قراءات نقدية
حيدر عبد الرضا: إضاءة للمختارات المسرحية (لون آخر للصمت) لبعد الحليم مهودر
عتبات ومتون بين التنوع الأسلوبي ونمطية النصوص
توطئة: تجسد الفنون الثقافية في مجالات النص المسرحي، مفهوما إجرائيا في رصد العوالم الشخوصية المتحاورة والمتماثلة في شكل مؤطرات العنصر المكاني الذي يعد بمثابة المحور الثبوتي بطبيعته المتيحة لحالات المعطى الموضوعي تشكلا لما يشبه حالة الواقعي باللغة والحركة والشعور كوجهات وسائطية في مستوى منتج العلاقة الدلالية في بعدها المتصل والمنفصل عن موجهات السارد العليم.أن المتتبع الناشط والنهم إلى فنون العرض المسرحي، لربما يستطيع أن يفهم بأن مسارات الوظائف الأكثر فاعلية في طبيعة وبيئة المرسل الدلالي المسرحي غالبا ما تقتصر على أنماط وثيمات (المحور الاجتماعي ــ المحور الطليعي ــ المحور المابعد الحداثوي) كذلك أن ظهور مثل هذه الأساليب وطبيعة آلياتها شكلت مشروعية خاصة في خاصية تجسيدها كفاعلية عضوية في عاملية الخطاب المسرحي.وقد ضاعف في امتداد هذا الخطاب جملة إجرائية من العناصر (الممثل ـــ الإضاءة ــ منطقة العرض ـــ الإخراج)ومن الممكن أن يبدو العرض المسرحي أشكالا وأنواعا متعددة في الفروقات وإمكانية النوع النصي، كما الحال في تجربة الكاتب عبد الحليم مهودر في مجموعة مسرحياته المصنفة بـ(مسرحية إذاعية ــ مسرح الدمى ــ موندراما ــ مسرحية للأطفال) وتبعا لهذه التصانيف الأسلوبية المتصلة بالممارسة الأدائية للنص المسرحي، نلاحظ أن مهودر راح يقدم لكل ممارسة نوعية من واقع العرض الحواري المسرحي، جملة صياغات حاصلة بالدلالة والمحاكاة التي تتلبس الصوت الشخوصي انطباعا في كونه الشخصية الأكثر جنوحا في ملامحها الفضائية الدالة.
ـــ أصوات وأسئلة وعلاقة متحولة:
تعد الصورة بمفهومها المسرحي الذي يقترحه البعض نقاد الفن المسرحي بمثابة الشكل النوعي الذي يتم إدراكه بمشاهدة معرفية تترصدها مجسات الذائقة البصرية والروح المتذوقة.ولأن طبيعة عروض مجموعة (لون آخر للصمت) جاءتنا عبر الوقائع المقروءة وليس عبر الأداة المجسدة في المسار من الأجواء الحاصلة من العرض عبر خشبة التمثيل المسرحي، يمكننا حينئذ قراءتها كأصوات صورية ليس فيها حرارة العرض المسرحي، كحركة الممثل وواقع التفصيل العياني من جهة خشبة العرض، لذا فإننا سوف نتعامل مع النصوص كأصوات صورية لا تحمل ثوابت المنطلق الخيوطي في الدراما العروضية، ولكنها من جهة أخرى تحمل حياة الدال الصوتي وصورته الإيقاعية التي ترتفع بالخطاب الفضائي نحو مسارية (لعبة التخاطب) إن لم نقل لعبة الإيماءة الجسدية المتحققة، وعلى هذا النحو تتخذ طابعية الصور في قوام التحاور الصوتي المقروء، تظافرا عبر المكونات التي تجعل من (الصورة ــ الصوت) وحدتان شاملتان ومتماسكتان، كما الحال في هذه الوحدات الشعرية من مسرحية (صوت الحجر): ( يعدو .. يسرع .. والأفكار تلاحقه .. تزحم عقله .. ملتفتا خوافا .. يلتقط الأنفاس .. وتعثر رجله: آه .. يا ألم الجرح القاتل. / ص7: صوت الحجر) فالدوال الصورية إذا، هي الشكل المشبع بالظهور الشكلي و المضموني وبكل عناصرهما المكابدة في منظومة مأزومية الحياة والوجود.فالنص المسرحي ــ الشعري، ها هنا يشكل بذاته ذلك التأمل التصوري لماهية الحالة وجوهرها، وحين تكون للمقاطع الإخراجية كيفيتها في رؤية الأشياء وتخيلها وإعادة بنائها، فأن ما يقدمه الكاتب مهودر يعد نموذجا مستخلصا من تفاعل (رؤية ــ حركة = عالم داخلي ــ مكنون صورة) كما الحال في هذه المتواليات: (الجندي الصهيوني: من أنت يا هذا: ـ أبن العرب .. أنقذوني .. أنقذوا جسدي .. أنقذوا صوتي./ص17) وكلما أزدادت حقيقة المكون (الصوتي ــ الصوري ) بدت لنا جوهرية العلاقة أكثر كشفا وشكلا وفعالية.
ـــ مسرح الدمى: بين خاصية الثيمة وآهلية الواقعة المؤنسنة:
تكاد بنيات التحول أو التداخل بين العوامل الثابتة والمتحولة في دلالات النص المسرحي الخاص بوقائع ـ مسرح الدمى ـ أو ما يطلق عليه أيضا في شكله المحلي ـ مسرح العرائس ـ حيث يعد هذا الأسلوب من العرض المقروء معادلا سيسيولوجيا تسعى من خلاله ( الأبطال ) في النص الحواري إلى بلوغ منطقة التصارع بين الأضداد أو تقديم الوظيفة الموعظية القادمة من أثر مرجعية أمتلكت زمانها وسياقها الاحتفاظي بمنطق التفاصيل واستطلاع البيئة الحكائية: (الراوي: كان يا مكان .. كان بحار صاحب سفينة تنقل البضائع بين مدينتين على شاطىء البحر ./ ص22: مسرحية (السفينة).
1 ــ الراوي شاهدا: الرؤية من الخارج:
تشكل وظيفة (الراوي = كان يا مكان) في الأدب القصصي والمسرحي الخاص بالمحكي في مسرور أدب الأطفال، اعتمادا على اللازمة التراتيبية لصيغة الزمن والمكان المتحققة من خلالها تداولية الشكل الأخباري الحكواتي عبر واصلة (كان يا مكان؟) وهذه الوحدة المقتربية هي من القدرة على خلق المبنى التقليدي في المسرود الشفاهي .فهناك من يرى أن مفهوم اللازمة ـ كان يا مكان ـ هي صيغة من الترتيب للحوادث، وتارة من يعتقد كونها إعادة المروي في حبكة التبئير الجاذب إلى طرف التلقي.نقول أن الراوي في القصة أو المسرحية كلاهما يقدمان الحكي في خصائص معرفة الشخصية والأحداث الحكائية.وهناك ثلة من النقاد من يؤكد على أن نصوص أدب الأطفال غالبا ما تكون متجاوزة في البدائل الضمائرية، حيث تكون العلاقة متساوية بين (الراوي ـ الشخصية ) ويصور السارد للقارىء في هذا النص المسرحي عدة أطراف شخوصية بدءا من (الراوي ـ البحار ـ القمر ـ الشمس ـ العصفور ـ النورس ـ الحمار ـ الفيل)إذ نعاين أن الكاتب مهودر يسعى لإدخال مضامين تربوية أكثر إيغالا بهدف زرع روح الإرشاد والنصح، ولا يعني هذا أن تصبح المسرحية خالية من إمكانية طابعها الأدواتي، فهي لغة ومضمونا، وإخراجا مقروءا تدعمها مخيلة تتجلى سطوعها في أهمية العلاقة المتماسكة في الأجزاء العاملية المتحاورة بلوغا معادلا.
ـ شيطنة العجوز وبراءة إبليس: قبل رحيل إبليس
أن فن الموندراما بالطبع هو أحدى الفنون الدرامية التي شاع توظيفها في الأشكال المسرحية التجريبية والتي فاق خطابها رقعته خلال القرن العشرين على أنها الأجزاء المتكونة من المشاهد، إذ يتم توظيف شخصية واحدة في العلاقة الحوارية، إذ يوحدها الواقع الافتراضي مع صورة الآخر في الطرف اللامرئي من خشبة العرض، وعلى النحو الذي تتكاثر فيه ممارسة الاشارات العلامية والإيمائية على أن وجود ذلك الآخر، شخصية حاضرة في مجمل خواصها التفصيلية: (العجوز: تجلس على دكة في وسط المسرح ـ تكلم نفسها ـ السفينة التي يكثر ملاحيها تغرق.. أنا وهذا الإبليس في مكان واحد يجعل عملنا يتعارض على رغم أن عملنا واحد يجب أن أتخلص منه لكي أطبخ طبخاتي على مزاجي./ص39 المشهد الأول: مسرحية ـ قبل رحيل إبليس ــ لا بد من الإشارة بادىء ذي بدء، من أن موضوعة هذه الموندراما معتمدة على رؤية درامية مرتهنة بعمق غواية الشر في داخل الشخصية العجوز، مما جعلها أكثر كيدا من أبليس، الذي غدا راحلا مفترقا تاركا للعجوز تحقيق مكائدها الجرمية حيث نتابع تجربة عبد الحليم مهودر في السرد القصصي والروائي والمسرحي، لايغيب عنا أيضا دوره ككاتبا للحكايات الساخرة وبعض من أعماله الوثائقية.أما في ما يخص تجربة مسرحيات (لون آخر للصمت) فهي بحد ذاتها تعكس الكفاءة النخبوية لهذا الكاتب البصري، الذي ما يزال دؤوبا في تقديم النصوص الابداعية سواء كان الأمر في مجال القصة القصيرة أو الرواية أو المسرح أو التوثيق المرجعي لأهم مظاهر المحافل الأدبية والثقافية في مدينة البصرة، التي من خلالها يحقق الوعي القائم بالحضور الممكن والاحساس به كإمكانية معرفية في سلطة الثقافة والمثقف.
***
حيدر عبد الرضا