قراءات نقدية
كريم عبد الله: قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة "النهر اليابس" للشاعر رياض الكاتب

قصيدة /النهر اليابس/ للشاعر العراقي رياض الكاتب تتسم بأسلوب شعري يجمع بين الرمزية والوجدانية، وتعرض تصويرًا مؤلمًا لواقع قريته المنكوبة، حيث يتداخل فيها الألم والموت والحياة. نرصد في القصيدة عدة جوانب أسلوبية ونقدية يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1. استخدام الرمزية:
النهر اليابس في العنوان والمفردات الأخرى مثل /المرايا/، /السنين العجاف/، و/الصقيع/ ليست مجرد صور طبيعية، بل تمثل حالة من القحط الروحي والوجودي، حيث يصبح النهر الذي كان مصدر حياة ومصدر خصب، يابسًا، في إشارة إلى ضياع الأمل والجفاف المعنوي. النهر اليابس يشير إلى موت الأحلام وآمال الناس في ظل الحروب والمحن التي تعرضت لها المنطقة.
2. التراكيب البلاغية:
تمثل القصيدة مجموعة من التراكيب البلاغية الموحية التي تخلق إيقاعًا شعريًا خاصًا، مثل /شتاء صيفي/ و/غيمة بلا مطر/. هذه التناقضات تثير تساؤلات حول ماهية الزمن والمكان، وتظهر كيف أن الأشياء التي يفترض أن تكون متناقضة تصبح في الواقع جزءًا من واقع واحد غير طبيعي. كما أن استخدام /غيمة بلا مطر/ يوحي بالفراغ والعجز.
3. الصور الشعرية:
القصيدة مليئة بالصور الشعرية التي تخلق حسًا بصريًا وذاتيًا عميقًا. مثلًا، /لوحة على جدار التراب في شارع الشمس/ و/ثوب قريتي الأخضر/ تحمل دلالات قوية على الارتباط بالطبيعة والتراب كمكان تاريخي وثقافي، لكنها أيضًا تمثل فقدانًا للزمن الجميل. هذا التصوير يمنح القارئ إحساسًا بالزمن المنقضي، ويثير الأسئلة حول معنى الهوية والوطن.
4. الإيقاع الداخلي:
القصيدة تتسم بإيقاع داخلي مشدود يعكس التوترات النفسية للراوي والشخصيات. تتداخل المفردات والمجازات مثل /زمن الحداثة/ و/فصل واحد/ للإشارة إلى تشظي الزمن وفقدان انسجامه. هذا التشظي يظهر من خلال الاستخدام المكثف للصور السريعة والمجزأة، التي تجسد حالة من التمزق في الذاكرة والتاريخ.
5. التأثير العاطفي والوجداني:
القصيدة تنضح بالحزن والأسى، حيث تُصور بمرارة ضياع ملامح الحياة الماضية في قريته، سواء من خلال اختفاء النهر أو موت الطيور المهاجرة. هذه الرموز تشير إلى الافتقاد للأصالة والهوية في ظل ظروف قاسية.
6. الأبعاد الاجتماعية والسياسية:
في خلفية القصيدة، هناك إشارة واضحة إلى المعاناة الاجتماعية والسياسية للعراق والمنطقة العربية، كما يتضح من ذكر /الزهور الشهداء/ و/المبازل/ و/التمور/ التي تمثل واقعًا مأساويًا من الحروب والمجاعات والنزاعات. عبر هذه الصور، يعكس الشاعر تأثيرات هذه الأوضاع على المجتمعات البسيطة، حيث يندمج الألم الشخصي في صورة جماعية.
الختام:
قصيدة /النهر اليابس/ للشاعر رياض الكاتب تعكس ببراعة صورة مجتمع يواجه الجفاف الروحي والوجودي، من خلال لغة رمزية غنية بالصور الشعرية التي تثير في القارئ مشاعر الأسى والرفض. ومن خلال التفاعل بين الزمان والمكان، يبرز الشاعر صورة من صور المعاناة الإنسانية في ظل العوامل الاجتماعية والسياسية، مما يجعل القصيدة نموذجًا للأدب الذي ينطلق من خصوصية المكان نحو التعميم الإنساني.
***
بقلم: كريم عبد الله - العراق
...........................
النهر اليابس
في زحمة المرايا جلست قريتي تمشط نخلها على ضفاف النهر اليابس، تحيط بها سنين عجاف ولوحة على جدار التراب في شارع الشمس مرسوم فيها زهور الشهداء، واقف على اعتاب الباب شتاء صيفي يرتدي غيمة بلا مطر وصقيع صلاحيته نافذة مذ دخل الجفاف، قباب الطين مازال اثرها في اقدام المجالس ونكهة العفوية عطرها يغطي الناحية القديمة في ثوب قريتي الاخضر، مواسم (الطيور المهاجرة) والاكواخ الخشبية ورائحة العنبر بين امواج النهر تمتطي هبوب الريح ، جمعتها الاهوار في صورة جنوبية تشبه العقال وعباءة ثلجية يرتديها المالك الحزين عندما يبحث عن بركة من بقايا المبازل، ثمة طقوس تشرينية على منافذ دروب السماء امطرت سوادا في نواحي الذكرى، امسية التمور استهلها البرحي بقراءة سورة الالوان صفقت جميع الفصول في زمن الحداثة ما عاد في لباسها فصل واحد، هناك الف اغنية جمعتها قريتي في قرص واحد كلها تندب ذلك النهر اليابس.
***
رياض الكاتب – العراق