قراءات نقدية
زكية خيرهم: قراءة في رواية رقصة الظلام للروائي سيف المفتي
رواية الحرب والانتماء
خرابُ مريضٌ يشتدُّ، شوارع خاليةِ، طاعونُ الغبارِ يطغى على المناظر يملأُ معارك مجنونة، حروبُ بلا هوادةٍ بين عقائدٍ متناحرةٍ، ، هوياتٌ مُلَابس فيها الشَّبِه يغطِّي، حرب تنتشر كالطاعون بوحشية، عدالةُ تبدو في مساحاتٍ بعيدةٍ تختبئُ في زواياها، مأساة حقيقية على طول خطّ الأفق، أصوات الآلام فيها يندب الوجدان. صورة رائعة رسمها لنا الروائي سيف المفتي بلسان شاعري وخيال متفجر، في لوحة روائية، حيث الصبر وتحمل صعوبات مرّت عليه مثل موجات عاتية، وكلحنة ساحرة في سمفونية الحياة.
سينهض منها بعزيمة وإرادةٍ جبارةٍ، واجهها بشجاعة وايمان. بالرغم من تعقيد موضوع الرواية وموضوعها الحساس، إلا أنها تفتح أمام القارئ نافذةً على فهم أسباب وجوانب ظاهرة الحرب والتجربة الاسلامية بوضوح وصراحة. تقدم الرواية قصةً شيقةً ومؤثرةً بأسلوب سردي قوي وملهم لاحداث من منظورٍ مختلفٍ لمعاناة الأفراد الذين يعيشون في ظل النزاعات الدائرة في الشرق الأوسط، بطريقة تأسر القارئ وتجعله يشعر بالانتماء لشخصياتها، مما يجعلها مهمةً لفهم الحرب والإرهاب وآثارهما على الناس. رواية تحمل في طياتها العديد من الرموز والمفاهيم الثقافية والاجتماعية، تجعلها تستحق دراسة نقدية. ومن النقاط التي يمكن التركيز عليها في التحليل النقدي للرواية، شخصية سيف القاضي كبطل المغامرة يسعى لإنقاذ ابن أخيه من الخطر الذي يتهدده. بينما تقدم شخصيات تنظيم الدولة الإسلامية كأشرار في الرواية. ومكن النظر إلى تطور هذه الشخصيات خلال هذا العمل الروائي ودورهم في تشكيل الأحداث. استخدم الرواي الرموز مثل "الرقصة المظلمة" التي تعني الصراع بين الخير والشر والتي تمثل تجربة سيف القاضي في البحث عن ايناس ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. يمكن أيضاً التركيز على الرمزية المتعلقة بموضوع الحرية والاستقلال. قدَّمت الرواية عملها بأسلوب أدبيٍّ وتقنيٍّ مشوِّق وجاذِب للقراء. وأثار موضوعات رئيسية تتعلق بالصراعات الاجتماعية والثقافية وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات، بتقنية سرد مشوق.
وضح الكاتب الصعوبات التي يواجهها الصحفيون في العمل، والتحديات والمخاطر التي يواجهها المراسلون الذين يعملون في مناطق الحرب، مما يؤكد على أهمية دور الصحفيين في تغطية الأحداث العالمية وتوثيقها. ومن خلال وصفه للأحداث الدرامية التي شهدتها العراق خلال الفترة التي تدور فيها الرواية، يسلط الأديب سيف المفتي الضوء على آثار الحرب على المدنيين والعائلات العراقية التي تعاني من العنف والدمار. كما يعرض الصورة الشاملة لتنظيم الدولة الإسلامية وطريقة تفكيرهم المتطرفة، ما يضفي على الرواية مزيدًا من الواقعية والدقة. تناول الكاتب أيضًا موضوع الحب والأسرة في ظل الحروب والصراعات، حيث يصف القاضي الصعوبات التي واجهها في محاولته إنقاذ ابن أخيه المخطوف، متناولا أيضا العلاقة العاطفية التي جمعته بصديقته في النرويج والتي تأثرت برحلته الصعبة. شخصية سيف القاضي نفسها كأحد عناصر التحليل النقدي في الرواية. فهو يجسد صحفيًا يعمل في الخارج، يتمتع بحياة مستقرة وسعيدة، لكنه يتورط في قضية معقدة وخطيرة ويضطر للعودة إلى بلده الأم، مما يدفعه لمواجهة تحديات كبيرة وخطيرة. ومع ذلك، فإن عمله كصحفي يمكن أن يوفر له الأدوات اللازمة للتغلب على التحديات التي يواجهها في رحلته الشاقة، ويمكن للقارئ استنتاج أن الصحافة وسيلة قوية لتوثيق الأحداث وتغيير الواقع. تناول العمل مشاهد العنف والحرب ومشاهد الإنسانية العميقة، يعطي نظرة شاملة على حياة الأشخاص المتأثرين بالحرب والعنف، والصراع الدائر في العراق. الرقصة المظلمة"، رواية رائعة تسافر بالقارئ في رحلة عميقة إلى عالم الحرب والعنف وتعرض لنا موضوعًا حساسًا ومعقدًا بأسلوب مميز وإثارة لا تنتهي. تقدم لنا الرواية نظرة عميقة على حياة الأشخاص المتأثرين بالحرب، وكيف تؤثر الأحداث العنيفة على حياتهم وعلى نفسياتهم، وتعرض لنا مدى صعوبة التعامل مع الألم والخسارة والموت.
بشكل مؤلم ومؤثر ونحن نقرأ الرواية نستشف مدى الألم والحزن الذي يعانيه اللاجئون بسبب الحروب والعنف. سيف ودانا، في قلب العذاب واليأس والشجن، تعكس حالتهما النفسية والعاطفية المعقدة للأشخاص الذين يعانون من الحروب. تُظهر الرواية بطريقة متقنة الأسلوب السردي الذي يثير الإثارة والتشويق، ويجعل النص يستحق القراءة والتحليل النقدي. يمكن استكشاف العديد من الموضوعات والمفاهيم في النص، مثل قضية الهجرة والتهجير، والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، والصراعات العائلية والعلاقات الشخصية، والأزمات الصحية والعواقب النفسية، وهذا ما يجعل الرواية متعددة الأبعاد ومتعددة المعاني. ينجح االكاتب في استخدام التقنيات الأدبية المختلفة في السرد، مثل الوصف والحوار والتصوير الذهني، والتطور الحركي والنمط السردي والرمزية والميتافورا، لتعزيز الرسالة الأساسية للرواية. تحمل الرواية رسالة مهمة وهي أن التصميم والشجاعة في التعامل مع الصعوبات، والاعتراف بالأخطاء وتحمل المسؤولية، هي خصائص حيوية يجب أن يتمتع بها الفرد في حياته، وهذا ما يساعده على تحقيق النجاح والتغلب على الصعاب التي تواجهه في حياته، ويساعده أيضًا على النمو الشخصي والمهني والعاطفي.
"الرقصة المظلمة" هي تحفة أدبيّة تستطيع بكل يسرٍ أن تفتح الأبواب إلى أعماق النفس البشري والعاطفة المحيطة بها. تكشف هذه الرواية الصعوبات النفسية والعاطفية التي تواجه اللاجئين والمشردين في عالمنا الحالي، حيث يعيشون في ظلِّ غيابٍ للأمان والاستقرار، وفي ظلامٍ مرعبٍ من التشرد والوحدة. وعلاوة على ذلك، فإن تنظيمًا إسلاميًا إرهابيًا يلهب الحروب والعنف في العديد من البلدان، ويعمل على إثارة الكراهية والانقسام بين الناس. ولكن في هذه الرواية، يأتي التغلب على المصاعب والتعافي بالأمل وفرص جديدة للحياة. فهي تعلّمنا أن الصمود والتحمل والإصرار يمكن أن يعيدوا الحياة إلى المكان الذي افتقده الأمل والتفاؤل. وعلى الرغم من مخاوف اللاجئين ومشاكلهم، فإنهم يملكون القوة الداخلية الكافية لتجاوز هذه المصاعب وتحقيق أحلامهم وأهدافهم.
من خلال أسلوبه الشاعري والتفصيلي الدقيق، ينشئ الأديب سيف المفتي في "الرقصة المظلمة" عالمًا متنوعًا ومتشابكًا من المشاعر والتفاصيل والأحداث، حيث يتم تشكيل الشخصيات والأحداث بحرفية ودقة واهتمام بالتفاصيل. ويتم إبراز العواطف المتناقضة بين الأحداث، وتُظهر المشاعر الدفينة التي تواجه الشخصيات في ظل هذه الأزمة الإنسانية. بشكل عام، تعد رواية "الرقصة المظلمة" تحفة أدبية مميزة، تناقش قضايا هامة وحساسة، وتتميز بأسلوب نثري شاعري تفصيلي يشد الانتباه ويجذب القارئ، مع توفير رؤية متفائلة للمستقبل عبر الأمل والتفاؤل..
***
زكية خيرهم