قراءات نقدية
حيدر عبد الرضا: دراسة في رواية (ليون الإفريقي) للكاتب أمين معلوف (6)
الفصل الأول – المبحث (4): مستحدثات النص الروائي وتفارقية منطقة التأريخ
توطئة: يتبنى الكاتب والمفكر الأستاذ أمين معلوف في استراتيجية الحكي (المحكاتي - المرواتي) في مجمل الأجزاء الفصولية من مصاحبات (كتاب فاس) ذلك النوع من وظيفة وموقع (الشخصية المركزية) التي لا شك منهاوهي تواجه جملة تفصيلات (السارد الحيادية) إزاء علاقات مباشرة بالمحور العاملي أو بذلك الانموذج الافعالي من خطية وجهات (ذاتية المسرود - - مرويات السارد) إذ نلاحظ أن رؤية السرد، قد بدت أكثر حيادية أحيانا، ولدرجة أن السارد المشارك، غدا خلالها لايحقق استقلالا نوعيا في مهام وهوية ومقاربة المواقف الفعلية من مسار الأحداث المنقولة تارة والمعالجة تارة ٱخرى، اللهم إلا في حدود - تواترا حركيا - عبر مشخصات السياق المنظور إليه من خلال (العالم - الأشياء) وبما أن خطوط انتاج المعرفة في مستوى زمن الاحداث مؤولا في مرجحات الاكتساب الصنعي لمادة الرواية, لذا ظلت أزمنة الحكي تحددها إتصالية غواية السياق والتواتر في مرويات نوعية الحدث السردي للزمن وللضمائر والإشارات المتعددة في مجالات قدم أو حداثة المسرود بالسرد التناقلي، لذا نرى أن أغلب الاحداث خلت تتمحور في حدود (مفكرة السارد) اي بمعنى ان القارئ للمسرود ذاته وبذاته، راح يشبع الظن بأن الحكي في أوليات حميمة مع المرابع السياقية، ثم بالتالي يدفعنا نحو تجاوز نمطية الظن بأوليات ذلك المحكي السياقي، ليدخلنا في الاعتقاد النوعي من تقانة الأداة والعدة الروائية الأخاذة في حقيقة أن من يكتب سيرة الرواية، هو المؤلف عبر لسان حاله بضمير السرد المجمل والمنفرد، اي بما يقصده المؤلف في أن يكون سارده كاتبا لمذكرات الرواية. ولعل ابلغ حدود هذه الفرضيات والوضعيات الروائية والأسلوبية للمصدر المرجعي الموثق، هو قيام الروائي في تحسين وتحويل الافعال والشخوص إلى دالات عضوية نابعة من تمفصلات جهات وعوامل زمنية وأحوالية كـ (التحول الزمني - علاق سببية الأحوال - مواضع جهات السارد) كذلك تسود وحدات الفصول الصاعدة من حكايا كتاب فاس، حالة تحديثية من حقائق أطروحة السياق وأبعاد مسبوغاته في مجال الأداة والبناء.إما في ما يتعلق ومستوى الاختلافات في نمو الزمن وغايات الفعل السردي إجمالا، فقد بدت الأسانيد التحفيزية لتلك المهام في غاية الأهمية المتعدية في خطابها الإنتاجي شكلا وتفصيلا.
- أوضاع الراوي المشارك: سيرة مظاهر المفرد فاعلا
قلنا سابقا في عدة أوجه متعددة من مباحث متفرقة لدراستنا حول رواية (ليون الإفريقي) بأن الحكاية الروائية في محلات النص نفسه موضع بحثنا تقع ضمن منجز الافعال والاحداث الخاصة في محاور (السياق = وثيقة - النص الروائي) منصوصة في عدة مجالات من التحديث التخييلي والأداتي، لذا وجدنا أغلب مرويات السارد العليم وصوته وتحولاته وآفاق رؤيته تبقى ضمن قيمة التعضيد المروي ليس إلا، إما حالات التجلي التخييلي في الصناعة الروائية، فيبدو في مايحدث بصيغة الجمع والتفرقة، اي بين أوليات علاقة ماثول نواتي، تستحدثه مستجدات التشكيل ووحدات الزمن والمكان ومساحات الوصف التي تخترق أوليات جمود المادة المؤرخة فعلا روائيا، فيما تبقى حدود التخييل أنشقاقية غالبا وخروجاتها على الحدود السياقية، قد تعد بمثابة تحرير الحجر من كونه مادة جامدة، فرض عليها نسقا من جهة الطبيعة الواجدة، فلعل عملية إضفاء المسمى للحجر ذاته، لا تشغلنا بمقدار ما يشغلنا ذلك الأمر في جعل لهذا الحجر موضعية مواتية مخصوصة في مكونات شريحة عاقلة، أعتقد من جهتي أن المثال يشكل وضوحا تماما على من لم يدرك لحد الآن كيفية صنع الرواية التأريخية. قد لا يتوسع الروائي كثيرا في ملاعبات التخييل في تكوين الرواية التايخية، إلا من جهة كيفية إعادة الروح في جسد الوثيقة، اي لا يمكننا تجاوز المحاور والركائز في أوليات المادة السياقية، اللهم إلا من حدود خواصية المعالجة وإعادة الهيكلة الإدارية في مشارب الأدوار والصفات والسمات والتلوين في مؤثثات المادة المرجعية التي تحولت إلى قيمة مشتركة في التمثيلات والتوصيفات المحتملة بروح تفاصيل الأكثر توقعا أو اللامتوقع . أو ما يمكننا تقديره هو مستويات الاختلاف في وجهات التمثيل والأمتثال لهويات ذات صياغات أكثر حضورا وتشويقا من صورة وثائقية مهملة في تركات الماضوي الغابر. ولكن من اللافت أن طبيعة المتخيلات في معالجة الأعمال التاريخية لاتحدثنا عن حقائق بعين حدوثها، بقدر ما تسهم في نزوع التخييل في تكوين مقادير من الدلالات والمضامين الشيقة، على النحو الذي يكسب المادة المرجعية هالات فيضية من قيمتي (المرجع - توالدات النص) ألى جانب مكائد المتخيل وأحابيله التي هي علامات الحدوث والوقائعي في مستوى مكين من الحبكة وطرائقها الاسلوبية في أستنطاق اللحظة والزمن والذوات كمكونات تجعل لمادة المرجعية، كحالة أكثر بلوغا وإتصالا في خيوط ونقاط عملية الاستقراء للموضوعة الروائية.
1 - صيغة الحكي عبر محاور المتخيل الزمني:
ان آليات الابعاد الزمنية في الاجزاء المتواردة زمنيا وسرديا، تواجهنا كصيغة حكي ممتدة وعابرة من خلال زمنية فاصلة وواصلة، اي من خلال منظومة تتابعية في دليل وحدات الأزمنة، كوحدة صورية تارة وأخرى أكثر احاطة بجل المتغيرات والتحولات إسهابا في تقاطعات السرد المروى..يقدم لنا الجزء الفاعل من فصل (عام الاسدين الهائجين/ 1500م) ذلك القسط الخاص من التحقق بملاحقة اللامحدود من الزمن (كانت أختي مريم قد كبرت في غفلة مني..وكان انفصلان طويلان قد جعلا منها غريبة عني..فلم يكن يظلنا السقف نفسه./ ص163 الرواية) يمكن القول هاهنا أن ماتم الإشارة إليه هو من اساليب (المخاتلة = التضليل) بالزمن كحالة تواصلية بالاحداث المتباعدة عن مساحة التبئير المفصل، ذلك لأن التحاور مع المصدر للحادثة عبر السياق كحقيقة لايمكنها توفير علاقة من قبل الكشف اليقيني في أوجه معادلات الزمن المتخيل، لذا فمن مستلازمات التخييل رسم الحدود اللاتعاقبية أو اللامحددة في بنيات خاصة من المتواليات للشيفرات الزمنية، لذا قدنلاحظ بأن علامة اللاتحديد لدى السارد المشارك هي المتمثلة ب (ليون ساردا سيرذاتيا) حيث تتركز في محور وحدة (في غفلة مني) وهذا الأمر بدوره ما صار يشكل ويؤشر على أن هناك (زمن في التناقص) أو هو الحكي في مجالات اللاتعاقب، انتقالا بالزمن والتلفظ الى مجال أسبابي، يظهر حسية الوقائع ضمن ترتيبية (الزمن يتوارى = في الاختلاف) أو هو شكلا في نواة الكمون أو اللاحدوث، بأعتبار أن هذا النوع من الزمن هو خارج دائرة المعاش بالنسبة الى السارد المشارك، اي بمعنى أنه ذلك الزمن الاستعادي المتاح في حدود التعالق أو بالأحرى في تجليات الوعي العضوي للمروى إليه ساردا. فهو بصيغة أو بأخرى، لم يتوفرعلى أدنى درجات الاحتساب تتابعيا في خطوط المسرود النابع من يقين السارد ذاته عبر زمنه الشهودي، اللهم إلا من جهة الخطاب كمرحلة زمنية كلية بالتفاصيل الخارجة والداخلة في شرنقة المؤشرات الوظائفية من قبل وحدة التأليف ومرسلات السارد.
2 - دليل الحاضر الزمني وإطار الفاعل الغالب:
أن عملية تقادم المراحل والعقود العمرية، بالنسبة الى حياة الشخصية المحورية - السارد المشارك، تتداخل بين رواية الزمن، بأعتبارها ذلك الفضاء الأخذ في التعدد والتنوع، وبين التشييد في إطار من التمظهر الشواهدي من ناحية كون البناء السرد حالا في حدود المبنى، لذا تواجهنا من عبر هذا الكل حقيقة وسمات من التركيز على مظاهر نمو وتطور الشخصية الغالبة - ليون - على أبرز مؤشرات التمكين الوقائعي، كدلالات معاودة في صيغ الحكي زمنا (كنت أركب في هذه المرحلة جوادا كما كان يركب.. وأما المرأتان فكانت لهما بغلتان./ ص1360الرواية) هكذا نعاين ثمة علاقة ما في حدود مواقع الزمن والتلفظ، إذ تظهر لنا الشخصية كهيئة متقدمة في صيغة ما من التعقيب الزمني بالنسبة للأرض الموقعي والادواري الجديد، وهذا الامر بدوره يأتي كشاهدا، على مسرى الاحداث الصاعدة من مرويات السرد تلفظا مرسلا. لعلنا من المفيد أن نتذكر في هذا اللون من المقام بأن خطاب ودلالات المسرود الناتجة عن بواعث مرجعية، هي من أشد الخطابات النوعية السردية في تثبت الصورة وملامحها السماتية والدورية، تعلقا بالملامح المنقولة في موارد الوثيقة التأريخانية، فمن جهة الحكاية الروائية بدت لها هذه السمات غاية في حرية اللعب بالسرد وصنع الادوار بطرائق أكثر فنية من الجهة المرجعية، كما وتشكل هذه الملامح تلك الأهمية في فواصل زمن (الحكواتي بطلا) وعندما نقول هنا بالحكواتي، فإنما نقصد الصورة المحسوسة في الصورة الحماسية التي تقع ضمن خصوصيتها وأدواتها وانماطها الأكثر تجديفا نحو تحولات النص من الملامح المرجعية إلى سمات وتحريات الحكي الروائي نوعاً وكما.وعلى هذا النحو فإننا عندما ننظر إلى الوحدات الإستباقية من سلوكيات مريم إزاء ليون، فإننا حتما سوف ندرك حجم زمن الخطاب في المنظور الحكائي للشخصية، وما يترتب عليها من ذلك الإتفاق الاختزالي والذي ينوه بدوره بالاقرار بأن الشخصية الاخت مريم سوف تتزوج أو انها مقبلة لحد الآن نحو مرحلة تمهيدية من الزواج اللامتوافق، وهذه الأمر ما يشكل بدوره حدوث مثل ذلك الحزن الكبير في نفس ليون، كما تظهره هذه الوحدات الديالوجية من هذا القبيل: (ولكن لماذا لاتكلمني قط! لماذا لاتأتي فتسألني إذا كنت ابكي في أثناء الليل! إن واجبي هو أن أخاف الرجال جميعا: اليوم أبي، وغدا زوجي، وجميع من ليسوا أقاربي./ ص156الرواية) .تتوالد القابلية الحوارية في حدود من الكشف والتبيين، حتى تتضح للشخصية ليون ما كان مستورا تحت جنح الغياب الزمني والمكاني، كي تتبين له أن شقيقته تستدعيه لامرا يخص مصيرها، وما يخص كونها أجبرت على زيجة تترتب عليها منافع كيدية مقيته. وتنفتح مستويات السرد على مكامن تعتمد ذلك النوع من الاستدعاء للتصرف من قبل الإرادة الرجولية الكامنة في ليون، مع الأخذ بعين الاعتبار أن سلطة الأب محمد الوزان كان لها السبق في وصول أشياء كثيرة إلى غير مواضعها السليمة اي في ما يخص العائلة، وهو اليوم يفاخر بزيجة ضحيتها فتاته مريم دون أي اعتبار لما يؤول إليه مصير هذه المسكينة بالزواج من ذلك الرجل ذي الصيت السيء.
- عام ختم القران: الزروالي والمخابئ الرومانية.
1 - التشكل ومساحة التبئير تحولا:
قلنا سابقا أن الفضاء السردي عبر منظوره المخصوص - تعددا توظيفيا - هو بمثابة الحالة التأطيرية للمعالم النصية في تمفصلات الأجزاء الروائية الأكثر تعقيبا، كحال رواية (ليون الإفريقي) .ومع بداية كل ثنائية (متكلم/ مبئر = الشخصية السارد) توافينا عدة دورات حكرا بمنظور هذا السارد المشارك، لذا من الضروري الكشف عن الواصلات والفاصلات التي منها تبدأ حركية (الفاعل الذاتي - ليون) ومنها تنفصل توظيفا وليس - تحكما وتقييدا - لنتعرف من خلال فصل (عام ختم القرآن) على عدة مكونات مبئرة في التخريج والتوزيع وبث القابلية الادوارية إلى مجال ثمياتي متطورا في الافاق الشخوصية، مما يتيح لنا المجال التعرفي على سمات شخصية الزروالي: (كان عمر خطيب مريم أربعة أضعاف عمرها/ وكان ذا ثروة جمعت بشكل رديء/ معروفا في فاس بالزروالي، وكان كثيرون يحسدونه، لأنه هذا الراعي سابقآ ابتنى اضخم قصر في الحاضرة، / ص1690الرواية) فكما هو معتاد في شكل مبئرات الوحدات السردية في الرواية، تبدأ بصوتي (الرواي - المرسل إليه راويا) ندرك مجال التعدد في شخصية الزروالي ومدى صيغة الهيمنة النفوذية في أوضاعه الشؤونية والمالية.ولكن لو دققنا قليلا في منحى المصادر والأسباب التي جعلت من هذا الرعوي بهذه المكانة، لوجدناه لصا محترفا في نيل اسنح الفرص والمأخذ الآثمة.عبر إطار آليات الحكي وعناصره (المتكلم - المبأر - = السارد المشارك) تتسلط الاضواء على حقيقة ومغزى: (هناك آبار سرية كان الرومان قد خبأوا فيها كنوزهم قبل أن يغادروا إفريقيا، / ص170 الرواية) قد لا يعنينا من حوادث الحكاية إلا ما تقع عليه فواعل مبحثنا هذا وآلياته، اي حركتي (السرد = التبئير) من ثم إلى ما تقتضيه الأدوار الشخوصية من مسار الأحداث وافضيتها عوامل وعناصر التشكل دورا في تفعيل معالم (التبئير تحولا) وسنأخذ النقاط الحدودية التي يمكننا من خلالها التعرف على رؤية المنظور السردي في مجمل الأحداث المتعلقة بهذا الفرع المبحثي. تواجهنا في صدد هذا الفصل بادئ ذي بدء ثمة عملية من الإنتقال لأسرة محمد الوزان في جولة ما داخل البلاد. وقد سمحت للسارد المشارك عبر هذه الجولة، أن يزور تلك المنطقة التي لاحظ فيها ظواهر عجيبة ك (المغارة يخرج منها لهب عظيم!) أو ذلك المشهد الذي شد الكثير من الغرباء إلى النظر إليه: (مستنقع داكن اللون يحتوي على سائل لزج ذي رائحة نفاذة) ويقال عن حال لسان السارد، تلك المخابئ التي هي بوصفها آبارا رومانية قد عثر عليها هذا الراعي الزروالي في أحد الأيام.وكما نلاحظ في شواهد هذه الكنية من الأخبار حول الزروالي ولكن تقال عنه في أماكن أخرى العديد من التقولات حوله أيضا، كلها تصب في حدود عامة وخاصة وسرية، لكن ما صب في الحدود الخاصة، اي في الشأن الخاص للسارد المشارك، هو تعرف محمد الوزان على هذا الزروالي عن طريق (نازح أندلسي غني./ ص171) وعلى ما يبدو عليه الحال أن هذا النازح قد عرض على الوزان مشروعا تجاريا يخص مجال تربية دودة القز: (أهتم الزروالي جدا للأمر فقد طرح الف سؤال عن الخادرة والشرنقة واللعاب وخيوط الحرير، طالبا من أحد مستشاريه حفظ كل التفاصيل، وأبدى أنه سعيد بالتعاون مع رجل في مثل أهلية محمد الوزان./ ص171الرواية) في خصوصية مستوى آخر من التبئير السرد تحولا، نعاين بأن السارد تحول إلى ذلك (الناظم الخارجي) إذ بدا يبئر من منظور العلاقة الخارجية القائمة بين طرفي محمد الوزان والزروالي، وصولا الى تفاصيل قضيت بطريقة - صيغة المعروض غير المباشر - كحالات اتفاق الزروالي مع السلطان حول هذا المشروع، وقد لاقى سروراً وحبورا من السلطان نفسه، بقدر ما كان محمد الوزان مقدرا بالإرادة والوعي لمقدار وحجم هذا النجاح والتزكية من قبل السلطان. ولكن معالم معاملات القيام بهذا المشروع، لعلها كانت تتطلب في ذاتها جملة قرابين ما، خصوصا وإنها كانت من النوع الذي يتطلبه عنصرا بشريا، وليس أضاحي أو مجموعة دواب عجفاء.ننتقل في منزع الوحدات اللاحقة من نطاق أفعال التنصيص: (الناظم الخارجي = الفاعل المنفذ - المتكلم محورا وساردا) الذي راح يصف الاجواء التي كانت ترسم مشهدا اثيرا لاحوال الأب الوزان، وهو يحيا ويستنشق مبادرات تزويج ابنته مريم الى الزروالي، مقابلا سخيا، وردا منه على مكارم هذا الرجل الفاحش، وفضائله على العديد من الرجال في فاس واختياره له هو بذاته، فإمام هكذا صورة تتبدل الأحوال لدى آمال الوزان، حتى وإن اقتضى الامر غض الطرف عن شساعة الفوارق والحجب الزمنية والعمرية الحائلة بين مريم والزروالي نفسه، وقد تكون أكثرها ندره هو أن هذا الزروالي سارقا ومتقدما في الفجور إلى مدى مراحل حرجة من الكشف والافصاح عنها، ناهيك عن كونه من الرجال اللذين يتمتعون بسوء الصيت، كونه لصا محترفا في نشر مخادع الكنوز الرومانية على حد ما جاءت به الاخبار في الوحدات الروائية.
الحرب على الزروالي: الزمن حقيقية أم فتنة التصوير
ان الزمن في ضروب بعض المتغيرات، لا يعد زمنا فيزيائيا، كما تخبرنا ملابسات العلوم التجريبية، بل أنه يتحول إلى ذلك التجرد في معادلات التسمية وإعادة فحص الأشياء بمنظور التواجد في كيفيات القول المستحدث تأويلا. لذا واجهتنا مجموعة من أوجه المتواليات السردية ما راحت تشكل بدورها ذلك المعنى التراسلي في مداليل حجاجية الطابع والتطلع في الآن نفسه، ولو تعاملنا مع منطلقي (المبنى - المتن) من ناحية التنافر والتوظيف، لوجدنا أن الأحداث سارية في الزمن الخطابي ضمن مؤشرات تعتمد في. اغلبها جملة موجهات في مجال الاستدلالات الكامنة من جهة منطقة المؤلف ونوازع مشروعيته في التعامل المتوازن بين (الوثيقة - - المعالجة السردية) شكلا تنافذيا تحكم مستحدثاته حيوية (الحقيقة - المفترض) اي بمعنى ما بدت الأشياء في مجال وقوعها تتم ضمن حدود معالم مشخصة ومفترضة ايضا، ذلك رغم أن وجودها في المواضع الأحوالية وجودا ذا مرجعية وخصوصية ما، ولكن منطقة التخييل تضفي على الحقائق ثمة معالجات تفكيكية من النوع الذي يجعل الحقيقة، وكأنها خليقة بهذا الطور وليس في رحلتها المرجعية.من هنا لعلنا لو نظرنا في مكنون الوحدات المشهدية في الاجزاء الروائية، لما خفي علينا وجود ذلك الزمن من الوقوع عن عدم وجوده، كما الحال هاهنا في هذه المحاور: (تعيش نساء هذا الزروالي قابعات في جناح الحريم الخاص بهن، وسواء كن صبايا أو عجائز، حرائر أو إماء، بيضاوات أو سودوات، فإنهن لسن أقل من مئة امرأة يديرن المكائد على الدوام للحظوة بليلة مع السيد./ ص174االرواية) هذا النوع من التمفصل في تجليات السرد الناتج عن تقانتي (المتكلم - المبأر) هو ليس من الحقيقة الواقعة في الحادثة والحديث المرجعي، اللهم إلاّ من ناحية معادلة واحدة يعود مقامها في الآداب والمقامات الشفاهية إلى ما يسمى (فتنة التصوير?!) .من جهتنا التحليلية فحسب، قد نفترض في المسميات ما هي أكثر تعويلا من ناحية التأويل، وليس من ناحية الاصحاح المفاهيمي، ذلك لأن المفهوم هو وليد ظروف مصطلحية وحجاجية نسبية، أنا شخصيا لا اعول عليها في الكثير من مداولاتي في الاستخدام لها، خصوصا وإن هناك حالات مفهومية لا تتناسب وحدود ناصية الإجراء المقاربة للنصوص، كحال المناهج الاكاديمية فالغالب الاعم منها لا تقدم للنصوص المدروسة، سوى حالات فوضوية من توظيف المصطلحات التي هي بالمحصلة المبحثية بعيدة عن مجالات النص ودلالاته.أردت أن أقول ان الفاعل السارد، هو ذاته ما يشكل بذاته حصيلة (الناظم: الخارجي - الداخلي / الحقيقة - المفترض) وإذا شئنا فيمكننا تسميته ب (الراوي المفصلي) فهذا السارد يمكنه في بعض الأوضاع، أستخدام - (تحولا دراميا) من وجهة كونه يشكل دلالات المنحى التبئيري، على أسس من خواصية (رؤية المتكلم - زاوية المنظور إليه) حيث إذا كان رافضا للأمر كموقفه من الزروالي، يجعل من حادثته مقرونه ب (فتنة التصوير?!) وإذا كان منه العكس، فيمكنه الإحاطة به في غواية التجميل المجمل: (ألاترين من العار أن تقدم صبية في الثالثة عشرة هدية لتاجر عجوز لقاء عقد صفقة?!./ ص1740الرواية)
1 - هارون المنقب: تبئير الحادثة المفبركة
لقد أتخذ أمين معلوف من دلالات شخصية هارون المنقب بمثابة المسند في إدخال الإكتفاء ببواعث ردود الأفعال التصحيحية، وأطالة الفحص بصيانة الأسباب - عدولا - نحو صحيح الحضور من المواقف التي يمر بها ليون ساردا مشاركا: فهل كان هارونا كعلاقة عابرة في مغايرات السياق المرجعي?! أم أنه نقطة الاستحداث الربطي في حدود معادلات النص المتخيل وحساباته?! . لا يمكننا في الواقع توفير الإجابة الآنية عن مثل هكذا تساؤلات، خصوصا وإن البنيات الروائية لاتكشف عن مدى مهام أفرادها إلاّ في مواقع ضرورية في التوظيف ومساحة التخصيص، ذلك لأن أغلب شخوص الرواية مجملا، ليسوا من ضمن مؤشرات الواقعة المرجعية بالمعنى الذي قد نتوخاه في الدقة والتمحيص، فبعد مراجعاتنا للوثائق القديمة للواقائع، لاحظنا أن هناك العديد من الخيوط والمحاور الشخوصية، هي من عدم البروز والظاهرة، ولكن على ما يبدو أن مجال اللعبة التخييلية لمخطوطة الرواية جعلت من ظهور الشخوص والمواقع والخيوط التبئيرية، أكثر تجديفا في أواصر العلاقات وسماتها الدرامية، وحتى ولو توفروا فيها توثيقا ميثولوجيا، فليسوا على هذه الدرجات والمقادير من اللهفة التكوينية في تشكلات الأدوار والعوامل الفاعلة من السرد الروائي وعضويته التي يقتضيها الدليل المركزي في محاور الصناعة الروائية. وتأكيدا لهذا ودحضا لذلك، أقول أن طبيعة الرواية التأريخية ذات الطابع والسياق المنتهي، كقناعة وثائقية، لاتحمل بالضرورة كل ما يشكل وسيلة جمالية في الفعل والصفة والموصوف، ذلك لأن الحقيقة المرجعية للتواريخ، تقدم دلائل متحققة بفعل التأرخة والتدوين، وليس إلى تأمل الانفعالات والإحاسيس الباحثة عن تنوع مؤهلات العناصر والعوامل الإنشائية في بنيات ومتون الأشكال التخييلية، بالاضافة إلى مستوى فوارق المداليل وجماليات الانواع المصاغة في عين شواهد الأشياء والحالات بروح الوسائل والبدائل الفنية والقيمة. إذن فهارون المنقب شخصية وسائلية لها دليلها الثانوي في أهليات الصنيع الروائي، وما حال وجوده في النسيج الاحداثي، إلا كحلقة وصل بين الفاعل المحور ومفعوله المتحقق في خيوط الوسائل الشخوصية الثانية في الدرجة والقيمة والمحمول الدوالي الاجزائي.
- تعليق القراءة والمراجعة:
ما من شأن يتعدى البنيات الكبرى، إلا وله الموثوقية العضوية في إطلاقية البنيات الصغرى في النسيج الروائي، اي بمعنى أن مباحثنا في دراسة الرواية، قد تنطلق من البنيات الصغرى أولا، ثم بالتالي لها الموافقة الخاصة في تناول البنيات الكبرى للرواية، كحصيلة ناتجة من تناولنا الاجزاء الصغرى ومحال مواطنها التواصلية في الأوليات والوسائط المعنية من الجسد الروائي كوحدة كلية. ويمكننا اعتبار ثنائية (السياق - النص الروائي) بمثابة علاقة التخريج والتحاور والتنافس بين الذاكرة الذاتية للمرجع النصي (النواة الجنيني) ومهام أشكال وفواعل قصديات التأليف المنطلقة من النمط المرجعي إلى تجليات الروح الإنشائية للمحاور والمرتكزات الأكثر إنجذابا وتوقا لتخصيصات المعالجة وإعادة بناء حكاية المنطقة التأريخية في بواعث فنية مشذبة من شوائب التأرخة والتدوين، خلوصا نحو ماهيات شكلية وثنائية من جماليات اللغة وصناعة العوالم الجوهرية من الخلفيات الأكثر عمقا وغورا ودليلا... وزيادة على هذا، نقول أن المبدع الكبير أمين معلوف منحنا في فيوضات روايته موضع بحثنا، تلك المعادلات في التعدد والتنوع الأكثر دينامية وعناصر الصنعة الروائية المتدفقة بمزايا ومخصوصيات حيادية الرؤية المتعالقة بين قصدية التاليف الروائي وممكنات المتخيل في أشد أوجه صعوده وعبوره من الخلفية المرجعية وصولا إلى عمليات الخلق الفني المنتخب بالامتداد السردي والحكائي المتشعب روائيا.
***
حيدر عبد الرضا – ناقد عراقي