قراءات نقدية
سونيا عبد اللطيف: قراءة في رواية "رقصة داكنة"
تقديم لرواية الأديب محمد سيف المفتي
1- توطئة: رقصة داكنة.. هي فعلا.. داكنة.. في تحرّكاتها، واهتزازاتها، تمايلها، والتواءاتها، كنت أنتظر الرّقصة منذ الأسطر الأولى، إمّا للرّقص، أو لمعرفة سبب القتامة فيها.. وبقِيتُ طوال الرّواية أترصّد مشهدها بين الأسطر، لكنْ هذه الرّقصة دوّختنا، من خلال السّرد المفصّل، الدّقيق فيها وأسلوبها الفنّي الرّشيق، الجميل، بخبرة واحتراف من كاتبها، فقد كان يأخذنا معه مرّة إلى زمن الماضي..، بكلّ مسافاته، وأخرى يُعيدنا إلى زمن الحاضر شكلا ومضمونا، قلبا وقالبا، يحدّثنا عن حاضره، وحاضر شخصياته التي برع في رسمها وانتقائها ووصفها، من أرشيف ذكريات طفولته، ومن صنع خياله الخصب، فكان يسحبنا تارة إلى داخل الفضاءات المغلقة، الضّيّقة، وتارة أخرى يحملنا إلى عالمه الخارجي والمساحات المفتوحة، الشّاسعة، وأحيانا يُلقي بنا في حضن الحبّ والدّفء والحنان، ومرّات يرمي بنا في زنزانة، أو في الحفر، بين رائحة الموت ومخالب الحقد والتّوحّش وسخرية الأقدار المضحكة المبكية،.. فكنّا نتتبّعه بأسف وشغف، نقتفي أثر إبداعه في رسم الخيال، وكأنّنا نشاهد فيلما سينمائيا طويلا مرعبا..
2- التعريف بالكاتب:
الأستاذ محمد سيف المفتي كاتب عراقي، - من محافظة الموصل، مقيم بأوسلو النّرويجية منذ قرابة الثّلاثة عقود ( 1997) رجل أعمال سابقا بالعراق من 1991- 1997 - مهندس زراعي خرّيج كليّة الزّراعة في الموصل 1987 - ماجستير الثّروة السّمكيّة من جامعة علوم الحياة في النّرويج 2006. - مترجم معتمد من المعهد العالي في أوسلو 2015 - مشارك في عدّة دورات في مجال حوار الثّقافات من 2000- 2019 - بكالوريوس في التّرجمة الفوريّة من جامعة النّرويج 2022 - مترجم ومحاضر في عدّة منابر محليّة ودوليّة منها وزارة الخارجيّة النّرويجيّة من 2000 إلى 2024 * الاهتمامات : - رئيس منتدى الحضارات 1997- 1999 في Sunndalsøra - عضو في لجنة احتفالات اليوم الوطني النّرويجيّة 1998 - عضو في اللّجنة الخارجيّة لحزب العمّال النّرويجي في البرلمان 2003 - عضو مجلس في بلدية ايدسفولد 2003- 2006 - عضو مجلس بلدية اوبلكورد 2018 - رئيس مجلس إدارة منظمة "كلّنا معا النرويجية" 2017 - رئيس منظمة U-Turn النّرويجيّة 2019- 2024 - عضو في منظّمة قلم النّرويجيّة - عضو في مؤسّسة الكُتّاب النّرويجيبن * مؤلفاته: - الجمال العربية على الثّلوج القطبية. رواية. القاهرة 2007 - ظالمايا. رواية. عمان 2015 - رقصة حالكة أو داكنة. رواية صدرت باللغة النّرويجية سنة 2023 وترجمت إلى العربية سنة 2024 - له مقالات متعددة نشرت في جرائد ومجلات ومواقع إلكترونية عربية ونرويجية.
3- التّقديم المادّي والعام للرّواية:
وصلتْ إليّ "رقصة داكنة" في نسخة "ب د ف" في أواخر شهر رمضان (مارس) 2024، عن طريق الصّديق الأديب حسن السليفاني المقيم في مدينة دهوك، ولأنّها من الحجم الكبير تعذّر عليّ قراءتها في تلك الأيّام بسبب ضيق الوقت والتزاماتي السّابقة، فكنت أسرق من وقت لآخر، بعض الصّفحات من ال 456 صفحة.. وكم أسعد حين أقرأ منها ما يفوق العشرين،.. غالبا ما تكون حصص المطالعة عندي في وقت متأخّر من الليل بعد نوم الجميع إلى حين أذان صلاة الفجر، أو في الصّباح قبل استيقاظ العائلة.. أحيانا تغلبني المشاغل لفترة وعندما أعود للمطالعة أضطرّ للرّجوع إلى الوراء لتذكّر الأحداث وللحافظة على تسلسلها في مخيّلتي.. رواية "رقصة داكنة"، شدّت انتباهي.. جعلتني أصرّ على قراءتها حتى آخر سطر فيها.. لمدّة طالت نسبيّا، ذكرت الأسباب، زيادة على ذلك استئنافي للنّشاط بنادي الأدب الذي أديره بالعاصمة تونس، بعد شهر رمضان وعيد الفطر، وهذا هاجس آخر يأخذ منّي ومن وقتي الكثير.. تدور أحداث الرّواية في أمكنة عديدة، أهمّها الموصل، دهوك، أوسلو، ويتفرّع مسرى أحداثها إلى داخل البيوت، والغرف، الشوارع والنهج ومكاتب العمل،. أماكن خاصّة وعامّة، ساحات ومساجد، لم يغفل السّارد عن شاردة أو واردة.. " رقصة داكنة أو حالكة" كما أراد تسميتها الأديب محمد سيف المفتي أراها رواية من روايات السّير الذاتية، الفردي، والجماعي، هي سيرة وطن وشعب وانتماء..، جمعت الحقيقة بالخيال، وربما كانت الغلبة فيها للأحداث الحقيقيّة، من خلال السّرد الفاضح والكاشف للواقع، المعرّي لسياسة الحلفاء والسياسة الداخلية ولجماعة داعش الذين لم يدمّروا الموصل والعراق فقط، بل دمّروا وخرّبوا عالما وشعوبا وعقولا، غرزوا سيوفهم في صدور الأبرياء، وجّهوا طعناتهم في ظهورهم، بثْوا سمومهم باسم الدين في فكر الشباب بدءا بالأطفال، اشتغلوا على غسل الأدمغة بطريقة احترافية لم يكتشفها حتى من قاتل داعش، ما جعل العالم والشّعوب العربية ترزح إلى يومنا هذا تحت هذا الفكر الدّيني المتطرّف والتّيار الإرهابيّ الخطير، المدمّر للإنسانيّة والحضارات والثّقافات والسّالب للهويّة العربيّة بما فيها من تراث وأصالة وتقدّم وازدهار وما تمتلكه من ثروات بيئيّة وبنيويّة وثقافيّة.. ولنا عظيم الشّرف أن نفخر وأن لا نشعر بالنّقص والتْخلف إزاء هذه الدّول المتغطرسة، المهيمنة.. الرّواية أزاحت السّتار عن عدّة حقائق، سلختها، بيّنت غايتها وغرض الفكر الدّاعشيّ، السّارد تناول فيها بدل القضيّة ألف قضيّة..، قضيّة تصبّ في قضيّة..، أوّلها كذبة الدّين وادّعاء الدّاعشيّين إعادة نشر الإسلام، تصحيحه وإصلاحه، بأسلوب همجيّ، سخيف، مذهبهم القتل والذّبح، التّعذيب والسّلخ، الشّنق، التّخويف والتّرويع، للسّيطرة على الحكم والتّمتّع بخيرات وثروات البلاد، والتّصرّف في جميع المنشآت الاقتصاديّة شأنهم شأن كل الطامعين بالسلطة،.. ثانيها، قضيّة المرأة، بصفتها أنثى، نعتها بالعورة، ناقصة عقل، ودين.. صالحة للفراش، والنّكاح، يحرّم الحلال ويحلّل الحرام،.. لفائدتهم ولقضاء مآربهم، والتمسّك بزمام الحكم والقضاء..، ثالثا، قضيّة التّعليم، احتلالهم للمدارس والجامعات، جعلها أوكارا لهم ولأسلحتهم، مناطق ملغّمة لا يمكن عبورها أو اجتيازها، تشويه فكر الأطفال والشّباب، تنشئتهم على الكره والحقد، شرب دم أخيه في انتشاء، تجريدهم من مشاعر الإنسانية، تجهيلهم فكريّا ودينيا وعاطفيا، وخلق مجتمع ثائر، متوحّش، مسلوب العقل، يعمل لصالحهم شبيها بآلة الرّوبو،.. رابعا، قضيّة التّراث، العمل على سحقه ومحوه، من خلال ضرب وتدمير المواقع الأثريّة، سرقة الكنوز والآثار الثّمينة، بيعها لدول الغرب، تهريبها، بعلّة الحرام والحلال، تهشيم وإتلاف ما تبقّى.. بنيّة بتر الأصول وقتل الجذور..، خامسا، قضيّة التّهريب للمواد الاقتصادية، والغذائية..، سادسا، قضيّة التّجارة بالأعضاء،.. سابعا، قضيّة التّجسّس على خصوصيّات البلد، بيع الذّمة، قتل الضمير والعمل لحساب الأقوياء والغرباء ومع العملاء من الغرب..، ثامنا، قضية الرّشوة، والارتشاء، تاسعا، قضيّة الهجرة الغير شرعية، وتهجير الأدمغة والعملة الصّعبة.. عاشرا، قضية الحبّ والتّفرقة بين الأزواج والعائلة وغرز مخالب الشكّ بين أفراد الأسرة، وزعزعة الثّقة فيما بينهم..، قضية، موت الحبّ والجمال..، تشويه البيئة، تدمير الكائنات، مثل النبات والحيوان، وهنا أسوق مثالا لزهرة عباد الشمس التي تحيا بفضل الحبّ والرّعاية وتذبل وتموت حالما تطالها يد الغدر، وتصلها يد الإنسان العابثة.. حقْا،هي رواية حُبِكت ببراعة الرّاوي، وبذكاء، جعلنا نشاركه رقصته السّوداويّة، المؤلمة والحزينة، بدل أن نرقص رقصة زوربا الصّوفية الجميلة ونحلّق في سموات وردية،.. هذه الرواية، عشت كلّ أحداثها كأنّني طرف في السّرد.. أبكي لبكائهم، أضحك لضحكم، أتوجّع لوجعهم، أفزع لفزعهم،.. ربْما أطلتُ الشّرح، لكن، مع ذلك سأجتهد لأكون حريصة على ترك عنصر التّشويق في الرّواية، ومعرفة مضمونها وأغوارها، من خلال فصولها العديدة وخاصّة نهايتها المخاتلة، كانت صدمة لنا نحن القرّاء ورجّة للرّاوي، (الشخصية سيف.. ) فقد عبث السّارد بمخيّلتنا، أوهمنا بالفرح، جعلنا نرقص، وننتظر التّكريم والمكافأة، فإذا بنا نرقص أسفا، رقصة الذّئب.. يوم عرسه تهطل المطر، فكانت الرقصة حالكة، تألّمنا لألم الرّاوي، شعرنا بالخيبة التي تجرّع مرّها بمفرده، حتى رفيقة دربه زوجته دانا التي كانت تسنده خاب ظنّها هي الأخرى بعد أن رافقته إلى حفل تكريمه لمشاركته الحلم والفرح والرّقص،.. هذا ما جعل الراوي سيف يكتم غيظه، يبتلع غصّته، ويترك الأمور للتّأويلات.. وللقارئ..
2- عتبة العنوان:
جملة اسمية بسيطة تتكون من مبتدأ وخبر. كلمتان متضادتان، الأولى تدلّ على الفرح والزّهوُ هي "الرّقص" فهل يرقص الإنسان عندما يكون يائسا، أو تعتريه صدمة أو موجة من الأسى، أو تجده في غيبوبة وفقدان وعي؟ الثّانية "داكنة" تُفيد القتامة والحزن والألم، فالمشاعر حالكة السّواد بسبب انكسار القلب.. في ذات الوقت المفردة الأولى تعني الحركة والنّشاط والحيويّة، "'رقصة"، والرّقص يُشاهد بالعين، من خلال تحرّكات الجسد وانفعالاته، اهتزازه، تمايله، ووضع الأقدام، تنقّلها، وقد يصحب الرّقصَ إيقاع معيّن، وصوت دبكة الحذاء ونقر الأقدام، فتتوفّر في هذا المشهد (الرّقص) حاستيّ البصر والسّمع.. أمّا كلمة داكنة أو حالكة هي حالة ولون، لون اللّيل، ولون السّماء في حالة تلبّدها بالغيوم والسّحب.. فهل للرّقص لون؟ ألاحظ أنّ الكاتب وظّف تقنية المشاهدة (البصر: حركة ولون) بالعين الفاحصة، الثّاقبة ليسرد هذه الأحداث، كأنّه يريد القول أنّه شاهد عيان على كلّ فصول الرّواية.. هذا ما جعل وصفه دقيقا من خلال اشتغاله على التّفاصيل الملمّة بالأحداث من كلّ الجهات والاتّجاهات والوِجهات فلا مجال للتّشكيك أو للتّخمين أو النّقاش.. عتبة الإهداء يهدي الكاتب محمد سيف المفتي روايته: - لزوجته زهراء المفتي، يذكرها بالاسم، شاكرا صبرها معه وتحمّلها لنزقه أثناء الكتابة لمدة سبع سنوات، كان يكتب ويمسح وكانت هي تشجّعه على إعادة الكرّة في كلّ مرّة وتقول: " لا تهتمّ لنبدأ من جديد" - لكلّ من غيّبتهم القسوة سواء الموت أو الفقد، وبالتّحديد لابن أخته "علي" الذي سرقته داعش.. والذي مازالت روحه تسكن وجدانه.. عتبة التّنويه: في أقلّ من ثلاثة أسطر ذكر الكاتب محمد سيف المفتي هذا التّنويه ولا أدري ما غايته من ذلك، هل لتشتيت ذهن القارئ، أو لجعله يعود للتّاريخ وربط الواقع بأحداث الرّواية كي يقترب من الحقيقة أكثر ويميْز الخيال منها عن الحقيقة، إذ قال: - أودّ أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ الكثير من الشّخصيات والأحداث خياليّة لكن كنقطة انطلاق، فإنّ هذه الرّواية مبنيّة على أحداث وشخصيّات حقيقيّة " لماذا هذا الخلط؟ ولماذا هذا التّشويش على ذهن القارئ؟ لماذا لم يتركه يجتهد بنفسه ويقول إذا كانت الرواية مزيجا بين الحقيقة والخيال أم لا؟ هذا التّنويه يؤكّد أنّ الرّواية تتضمّن شخصيّات وأحداثا خيالية.. وأخرى حقيقية.. فيا ترى أيّ منها الخيالي، وأيّ منها الحقيقيّ؟ ملاحظة أولى: التّواريخ المذكورة في الرّواية حقيقيّة، والأماكن التي جرت بها الأحداث حقيقيّة، بعض الأسماء أيضا حقيقيّة، مثل اسم شخصية السّارد "سيف" ومكان إقامته وعمله "النرويج"، وذكر تعب ومؤازرة زوجته الزهراء له في الإهداء.. وكذلك كانت تفعل دانا الزوجة في الرواية..، كانت رفيقته في السفر، تحمّلته بكل انفعالاته وهي في دهوك رغم انشغاله عنها بفضّ مشاكل الآخرين، شاركته أحزانه، أصرّت أن تكون حاضرة في الحفل يوم تكريمه لتشاركه الفرح( آخر الرواية).. فهل هذا التّناص صدفة أم مقصودا..؟ ملاحظة ثانية في نصّ الإهداء أطلق على ابن اخته اسم "عليّ" وقال سرقته داعش، نجده في الرّواية يتحدّث عنه بحبّ وألم وأعطاه اسم "أنيس" ويقول أنّ داعش خطفته أيضا.. إذن، يمكن الجزم أنّ الرّواية واقعيّة أكثر منها خياليّة بنسبة مئوية كبيرة بتصرّف واجتهاد وبإقحام بعض التّغيير في سير الأحداث وأسماء الشّخصيات، احتراما للخصوصيٍات، وربما لتوخّي الحذر من المخابرات والملاحقة لا أدري بالضبط، خصوصا أنها رواية تقشّر حقيقة داعش ونواياهم الخفية ومن معهم ومن وراء صناعتهم وتواجدهم.. والاهم استراتيجياتهم في صناعة الخبر وطرقهم في التي خدعت العالم بما فيها الجيش الأمريكي، و عتبة الشخصيات ومضمون الرّواية: تعدّدت الشّخصيات في الرّواية من خلال تناسل الأحداث وتواترها وتقدّمها في السّرد، فكانت الأسماء تتوالى، بحسب ارتباطاتها بالأمكنة والأزمنة، وعلاقة بعضها ببعض، ولا يغيب عنّا أن الأحداث جرت في مدينة الموصل على إثر استيلاء داعش عليها في شهر جويلية 2014 وقد وصف الرّاوي سيف ذلك اليوم ب" تسونامي الإرهاب" ( 10/ 07/ 2014) كما ذكّر بموضوع مهمّ حدث، يتمثّل في رغبة والده القاضي لإرسال ابنه يونس إلى لندن لمواصلة الدّراسة سنة 1977 لكنّ والدته عارضت ذلك القرار.. * في الرّواية إذن، جانب كبير من الحقيقة يمكن القول أنّها رواية تسجيليّة.. تجمع بين أدب اليوميّات وأدب الرّحلة والحرب، توثّق الواقع، ويتوفّر فيها ما يُشبه المقال الصّحفي، أو التّقرير البوليسي، والمخابراتي.. الشّيء الوحيد الذي جعل هذا المُنجز ينحو إلى جنس الرّواية هو عامل التّخييل الذي أقحمه ووظّفه وضمّنه وأثرى به الأحداث بذلك الأسلوب والتّشويق والتّضليل في السّرد.. ونجد أيضا الكاتب يعطي الهوية لعدّة شخصيات (الاسم، الصّفة، الملامح، تاريخ الولادة، عنوان الإقامة،. ) ويتحدث عن حالات الإرهاب التي وقعت في الموصل من ذلك ثورة الإرهابيين في افريل 2014.. ويُسمّي المساجد والأنهج والأحياء والمكاتب والجامعات المتواجدة فيها، والتي اتّخذت من بعضها داعش مراكز لقيادتهم ومعاقل لتنظيم الدّولة الإسلامية.. * كما ذكر بعض الأحزاب والتنظيمات باسمها.. وهذا يطول شرحه، فأترك أمره للقارئ.. * ذكر في الرواية سنة زواجه من دانا، 1998 وهذا يأتي بعد هجرته في الواقع واستقراره بالنّرويج بسنة.. * ذكر اسم الزّعيم "مسعود البارزاني" في كوردستان الذي أمر بفتح الحدود في وجه اللاّجئين من الموصل هربا من الموت على يد داعش المتوحّش.. وهذا توظيف للحقيقة ومزجها بالخيال.. فمدينة دهوك والسّليمانية وعدّة مدن في كوردستان كانت أرضَ أمان لأغلبِ العراقيين.. لا أطيل.. الأمثلة عديدة.. والسّرد غزير وثريّ دليل على ثقافة وخصوبة ذهن الكاتب المليء بالوقائع والحقائق، ما جعل روايته تنحو للخيال.. غير أنّ الحقيقة أبشع بكثير لو نعترف ونقرّ بذلك.. الخاتمة رواية رقصة داكنة، هي بمثابة الكابوس في حدّ ذاتها، هنا، لا أعني أنّها مخيفة بل لأنّ أحداثها أليمة وبشعة، تخلّف ندوبا وخدوشا في نفسيّة القارئ بسبب ما اقترفته داعش من بشاعة في حقّ المدنيين والأبرياء، وسلب راحهم وحريّتهم وحرمانهم من الهدوء، وحقّ العيش في سلام، والتّنقل إلى العمل في أمان..، فترة حسّاسة جدّا وعنيفة، عاشها العالم بأسره، خاصّة مدينة الموصل والشّعب العراقي، الذي ذهب ضحيّتهم شهداء كثيرون، بكذبة الدّين والفتح وإعادة تصحيح الإسلام وباستغلال سذاجة العقول.. وما داعش في الحقيقة إلاّ صناعة غربيّة اتّفق عليها هؤلاء الأقوياء لتدمير الشّعوب العربيّة وتفكيك صفوفهم وتشتيت وحدتهم، لاغتصاب ثرواتهم ونهب تراثهم.. والكلّ شاهد على ما اقترفوه من فظاعة وفساد، وكاشف لحقيقتهم.. وتبقى الأسئلة في أذهاننا كثيرة: - إلى أيّ مدى نجح هؤلاء.. في تدمير البلدان العربيّة والتّلاعب بهشاشة عقول النّاس البسطاء وتدمير نفسيّات أسر بحالها من خلال اتْخاذهم نهج التّرويع والقتل والذّبح والخطف..؟ وهل صحيح ما نوه اليه الروائي بأن العالم كسب حربا وخسر السلام، وهل صحيح أن داعش قتلت وبقي الفكر الداعشي حيا؟
- هل فكرة القضاء على داعش واستعادة المدن والبلاد، هي انتصار حقيقيّ عليهم..؟ أم هي مجرّد وهم، وتراهم نجحوا في ترك دناستهم ونجاستهم في عقول الأجيال القادمة، كالأطفال والشّباب الذين نجدهم قد نفروا المدارس وعافوا الثّقافة وتعلّقوا بالأوهام والسّراب فكان مصيرهم الضّياع والضّلال والتّفكير في الهجرة والهروب من أوطانهم، بدل أن يجتهدوا ويتعلّموا ويعملوا في سبيل النّهوض من مستنقع الجهل الذي سقطوا فيه؟ - كيف يكون العلاج لمثل هذه الظاهرة والتّصدّي للفكر الداعشي الذي سكن العظام والأوصال، فباتت الشّعوب العربيّة بأسرها مريضة، كسيحة..؟ - كيف نقي أبناءنا من هذا الوباء كي يتعافوا منه ويبدؤون حياة ورديّة جديدة، يكون الرّقص فيها تعبيرا عن الفرحة والانتشاء للروح والعقل والجسد..؟
***
سونيا عبد اللطيف – تونس
18/ 05/ 2024