قراءات نقدية

أمجد نجم الزيدي: تمثلات الهوية الثقافية في الشعر

المكان وشخصياته في (عن الشط وأهله) لمعن غالب سباح

تُعد النصوص الشعرية التي ترتبط بالمكان وشخصياته، انعكاسا للهوية الثقافية والسياقات الاجتماعية التي تنبثق منها، ولا يُقدَّم المكان في هذه النصوص بوصفه مجرد إطار مكاني، أو خلفية للأحداث، بل يتحول إلى كيان مشبع بالرموز الثقافية والتاريخية التي تُساهم في تشكيل هوية الشخصيات التي تتفاعل معه، إذ يُنظر إليه كتمثيل للخصوصية الثقافية.

ففي النصوص الشعرية المرتبطة بالمكان، يتم إضفاء طابع رمزي على الشخصيات التي تنبثق منه، لتصبح بمثابة تمثيل رمزي للهوية الجمعية، وحاملة للتراث الثقافي والتاريخي، ويُصبح المكان جزءاً لا يتجزأ من تكوين الشخصية داخل النص الشعري، حيث يعبر عن انتمائها الثقافي وعن تجربتها الفردية التي تعكس بدورها البنية الاجتماعية للمكان ذاته، إنَّ هذا التفاعل بين الشخصية والمكان يفتح النص الشعري على أبعاد ثقافية عميقة، ويخلق صلات متشابكة بين الذات الفردية والهوية الجمعية.

ومن تلك النصوص ما قدمه الشاعر معن غالب سباح في مجموعته الشعرية (عن الشط وأهله- نصوص عن الشامية العظيمة وأهلها الشرفاء) الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عام 2021، إذ يمكن النظر اليها من زاوية كيفية تقديمها لشخصيات معروفة داخل المدينة، وهي مدينة الشامية في محافظة الديوانية العراقية، باعتبارها رموزاً ثقافية تمثل قيماً اجتماعية محددة، حيث اطلقت الدكتورة ناهضة ستار على هذا النوع من النصوص في تقديمها للمجموعة بـ (النصية الإنسامكانية) (عن الشط وأهله: 10) حيث يعكس هذا التناول كيف يعمل الشاعر على تحويل الشخصيات إلى مرآة تعكس هوية المكان، مستفيداً من التقاليد والقيم المحلية التي يحملها كل فرد، كذلك، تصبح المدينة نفسها عنصراً فاعلاً في تشكيل الشخصيات، إذ تتخذ أبعادها الثقافية والتاريخية دوراً مركزياً في توجيه الأحداث وتكوين العلاقات، ففي نص يحمل عنوان (الأب "عليه السلام" السيد صاحب الشرع والد الشامية) يقول الشاعر:

ياااااا أبا الشهداء

جعفرُ ومحمدُ وتوفيق

شاميتُكَ

أجملُ ما فيها

أنّها إلى الآن

تَصدُقُ حينما

يُقسِمُ أبناؤها بك

وحنّاءُ امهاتهِا

وهنَّ يطبعْنَ الزغاريدَ

في ديوانِكَ نذوراً

لطلبٍ مقبول

تحبُّكَ

حدَّ انغماسِ الروحِ

وذوبانِ النفسِ

في طريقِ

الربِّ الرحيم

بالنسبة للقارئ من أبناء المدينة المطلع على تفاصيل المكان وشخصياته، تكون هذه الدلالات واضحة ومباشرة، حيث تتطابق معرفته الشخصية بالمكان والشخصيات مع ما يقدمه النص، أما القارئ الخارجي، الذي لا يمتلك الخلفية الثقافية عن المدينة وشخصياتها، يجد نفسه أمام تحدٍ في فهم الرموز والتأويلات الثقافية، لذا يستند التأويل إلى مدى معرفة القارئ بالتفاصيل الثقافية والاجتماعية التي تُثري النص، مما يخلق تبايناً في تلقي النصوص وتفسير دلالاتها بحسب الخلفيات الثقافية المختلفة للقراء، وفي نص أخر (حنوف –عطر الشامية الأصيل/ أبو عايد جايك واصل)، يقول:

النقاءُ سجيّة

والأيّامُ

شواهدُ المدّعين

الكرمُ

بقَدَرِ ما تستطيع

لا بما تَملك

حنوفُ

يا شرفَ الفقرِ

وساحاتِ البذلِ النبيل …

يا لطولك الشاهق

رغم القصر

وأنتَ وجهٌ لعملةٍ أخرى

هي أخوكَ التوأمُ إدريس

تحبانِ البراءةَ

و تمنحان ابتسامةً

تفتقتْ من قلبِ نخلةٍ

عاشقة

تُظهر مجموعة "عن الشط وأهله" للشاعر معن غالب سباح بوضوح أن النصوص الشعرية المرتبطة بالمكان ليست مجرد تعبير عن إحساس جغرافي، بل تتجاوز ذلك لتصبح تمثيلات ثقافية تعكس عمق الهوية الجماعية والفردية في تفاعلها مع السياقات الاجتماعية والتاريخية، فالتحول الرمزي للشخصيات والمكان في هذه النصوص يفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية توظيف الشعر في صياغة الهويات الثقافية، حيث تتشابك الدلالات بين الماضي والحاضر، الفرد والجماعة، مما يخلق بنية ثقافية تتجاوز حدود الزمان والمكان، من هنا، يمكن القول إنَّ هذه النصوص تُساهم في إثراء دراسات النقد الثقافي، بفضل قدرتها على تقديم رؤى متعددة الأبعاد تعكس والتحولات التي يشهدها الواقع الاجتماعي والهوية الثقافية في آن واحد.

***

أمجد نجم الزيدي

 

في المثقف اليوم