوا لهنَّ رابطاً لأغنيةٍ ساحرةً
مع عبارةٍ جميلةٍ
مع أمنيةِ أن (تظلّا معاً)
أو عبارة اعتذارٍ عن كلمةٍ جارحةٍ
سقطت سهوا ذاتَ يومٍ
أيها العشاقُ...
إنكم تخطؤون في حقِّنا دائِماً
ونسامحكم
يا صديقي المطرُ
أطِل هطولَكَ
كي تمنحَهُم فرصة أخرى
للمرةِ الألفِ..
هذا التناقض المتوتر يجعلها في حالة يقظة دائمة، لأنها مسكونة في امرأة اخرى في داخلها، إمرأة من نار، تصرخ وتخاف وتخشى منها بحذر، تتمرد عليها،تلعب بها بين النار الملتهبة، والماء البارد الذي يطفيء غليانها وترقص لها كالغجرية، تحاول ان تداعبها وتبتسم لها، خشية من تتفجر نزواتها الحادة.
إمرأة من نار تَجلدني
تعـوي في أعماقي منتفضة
تُخرجُ أصابعَها من أنفي
وتَجري راكضة للغابـة
لا أتبعها،
لا أقـفُ بوجهِ زئيرِ اللبوة
أقفٌ متفرجةً على خدوشِ أظافرها في الصخر
أبتسمُ بخبثٍ حين أراها تسّبُ أباهم
أو ترقص كالغجرية،
حين يفارقها وجهك
أخاف تلك المرأة التي أكبتها
أحدثها برفق،
إمرأة متأهبة لكل الاحتمالات السيئة والاسوأ، من أجل حقها في الحياة والحب، ترفض الغيوم السوداء قبل هبوطها،انها في حالة تأزم كالحياة المتأزمة بذاتها، كحالة بغداد المأزومة، كالنساء المضنيات في شقاء الحياة وعسرها، كالأمهات المخلوقات من ماء الكوثر، تحب الوجوه التي يحبها الله، نجت من الموت خمس مرات، لتعود لحقها في الحياة والحب.
أهنئ نفسي،
فلقد نجوت من الموت خمس مرات
وعدت لحياة من حقي
صرت، أتنبأ بالحب
وأقبلُ الغيماتَ قبلَ هطولِها
وأمازحَ أطفالاً ليسوا لي
وأشعرُ بالأشياءِ قبلَ حدوثِها.
فأنا يا بغداد...
أعرفُ حكايا عن النساءِ المضيئاتِ
عن الأمهاتِ المخلوقاتِ من ماءِ الكوثرِ
وأعرفُ من بعيدٍ،
الوجوهَ التي يُحبُها الله.
انها امرأة عصية ومتمردة، كأنها في حالة استنفار شديد، أو حالة حرب، في رأسها معسكر تدريب وجنود ثائرون، ونساء كادحات،
في رأسي دائِماً...
معسكرُ تدريبٍ،
وجنودُ ثائرون
نساءُ كادِحاتٌ
وأطفالٌ يتشاجروَن بوقاحة
عجائزَ يعرفِن عن ظهرِ قلبٍ،
كل حكايا الحياة.
أما وجهي...
ليس سوى تخطيطٍ سريعٍ
لإمرأةٍ متمردةٍ.
لكن من جهة اخرى نجدها امرأة عاطفية حالمة، كالفراشة تلعب بين أزهار الحب، تتشاجر كالساسة، وتتصالح كالعصافير، وتلعب كالطفلة البريئة، ترتبك وتخاف، أي أنها عاشقة من حرير الحب.
نتشاجرُ كالساسةِ،
نتصالحُ كالعصافيرِ،
نفكرُ ببعضِنا كالأمهاتِ،
نذهبُ للسيِنما كالأصدقاءِ،
نلعبُ سويةً كالأرانبِ،
نرتبكُ من الحبِ كالأطفالِ،
***
جمعة عبدالله