قراءات نقدية
عصام الشرتح: المحمول الجمالي في قصائد وهيب عجمي
لاشك في أن لكل نص شعري مثيراته النصية، ومحمولاته الإبداعية ومحفزاته النصية، لأن الشعرية – بالأساس- كتلة متحولات ومتغيرات ومحمولات جمالية تبثها القصيدة على مستوى الكلمة والكلمة، والجملة والجملة، ناهيك عن إيقاعها التآلفي الترابطي الذي يدلل على أن البنية النصية الشعرية بنية متكاملة إحساساً وفاعلية رؤيوية تحفيزية نصية ترتقي درجات من الاستثارة والتحفيز النصي.
وتختلف شعرية المحمولات الجمالية من شاعر إلى شاعر، ومن نص شعري إلى نص شعري آخر، تبعاً لفاعلية المحمولات الجمالية، ومؤثرات النسق الشعري، وهذا يعني أن فاعلية المحولات الجمالية متغيرة في حد ذاتها ومختلفة من نص إلى آخر، ومن رؤية نصية إلى أخرى تبعاً لمثيرات التوابع النصية التي ترتبط بالأثر الجمالي الذي تخلفه المحمولات النصية فيما بينها، وبما أن المحمولات الجمالية كتل متغيرات ومؤثرات مختلفة فيما بينها، فإن ما يثيرها على المستوى الجمالي تفاعل هذه المحولات فيما بينها لتحقق قيمة جمالية تملك مؤشرها الجمالي البليغ، وخصوصيتها الإبداعية الخلاقة.
والشاعر في محمولاته الجمالية يتقصى أقصى درجة الانزياحات الأسلوبية والدلالية في خلق الاستثارة الجمالية، " فالشاعر يستخدم الكلمات كنقطة انطلاق لموجات تعبيرية، وتراكيب دلالية متلاحقة، وهي تستقطب استراتيجيات بنائية متنوعة؛ هذه الاستراتيجيات محققة في الصور المجازية من استعارة، وتشبيه، ورموز، لها سلطة النسق وطاقاته المحققة في العلاقات الداخلية التي تفتح النص على آفق التأويل؛ وهو العمل الحركي للدلالة التي ترسم منحنيات معرفية مختلفة، تندرج في فك مغاليقها المرصودة القراءات المتتالية، ولما كان تعامل الشاعر مع الكلمات يميل إلى الرغبة في تجاوز المعاني المباشرة، ويستهدف الجهر بأسرارها فإنها تلهم بتحريض جامع على هندسة الخطاب في أنساق هي موئل القيم الجمالية للنص؛ وعليه، فالانزياح مقوم هام لتحديد جمالية النص الشعري من خلال تجاوزه العادات الكتابية والقوانين المعجمية، وبذلك يكون الانفلات من سلطة المألوف والمعتاد عليه، لتحقيق هدف جمالي على مستوى البناء والدلالة"(1).
وبتصورنا النقدي: إن الإبداع الشعري المميز ينطوي على محمولاته الجمالية المميزة التي تأتي غاية في الاستثارة والجمالية والإيحاء، ولا يمكن أن يخلو نص شعري إبداعي حقيقي من محمولاته البليغة التي تثير الحساسية الجمالية، ولهذا، تتعدد سبل الجمالية الشعرية بتعدد المحمولات الجمالية وإثارة متغيراتها الأسلوبية.
ومن يطلع على البنية التشكيلية العلائقية لقصائد العجمي يدرك أن المحمولات الجمالية تتأسس على كل ما يثير الشعرية من مظاهر استثارية خلاقة على مستوى الكلمات والجمل ومؤشرات الدلالة، ناهيك عن الوعي الجمالي في خلق اللغة الشعرية وإبراز ناتجها الجمالي،
ولعل أبرز المحمولات الجمالية التي تشكل مرتكز قصائده على المستوى الإبداعي الجمالي نجملها في المحمولات التالية:
أولاً- المحمول الجمالي الصوتي:
لاشك في أن للمحمول الجمالي الصوتي أثره البالغ في لغة الشعر، لأن الأصوات المتناغمة في بنية القصيدة تثير الرؤية الشعرية، وتحقق النغمات الشعرية المموسقة التي تربط الكلمات وأصواتها بإيقاع جمالي تحفيزي استثاري، يولد النغمات والانسجامات الصوتية المتناغمة، التي تحقق الاستثارة والجمال.
والسؤال المهم: ماهي مثيرات المحمول الجمالي في قصائد العجمي على المستوى الصوتي؟ وهل هي مثيرات صوتية تقفوية أم مثيرات تشكيلية تحققها القصيدة على المستوى الجمالي؟.
إن من يطلع على قصائد العجمي يدرك أن الشاعر يهندس أصوات قصائده هندسة لفظية، لاسيما على مستوى القوافي، إذ تأتي الأصوات الشعرية قمة في الاستثارة، والوعي، والتحفيز الجمالي، إذ إن التوليف الجمالي بين الكلمات، على مستوى الأصوات يدلل على بلاغة الرؤية الجمالية في تحفيز الأنساق الشعرية، وخلق مزاوجاتها الصوتية المؤثرة. يقول وهيب عجمي:
" مساؤكم مصابيحٌ وعشقُ
وبوحُ القلبِ في سمرِ الليالي
*
نهارٌ تحتَ جنحِ الليلِ يغفو
وسهرةُ نجمةٍ عند الهلالِ
*
ووقفة ُ جدةٍ قامتْ تصلي
على همساتِ أوراق الدوالي
*
وعصفورٌ هوى في قلب عشٍّ
تغازلهٌ نسيماتُ الظلال
*
نجومٌ فأقمارٌ وأنس
ودالية ٌ تسيرُ على الحبالِ
*
أسلي الليلَ والإصباحَ أصحو
وأنتم فرحتي وهدوء بالي"(2).
لابد من الإشارة بداية إلى أن شعرية المحمول الجمالي الصوتي تتأتى من فاعلية الأصوات المتجاورة والإيقاعات النغمية الصوتية المكتسبة من خلال فاعلية هذه العلاقة في السياق، كما في التآلف الصوتي القائم في الشطر الأول من خلال انسجام المد مع التنوين وإحداث الإيقاع الصوتي المموسق على مستوى الأصوات والكلمات والجمل (مساؤكم مصابيحٌ وعشقُ) فقد جاء التناغم الصوتي عبر تفاعل التنوين مع المد في قوله: (مصابيحٌ)، ثم تفاعل الضم مع المد في قوله (مساؤكم)، ثم خلق قيمة إيقاعية تجاورية أشعلت شعرية التجاور والمحمول الجمالي الصوتي النشط الذي أتبعه بقوله (وعشق)، وكأن الشطر الأول بانسياب محمولاته الصوتية قد خلق تقفية جمالية يمكن الوقوف عليها، ثم أتبع الشطر الأول بالشطر الثاني الذي اتبع نفس فاعلية المحمول بتناغم الضم مع الكسر، وهذا الانزلاق الصوتي من التنوين إلى الكسر جاء متناسباً جمالياً مع المد والضم في الشطر الأول ليعلن الشاعر إفضاء مشاعره وبثها بعمق للقارئ ليتحثث زفراته العاطفية المنكسرة المحمومة.
واللافت أن المحمول الجمالي الصوتي تتابع بهذه الهندسة النغمية المنظمة لإيقاعات القصيدة، وكأن التنوين بالضم قد أعطى الأبيات نغمات صوتية مضاعفة زادت الحركة الجمالية التجاورية قيمة في تحفيز القصيدة، لتسمو وترتقي جمالياً، كما في قوله:
نجومٌ فأقمارٌ وأنس
ودالية ٌ تسيرُ على الحبالِ
هنا، جاء المحمول الصوتي بالتنوين المتتابع مع المد ليمنح القصيدة هندسنها النغمية الخاصة التي تخلق المتعة والانسيابية والأنس الجمالي على مستوى الكلمات، لاسيما بتتابع العطف وتواليه ليعكس هذه الحركة الجمالية في الإيقاع ليتمتع بها القارئ، ويتلذذ بوقع التنوين والضم وتتابع المد كحالة شعورية هيجانية تثير العواطف الغزلية، وتحرك النسق الشعري بفاعلية إيحائية وأنغام منسجمة متآلفة تظهر في بنية الكلمات نفسها وعلاقتها بما حولها( نجومٌ فأقمارٌ وأنسُ) وهذا الوقوف على الضم في الشطر الأول أعاد التوازن إلى القصيدة ليكون هذا البيت إيقاعاً تابعاً جمالياً للبيت الاستهلالي، وكأنه يمثل دورة إيقاعية ثم عودة إلى النغم الأول، وبذلك يحرك الأنساق الشعرية صوتياً بإيقاعات متواشجة تزيد فاعلية البث الشعوري المنكسر والإحساس بالحنين للمحبوبة وذويها، أي إن الشاعر يحرك الإيقاعات الصوتية من نسق الكلمات ذاتها من جهة، ومن ترابطها مع بعضها بعضاً بعلاقات تفاعلية تجاورية منغمة من جهة ثانية، وهو بذلك يؤكد شعرية المحمول الجمالي الصوتي في تحريك الشعرية والإحساس الجمالي بالأبيات، من خلال علاقة المجاورة والروابط النسقية المنسجمة فيما بينها في خلق هذه الانسيابية الجمالية على مستوى الكلمات، وإبراز حيوية النسق الشعري الذي يتضمنها.
والملاحظ أن شعرية المحمول الجمالي الصوتي تتأتى من فاعلية الأصوات ونشاطها ضمن النسق الشعري، وبمقدار براعة الشاعر في استثارة محمولاته النسقية الصوتية تزداد الأصوات فيما بينها قيمة جمالية تحفيزية في خلق الاستثارة والجمالية في الأبيات، لتحقق تناغمها الآسر وتفاعلها الصوتي العجيب، كما في قوله:
" قصدتُ جُنينَة َ الأشعارِ صبحاً
لأقطفَ ما تيسرَ من نصيبي
*
فصرتُ أُداعبُ الأزهارَ عشقاً
وأعصرها بقافيتي وكوبي
*
وأصدحُ كالكنارِ على سطوري
غناءَ العشقِ في الزمنِ الغريبِ
*
وأسكبُ روحَ أشعاري بكأسٍ
أقدمها لمن أهوى بطيبِ
*
كرومُ الشعرِ في المحبوبِ تزهو
وكل الحسنِ في ثوبِ الحبيبِ
*
تسيرُ حبيبتي حرفاً فحرفاً
وبرقُ الحرفِ يلمعُ في الدروبِ"(3)
لابد من الإشارة بداية إلى أن بلاغة المحمول الجمالي الصوتي في قصائد العجمي تتمثل في هذه التناغمات والمجاذبات الصوتية المتآلفة ضمن قرائن التشكيل وعلائق المجاورة بين الأنساق لتكتسب الشعرية قيمتها واستعلائها النصي بفاعلية هذه القرائن والروابط بين الكلمات وانسجامها في خلق التآلفات الصوتية الموفقة والمجاذبات الصوتية البليغة، كما في هذا التفاعل العلائقي العجيب على مستوى بلاغة المحمولات الصوتية المتجانسة فيما بينها (صبحاً- عشقاً – حرفاً) ليخلق حركة انسجامية صوتية تفاعلية تعضد فاعلية الموازاة الصوتية بين الكلمات والأبيات الشعرية، وتحقق- في الآن نفسه- التجانس الرهيف بين الكلمات لاسيما بالفاعلية الصوتية الموقعة في بنية القوافي الشعرية: (نصيبي- كوبي- الغريب- بطيب- الحبيب- الدروب)، ناهيك عن الإيقاعات الصوتية المتجانسة التي تحققها الكلمات الفعلية بتواليها وحركتها الإيقاعية النشطة (أقطف – أداعب- أعصر- أصدح-أسكب- أقدم)، وكلها جاءت في صيغة المضارعة معتمدة ضمير المتكلم، وهذا أحدث استعلاء القيمة الجمالية المتآلفة في النسق الشعري، ليرتقي المحمول الجمالي الصوتي قيمة واستثارة جمالية في القصيدة.
وصفوة القول: إن لقصائد العجمي هندستها الصوتية على مستوى بلاغة محمولاتها الصوتية وانسجام الأصوات فيما بينها، سواء أكانت منبعثة من بنية الكلمات ذاتها أم من خلال المجاورة الصوتية التي تربط الكلمات فيما بينها، وهذا دليل أن الشعرية تمثل في قصائد العجمي شعرية تلاحمية تفاعلية على مستوى الأصوات والكلمات وانسجامها، فحتى للتنوين أثره الصوتي في خلق هندستها الصوتية المتوازنة التي تزيد شعرية الأبيات قيمة واستثارة جمالية.
وبتقديرنا: إن بلاغة المحمولات الجمالية الصوتية في قصائد العجمي ترتد إلى فاعلية الرؤيا الجمالية والهندسة الإيقاعية في تشكيل الكلمات والربط فيما بينها، لتبرز الإيقاعات الصوتية بقوة في كل نسق شعري في قصائد، فلا تجد نشوزاً أو انكساراً في الإيقاعات الصوتية في قصائده معلناً عن حركة تفاعلية انسجامية تربط الأنساق الشعرية بقوة، وتخلق مؤشرها الصوتي البليغ، وهذا ما يحسب لقصائد العجمي في حركتها وانسيابها الجمالي على مستوى محمولاتها الصوتية الجمالية بالانتقال من نسق صوتي إلى آخر، وكأن كل نقلة صوتية مهندسة ومحسوبة بدقة فلا تجري جذافاً وإنما عن وعي جمالي وحراك صوتي مموسق غاية في البلاغة والاستثارة والتأثير.
ثانياً- المحمول الجمالي الانزياحي
يعد الشعر الفن الجمالي الأبرز الذي يفتح باب المحمولات الجمالية الانزياحية في التشكيل، لأن متعة الشعر في اختراقه وكسره لكل ما هو تقليدي أو نمطي في التشكيل، ولهذا يبقى الشعر الفن الجمالي العصي عن التنميط والتقعيد، لأنه المتغير دوماً في أساليبه ورؤاه كما الحياة، ولابد حيال ذلك أن يحتفي الشعر بكل ما هو جديد وانبثاقي ومستقبلي في الحياة، ولا يمكن أن يسمو الشعر، ويرتقي إلا من جانب الإبداع والابتكار والتجدد الدائم في أساليبه ورؤاه ومنظوراته الإبداعية. ولهذا يقول أحمد محمد ويس:" إن الانزياح استنطاق غير عقلي للغة، يتملص من المعاني القربية التي تبوح بها المفردات. والشعر يمتلك بنية لغوية خاصة تعبر عن الأفكار والأشياء بطريقة غير مباشرة، لأنها تقول شيئاً وتعني شيئاً آخر"(4).
أي إن الشعر تملص من المعاني القريبة إلى المعاني البعيدة، وما يعنيه أبعد مما تدل عليه الكلمات، وبهذا المعنى قرن الويس الانزياح بالدلالة وربطه ربطاً ملاصقاً بالدلالات وتناسى القيمة الجمالية للانزياح في خلق الاستثارة واللذة الجمالية في الشعر، فثمة انزياحات شعرية مائة بالمائة لايمكن تناسي دورها وفاعليتها في اللغة الشعرية، من حيث البكارة والاستثارة والقيمة الشعرية أو الشاعرية التي تحققها القصيدة في بنيتها النصية.
والسؤال المهم الذي نطرحه على خارطة التداول النقدي:هل ثمة شعرية أو بلاغة خاصة في المحمولات الجمالية الانزياحية في قصائد العجمي؟
وهل محمولاته الانزياحية شعرية أو محققة للإثارة الشعرية في قصائده؟
وهل ثمة تخطيط جمالي وحنكة جمالية في استثارة الأنساق الشعرية في قصائد العجمي؟
إن من يطلع على قصائد العجمي يدرك أن المحمول الجمالي الانزياحي يحقق قيمة عظمى في أنساقها الشعرية، إذ إن الانزياح بؤري تكويني في استثارة المحمول الجمالي، لدرجة أن الأنساق التشكيلية الوصفية المنزاحة تدل على غنى الشعرية في قصائده، من حيث تلوين الدلالات والرؤى الشعرية لتحقق قيمة جمالية بؤرية في تشكيلها تنم عن خبرة جمالية وإحساس إبداعي خلاق.كما في قوله:
" شكوتُ للعشقِ كم عانيتُ في سهري
والعشقُ يشكو ليالي الشوقِ للشاكي
*
رسمتُ وجهكِ شعراً عبر قافيتي
وما بلغتُ مع الإبداعِ مرماكِ
*
بسطركِ الحرفُ في أهدابهِ اشتعلتْ
روحُ البلاغة لما القلبُ ناداكِ
*
إن غبتِ عني فأنتِ النبضُ في رئتي
وفي غيابكِ كلُّ العيدِ ذكراك"(5).
لابد من الإشارة بداية إلى أن المحمول الجمالي الانزياحي- في قصائد العجمي- يتأتى من بلاغة الصور المنزاحة وقيمتها التصويرية الخلاقة بمعانيها ورؤاها، إذ يستشعر القارئ المتعة الجمالية في المحمولات التصويرية المباغتة التالية:[ والعشق يشكو ليالي الشوق للشاكي- بسطرك الحرف في أهدابه اشتعلت روح البلاغة]؛ فالقارئ يتحثث المحمول الجمالي الانزياحي في هذه الصور الرومانسية التي تدلل على عمق الاستثارة الشعرية وفاعلية الرؤية التشكيلية التي تحقق غايتها وقيمتها النصية.
ولو تأملنا فاعلية الصور ومحولاتها الجمالية في الأنساق الشعرية السابقة لتأكدت لنا حقيقة جوهرية، وهي أن الشاعر يعيش حالة من الإحساس والجمالية في بث حالته الغزلية بصور جمالية تحفيزية غاية في الاستثارة واللذة الجمالية، وكأن الشاعر يرسم الدلالات والصور الشعرية رسماً دقيقاً غاية في الاستثارة والتحفيز النصي. فالقارئ سرعان ما يدرك جمالية الأنساق الشعرية عبر محمولاتها التصويرية الرومانسية التي تخلق بلاغة محمولاتها الجمالية عبر الأنساق التصويرية المنزاحة التي ترفع قيمة الصور الشعرية، وتحقق غايتها الإبداعية النشطة جمالياً.
والملاحظ أن بلاغة المحمولات الجمالية المنزاحة في قصائد العجمي تتحقق من خلال فاعلية الأنساق الشعرية التي تبرز فيها الانزياحات الجمالية بوضوح وحياكة جمالية آسرة، كما في قوله:
" أنا لا أقولُ بأنكِ الفجر الذي
خطفَ الفؤادَ لعالمِ الأسرارِ
*
لكنكِ العشقُ الذي أدمنتهُ
فنقشتُ فيكِ سبائكَ الأشعار
*
ورسمتُ وجهك في الوجود قصيدة
صبيانها وبناتها أفكاري
*
أحسستُ إني في سمائك كوكبٌ
ما بين نجمك والصباح ناري
*
ما كنتُ قبلك أعرفُ الحب الذي
اجتاحت به شمسُ الحنين مداري
*
كلا ولا انتعشَ الفؤاد بقبلةٍ
بصمت على ثغرِ الحلا آثاري"(6).
هنا، يباغتنا الشاعر بمحمولاته الجمالية المنزاحة التي تبدو فيها الصور قمة في التعبير عن إحساسه الغزلي الترسيمي الجمالي:[اجتاحت به شمس الحنين مداري]، فهذا الانزياح الجمالي التحفيزي أثار فاعلية المحمولات الجمالية لترتقي الرؤية الغزلية وتبرز شعرية النسق الانزياحي، وكأن وجه الجبيبة المشرق قد أجج مشاعره واجتاحت شمس الحنين آفاقه وعالمه لينتعش فؤاده بعشقها الذي أضاء ثغره بالابتسامات والأماني العذبة، وهكذا يؤكد الشاعر بلاغة محمولاته الجمالية المنزاحة التي تؤدي دلالات جديدة تستثير الرؤى الشعرية، وتحقق قيمتها الجمالية.
والملاحظ أن شعرية المحمولات الجمالية المنزاحة في قصائد العجمي تتمثل في بلاغة الانزياحات الخلاقة على مستوى الأنساق الشعرية لتبرز بدقة عالية، وفاعلية أسلوبية خلاقة بمتغيراتها الأسلوبية، كما في قوله من قصيدة (عانقيني) مايلي:
قومي إليَّ وعانقي مشتاقا
يسعى إليك متيماً توّاقا
*
من قلبهِ سكبَ الحروفَ لوردةٍ
فغدا القصيدُ كثغرها براقا
*
والكوكبان تألقا في صدرها
وتعادلا فتقاسما الترياقا
*
من قدها الممشوق كلُّ نخيلةٍ
أخذت مداها والجنى والساقا
*
وتمايل السعفُ الرصينُ كشعرها
يهوي على أعطافها رقراقا"(7).
إن القارئ هنا أمام محمولات جمالية منزاحة غاية في الاستثارة والتحفيز الجمالي، وكأن الشاعر يرسم الدلالات رسماً جمالياً خلاقاً من خلال بلاغة الصور واستعلاء قيمها التشكيلية لاسيما بهذه الصورة الجمالية التي ارتقت بفاعلية المحمولات الجمالية: [وتمايل السعفُ الرصينُ كشعرها يهوي على أعطافها رقراقا]، فهذه الصورة المنزاحة استعلت بفاعلية المحمولات الجمالية التصويرية لتبرز القيمة الجمالية في الأنساق ككل، وكأنها قطعة واحدة، وهكذا، أثارنا العجمي بمحمولاته الجمالية المنزاحة على مستوى التشكيلات اللغوية والتصويرية المبتكرة التي تفيض بدلالاتها ورؤاها النصية، ليؤكد الشاعر عمق الدلالات التي تبثها القصيدة في ثناياها ورؤاها الشعرية.
وصفوة القول: إن شعرية المحمول الجمالي الانزياحي- في قصائد العجمي- تؤكد هندسته التشكيلية في استثارة الأنساق التشكيلية الجمالية التي تحقق غايتها الإبداعية، وفق مؤثرات تشكيلية تملك محفزها الجمالي ولغتها الآسرة، وهذا دليل أن غنى الشعرية في قصائد العجمي من غنى المحمولات الجمالية المنزاحة أو التشكيلية المراوغة بإثارة المجاذبات التشكيلية البليغة التي تترك أثرها في المتلقي من خلال بلاغة الصور أو التشكيلات الأسلوبية المفاجئة التي تخلق بلاغتها وانزياحها الصادم من خلال عمق الرؤيا وبلاغة المخيلة الشعرية.
ثالثاً- المحمول الجمالي التصويري:
لاشك في أن الشعر بالأساس فاعلية تصويرية، وهذه الفاعلية التصويرية تملك قيمتها التأثيرية من خلال بلاغة الرؤيا، والمخيلة الشعرية التي أنتجت الصور، وما بلاغة المحمولات الجمالية المرتبطة بالصورة إلا دليل مهارة الشاعر التخييلية في إنتالج الصور المؤثرة التي تحرك الشعرية من العمق، لأن الصورة في الشعر ليست سكونية أو وصفية محضة، إنها قد تعتمد لغة الوصف والسرد لكنها تنأى عن هذه اللغة بالإيحاءات العميقة والمعاني المفاجئة الصادمة، إذ الشعرية – دائماً وأبداً – انفتاح جمالي في الأفق الشعري لدى الشاعر، ولا يمكن للشعر أن يسمو درجات من الاستثارة واللذة الجمالية بعيداً عن المحمولات الجمالية القائمة في الصورة الانزياحية البليغة التي ترتقي بالمحمولات الجمالية وترقى بها، فالمحمولات الجمالية هي المؤثرات والمحفزات الجمالية المحركة للأنساق الشعرية لتسمو وترتقي بمسارات القصيدة على المستوى الإبداعي.
وبتصورنا: إن الوعي الجمالي في تشكيل قصائد العجمي- هو وراء غنى محمولاته الجمالية بالمؤثرات الخلاقة التي تبرز الأنساق الشعرية بجمالية ولذة تشكيلية، وهذا يعني أن الصورة ليست حالة شعورية أو قناة اتصال بين المبدع والمتلقي بقدر ما هي طاقة خلاقة تؤجج الشعرية من العمق، والشاعر المؤثر جمالياً هو الذي يشكل محمولاته الجمالية التصويرية المباغتة التي تثير الحساسية الجمالية، والمعنى الجمالي المتوهج، والرؤيا الجمالية الحساسة، لأن" الصورة هي التي تساعد على الدخول في عالم القصيدة، وليس معرفة غرضها، بل إضاءتها وكشف أسرارها اللغوية، وتفسير نظام بنائها، وإدراك العلاقات فيها"(8).
وبما أن الصورة الشعرية هي طاقة إبداعية بحد ذاتها فإن ما يغنيها محمولاتها الجمالية الخلاقة التي تبرز شعرية الرؤى والدلالات الإيحائية المكثفة التي تثيرها الصور الشعرية في القصيدة.
والتساؤل المهم على خارطة التداول النقدي:
ماهي مؤثرات الصورة الشعرية وتنامي محمولاتها الجمالية في قصائد العجمي؟
هل محمولاتها الجمالية في تشكيل الصورة ترتبط بفواعل الرؤيا ونواتجها الدلالية أم أنها تنفصل عنها في الكثير من مؤثراتها الجمالية في قصائد العجمي؟
وهل ثمة اغتراب جمالي في خلق الرؤيا الدهشة الصادمة التي تثير الموقف، وتحفز الرؤية النصية وهل ترتبط بالمحمولات الجمالية للصورة أم تنفصل عنها؟
لاشك في أن مؤثرات الصورة عبر فاعلية المحمولات الجمالية في قصائد العجمي تتبدى في تفاعل هذه المحمولات الجمالية مع الرؤيا ونواتجها الدلالية، فالصورة في قصائد العجمي ليست عبثية، وليست سكونية، وإنما حالة من التناغم الجمالي الخلاق بين الأنساق الشعرية، لتأتي الصورة في قصائد العجمي طاقة تخييلية وإبداعية خلاقة بمؤثراتها ومغرياتها النصية، والشاعر المبدع حقيقة يدرك القيم الجمالية الخلاقة التي تثيرها قصائد العجمي على مستوى الصورة ومؤثراتها النصية الخلاقة، كما في تناغم الصور التالية على مستوى محفزاتها ومثيراتها التصويرية التالية:
"لونُ عينيكِ انفراجاتُ الفصول
فيها أسرابُ أسرارٍ تجولْ
*
حارتِ الأقلامُ في تفسيرها فارتمتْ
أسرى بدنياكِ العقول
*
وقلوبُ الناسِ لما خفقتْ
سارعتْ ترجو لعينيكِ الوصول
*
فالتقت فيكِ فطارت فرحة
بعدما انتاب مآقيها الذهول
*
فزهتْ فيكِ قناديل الربى
وارتوتْ عطراً أزاهير الحقول"(9).
هنا، يباغتنا العجمي بالمحمولات الجمالية التصويرية التي تخلق درجة من التكثيف، والشعرية والإيحاء، واللافت أن كل صورة تشكل في قيمتها فاعلية ارتقاء المحمول الجمالي، من حيث كثافة الدلالات والرؤى الجمالية التي تنطوي عليها كل صورة لتحقق فاعلية قصوى في الاستثارة والتأثير، كما في الأنساق الشعرية التالية:[لون عينيك انفراجات الفصول]، ثم يخلق إيقاعات جمالية في ربط الصورة السابقة بالصورة اللاحقة:[فيها أسرابُ أسرار تجول]؛ فالقارئ هنا يتحثث المعاني الجمالية الخلاقة التي تثيرها الصور بائتلافها وتناغمها وفاعليتها التشكيلية، كما في قوله:[فزهت فيك قناديل الربى/ وارتوت عطراً أزاهير الحقول]؛ولما كانت الصورة قيمة استعلائية عالية بمحمولها الجمالي فإن ما يحفزها التضافر والتآلف الإسنادي بين الأنساق لتسمو وترتقي بفاعلية إسنادية خلاقة بالدلالات والمعاني والرؤى الجمالية، لدرجة أن محبوبته تزهو بقناديل الربى، وترتوي من عطرها الروحاني أزاهير الحقول، وهكذا جاءت المحمولات الجمالية التصويرية قمة في التكثيف والإيحاء والشعرية، مما يدل على أن بلاغة الشعرية تتحقق من جمالية المحمولات التصويرية التي تثير الشعرية من العمق. وهذا دليل أن الشعرية –عند العجمي- شعرية ائتلافية تشكيلية تحققها على المستوى الإسنادي لتسمو درجات من الوعي والاستثارة والتأثير.
والملاحظ على المستوى الفني أو الجمالي تنوع المحمولات الجمالية في قصائد العجمي التي تدلل على بلاغة جمالية في خلق الاستثارة الجمالية في التشكيل الشعري، من خلال الحياكة الجمالية واستثارة الأنساق الشعرية الخلاقة بالدلالات الجديدة، كما في قوله:
"لأجلكِ أمتطي جسرَ المنايا
وإن وقعت على طرفيه حربُ
*
وما أثنى فؤادي عنكِ خطبٌ
فقلبُ العشقِ لايثنيهِ خطبُ
*
وإنكِ للمحبةِ كلّ عينٍ
وعينُ الحبِّ للإبداعِ ربُّ"(10).
لابد من الإشارة بداية إلى أن بلاغة المحمولات الجمالية التصويرية في قصائد العجمي تثير الحساسية الجمالية في تلقيها والتفاعل معها، وكأنها قيمة تشكيلية تبرز الدلالات، وتحقق أعلى قيمة في تمثيلها، لاسيما بالصورة الاستعارية (جسر المنايا/ وقلب العشق لايثنيه خطب)، فالقارئ يتحثث المعاني الجمالية، ويستثير الدلالات والرؤى الشعرية، وهكذا يحقق الشاعر استثارة جمالية في محمولاته التصويرية التي تأتي قمة في المباغتة والجمالية الفائقة، وهذا ما نلحظه في قوله:
" لا للكروم ولا لفيء ظلالها
ما لم تبح بثمارها أشجاري
*
لا للحياة بأصلها وفرعها
ما لم تفح بعطورها أزهاري
*
لا للربيع لزهره ووروده
ما لم تغرد للضيا أطياري
*
بالشعر لا أشدو ولا ببحوره
ما لم تهم بحروفها أشعاري
*
للنهر لا أسعى ولا بجماله
ما لم تمجد أرضها انهاري"(11).
هنا، يباغتنا الشاعر بالهندسة التصويرية التي تعتمد التوازي نقطة استثارة جمالية في تفاعل المحمولات الجمالية التصويرية، وخلق استثارتها المباغتة، فالقارئ –هنا- يدرك اللعبة الجمالية التشكيلية التي تثيرها الأنساق الشعرية، لتحقق قيمة تشكيلية عالية، تبرز من خلال مؤشرات المحمولات التصويرية البليغة، كمافي قوله:[ مالم تهم بحروفها أشعاري/ مالم تغرد للضيا أطياري]؛ وهكذا، تأتي المحمولات التصويرية مباغتة فياستثارة الرؤى والدلالات وتحفيز المنظورات الجمالية في تشكيل القصيدة، ووفق هذا التصور، فإن ما يغني الشعرية الحركة الجمالية التشكيلية المفاجئة التي تبثها الأبيات الشعرية لتحقق قيمة جمالية تأثيرية في النسق الشعري.
وهذا دليل أن المحمولات الجمالية التصويرية في قصائد وهيب عجمي متنوعة في مساعيها ومؤثراتها الجمالية من حيث تحفيز الأنساق الشعرية واستثارة الرؤى الجمالية التي تدلل عليها بلاغة الصور الموحية بالعاطفة الرومانسية التي تتناغم مع المدلولات والرؤى الصوفية في تعميق فاعلية الصورة الوصفية والمشهدية والتشكيلية المراوغة. وتبعاً لهذا تختلف الدلالات الشعرية، وتسمو بمؤشرها الجمالي لتحقق قيمة تشكيلية عظمى في خلق الاستثارة الجمالية.
وصفوة القول: إن شعرية المحمولات التصويرية في قصائد وهيب عجمي تتأسس على محفزات الصور الشعرية وتنوع دلالاتها ورؤاها، ومؤثراتها التشكيلية التي تسمو وترتقي تبعاً لفاعلية الرؤى التشكيلية التي تثيرها الصور الشعرية في نسقها الشعري، وهذا دليل احتفاء قصائد العجمي بالصور المحملة بالقيم والدلالات الرومانسية الآسرة، لدرجة ترتقي الصورة آفاقاً إيحائية غاية في الاستثارة والبلاغة والتأثير.
رابعاً المحمول الجمالي المشهدي
إن الشعر باحتفائه بالمشهدية قد فتح المجال واسعاً للشعرية أن تمد جذورها الإبداعية في مختلف المؤثرات الجمالية التي تفعِّل الحركة الجمالية في بنية القصيدة المعاصرة، وهذا يعني أن الحركة الجمالية التي تثيرها المحمولات الجمالية المشهدية في بنية القصيدة المعاصرة قد أكدت أن ثقافة الصورة من مغريات القصائد الحداثية في تنوع المؤثرات التصويرية، فنشأت قصائد اللوحة وقصائد المشاهد المتحركة، وقصائد الكاميرا المتحركة وقصائد المشاهد البانورامية السيمائية في تشكيل اللقطات، لتكون الشعرية الحداثية اليوم شعرية اختلافية في منظوراتها الإبداعية وطاقاتها الخلاقة، لاسيما على صعيد تنوع المحمولات الجمالية المشهدية بالتناوب بين المشاهد الصامتة والمشاهد المتحركة والرؤى الوصفية والرؤى البصرية التي ترصد سيرورة المشاهد الحسية بواقعية وإدراك بارز يتضح للعيان.
وبما أن الشعرية اليوم كتلة متغيرات واستثارات تشكيلية فإن ما يغريها هذا الحراك الأسلوبي الجمالي على صعيد الرؤى الشعرية لتبرز بجمالية وإحساس إبداعي حقيقي، إذ إن الصور المؤثرة مشهدياً هي الصور التي تتنوع دلالاتها ورؤاها لتحقق قيمة جمالية عليا في تشكيلها.
والسؤال الذي نطرحه على خارطة التداول النقدي:
ماهي مغريات المحمولات الجمالية على المستوى المشهدي في قصائد العجمي؟ وهل محمولاته الجمالية مشهدية حسية ملتقطة من الواقع الحياتي المعيش أم أن مشاهده الشعرية متخيلة أو مجردة؟
يخطئ من يظن أن المشاهد الشعرية في قصائد العجمي حسية مرئية مباشرة، وإنما هي طاقة تخييلية تتأسس على فضاء المتخيل الجمالي في فكر الشاعر، فالفكر الجمالي الإبداعي المميز الذي يتملكه وهيب عجمي وراء هذا الحراك الشعوري والتوهج الإبداعي في مشاهده الشعرية، كما في قوله:
"باحت عيوني بسرٍّ كنتُ أكتمهُ
ورحتُ شعرَ بريقِ الوجدِ أبتكرُ
*
أبوحُ حبًاً بم يدلي به كبدي
وما استطعتُ بعينِ العشقِ أستترُ
*
قصائدُ العشقِ ماكانت لتكتبني
إلا لأنكِ في أزهارها العطرُ
*
كنارُ حبكِ ما غنى بأمسيتي
إلا وحرفكِ في إنشادهِ الوترُ"(12).
لابد من الإشارة بداية إلى أن شعرية المحمولات الجمالية المشهدية في قصائد العجمي تتأسس على بلاغة المشاهد الشعرية ومتحولاتها النصية، إذ إن المشاهد تتفاعل فيما بينها لتحقق قيمة جمالية تثير اللقطات لتبرز الرؤية الشعرية بالإجمال والتفصيل، فالشاعر بداية يرسم المشهد الشعري بقوله:[ باحت عيوني بسر كنت أكتمه]، وهذا المشهد حرك الرؤية الشعرية لتبرز الدلالات بوضوح :[ كنارُ حبك ماغنى بأمسيتي إلا وحرفك في انشاده الوترُ]؛وكأن اللقطات والمشاهد الشعرية الرومانسية بمحولاتها الجمالية تفتح باب الوصف السردي المشهدي للتعبير عن مشاعر الشاعر وأحاسيسه المتوترة.
واللافت أن المشاهد الرومانسية التي تثيرها قصائد العجمي تتوقف على بلاغة الصور، ومؤثراتها التشكيلية لتأتي قمة في التكثيف والاستثارة الجمالية لاسيما ببلاغة المحمولات الجمالية المشهدية التي تعزز شعرية القصيدة وتسمو بها مشهدياَ، كما في قوله:
"تكحلي يا بحورَ الشعرِ وانطلقي
مع عاشقِ النجمة الحمراء في الأفقِ
*
لا الشمسُ مشرقةً ترقى لطلتها
لا البدرُ يشبهها في برجها الألقُ
*
ولا السماءُ وما تحوي مظلتها
ضاهتْ شموخاً به ديني ومعتنقي
*
حريتي هي بل سميتها رئتي
وليس لي غيرها في زحمةِ الأفق"(13)
هنا، يثيرنا العجمي بالمحمولات الجمالية المشهدية، ليحقق قيمة جمالية تحفيزية ترتقي من خلالها القصيدة درجات من الاستثارة، والفاعلية، واللذة الجمالية، كما في المشاهد المتضافرة التالية:[ تكحلي با بحور الشعر وانطلقي/ مع عاشق النجمة الحمراء في الأفق/ لا الشمس مشرقة ترقى لطلتها/ لا البدر يشبهها في برجها الألق]؛ ولو تأمل القارئ سيرورة الصور والمشاهد الشعرية لتأكدت له حقيقة مهمة، وهي أن المحمولات الجمالية المشهدية متضافرة فيما بينها في بث مشاعره الغزلية المتأججة في الوصف، أي إن اعتماد العجمي الوصف في ابتعاث حركة المشاهد يجعل الحركة المشهدية أشبه بالمتواليات المشهدية أو مصفوفات من اللقطات والمشاعر المتأججة بين الصورة والصورة، واللقطة واللقطة الأخرى، مما يدلل على شعرية مشاهده ورؤاه الشعرية التي تحيط بالموقف والحدث والمشهد الشعري.
وصفوة القول:
إن شعرية المحمولات الجمالية المشهدية – في قصائد العجمي- تتأتى من بلاغة المشاهد الشعرية وحركة الدلالات التي تبثها قصائد العجمي، فلايجد القارئ زوغاناً مشهدياً يحطم شعرية المشاهد، بل إن المشاهد الشعرية متضافرة فيما بينها في تحقيق قيمة جمالية تأثيرية عالية، مما يدلل على شعرية بليغة في حركة المشاهد الرومانسية التي تثيرها قصائد العجمي في الكثير من موحياتها ومؤثراتها الغزلية المفتوحة؛ وهكذا يرقى العجمي دلالات من الاستثارة والجمالية في قصائده لتحقق قيمة جمالية مؤثرة لا يرتقيها إلا من تغور فن الشعرية والاستثارة الجمالية في الخلق النصي.
نتائج أخيرة:
1- إن شعرية المحمول الجمالي الصوتي في قصائد العجمي تتحدد من خلال الائتلافات والمتناغمات والمتجانسات الصوتية التي ترقى درجات من التكثيف والاستثارة الجمالية، أي ثمة حزم صوتية متضافرة تشي بطابع القصيدة الصوتي الانسيابي المموسق، ليأتي المحمول الجمالي الصوتي قيمة بنائية جمالية في تحريك الشعرية من العمق.
2- إن شعرية المحمول الجمالي الانزياحي في قصائد العجمي تشي بإيقاعاتها التشكيلية البليغة والانزياحات الخلاقة التي تولدها على مستوى علاقة الكلمة بالكلمة والجملة بالجملة، أي ثمة ارتباط علائقي جمالي على مستوى الروابط والبنى الدالة في القصيدة لتسمو وترتقي إبداعياً في النسق الشعري. وهذه الانزياحات نتيجة المحمولات الجمالية الخلاقة التي تثير الحساسية والرؤية الجمالية البليغة في مدها وجمالها واندماجها النصي.
3- إن بلاغة المحول الجمالي التصويري في قصائد العجمي ينم على جمالية تصويرية فائقة في قصائد الشاعر لاسيما في محمولاتها الجمالية التصويرية التي تكون فيها درجة الانزياح حادة أو بليغة بين المضاف والمضاف إليه، أو بين المسند والمسند إليه، لتأتي الصور قمة في الترسيم الرومانسي الجمالي والمعنى العميق.
4- إن شعرية المحمولات الجمالية المشهدية في قصائد العجمي تتأتى من بلاغة المشاهد الوصفية وعمقها في استثارة الرؤية الشعرية من الصميم، فالذي يغني الحركة الجمالية في قصائد العجمي حياكتها النصية، وبلاغة مشاهدها التصويرية المتحركة لتؤكد شعرية المشاهد الوصفية لديه، وقدرته على الجمع بين المشاهد بطريقة تشكيلية بليغة الرؤى والدلالات والمشاهد الشعرية.
***
د.عصام الشرتح – ناقد سوري
............................
الحواشي:
(1) حني، عبد اللطيف- شعرية الانزياح وبلاغة الإدهاش في الخطاب الشعري الشعبي الجزائري( ديوان محمد ابن مسايب التلمساني أنموذجاً) ص39.
(2) عجمي، وهيب، 2018-وردة العشق، دار البنان، ط1، ص74.
(3) المصدر نفسه، ص73.
(4) محمد ويس، أحمد، 1995- الانزياح بين النظريات الأسلوبية والنقد العربي القديم، إشراف عصام قصبجي، رسالة ماجستير، مخطوط جامعة حلب، ص132.
(5) عجمي، وهيب، 2018-وردة العشق، دار البنان، ط1، ص80-81.
(6) المصدر نفسه، ص95-97.
(7) المصدر نفسه، ص102.
(8) عبد اللطيف، محمد حماسة، 1991- منهج في التحليل النصي للقصيدة، مجلة فصول، القاهرة، مج15، ع2، ص19.
(9) عجمي، وهيب، 2018-وردة العشق، ص71-72.
(10) المصدر نفسه، ص69-70.
(11) المصدر نفسه، ص97-98.
(12) المصدر نفسه، ص108.
(13) المصدر نفسه، ص110.