قراءات نقدية
إنسان العولمة الجديدة في رواية (آدم الجديد) للأديب قصي الشيخ عسكر
مقدمة لابد منها: اسطورة المسخ (فرانكشتاين) التي دشنتها الكاتبة (ماري شيلي) في الأدب الخيال العلمي (ما وراء الطبيعة) الصادرة عام 1818. ادهشت الكثير من الكتاب، وراحوا ينسجون سردهم الروائي على منوال أسطورة (فرانكشتاين) مستلهمين الفكرة الأم، فتوالت روايات (فرانكشتاين)، وهنا نحصي بعض الروايات الخيال العلمي الفرانكشتانية:
× رواية اسطور فرانكشتاين للأديب الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي برع بحق في الأدب الروائي في الخيال العلمي (أكثر من 60 رواية) وروايته (أسطورة فرانكشتاين) هي إحياء جثة الميت بالشحنات الكهربائية في مختبر علمي وطبي.
× رواية آدم الجديد للأديب قصي الشيخ عسكر. الصادرة عام 2010، تعتمد على جمع الخلايا الدماغية (المخ) من الموتى في حوادث عالمية متفرقة. مثل حوادث الحروب (الحروب العربية / الاسرائيلية. حروب أمريكا في فيتنام) وحوادث الاحتجاجات الشعبية المتفرقة في العالم قمعت بالحديد والنار والقمع المفرط بسفك الدماء، مثل ما حدث في (الصين. الأرجنتين) تأخذ جثث الموتى وتجري عليها اختبارات علمية وطبية تحت اشراف عالم في الطب، البروفيسور ج، جونسون (امريكي من اصل بريطاني) يجري على الجثث تبديل الأعضاء الجسدية المعطوبة في تعويضها بأعضاء جديدة حية، لتمارس نشاطها بشكل مختلف عن السابق. وكذلك تبدل الخلايا الدماغية الميتة (المخ) واحيائها في خلايا مخية جديدة تعود لها الحياة، لتواصل مهامها وفق منطق ونظرية ومفاهيم العولمة الجديدة.
× رواية فرانكشتاين في بغداد للأديب أحمد سعداوي. صادرة عام 2013. يقوم هادي العتاك في جمع اشلاء ضحايا التفجيرات الارهابية الدموية، ويقوم بتخيط أعضاء الموتى لكي يخلق المسخ (شسمه)، ليقوم بمهام القصاص لضحايا التفجيرات الدموية. ولكن لابد من الاشارة البالغة الأهمية، أن فكرة هذه الرواية مطابقة بالتمام والكمال من فكرة رواية (آدم الجديد) للأديب قصي الشيخ عسكر. من حيث تجميع الأعضاء الموتى، وقيامهم بمهام جديدة، ولكن الاختلاف، أن كل روايات (فرانكشتاين) يجري تبديل الأعضاء الجسدية في مختبرات علمية وطبية بإشراف عالم طب، وليس عامل بسيط (هادي العتاك) يخيط ويبدل الأعضاء الجسدية الميتة، باعضاء جديدة حية. يعني تدخل في مفهوم السريالية الغرائبية.
×× رواية (آدم الجديد):
تشير بأنها نتاج ثمرة العولمة الجديدة، في التطور والتقنية العلم الحديث، ليصب في مآرب وأهداف خبيثة مدمرة، في مخلوق العولمة، في إعادة إحياء الخلايا الدماغية الميتة واعطائها اكسير الحياة مجدداً لتدخل في خدمة أهداف العولمة، يعني تكوين آدم الجديد على نقيض آدم القديم، في ماهيته وشخصيته وأسلوب تفكيره وشطب ماضيه، ليكون شخصية جامعة وشمولية في سلالة البشر، استنساخ انسان جديد في بوتقة العولمة، ولادة مسخ جديد تحت اشراف البروفيسور ج. جونسون (امريكي من اصل بريطاني) في دبلجة جديدة تذوب وتنصهر في هذا المسخ الجديد (الحضارة. الدين. الأصل. الهوية. اللغة. المسميات) في طريقة وأسلوب تفكيره، وان يلغي القيم والمبادئ والأخلاق الانسانية والدينية وتبديلها باشكال جديدة تخدم العولمة الجديدة، لذلك يشعر بالفرح والسعادة البروفيسور ج. جونسون في هذا الاختبار العظيم في الولادة، بقوله (أنا سعيد جداً، ربما لست اكثر منك، وافهم حزنك وسعادتك، سعيد لاني جمعت أنسانً يعد وريث بكل الحضارات والأفكار والأديان. الاسلام. المسيحية. اليهودية. ديانة الشرق القديم، الاسطورة الفلسفية، الأجناس، الاصفر والابيض والاحمر، الموروث العالمي عندك،وانا فخوراً بك) ص68.
هذه الدبلجة العالمية في العولمة في خلق وتكوين البشر في شخصية آدم الجديد، أو مخلوق الحضارة الامريكية والغربية، ان تنصهر كل الهويات في هوية واحدة (أنت، أنا، هو أنا، مسلم مسيحي بوذي) ص44. وكذلك تذوب كل المسميات في مسمى واحد، او يحمل كل عناوين الاسماء في عنوان واحد (شوان، خالد، موشي، بل، أنا هؤلاء.. هو، هم، انا) ص11. وكذلك الحال مع اللغات تنصهر في لغة واحدة في آدم الجديد، انها ما يشبه الكابوس لهذا المخلوق المسخ لذلك يتساءل (لكن كيف تمكنت ان اكتب بالعربية وانا اتحدث الصينية فقط ؟ لغتي الاولى العبرية والدنماركية، ثم تعلمت الانكليزية وبعض العربية، لمْ أمرُ بمثل هذا ؟ قد يكون حلماً أشبه بالكابوس) ص23. يعني باختصار العبارة حصر الصراع الحضاري الشرق والغرب بالحضارة الامريكية حصراً، هي القائد والمنفذ، وهي المسيطرة على العالم تحت وصايتها،بحيث آدم الجديد لا يعرف نفسه، ولا يعرف أين يتجه ويسير، انه دمية بصناعة امريكية تحركه وتدفعه، وحتى بطريقة التفكير، فقد اختلطت عليه الامور (أنا أم نحن ؟) (هو أم هم ؟)، وصعب عليه معرفة ذلك (- اريد ان اعرف من أنا وأين، وفي أي سنة ؟ أنا أم نحن) ص15.
هذا نتيجة تبديل الخلايا الدماغية (المخ) باعتباره مركز التفكير وطريقة سلوكه وتصرفه العقلي. لايحتاج من أجل استمراريته في الحياة سوى بتبديل أعضاء جسده المعطلة بآخرى، أو التي يصيبها العطل، في تبديل أعضاء جديدة ليمارس حياته في طوال سنوات عمره، ان يكون الجميع في شخص واحد. آدم الجديد. حيث يقول البروفيسور الأمريكي ج. جونسون (يمكن ان اجعل هؤلاء مجتمعين في واحد يعيشون سنوات طويلة، لا نضطر خلالها إلا الى تبديل الجسد) ص58. وهذا ما تفتقت عليه العقلية الأمريكية وتسعى الى نجاح تجربتها العالمية وتسعى الى قطف ثمارها (كل ما ارجوه أن تفهم أنك آدم الجديد، الذي يمكن نحفظ به البشرية مجتمعة، بكل تاريخها وحضارتها، وأظنك تتفق معي في هذا) ص59. هذا الاختراع العلمي الأمريكي في عالم اليوم، يشكل جريمة انسانية كبرى للطبيعة والانسانية تسعى الى تدمير العالم وتشكيله من جديد، وهذا ما نشهده اليوم، العالم بقيادة العولمة الامريكية المدمرة، بأن تكون رب البشر الجديد في مخلوق آدم الجديد.
***
جمعة عبد الله – كاتب وناقد عراقي